الشيخ طه الصابري: إمام تونسي على صفحات BERLINER ZEITUNG
ألمانيا – الحوار.نت - تقارير متعددة تلك التي أنجزتها وسائل الإعلام الألمانية حول الإسلام والمسلمين وسلطت من خلالها الضوء على الديانة الثانية من حيث التعداد في ألمانيا، والأولى من حيث سرعة الانتشار في هذا البلد وباقي بلدان المعمورة.
عملاق الاقتصاد الأوروبي وبلد ال 82 مليون نسمة وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر استنفر جميع مؤسساته الأمنية والإعلامية والسياسية والثقافية والاجتماعية من أجل معرفة كنه هذا الدين الوافد بقوة، محاولة فهم خصوصياته الغير مألوفة لدى رواد الكنائس، خصوصيات تتسرب من دور العبادة لتأخذ مكانها في المجتمع، تعمل وتوجه وتحتج وتبارك، تعترض وتؤيد.
وسائل الإعلام تحركت تحت عدّة دوافع منها السليم المجرد ومنها المبيّت الذي يغلب عليه التربص، أمام هذا الإقبال وهذا الكمّ الهائل من الأضواء المسلطة على الحالة الإسلامية في ألمانيا والتي شهدت غياب مؤسسات قوية وفاعلة تضبط الساحة وتكون محجا للمختصين بل وكل الراغبين في التعرف على خاتمة الرسالات.. وأمام عدم وجود مؤسسة إسلامية تقنع السلطات الألمانية ومن ورائها الرأي العام بأنّها واجهة المسلمين، كل هذا دفع بوسائل الإعلام لاختيار محاوريها مرّة بطرق عشوائية ومرات عن طريق اصطيادهم، وقد نجح الإعلام النزيه في إعطاء مقاربة محترمة للإسلام والمسلمين في ألمانيا كما نجح المتربص منه في جرّ بعض السطحيين المغمورين للإدلاء بتصريحات كان لها الوقع السلبي في أذهان الكثير من أفراد المجتمع الألماني.
ضمن وسائل الإعلام التي اهتمت مبكرا بالحالة الإسلامية تأتي يومية Berliner Zeitung هذه الصحيفة ارتأت التوجه إلى المركز الثقافي "دار السلام" ومحورت تحقيقها حول إمام المركز الشيخ طه الصابري لخلفيتها المسبقة حول تأثير الإمام في جموع المصلين وقدرته التوجيهية الكبيرة وفاعليته في المجتمع الإسلامي.
تحت عنوان "الأمة في برلين" وفي قسمها السياسي أفردت الصحيفة حيزا مهما للمركز والأدوار التي يؤديها ولشيخه وتوجيهاته وتوجهاته، وبعد أن تحدثت عن الكنيسة التي لم يعد لها رواد فباعت مقرّها والمسجد اشترى.. وكان عزاء البعض أنّ العبادة متواصلة في هذا المبنى وإن كانت بخصوصيات دينية أخرى... بعد هذا تطرقت الصحيفة إلى جوانب من حياة الشيخ طه الصابري لتخلص إلى المهمة الكبرى المتمثلة في التركيز المجهري على خطبة الجمعة.
*المنابر الواعية الصادقة لا تخشى الأضواء الكاميرا منتصبة، مكبّرات الصوت موجهة، الكلمات الحروف حتى الأنفاس محسوبة،،، غدا في الأيام ستطل ألمانيا بعنقها ليس على جدار برلين إنّما على جريدة برلين لتقرأ كلمات هذا الإمام الشاب بل لتفحصها، فالمناخ مشحون.. كل الحيثيات تقول أنّ التلعثم والارتباك والعياء ستحجز لها أماكن فوق المنبر، لكن هذا الإمام المخضرم طرد كل ذلك ولم يستنجد بالتقية والتورية ولم يعمد إلى غربلة الجمل لقد سكب كل قناعاته فوق المنبر هكذا دون تردد ذاك لأنّه يؤمن بأنّ الأفكار التي تربى عليها منطلقة متآلفة مع الآخر تدين القبيح بلا تردد وتثمن الصحيح وتبجله، تلك هي أفكاره المستمدة من دعوة الإسلام الخالدة.
*الحقيقة لا تخشى الحقائق ولا تجلد ذاتها عندما يكون منبر الشيخ وخطبة الجمعة تحت مجهر ألمانيا وأضواء برلين الكاشفة يطرح السؤال نفسه هل سيجنح الإمام لطلب السلامة ويركن للسهل ويتحدث عن عيد الحب وعظمة نهر الراين وإنجازات السيدة ميركل والدعوة للتجديد لها؟ هل سيتحدث عن تكريم الرئيس الألماني لمنتخب بلاده ولفتته الكريمة تجاه اللاعبين المصابين؟ هل سيتحدث عن وأد الفتنة بين بالاك ولام وأنّ شارة القيادة من متاع الدنيا الفاني!! ماذا سيفعل وماذا سيقول الشيخ طه الصابري؟ وأسطول إعلامي ينفخ في النار يسعى جاهدا لتسعيرها يبحث عن كلمة طائشة يلتقطها ويربيها وينمقها ثم يضيفها إلى ملف الإدانة!..
لأنّ الشيخ طه الصابري لم يتلقَ تعليما دينيا جافا مفصولا عن واقع الحياة، ولأنّه تربى في محاضن راشدة تحث على صناعة الحياة النظيفة، محاضن أرضعته ثقافة التعايش لكنّها علمته أن يقول!.. يتكلم!.. يصدح!!.. لم تعلمه سياسة دعها حتى تكون أو سياسة "إلي خاف نجا".. انطلاقا من هذا التكوين السوي والامتثال لسنن الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم الذي كان محور خطبه تدور حول المستجدات الأخيرة للأحداث، فقد وجه الشيخ من فوق المنبر ثلاث رسائل إدانة واضحة صريحة مضمونة الوصول، أدان خلالها التصريحات المشينة في حق الإسلام التي أطلقها المسؤول البنكي السابق تيلو سرازين، وأدان تكريم المستشارة أنجيلا ميركل للرسّام الذي أساء في رسوماته للرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفوّت الفرصة ليستنكر بشدّة محاولة القسّ تيري جونز لحرق القرآن، كما لم يغفل أن يوجه كلمات الشكر والامتنان إلى كل الذين أدانوا هذه المحاولة الشنيعة، وعرج على بعض وسائل الإعلام التي ما فتأت تحرض على المسلمين وتكيل اتهامات باطلة في حق الإسلام.
الخطبة تعرّض فيها أيضا لدور المركز في انتشال الشباب من الضياع وإنقاذهم من الإدمان والجريمة وعن تنسيقه في هذا الغرض مع عدّة جمعيات أخرى، وأوضح أنّ دور المسجد يتعدى العبادة للإصلاح وذكر أنّ المركز يقدم دروسا في اللغة وعدّة أنشطة توعية تستهدف خاصة شريحتي الشباب والنساء. هذا التقرير الذي كان محوره مركزا وإماما، نجح من خلاله الشيخ طه الصابري في إعطاء وجه مشرّف على دور المراكز والأئمة في ألمانيا وتكلم فيها دون تهور أو عصبية، ولم يركن إلى التزلف المقيت والدونية الرخيصة، ولعل أكثر النقاط إشراقا في هذا التقرير أنّ الشيخ لم يستسلم إلى مفهوم الأجانب أو الجالية أو الأقليات الدينية والعرقية، لقد تكلم بلغة تفيد أنّ الإسلام ليس بالحالة الطارئة ولا العابرة وأنّه مكونا من مكونات الخارطة الدينية في الجمهورية الألمانية الاتحادية وأنّه ومن خلال خصوصياته يريد أن يتآلف مع مؤسسات المجتمع الألماني لأنّه لا ينوي الرحيل مادام مجاورا لدين سماوي آخر، ومادام عيسى عليه السلام أخو محمد صلى الله عليه وسلم.