صحيفة الحياة / القاهرة - محمد عويس / «رسالتي إلى أمة الإسلام، أرجو أن يقيض الله تعالى لها آذاناً صاغية، وقلوباً واعية، وعزائم صادقة حتى تخرج إلى حيز التنفيذ». بهذه الكلمات استهل زغلول النجار كتابه «رسالتي إلى الأمة» (نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع). مؤكداً أن الإيمان الكامل يصدقه العمل الصالح، وأن مقاصد الشريعة الإسلامية لا تتحقق بمجرد العلم بها، فإن المعارف النظرية بمقاصد الشريعة الإسلامية - على أهميتها - تبقى غير كافية لتحقيقها واقعاً حياً في حياة الناس - لأنها كي تتحقق لابد للسلطة الحاكمة من تحويلها إلى تشريعات تستوعبها، وتعبر سياستها الداخلية والخارجية بوضوح عنها، وتصوغ دستورها انطلاقاً منها، ثم تحولها إلى عدد من المؤسسات والمشاريع التي تجسد مقاصد الشريعة الإسلامية في ضوء احتياجات المجتمع المتغيرة مع الزمان والمكان وبحسب قدراته. ويتم ذلك كما يرى النجار انطلاقاً من الدراسات العلمية المتخصصة، والبيانات الميدانية الدقيقة، والإحصاءات الاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي تشخص حاجات المجتمع، وتضع البرامج اللازمة للإصلاح فيه، انطلاقاً من الحرص على تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية بتوظيف كل المتاح من آليات تنفيذها، بوعي كامل، وإرادة صادقة، في التعليم والبحث العلمي، وفي الإعلام، والاقتصاد، والإدارة، والسياسة الداخلية والخارجية، ونظم الحكم، وفي العلاقات الاجتماعية المتعددة، وفي غير ذلك من مناشط الحياة حتى تستقيم على منهج الله. ودعا النجار أمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها إلى تحقيق القضايا السبع التالية لعل الله تعالى يكتب لها بتحقيقها البعث من جديد وهي: ضرورة الإيمان بأن الإسلام دين ينبني على أساس من القناعة القلبية والعقلية الكاملة، ضرورة إعادة قراءة التاريخ، التأصيل الإسلامي للمعارف المكتسبة، إبراز ما في كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من أوجه الإعجاز المتعددة، التعرف على دور الحضارة الإسلامية في وضع القواعد الأساسية لأغلب المعارف المعاصرة، السعي لتوحيد المسلمين في أمة واحدة من جديد. وانطلاقاً من مفهوم هذه القضية التى تسود عالم اليوم يشير النجار إلى أن الدول الأوروبية سعت إلى التوحد من أجل إيجاد مكان لها على خريطة العالم، على رغم اختلافاتها في اللغة، والعرق، والمعتقد والمذهب، والمستويات الاقتصادية، والعادات الاجتماعية والسلوكات الفردية والجماعية، وغير ذلك، ولكنهم اقتنعوا بأنه لا وجود لهم في عالم التكتلات الذي نعيشه بغير توحدهم فتجاوزوا تلك الخلافات، وتجمعوا في وحدة واحدة، حققوها على مراحل متأنية من التخطيط والتنفيذ، فلماذا لا نتوحد؟ إنها القوى الاستعمارية التي أسقطت دولة الخلافة الإسلامية والتي فتتت أمة الإسلام إلى أكثر من 57 دولة ودويلة، بالإضافة إلى أقليات تقدر بمئات الملايين وسط غالبية غير مسلمة، هي التي باعدت بين كل منا، وسعت، ولا تزال تسعى إلى المزيد من تفتيتنا. وإذا كان الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في عالم اليوم باعتراف أجهزة الاستخبارات العالمية، وإذا كان ذلك يتم من دون جهد حقيقي من المسلمين فإن الاهتمام بالدعوة إلى دين الله تصبح من وسائل اقتناع قطاع أكبر من الناس بهذا الدين الحق. وكلما زاد عدد هؤلاء المهتدين إلى دين الله الحق كلما استطعنا إيقاف تيارين جارفين ومدمرين لإنسانية الإنسان في هذه الأيام، أولهما: تيار الإفساد للإنسان حتى يتم إخراجه من إنسانيته. وثانيهما: تيار معاداة الإسلام والمسلمين بغير الحق، وكلا التيارين من أخطر ما يتعرض له إنسان اليوم من مؤثرات، وإذا استطعنا الحد من طغيانهما أوصلنا الإسلام إلى قيادة العالم من جديد، وفي ذلك خلاص أهل الأرض جميعاً من مخاطر الشرك والإلحاد، والضلال والضياع والمظالم والفساد التي يتردى فيها إنسان اليوم. من هنا كانت ضرورة اهتمام المسلمين - أفراداً وجماعات، وتنظيمات ومؤسسات أهلية وحكومية - بالدعوة إلى دين الله الخالص من دون إكراه، أو إجبار، أو استغلال لحاجة المحتاجين، لأن من الأصول الثابتة في القرآن الكريم أنه «لا إكراه في الدين» (البقرة: 256). وعلى المسلمين حينما يتعرضون للدعوة إلى دين الله أن يكونوا راغبين بإخلاص وتجرد كاملين في إنقاذ البشرية كلها من خراب الدنيا وعذاب الآخرة، وأن يكونوا موقنين بنصر الله القائل: «ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز» (الحج: 40).