آدم يونس يحمل البكالوريوس في الشريعة ، والماجستير في السياسة الشرعية يُحضر الدكتوراه في التخصص نفسه بالمعهد العالي للقضاء بالرياض، عضوٌ غير متفرغ لعدد من الهيئات والمنظمات، ومُهتم بقضايا الفقه الإسلامي المُعاصر. ولد د. حسن بن عبد الله الترابي في عام 1932م في مدينة كسلا في السودان، تخرّج عام1955م في كليّة القانون بجامعة الخرطوم، وحصل على الماجستير في القانون من جامعة لندن عام1957م، وحصل على الدكتوراه في القانون في السوربون عام1964م،عمل في مُنتصف الستينات عميدا لكليّة الحقوق في جامعة الخرطوم وأصبح المدعي العام حتى انتخب فيما بعد عضوا في البرلمان السوداني، شارك في كتابة دساتير في كل من باكستان، ودولة الإمارات العربيّة المتحدة، عين وزيرا للعدل في حكومة صهره صادق المهدي في عام1985م أوّلا ثم وزيرا للخارجيّة ونائبا لرئيس الوزراء، ثم كان منظر ثورة الإنقاذ والانقلاب الذي قاده الفريق عمر حسن البشير عام1989م ضد حكومة المهدي، في عام1996م أصبح رئيس البرلمان السوداني، اختلف مع البشير عام2001م فعمل البشير على تجريده من كلّ مناصبه.( أنظر موسوعة الحركات الإ سلاميّة في الوطن العربي وإيران وتركيا، د. أحمد الموصلي، ص183،). تكاد نسبة أصول الفقه المنسوبة إلى الإمام الشافعي فريدة في نوعها، لكونه أوّل من دوّن علم أصول الفقه محل إجماع بين كبار الفقهاء القدامى والمعاصرين على حد سواء إلا ما ندر من بعض الحنفية والشيعة، فبعد أن ألّف الشافعي- رحمه الله تعالى- كتابه الموسوم- الرسالة- أخذت المدونات الفكريّة الأصولية آخذة في التبلور والظهور على أكثر من صعيد، سالكة على مسلكين ومنهجين مختلفين في الكتابة والتأليف. المنهج الأول هو: منهج الحنفيّة ويتميّز هذا المنهج بتقرير القواعد الأصوليّة على مُقتضى ما نقل من الفروع والفتاوى الصادرة عن أئمة الحنفيّة المتقدمين كأبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف، وابن أبي ليلى، وزفر، وسميت هذه الطريقة طريقة الفقهاء لأنها أقرب إلى الفقه وأوفق بالفروع. الطريقة الثانية: هي طريقة الجمهور وهم: المالكيّة والشافعيّة والحنابلة والمُعتزلة، وتتميز هذه الطريقة بالميل الشديد إلى الاستدلال العقلي والبسط في الجدل والمناظرات. و إذا ألقينا الضوء في عصرنا الحديث تتباين وجهات نظر بين أهل هذا الفنّ من المعاصرين، فإن كُلاً من د. طه جابر العلواني، ود. علي جمعة، ود. رضوان السيد، ود. حسن الترابي، ود. أحمد الريسوني، ود. محمد سليم العوا، ود. نور الدين الخادمي، ود. قطب سانو، وغيرهم الكثير يدعوا إلى تجديد وتطوير أصول الفقه، وفي مقابل ذلك نجد أن كلا من د.شعبان إسماعيل، ود. عبد الوهاب أبو سليمان، ود. محمد سعيد رمضان البوطي، ود. يعقوب الباحسين أستاذنا الجليل المجدد علم القواعد الفقهية في عصرنا الحاضر، والحائز على جائزة الملك فيصل العالميّة للدراسات الإسلاميّة، والذي يُعتبر أشد من تأثر به الكاتب! نجد أن هؤلاء من الأصوليين يمثلون خط التقعيد الأصولي على طريقة المتكلمين والجمهور.
وبين هذا وذاك تأتي دعوة د. حسن التربي بتجديد أصول الفقه بمثابة القشّة التي قسمت ظهر البعير حيث أثارت ضجة كبيرة في عصرنا الحاضر من هنا تأتي دراسة محتوى ومضمون رسالة دعوة د. الترابي لنوضح لقرّائنا الكرام أن الرجل كان مظلوما من منطقة كانت يوما من الأيام ” منطقة محمية يحظر فيها الصيد والاحتطاب”!!! بعد أن لم تعد اليوم كما كانت بلغة أهل الثقافة!، وذلك من خلال القراءة المتأنية في رسالته الموسومة ” تجديد أصول الفقه”. لقد دعا د. حسن التربي بربط أصول الفقه بواقع الحياة ليكون أصول الفقه في خدمة مسيرة الحياة المتقدمة والمتجددة يوما بعد يوم في عالمنا المُعاصر من إدارة واقتصاد وتنظيم للحياة العامة وسلوك للأفراد؛ لأن أصول الفقه الموروث من أولئك الأخيار المتقدمين قد ألف مما يتناسب مع أحوال مجتمعاتهم فلابد إذن من تطوير أصول الفقه وتنقيحه، وتهذيبه ليُواكب عصرنا؛ لأن الإمكانات قد تغيّرت وتبدلت الأحوال و تطوّرت أسباب الحياة، والنتائج التي ترتبت على إمضاء حكم معيّن بصورته التاريخيّة، وقد انقلبت الأوضاع وتطورالعلم البشري تطوّراً بالغا واتسع اتساعا كبيرا فكان لزاما علينا الجمع بين علمي النقل والعقل لخدمة البشريّة كلها، وهو ما فصّله لنا شيخنا الجليل أ. د. يوسف القرضاوي أيضا بصورة أوضح، وكذا د. علي جمعة، وإليه أيّد بقوّة د. محمد سليم العوّا (1).
كما دعا معاليه إلى تطبيق مبد أ الشورى في معالجة القضايا والمشاكل الفقهية والأصوليّة عالميّاً وهو ما قد وافق عليه كُلٌ من د. قطب سانو عندما قسم الاجتهاد إلى اجتهاد أممي واجتهاد إقليمي واجتهاد محلّي، وكذا د. شعبان إسماعيل، (2) ولربما كانت لغة الدكتور قطب سانو، أشد وأقوى هجومية من لغة د. حسن الترابي، لكنّه لم يتلق رُدودا كردود التي تلقاها د. الترابي؛ لأنّ منطقة الشرق الأوسط لم تعد كما كانت!، واستعرض د. الترابي خلال كتابه بتاريخ المسلمين وكيف نشأت الأصول الفكرية والعلمية والاجتهادية إلى أن جاء الشافعي- رحمه الله تعالى- فألف كتابه الرسالة فكان ذلك بمثابة تغيير جذري وتطور نوعي في الأصول وفلسفته، وتأسيسه ووضع قواعده، وبنيته التحتية مما لاقى استحسانا وقبولا كبيرين في حينه إلي يومنا هذا. وفحوى كلام الدكتور الترابي أنّه يجب علينا تطوير أصول الفقه وتجديده أسوة بالشافعي مما يتناسب مع مستجدات عصرنا(3).
ويرى معاليه أن فقهاءنا السابقين قد فصلوا القول في مسائل العبادة المعروفة لدى الجميع بكل تفاصيلها بينما أهملوا في مسائل السياسة الشرعية والمقاصد والمصالح إلا ما ندر(4) وتُمثل دعوة الترابي بمثابة صيحة عالميّة للمثقفين بصفة عامة ولمتخصصي ذلك الفن بصفة خاصّة إذ دعا على أن أهل الأصول أن يركزوا بقضايا السياسة الشرعية بصفة عامة كأسلوب الحكم وفلسفته، والاقتصاد وقضايا العلاقات الخارجيّة بدلا من أن يُركز فقهنا بقضايا الشعائر المعروفة للجميع فليركز فقهنا إلى تلك القضايا المنسيّة أغلبها إن لم يكن جلها(5). كما يرى توسيع القياس من قياس محدود إلى قياس أوسع وهو ما سماه بقياس المصلحة أو قياس الاستحسان لتوسيع قاعدة القياس وهو ماوافق عليه د. أحمد الريسوني و أطلق عليه الاجتهاد المصلحي، أو الاجتهاد المقاصدي وفق وجهة نظر د. نور الدين الخادمي،(6) وإن شئت قُلتَ الاستحسان بالمصلحة حسب تعبير المالكيّة، والمقصود من استحسان المصلحة هو: أن الداعي إلى إخراج جُزئية ما عن حكم القياس أو القاعدة هو المصلحة التي يتحقق بها رفع الحرج والمشقة عن الناس، وتيسر معاملاتهم(7).!! ثم تعرض معاليه حول الاستصحاب وهو ما سماه بالاستصحاب الواسع، والعرف والفطرة، والمصلحة وضرورة استخدام تلك الأدلة في تطوير أصول الفقه، ذلك أن الشريعة الإسلاميّة لم تلغ كلّ العادات والتقاليد المعروفة عند العرب قديماً بل هذبت ونظمت، وكان المبدأ العام عند دين الله أن ما تعارف عليه الناس مقبول وإنّما يتدخل الشرع ليصلح ما اعوج من أمرهم، فقد دعا الدين الإسلامي إلى كلّ القيم التي عرفتها البشريّة واستشعرتها الوجدان المُخلصة وأقرتها الفطرة مع التصويب والتقويم والتهذيب، ويرى الترابي أن مفهوم العبادة أوسع وأشمل من مفهومه الضيّق الذي درج عليه بعض الناس ذلك أن مفهوم العبادة مرتبط ومقرون بمقاصد الشريعة الإسلاميّة وأولوياتها التي لاتنفك عن بُعدها ألمآلي والغائي في مسيرة التكليف واستخلاف البشريّة جمعاء على هذا الكون!! (8).
ويرى الترابي ضرورة الشورى بين الفقهاء وأولوا الأمر لتنظيم أمور الناس ومسائلهم الفقهية والدنيوية حتى لا يترك للناس والعامة فوضى يتلاعبون بها في مسائل الفقه كيفما شاءؤ أوأرادوا، وذلك ضبطاً للأمور وتقليلا للخلاف بين الناس، كما يؤمن أهميّة التقنين في الفقه الإسلامي ولاسيما أبواب المعاملات؛ لأن ذلك أضبط للأمور وأليق في عصرنا هذا سدّاً للفوضى الفقهيّة التي اختلط فيها الصغير بالكبير!! (9)، ومن شأن تلك الشورى أن تضبط الأمور وتكفل على تأسيس فكر علميّ رفيع واعي بمجريات الأمور بعيداً عن الهوى النفسي والمزاج الشخصي.
كما يُعارض معاليه حصر شروط المجتهد بمعايير معينة بعينها، أوبشروط ما؛ لأن ذلك حسب وجهة نظره أمرٌ نسبي ولايمكن أن يُعمم على الجميع، وإنّما أهليّة الاجتهاد تكمن في توفر جملة من المعايير العمليّة والعلميّة وليس توفر أوإجادة فن بعينه كما يعتقد البعض، والمرجع الحقيقي لأهلية المجتهد من عدم أهليته هو من يثق به الناس وألفوه واستحسنوه ووجدوا أن لديه علما كبيرا وصدقا في الالتزام عند ذلك فقط اتخذوه إماما مُقدم الرأي ومن وجدوه خلاف ذلك استخفوا أمره، ولا يمانع الترابي اعتبار الشهادات العلميّة مقياسا للعلم والاجتهاد ولكنه في الوقت نفسه لايرى هي الوحيدة فقط التي تؤهل المجتهد إلى درجة الاجتهاد، كما يرى أنه ليس في الدين كنيسة أو سلطة دينيّة تحتكر الفتوى لأنّ الأمة لاتجتمع على ضلالة كما حث على الحكومات تأسيس معاهد وجامعات من شأنها أن تخرج المجتهدين الذين يمكن الاعتماد عليهم في المسائل العويصة التي تواجه الأمّة حينا بعد حين، وعليهم- عند وجودهم- أن يتكيفوا مع المستجدات العصريّة كلٌ حسب ظروفه. ويرى – أيضاً – أن الطريقة المُثلى لتجديد أصول الفقه هوا الالتزام بالوسطيّة بين الإفراط والتفريط مُحذراً في الوقت نفسه التحديات الداخليّة والخارجيّة ذلك أن من لوازم دعوتنا إلى التطوير والتجديد عدم الاصطدام مع ما ألفه الناس وتعودوا عليه من أحكام وأعراف وكذا التحديات الخارجيّة التي لاتسمح بأيّ حال من الأحوال تطوير ديننا أو الحكم على مضامينه العالميّة لكونه دعوة عالميّة صالحة لكل زمان ومكان (10).
وفي خلاصة قراءة كتاب معاليه حول تجديد أصول الفقه وقواعده، نجد أنّ دعوة الترابي كانت دعوة في محلّها ولازالت قائمة إلى اليوم.!
الحواشي (1)أنظر تجديد أصول الفقه د. حسن الترابي. ص7-8، وأنظر بتفضيل أوضح وأكثر تفصيلا وفي نفس المعنى، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية،للعالم الجليل د. يوسف القرضاوي،ص101-108، وأنظر أيضا حول قضيّة تجديد أصول الفقه، د. علي جمعة، مقال علمي نشر في جولة كليّة الدراسات الإسلاميّة والعربيّة، جامعة الأزهر، العدد العاشر،1412ص،285. والفقه الإسلامي في طريق التجديد،د.محمد سليم العوا،ص،42، الاجتهاد في الفقه الإسلامي ضوابطه ومستقبله/ عبد السلام السليماني،ص،388-396.
(2) أدوات النظر الاجتهادي المنشود في ضوء الواقع المعاصر،د. قطب سانو ص،150-191، والاجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهيّة د. شعبان إسماعيل ص119-135. (3) تجديد أصول الفقه د. حسن الترابي ص،9-12. (4) المصدر السابق، ص،13-15، الفقه الإسلامي في طريق التجديد،د. محمد سليم العوّا،ص،91 ومابعدها. (5) المصدر السابق19-22. (6) الاجتهاد المصلحي بحث تقدم به د. أحمد الريسوني للندوة العلمية المنعقدة في جامعة الإمام بتاريخ 13-14\5\1431ه بعنوان، نحو منهج علمي أصيل لدراسة القضايا الفقهيّة المعاصرة،ص5-30، الاجتهادي المقاصدي،د . نور الدين الخادمي، ج/2/ص،113-171. (7) الاستحسان، د. يعقوب الباحسين،ص113-115. (8) تجديد أصول الفقه،د. حسن الترابي،ص،26-27. (9) المصدر السابق، ص،29-30،وكذا،35-36. (10) المصدر السابق،د. حسن الترابي، ص،37-40.