ما زلنا نقرأ في الجرائد اليومية حوادث التعذيب في أقسام الشرطة، ويتكرر علينا هذا المشهد الأليم الذي يكاد لا ينقطع ليلاً ونهاراً، وهذا على الرغم من أن وزير الداخلية المصري حبيب العادلي والنائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، لم يتوانا - وكلنا يعلم هذا يقيناً - عن معاقبة أي ضابط شرطة يثبت تورطه في واقعة تعذيب. لكن بعضاً من رجال الشرطة، ما يزالون يخترقون القانون، ويستغلون نفوذهم في التنكيل بالمواطنين الضعفاء، الذين ليس لهم سند يحميهم من سطوتهم. وأخيراً وليس آخراً، اتهم أحد السائقين ثلاثة ضباط من قسم منشأة القناطر باحتجازه وتعذيبه، على الرغم من أنه لم يرتكب جريمة تستدعي دخوله قسم الشرطة. كانت بداية القصة عندما كان السائق «عبدالشكور عبدالستار هويدي» عائداً إلى منزله، مستقلاً سيارته نصف النقل، المحملة بالخردة، وعند مروره على معدية القناطر، أوقفه حارس المعدية، وأبلغ عنه رجال الشرطة. ولم تمر دقائق حتى وصل أربعة من أفراد الشرطة، وتحفظوا على السائق والسيارة. ووجهوا له تهمة سرقة الخردة، فأخبرهم بأنه اشتراها من أحد التجار، ومعه فواتير تثبت ذلك، فأخذوا هاتفه المحمول، واتصلوا بالضابط، وأبلغوه بأن السائق لديه فواتير الشراء، فأمرهم باصطحابه إلى مقر القسم. وفور وصوله إلى قسم الشرطة، أخذ الضابط منه الفواتير، ومزقها، وألقاها من النافذة، وعرض عليه اختيار التوقيع على إحدى ثلاث قضايا؛ وهي: (إما الاعتراف بحيازة سلاح، أو سرقة الخردة، أو سرقة كابلات كهربائية)، فتعجب الرجل من صنيع الضابط، وقال له: أختار أخذ سيارتي ومغادرة القسم. لم يقبل الضابط رد السائق، وأقسم بالله ألا يغادر القسم إلا بمصيبة. واستدعى ضابطين وعدداً من المخبرين ووضعوه في الحجز، وانهالوا عليه ضرباً، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل صعقوه بالكهرباء، وملؤوا الغرفة بالماء البارد، وأجبروه على السير حافي القدمين، وهددوه بالقبض على أفراد أسرته وتعذيبهم إذا لم يوافق على التوقيع على إحدى هذه القضايا. وعندما علم شقيق الضحية بالأمر، توجه إلى قسم الشرطة ليسأل عن أخيه، فأخبروه بعدم وجوده، فتوجه إلى النيابة وهدد بإبلاغ النائب العام ووسائل الإعلام، فاضطر الضابط لإحالته إلى النيابة التي قررت إخلاء سبيله وبراءته من التهم المنسوبة إليه، بعد أن سلم صوراً من الفواتير التي أحضرها شقيقه مرة ثانية من التاجر، فعاد الضحية إلى القسم لإتمام عملية الإفراج، ولم ينفذ الضابط القرار، وظل يحتجزه، ولم يتركه إلا عندما أصيب بحالة إغماء استدعت نقله إلى مستشفى أشمون العام، وهناك تحسنت حالته، ونصح الأطباء بإحالته إلى طبيب نفسي لأنه كان يعاني من اضطرابات نفسية جراء تعرضه للتعذيب. أكد تقرير المستشفى وجود ثقب في الأذن، وإصابة بجروح وكدمات في أماكن متفرقة من الجسم. فحاولت الأسرة الاستنجاد بأعضاء البرلمان لإعادة حق ابنهم الذي اعتدي عليه من دون ذنب أو جريمة.. وعندما علم الضابط بهذا حاول أن يتصالح معهم، إلا أن الضحية رفض وأصر على أن يأخذ حقه بالقانون. وبدوري أتوجه إلى السلطات المصرية بأن يغيثونا من مخالب الضباط الخارجين على القانون، الذين نصبوا أنفسهم «آلهة» مزعومة على الأرض، يفعلون بالعباد ما أرادوا، ولا أحد يستطيع الدفاع عن نفسه. وأطالب أيضاً بتفعيل الرقابة على أقسام ومراكز الشرطة، كي لا يكون أمام رجال الشرطة فرصة لارتكاب ما يحلو لهم من انتهاكات. وأناشد السادة القضاة، الذين نحمل لهم كل حب وتقدير، ألا يستخدموا الرأفة مع هذا الضابط وأعوانه وأمثاله، كي يكون عبرة لغيره من الخارجين على القانون. محمد أحمد عزوز كاتب مصري