{وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} (النحل41) الأخ محمد منصف بشير من الشباب الذين نشؤوا في طاعة الله فشب عليها وتوفي عليها، ونشهد أنه لم يرتكب كبيرة من كبائر الله، وقد قال سبحانه وتعالى {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا} (النساء:31)
ابتلاه ربه بالفرار من قريته تاركا وراءه أهله وأمه وأباه وإخوته وعترته وشعبه طلبا للحرية والعلم والنور، مترقبا، شوقا وأملا عسى الله أن يحيي تلك القرية بعد أن مر عليها إعصار التغريب والتنكر للعروبة والإسلام كما مر على سائر قرى وطنه، وفتح له باب العلم فنهل منه ولكن لله في خلقه شؤون، فها هو في عزّ العطاء والاقتدار يبتليه الله في جسده فيهوي مريضا لمدة تزيد عن السنة ذاق فيها مرير الألم وتجمل فيها بالصبر كما يعرف ذلك إخوانه وزملاؤه والملازمون له ثم يتوفاه الأجل موحدا مقرا بأنّ الله حي لا يموت والإنسان والخلق يموتون "الله حي, الله حي".
وها هو بعد موته يعود إلى قريته التي خرج منها، ويدفن فيها لتنبت - والقرى التي حولها - نباتا حسنا يخلف ما أهلكته تلك الأعاصير. أليس كذلك وهو المفكر والفيلسوف الذي يدرّس المنطق ومناهج التفكير ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة جوبا العامرة.
لقد ارتحل ولم يخلف وراءه عدوا غير أعداء الحرية والعقل والإيمان والقيم الأخلاقية الفاضلة، لذلك ذرفت عيون المؤمنين بهذه القيم حزنا عليه وألما لفراقه ونقول مؤمنون بوعد الله سبحانه سائلين له عزّ وجلّ أن يتقبل هجرته وأن يحقق أجره وثوابه وقد قال سبحانه: { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (النساء100). وقال أيضا: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} (الحج 58-59)
نحن أحباؤه وأصدقاؤه بالسودان نقدم الشكر أجزله:
· لكل الأطباء الذين ساهموا في علاجه بالسودان وخارجه · لجامعة جوبا ومسؤوليها وأساتذتها وطلبتها وعلى رأسهم رئاسة الجامعة وعمادة كلية الآداب وإدارة الخدمات الصحية بها · لمشرحة الخرطوم مديرا وموظفين الذين يسّروا كل عسير لتجهيز جثمان الفقيد · لمركز التنوير المعرفي على دعمهم السخي ذلك المركز الذي ظل المرحوم مساهما فيه بقلمه وعضده · لكل الذين ساهموا بقدراتهم المالية والفنية والبدنية في تمريض المرحوم · لجامعة إفريقيا العالمية التي فتحت له باب مسجدها لأداء صلاة الجنازة والترحم عليه · ونقدر للأجهزة الرسمية السودانية والتونسية لما يسّروه من إجراءات ترحيل الجثمان.