بسم الله الرحمن الرحيم وقف البارحة ثلاثة ملايين حاجا على صعيد عرفة في يوم الحج الاكبر، هم وفود أمة الاسلام من كل فج عميق، الى بيت الله الحرام ، يذكرون الله عز وجل ويمجّدونه ويعلون ذكره على الصعيد ذاته الذي وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب مائة الف حاجا ، هم أعظم حشد شهدته جزيرة العرب ، ملقيا عليهم البيان الختامي لرسالة الاسلام "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا "المائدة. يوصيهم بالتقوى وبرعاية حقوق الله وحقوق بعضهم بعضا ويحرّضهم على رعاية أخوة الاسلام ووحدة الصف، محذرا إياهم من الفرقة والفتن، موصيا بالضعفاء وبالنساء خيرا، وذلك في أعظم إعلان لحقوق الانسان، ناقلا اليهم أمانة وشرف القيام على رسالة الاسلام وحراسة الحق والعدل ومقاومة الظلم "فليبلغ الشاهد منكم الغائب" . ولم يزل مذاك صعيد عرفة وجملة شعائر الله في مكةالمكرمة والمدينة المنورة مهوى أفئدة الملايين، تفد اليها من كل فج عميق، تتطهر في محاريبها ، وتتجدد أرواحها وأواصر أخوّتها الاسلامية بالاتصال المباشر بمهبط الوحي ، مشكاة الاسلام الاولى التي انطلقت منها أنواره ، فتعود في إثر رحلة الاسبوعين يملأها الفرح والرضى وتغمرها البهجة والسكينة وعزة الاسلام وعظمته ووحدة أمته، فقد انخرط كل حاج مع الملايين من اخوانه في الهتاف العظيم الخالد ، بلغة واحدة "لبيك اللاهم لبيك، لبيك لا شريك لك.إن الحمد والنعمة لك ، لا شريك لك"نداء يوحد الجميع في مشهد روحي ومجتمعي مساواتي عظيم. ولقد شاركت الامة عبر الذكر والصوم في هذه الأيام المباركات والنقل الفضائي المباشر، وفود حجاجها الى بيت الله الحرام إحياء هذا الموسم العظيم، وأخذت تتهيأ للإحتفاء باستقبالهم عائدين خفاف الارواح مصقولي النفوس كيوم ولدتهم أمهاتهم إن شاء الله. إنها مدرسة أخرى يدعى المسلم للانخراط فيها ولو مرة واحدة في العمر الى جانب مدرسة الثلاثين يوما السنوية ، مدرسة الصيام ، ومدرسة الصلاة اليومية، ومدرسة الزكاة، لتتظافر مع بقية شرائع وشعائر الاسلام على كفالة صناعة خير أمة أخرجت للناس، فيما إذا أديت بإتقان وإخلاص "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين"البينة. إن امة الاسلام إذا صح وعيها بالاسلام وعزمها على السير وفق تعاليمه قادرة بعون الله على مواجهة ما تتعرض له من كيد دولي عبر احتلال اراضيها وبخاصة أرض الاسراء والمعراج وقدسها الشريف ،الى تمزيق أوطان المسلمين وتقتيلهم والتحريض على أقلياتهم وتشويه محاسن دينهم، وبذل الدعم لتسودهم حكومات فاسدة ظالمة، لا سيما والامة تعمرها صحوة اسلامية عارمة لا محالة مفضية بإذن الله الى دورة حضارية مستأنفة، تعيد الامور الى نصابها..والاسلام فاعلا في التاريخ، سيدا في دياره، فتكتمل فرحة العيد"ويومئذ يفرح المومنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم"الروم ويسر حركة النهضة أن تهنئ وفود بيت الله الحرام ومنهم التونسيون والتونسيات بأدائهم لرحلة، العمر، فريضة الحج راجية لهم القبول ، ورعاية أخلاق الحج باعتباره تجديدا للعهد مع الله ومع رسوله وتواصلا مع ما تم التدرب عليه من مكارم الحج "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"البقرة كما تهنئ بالعيد أمة الاسلام كافة بما خوّلها ربها من مواسم خير يتجدد فيها ذكر الله عز وجل والتوب والانابة اليه ، كما تتجدد فيها أواصر القرب والتراحم والتغافروالاخوة والسماحة والتضامن ، والاعراض عن التظالم والقطيعة ، ف"إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكّرون"النحل. الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة 10ذي الحجة 1431