تعاون في المجال الديني مع الجزائر    تراجع في عدد حوادث الطرقات    عاجل/ عباس يصدر إعلانا دستوريا حول رئاسة السلطة الفلسطينية في حال شغور المنصب..    حجز أكثر من 7.6 طن من المواد الغذائية الفاسدة وغير الصالحة للإستهلاك..    دعوة لتوجيه الدعم الى زيت الزيتون    حجز مواد غذائية فاسدة    فيما واشنطن تقدّم مبادرة لحلّ أزمة السودان.. الدعم السريع تسيطر على مواقع هامّة في دارفور    المهدية: دون تسجيل أية أضرار بشرية ...اندلاع حرائق بمنطقة «جبل دار واجة»، والحماية المدنية تتدخّل    مع الشروق : ازدواجية المعايير والإنسانية المهدّدة    تضم 8 مكاتب تنشط داخل مطار تونس قرطاج .. القصة الكاملة للتجاوزات في كراء السيارات    فتح باب الترشح لجائزة نجيب محفوظ للرواية 2026... والإعلان عن الفائز في 11 ديسمبر    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي يجدد فوزه على راحيمو البوركيني بثلاثية نظيفة ويتأهل لدور المجموعات    عائلته أكدت تقديم دواء خاطئ له.. وفاة الطفل زيد العياري    الجزائر.. إنهاء مهام الرئيس المدير العام لسوناطراك وتعيين نور الدين داودي خلفا له    أم الزين بن شيخة: المسرح فعل وجودي لتحرير اللغة والإنسان    عاجل: اتحاد الناشرين يعلق مشاركتو في المعرض الوطني للكتاب    الرابطة الثانية: نتائج مباريات المجموعة الثانية    مونديال كرة اليد تحت 17 سنة: تونس تنعش امالها في التاهل الى نصف النهائي    تحذير: اكتشاف مادة خطيرة في مكونات Bubble Tea    شنيا ''حجر الرجم'' الي يتعاركوا عليه نور الدين لسمر وماريو وعبد الله الجليدي في مسلسل عاشق السّراب؟    بسبب نظافة المنزل.. امرأة تعتدي على زوجها بسكين..شنيا الحكاية؟    عاجل/ نتنياهو يكشف: نتنياهو: إسرائيل حددت "القوات الدولية التي لا تقبلها" في غزة..    صمت أكثر من 36 ساعة؟ شوف شنيا يصير لبدنك    أحزاب وجمعيّات تندّد بقرار تجميد نشاط الجمعية التونسية للنساء الدّيمقراطيات لمدّة شهر    مركب الطفولة حي التضامن ينظم تظاهرة تنشيطيىة للاطفال من 27 اكتوبر الى 2 نوفمبر المقبل    قابس : دعوة لتغيير المنوال التنموي القائم على الصناعات الكيميائية بمنوال جديد يضمن استدامة التنمية    عاجل: البوليس يطيح برجلين في قضية سرقة مجوهرات من متحف اللوفر    شنوّة الBomb Cyclone؟ منخفض ينفجر في نهار واحد    عاجل: ديوان الخدمات الجامعية يفتح باب منحة التربص للطلبة...الرابط والآجال    جامعة العمال التونسيين بالخارج تنظم يوم 24 جانفي 2026 الملتقى الجمعياتي الفرنسي تحت شعار 'العمل الجمعياتي جسر التضامن والتعايش الانساني "    لأوّل مرة: نادين نجيم وظافر العابدين في تعاون درامي رمضاني!    توزر: تأسيس نادي محاورات لتقديم تجارب إبداعية وحياتية    دعم صغار الفلاحين وتعزيز صادرات الزيت المعلب: الحكومة تتحرك    تحب تحمي قلبك؟ تجنّب الأطعمة هذه قبل الصباح    الإنجاب بعد 35 سنة: شنو لازم تعمل باش تحمي صحتك وصحة الجنين    تايلاند وكمبوديا توقعان إعلانا لتسوية النزاع بحضور ترامب    عاجل: مطار خليج سرت يفتح بعد 12 عام    بطولة فرنسا: ثنائية لحكيمي تعيد باريس سان جيرمان إلى الصدارة    شوف شكون ضد شكون ووين: الدفعة الثانية من الجولة 11    محمد رمضان يكشف عن تعاون فني غير مسبوق مع لارا ترامب ويعلن مشاركة حفيدة الرئيس الأمريكي في الكليب الجديد    نهار الأحد: سخانة خفيفة والنهار يتقلّب آخر العشية    البطولة الالمانية: بايرن ميونيخ يعزز صدارته بفوزه على بوروسيا مونشنغلادباخ    عاجل: غيابات في الترجي قبل مواجهة رحيمو    رئيس الدولة يستقبل التوأم الفائزتين في تحدي القراءة العربي بيسان وبيلسان..    قبل الكلاسيكو.. مبابي يتوج بجائزة لاعب الشهر في الدوري الإسباني للمرة الثانية تواليا    مجلس وزاري مضيّق لمتابعة خطة إنجاح موسم زيت الزيتون 2025-2026    طقس الليلة    طلب فاق المعدلات العادية على أدوية الغدة الدرقية    الاقتصاد التونسي أظهر مرونة امام الصعوبات وحقق عدة مؤشرات ايجابية    مدنين: افتتاح فعاليات ملتقى المناطيد والطائرات الشراعية بجزيرة جربة بلوحة استعراضية زينت سماء الجزيرة    وزارة النقل تفتح مناظرة خارجية في 17 خطة معروضة بداية من 26ماي 2026    تفاصيل تقشعر لها الأبدان عن جزائرية ارتكبت واحدة من أبشع جرائم فرنسا    وزارة الصحة: تقنية جديدة لتسريع تشخيص الأمراض الجرثوميّة    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة ..حذار من موت الفَجأة    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    ما معنى بيت جرير الذي استعمله قيس سعيّد؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أساليب التربية بالقرآن الكريم: الاعتراف بالخطأ
نشر في الحوار نت يوم 03 - 10 - 2010

من أساليب التربية بالقرآن الكريم الاعتراف بالخطأ(36)

الدكتور عثمان قدري مكانسي

هو فضيلة يفتقر إليها الكثير من الناس ، بل إنه شجاعة يقدم عليها المنصف الجدير بالاحترام . فمن اعترف بخطئه أقرَّ بإنسانيته . فالإنسان خلق من عَجَل ، وفيه عنصر الخطأ ، ومن أقرَّ بخطئه قمين أن يصلح ما أفسده . أما الذي يخطىء ، ويدعي العصمة ، ولا يقرُّ بما اقترفَ ففيه لؤم ولا أمان له .
فهذا أبونا آدم وأمنا حواء ، حين انجرّا وراء إبليس بعد أن أقسم لهما أنه صادق ، فأكلا من الشجرة ، وبدت لهما سوءاتهما اعترفا بالخطأ ، فأقرّا بذنبهما ف : (( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)))(1) ، وقد عفا الله تعالى عنه وزوجته حين أقرا بالخطأ : (( فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) ))(2) .
وهذه امرأة العزيز حين أبى يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن إلا إذا بُرِّئَت ساحتُه ، يستدعيها ، وصاحباتها الملكُ ويسألهن :
((قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ
قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ
قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)
ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)))(3) .
هذا سيدنا موسى عليه السلام يستنجده اليهودي في خصامه مع القبطي :
(( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا
فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ
فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)))(4) .
1 علم موسى أنه أخطأ ، ولم يكن يقصد قتل القبطي .
2 نسب هذا الفعل إلى الشيطان ، ووسوسته .
3 استغفر ربه وأناب إليه ، فتاب الله عليه .
4 عاهد ربّه أن لا يعود إلى مثل هذه الأمور .
وعلى هذا فإن موسى عليه السلام حين أتى فرعون يدعوه إلى عبادة الله وحده استنكر فرعون أن يكون القاتل نبياً ، وذكَّره بقتله القبطي ((وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)))(5) فما كان من موسى عليه السلام أن اعترف بذلك (( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) ))(6) .
ونسي فرعون ، أو تناسى أن موسى عليه السلام قتل المصري خطأ أمّا هو فطاغية مجرم قتل عشرات الآلاف من المصريين ، واستعبد بني إسرائيل ، وكان يقتل المواليد من الذكور لِحُلُم رآه قتلهم عن قصد لكنّ الإنسان لا يرى ذنبه مهما كبر ، ويرى ذنب غيره مهما صغر .
وذهب موسى مع الرجل الصالح ليتعلم منه ( في قصة موسى مع الخضر في سورة الكهف ) فلما استعجل العلم مرتين ، مرّة في خرق السفينة ، ومرّة في قتل الغلام رأى في المرى الثالثة أنّه أخطأ ف : (( قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)))(7) .
والله سبحانه وتعالى وعد المخطئين الذين فعلوا ما فعلوه عن جهل ، وسوء تقدير ، ثم استدركوا ، فتابوا ، بالمغفرة والرحمة (( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) ))(8) .
وهؤلاء أصحاب الجنة لم يكونوا كأبيهم كرماً ، وفضلاً ، وإحساناً فبخلوا على الفقراء أن يعطوهم نصيبهم ، فاتفقوا على قطف ثمارها وبيعها قبل مجيئهم ، فأحرق الله زرعها نكاية بهم ، وجزاء لهم على شحهم ، وبخلهم ، (( قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) ))(9) فاعترفوا بخطئهم ، وأنابوا إلى ربهم واستغفروه ، وأقروا بظلمهم المساكين ، وظلمهم أنفسَهم .
هؤلاء أقروا بما فعلوا في الدنيا ، وما زال في الوقت متسع وإن أنابوا واستغفروا رضي الله عنهم ، ولكنْ في الآخرة لا ينفع الندم ، ولا يفيد الاستغفار ، ففي الدنيا عمل ، وفي الآخرة حساب : (( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) ))(10) .
فبماذا يجيبهم الله سبحانه وتعالى ؟ إنه سبحانه يعاقبهم ويوبخهم : (( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)))(11) .
وهؤلاء المجرمون ، وهم في العذاب الشديد يدعون على أنفسهم ، فهم الذين أوقعوها في جهنّم ، فيخبرهم الله تعالى أنه يكرههم ، ويمقتهم أكثر مما يكرهون أنفسهم ويمقتونها
(( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)))(12) .
وتعالَ معي من قريب نلحظ هذه الصورة ، وهذا النقاش بين ملائكة العذاب ، والكفار الذين اعترفوا بما اقترفوا : (( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ
كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) ؟
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) ))(13) .
فالاعتراف إذاً بالخطأ وفي الوقت المناسب ينجي من اقترفه في الدنيا حين يسامحه من أساء إليهم أما الاعتراف في الآخرة ، فهو على نوعين :
الأول : الخطأ في العقيدة كالكفر بالله والشرك به ، فهذا لا غفران له .
الثاني : الخطأ في التصرف ، فالله غفور رحيم نسأله أن يغفر لنا خطايانا أَنْ كنا من المؤمنين .
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة الأعراف ، الآية : 23 .
(2) سورة طه ، الآيتان : 121 ، 122 .
(3) سورة يوسف ، الآيتان : 51 ، 52 .
(4) سورة القصص ، الآيات : 15 17 .
(5) سورة الشعراء ، الآية : 19 .
(6) سورة الشعراء ، الآيتان : 20 ، 21 .
(7) سورة الكهف ، الآية : 76 .
(8) سورة النحل ، الآية : 119 .
(9) سورة القلم ، الآيات : 28 32 .
(10) سورة السجدة ، الآية : 12 .
(11) سورة السجدة ، الآية : 14 .
(12) سورة غافر ، الآيات : 10 12 .
(13) سورة الملك ، الآيات : 6 11 .
------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------

من أساليب التربية في القرآن الكريم التعريض والتلميح (37)

الدكتور عثمان قدري مكانسي

عرّضَ في حديثه : لم يبيّنْه ولم يصرّح به .
وعرّضَ له وبه : قال قولاً وهو يعنيه ، ويريده ، ولم يصرّح به .
ولمَّحَ إلى الشيء تلميحاً : أشار إليه ، وقديماً قالوا : ( ربّ تلميح أوقع من تصريح ) ، وقالوا كذلك : ( إياكِ أعني واسمعي يا جارة ) .
وللتعريض فوائد عديدة ، منها :
1 التنبيهُ دون الاتهام والتجريح .
2 التراجع عن الشيء دون حرج " حفظ خط الرجعة " .
3 تقبّل النصيحة دون فضيحة .
4 إيصال الأمر مغلفاً باللطف والأدب .
5 التعميم في الحديث دون لفت النظر إلى المعنيّ به .
6 المديح والتعظيم للعمل الطيب وأصحابه .
7 الجهل بالفاعلين ، أو القائلين ، وإظهار الرضا ، أو الامتعاض .
8 الذمّ والتحقير . .
وقد حرص القرآن الكريم وهو يعلمنا على هذا الأسلوب ، لما فيه من تلك الفوائد وغيرها .
فهو على سبيل الجهل بالقائلين وذمّ مقالهم يحدثنا عن الكثير من الناس الذين لا يصل تفكيرهم أبعدَ من أرنبة أنوفهم ، فيطلبون الخير الزائل ، والمكسب القليل النافد فقط ، وهم بذاك يقطعون على أنفسهم الفضل العميم الزائد المستمر ، وعلى نفسها جنت براقش (( فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ))(1) .
ويمدح مباشرةً أصحاب العقول الراجحة ، والنظرة الثاقبة الذين تتحرك قلوبهم ، وأفئدتهم نحو النعيم المقيم ، والخير الأبدي ، إلى رضى الله وجنته ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)))(2) .
لم يحدد الطرفين ، ولكنهم كثير (( الناس )) كمٌّ هائل ، ولفظ عام ينضوي فيه ابناء آدم إلى يوم القيامة .
ومن الأمثلة على التعريض والتلميح في التوبيخ والذم قوله سبحانه : (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) ))(3) .
فقد أصاب المسلمين يوم أحد جراحات . . فما إن عادوا إلى المدينة حتى أرجف المنافقون فيها وهم لفظ( الناس) الأول ،أما المشركون فلمّح إليهم لفظ (الناس) الثاتي ، وقد فكر المشركون أن يعودوا إلى المدينة ليستأصلوا المسلمين . . فماذا فعل المسلمون وماذا قالوا ؟ :
1 ازداد إيمانهم بالله لأنهم واثقون بنصره إياهم .
2 لجأوا إليه ، واعتمدوا عليه ، وتوكلوا عليه ، وهو سبحانه لا يخيِّبُهم .
3 ألقى الله تعالى الرعب في قلوب المشركين ، فانكفأوا عن المدينة إلى مكة ، وعاد المسلمون
راضين مطمئنين . فالشيطان يخوّف أولياءه ، وليس له سلطان على أولياء الله تعالى .
لكنَّ المسلمين جميعاً عرفوا المقصود من كلمة الناس الأولى ، وكلمة الناس الثانية ، وكذلك عرف المنافقون أنهم قد عُرِّضَ بهم ، فخنسوا وذلّوا . . .
ومن الأمثلة على التعريض دون التصريح في التحقير والذم قوله سبحانه :
((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)))(4) .
فبعض المنافقين يروق للناس كلامهم ، ويثير إعجابهم بخلابة ألسنتهم وبلاغة بيانهم ، لكنَّ الله تعالى لا تجوز عليه سبحانه مثل هذه الأمور لأنه علام الغيوب ، المطلع على السرائر ، هؤلاء المنافقون يُشهِدون الله زوراً على صلاحهم المزعوم وكلامهم المعسول ، فإذا انصرفوا عن المسلمين عاثوا في الأرض فساداً ، فأحرقوا الزرع ، وأهلكوا النسل .
وإذا وُعظ هؤلاء الفجرة الأفّاكون ، وقيل لهم : اتقوا الله ، وانزعوا عن أقوالكم وأفعالكم القبيحة حَمَلَتْهم الأنَفَةُ ، وحميّة الجاهلية على الإغراق في الفساد ، والإمعان في العناد ، فعقوبتهم النار ، أعاذنا الله من عذابها .
أما المؤمنون الأتقياء ، فهم بريئون ممّا يفعل أولئك ، بل إنهم يبيعون نفوسهم لله سبحانه ، يرجون ثوابه ، ويبتغون مرضاته ، وهؤلاء هم الذين سيرحمهم الله ، ويغفر لهم ، فهو الرؤوف الرحيم بحالهم ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا منهم ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)))(5) .
ومن الأمثلة على التعريض يالمفسدين علماً بما يفعلون ، وتحذيراً منهم قوله تعالى :
((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) ))(6) .
فكل من يشتري ما يلهي عن طاعة الله ، ويصد عن سبيله ، مما لا خير فيه ، ولا فائدة نحو السمر بالأساطير ، والتحدث بما يضحك ، وما لا ينبغي ، ليضل الناس عن طريق الهدى ، ويبعدهم عن دينه القويم بغير حجة ولا برهان ، ويستهزىء بكتاب الله له عذاب شديد مع الذلة والهوان .
فإذا أفهمته ما يجب أن يفعل ليكون من عباد الله المتقين ، ونهيته عن مباذله ومفاسده صك أذنيه ، وأدبر متكبراً كأنه لم يسمعها ، ويتغافل عنها ، راغباً عنها ، فلهذا ولأمثاله عذاب أليم .
والآيات التي استشهدنا بها بدأت كلها بقوله : (( وَمِنَ النَّاسِ )) دون أن يحددهم للأسباب التي ذكرناها . وأصحابها يعرفون أنفسهم ، فيغتاظون ، والمسلمون يعرفونهم ، فيحذرونهم ، ويتجنبون الوقوع فيما وقع فيه هؤلاء .
ومن الأمثلة على التعريض توبيخاً ، وذمّاً ، وتقريعاً قوله تعالى في المنافقين : ((أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)))(7) .
فهؤلاء المنافقون يعتقدون أن الله تعالى لن يكشف للمؤمنين شكهم ونفاقهم ، وأنّه لن يظهر بغضهم وحقدهم على المسلمين . . بل إنه سبحانه فاضحهم ، وكاشفُ أمرهم ، ولو أراد الله سبحانه لعرَّف لرسوله عليهم بأشخاصهم ، وعلاماتهم . . كما أنهم يكشفون أنفسهم في طريقة كلامهم وأسلوب عرضه وتعريضهم بما يسيء للإسلام والمسلمين .
والله سبحانه وتعالى يعلم ما في قلوب عباده كلهم ، شاكرهم ، وعاصيهم ، مؤمنهم وفاجرهم ، وقوله : ((وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)) هو التعريض والتلميح نفسه ، فلحن القول عدم
التصريح به .
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة البقرة ، الآية : 200 .
(2) سورة البقرة ، الآيتان : 201 ، 202 .
(3) سورة آل عمران ، الىيات : 173 75 .
(4) سورة البقرة ، الآيات : 204 206 .
(5) سورة البقرة ، الآية : 207 .
(6) سورة لقمان ، الآيتان : 6 ، 7 .
(7) سورة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، الآيتان : 29 ، 30 .

------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------

من أساليب التربية في القرآن الكريم القصد والاعتدال (38)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
قالوا قديماً : ( خير الأمور أوسطها ) والوسطُ : الاعتدالُ ، فهو يأخذ من الطرفين المختلفين أحسن ما فيهما ، ويترك سيئهما ، فيجمع الخير منهما ، ويُسقط ما عدا ذلك .
وقال رسول الله حاثّاً على التأنّي : (( إن المنبَتّ لا أرضاً قطع ، ولا ظهراً أبقى )) .
وحين كلفنا الله سبحانه وتعالى لم يطلب منا سوى ما نستطيعه ، فقال سبحانه : (( َاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ))(1) ، فلم يرهقنا ، ولم يأمرنا بما يقصم الظهر ، ويهدُّ الكاهل ، بل ما نقدر عليه لنقوم بفروض الطاعة وقد قيل : ( إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع ) .
وحين نزلت الآية : (( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ
فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) ))(2) جثا المسلمون على ركبهم ، وأكل الخوف قلوبهم ، فما من أحد إلا والأفكار تساوره من كل مكان ، ويخطر على بال أحدهم ما يُسْلِمُ عنقه للقطع ، ولا يبوح بما خطر على باله ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تقولوا كما قالت يهود سمعنا وعصينا ، بل قولوا سمعنا وأطعنا غفران ربنا وإليك المصير )) ، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى قوله :
(( آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) ))(3) .
فارتاحت قلوب المسلمين ، وهدأت نفوسهم ، ورجوا من ربهم التيسير ، فنزلت الآية الأخيرة من سورة البقرة :
(( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا
رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ
وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا
أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) ))(4) .
والقصد في كلِّ شيء عنوان المسلم ، فلا يذهب يميناً ، ولا يذهب شمالاً ، بل يكون معتدلاً في كل تصرف من تصرّفاته . . قال تعالى على لسان لقمان يعظ ابنه :
(( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) ))(5) .
وقال الله سبحانه في سورة الإسراء :
(( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) ))(6) .
(( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) ))(7) .
(( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ))(8) .
1 لا ينبغي للمسلم أن يكون بخيلاً شحيحاً ، ولا مبذراً مسرفاً :
(( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) ))(9) ، والتبذير في معصية الله والباطل يجعل صاحبه مثل الشيطان .
2 فمن بخل ، أو أسرف صار مذموماً من الخالق والخلق ، منقطعاً من المال .
3 وأنّ القتل إجرامٌ حرّمه الله ، وعاقب عليه أشدَّ العقاب ، ولا يكون القتل إلا في ثلاثة مواضع معروفة ، أوجبها الله .
4 وأنّ من قُتل ظلماً بغير حق يوجب قتله ، فقد جعل الله لوارثه سلطة على القاتل بالقصاص منه ، أو أخذ الدية ، أو العفو ، فلا يتجاوز الحد المشروع بأن يقتل غير القاتل ، أو يمثل به ، أو يقتل اثنين بواحد فِعْلَ أهل الجاهليّة ، وحسبه أن الله نصره على خصمه ، فلا يتجاوز حدّ القصد ، والاعتدال .
5 وأن التصرف الحسن بمال اليتيم تثميره وحفظه ، أما أكله فهو ظلم كبير:
(( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ))(10) .
(( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ
وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا
وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ . . . ))(11)
فجاز الأكل من مال اليتيم بالقدر القليل ، فلا يفنيه أو يأكل منه كثيراً .
6 وأن السير الذي يرتضيه الله تعالى ما ليس فيه فخر ، ولا كبرياء ، ولا تعاظم ، ولا مباهاة .
كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام رسول يبلغ رسالة ربّه ، ويدعو إلى الإيمان به والعمل بما يرضيه ، وهناك من يؤمن به ، فيفرح وترتاح نفسه ، وهناك مَنْ يكفر به ، ويأبى الإيمان ، فيحزن الرسول الكريم ، ويتألم لإعراضهم ، ويشتد حزنه ، فينبهه الله تعالى أن لا يشغل باله فيهم كثيراً ، ويهلك نفسه لإعراضهم :
(( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) ))(12) .
(( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) ))(13) .
(( فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ))(14) .
فالحزن إذاً من شيمة المسلم الحساس ، وهذا أمر إيجابي ولكنْ حين يزيد عن حده يصبح سلباً . . فالاعتدال مطلوب .
وكل أمر يفعله الله تعالى حكمة واعتدال (( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) ))(15)
حتى الرزق ينزله بقدر كي لا يطغى الناس ويفسدوا ، وهو – سبحانه - الذي يعرفهم لأنّه الذي خلقهم ، فلا يفتح عليهم ما يزيدهم طغياناً (( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) ))(16) .
وهذا قارون ازداد ماله فبغى وطغى ، وهو مثال للإنسان الذي يكثر ماله ، فيرى نفسه فوق الجميع :
(( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ
وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ
وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ))(17) .
فقارون :
1 بغى على قومه ، وكان حريّاً به أن يكون عوناً لهم .
2 ونصحه قومه خمس نصائح :
أ أن يتخلى عن الكبر والبطر ، وينقلب إلى شكر النعمة ، والاعتراف بفضل الله عز وجل .
ب أن يوظف أمواله في خدمة دين الله وابتغاء الآخرة .
ج والإسلام - كما علِمْنا - دينُ الاعتدال ، فلا ينسَ نصيبه من الدنيا .
د أن يحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليه (( ... لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ . . . ))(18) .
ه أن لا يتطاول على الناس بهذا المال ، ويفسد ضعفاءهم ، فيشتري ذممهم بالمال .
3 ادّعى قارون وهو كاذب مدّع أنّه كسب المال بذكائه ، ونبوغه ، وعبقريته .
ويرى مَن تدبّر هذه الآية أنَّ فيها دعوة إلى الحق ، والقصدَ في التصرف .
وقد تكون النعمة نقمة حين يفرح الإنسان بها ، والفرح كما مرَّ معنا في الآية السابقة ، البطر والأشر والتعالي على الناس والتطاول ، والنعمُ قد تكون صحة وغنى وأمناً .
وحين يقترف الناس الآثام يصيبهم جزاءَ ما اقترفوه جدبٌ ونقمةٌ وبلاء وشدة ، فيبالغون في الجحود والنكران والكفران . أما المؤمن فإنه إن أعطيَ شكر ، وإن مُنع صبر ، فكان له الخير في الأمرين ((. . . وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ))(19) .
ولماذا يقول الله سبحانه وتعالى مهدداً المطففين (( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) ))(20) . التهديد سببه أنهم لا وسطيّة عندهم ، والوسطيّة إعطاء كل ذي حق حقّه ، والتصرف مع الناس بما يرتضونه لأنفسهم ، ولا يلتزمون الحد الشرعي ولا الحدَّ المنطقي ، فقدوا العدل والاعتدال ، والقصد وتاهوا في الضلال .
وعاتب الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم في منع نفسه ما أحلَّ الله له من النساء لأن زوجتيه غاضبتاه (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (1) ))(21) .
ولاحِظِ الخطاب المشعرَ بالتوقير والتعظيم ، والتنويه بمقامه الشريف حين خاطبه بلفظ النبوَّة لا باسمه كما خاطب بقيّة الأنبياء بأسمائهم . . . فقال له متلطفاً لماذا تمنع نفسك ما أحلَّ الله لك ، وتضيّق على نفسك في مرضاة أزواجك ، وهنّ أَحْرى أن يُتبعن أنفسهن في مرضاتك ، فأرحْ نفسك من هذا العناء .
وكان قد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماريّة ولقاء المرأة أنس ومتعة ليرضي خاطر بعض أزواجه ، وكان له أن لا يمتنع عنها . . .
وهذه اللفتة الإلهية الكريمة تدعو إلى الوسطيّة في التصرف ، والابتعاد عن الإعنات .
وأخيراً ، يقول الله تعالى : (( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ . . . . ))(22) ، فالله تعالى يأمر المسلمين الذين يطلقون زوجاتهم أن يسكنوهن في بعض مساكنهم التي يسكنونها ، وإن كان فقيراً فعلى قدر الطاقة . . فلا يكلفهم الله سبحانه وتعالى إلا ما يستطيعون . . .
فالقصدَ القصدَ في المعاملة ، والاعتدالَ الاعتدالَ .
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة التغابن ، الآية : 16 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 284 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 285 .
(4) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(5) سورة لقمان ، الآيتان : 18 ، 19 .
(6) سورة الإسراء ، الآيتان : 29 ، 30 .
(7) سورة الإسراء ، الآيتان : 33 ، 34 .
(8) سورة الإسراء ، الآيتان : 37 ، 38 .
(9) سورة الإسراء ، الآية : 27 .
(10) سورة النساء ، الآية : 2 .
(11) سورة النساء ، الآية : 6 .
(12) سورة الكهف ، الآية : 6 .
(13) سورة الشعراء ، الآية : 3.
(14) سورة فاطر ، الآية : 8 .
(15) سورة القمر ، الآية : 49 .
(16) سورة الشورى ، الآية : 27 .
(17) سورة القصص ، الآيات : 76 78 .
(18) سورة إبراهيم ، الآية : 7 .
(19) سورة الشورى ، الآية : 48 .
(20) سورة المطففين ، الآيات : 1 6 .
(21) سورة التحريم ، الآية : 1 .
(22) سورة الطلاق ، الآية : 6 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.