تغيّرات مناخية حادّة... والرحيلي يكشف معطيات مقلقة حول مخزون السدود    تنظيم النسخة السابعة لمعرض المواهب بالمدرسة العليا للاقتصاد الرقمي بجامعة منوبة يوم 26 نوفمبر الجاري    تونس رئيسا للاتحاد العربي للقضاء الإداري في دورته الخامسة    عاجل/ جامعة الثانوي تعلن مقاطعة كل أشكال الامتحانات بداية من هذا الموعد..    الديوان الوطني للصناعات التقليدية يشارك في النسخة الثالثة من المعرض السعودي الدولي للحرف اليدوية "بنان" بالرياض    وزير الفلاحة: الترفيع في نسق وضع الاسمدة الى حوالي الف و 400 طن في مختلف جهات الجمهورية    ضغطت عليه من أجل الزواج فأنهى حياتها..مقتل ستينية على يد حبيبها..    الدوحة: طائرة مسيرة لنقل الركاب في أول رحلة تجريبية في الشرق الأوسط    سياسيون بلا حراس في نيجيريا.. قرار أمني بسبب ظاهرة "خطيرة"    التحقيق مع ابنة رئيس سابق من أجل هذه الشبهة..#خبر_عاجل    عاجل/ الاحتلال يستهدف غزة ب10 غارات جوية ونسف وقصف مدفعي..    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    في حقه مناشير تفتيش وبطاقة جلب... محاصرة بارون ترويج المخدرات في خزندار    استقرار مؤقت اليوم وغدوة... لكن عودة للأمطار بداية من هذا التاريخ    أيام قرطاج المسرحية 2025: مسرحية "سقوط حر" من مصر تعيد اختبار حرية التفكير    عاجل: طبيب تونسي يطلق نداء استغاثة بسبب فقدان أدوية السرطان    تقرير أمريكي: ترامب يعتزم تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية والوثائق قيد الإعداد    عاجل/ ستشمل هذه الدول ومنها تونس: منخفضات جوية جديدة وطقس بارد بداية من هذا التاريخ..    عاجل/ دليلة مصدق وبرهان بسيس يمثلان أمام القضاء..    ممداني لم يغير موقفه بشأن ترامب "الفاشي"    الشكندالي: الأسر والدولة تستهلك أكثر مما تنتج... والنتيجة ادخار شبه معدوم    لجنة المالية بالبرلمان تُسقط الفصل 50 من مشروع قانون المالية الذي يفرض ضريبة على من تجاوزت ثرواتهم 3 مليون د    تنبيه..بديل طبيعي شائع للسكر ربما يعرضك لخطر السكتة الدماغية..!    ديوان الصناعات التقليدية يشارك في المعرض الدولي للحرف اليدوية بالرياض    تحذير: الأطفال أمام الشاشات... تغيّرات خطيرة تطرأ على الدماغ والسلوك    حزب الله ينعى الطبطبائي    النجم يحيى الفخراني ل«الشروق».. أنا سعيد بعودتي لتونس بلد الفن والثقافة    بطولة افريقيا للتنس للشبان دون 12 سنة بالمغرب: ميدالية ذهبية واخرى برونزية لتونس    الليلة..الطقس بارد..    مراد العقبي «الشروق»...الترجي قادر على التدارك والبلايلي لا يُعوّض    صادم: تراجع انتشار الحشرات في العالم يُهدّد الانسان    المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر يفتح باب الترشح للمشاركة في الدورة الثانية من الصالون الوطنى للفنون التشكيلية    محرز الغنوشي يُبشّر بعودة الغيث النافع منتصف هذا الأسبوع    تونس تشارك في بطولة العالم للكيك بوكسينغ بابوظبي بستة عناصر    عاجل/ الساحة الفنية تفقد الممثل نور الدين بن عياد..    عاجل/ إسقاط هذا الفصل من الميزانية: ظافر الصغيري يكشف..    شراكة جديدة بين الطرُقات السيارة والبريد بش يسهّلوها على التوانسة...كيفاش؟    جمهور غفير يُتابع مسرحية "الملك لير" وتكريم للفنان الكبير يحيى الفخراني    مسرحية "(ال)حُلم... كوميديا سوداء" لجليلة بكار والفاضل الجعايبي: عمارة تتداعى ووطن يعاد ترميمه    غيث نافع: شوف قدّاش كانت كمّيات الأمطار في مختلف الجهات التونسية    قرمبالية تحتضن الدورة الأولى لمهرجان فاكهة "التنين" بالحديقة العمومية    "حاجات جامدة بتحصللي من أقرب الناس"... شيرين تكشف حقيقة اعتزالها الغناء    عاجل: وفاة الممثل نور الدين بن عياد    صادم: الجزائر تُحذّر من ''مخدّر للأعصاب'' يستخدم لاغتصاب الفتيات    عدد ساعات العمل في تونس: 2080 ساعة سنويّا لهؤلاء و2496 ساعة لهذه الفئة    البطولة الإنقليزية: خسارة ليفربول امام نوتنغهام فورست بثلاثية نظيفة    رابطة الأبطال الإفريقية - نهضة بركان يتفوق على "باور ديناموس" الزامبي (3-0)    تواصل انخفاض درجات الحرارة الاحد    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم و النقل التلفزي    أولا وأخيرا .. خيمة لتقبل التهنئة و العزاء معا    عاجل/ الرابطة المحترفة الثانية (الدفعة الاولى) النتائج والترتيب..    خبير يُحذّر من تخفيض أسعار زيت الزيتون في تونس    أبرد بلاصة في تونس اليوم السبت... الرصد الجوي يكشف    لأول مرة في تونس: إجراء 3 عمليات دقيقة بالليزر الثوليوم..    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: الإحسان إلى ذوي القربى    السبت مفتتح شهر جمادي الثانية 1447 هجري..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضريبة الذل ... : الشهيد سيد قطب
نشر في الحوار نت يوم 19 - 11 - 2010


الشهيد سيد قطب – منتصف يونيو1952
بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة، لا تطاق، فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة، رخيصة، مفزعة، قلقة، تخاف من ظلها، وتَفْرَقُ من صداها، "يحسبون كل صيحة عليهم" ، "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة".
هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيراً ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون.
وإنهم ليحسبون أنهم ينالون في مقابل الكرامة التي يبذلونها قربى ذوي الجاه والسلطان حين يؤدون إليهم ضريبة الذل وهم صاغرون، ولكن كم من تجربة انكشفت عن نبذ الأذلاء نبذ النواة، بأيدي سادتهم الذين عبدوهم من دون الله، كم من رجل باع رجولته، ومرغ خديه في الثرى تحت أقدام السادة، وخنع، وخضع، وضحى بكل مقومات الحياة الإنسانية، وبكل المقدسات التي عرفتها البشرية، وبكل الأمانات التي ناطها الله به، أو ناطها الناس ... ثم في النهاية إذا هو رخيص رخيص، هَيِّنٌ هَيِّن، حتى على السادة الذين استخدموه كالكلب الذليل، السادة الذين لهث في إثرهم، ووَصْوَصَ بذنبه لهم، ومرغ نفسه في الوحل ليحوز منهم الرضاء!
كم من رجل كان يملك أن يكون شريفاً، وأن يكون كريماً، وأن يصون أمانة الله بين يديه، ويحافظ على كرامة الحق، وكرامة الإنسانية، وكان في موقفه هذا مرهوب الجانب، لا يملك له أحد شيئاً، حتى الذين لا يريدون له أن يرعى الأمانة، وأن يحرس الحق، وأن يستعز بالكرامة، فلما أن خان الأمانة التي بين يديه، وضعف عن تكاليف الكرامة، وتجرد من عزة الحق، هان على الذين كانوا يهابونه، وذل عند من كانوا يرهبون الحق الذي هو حارسه، ورخص عند من كانوا يحاولون شراءه، رخص حتى أعرضوا عن شرائه، ثم نُبِذَ كما تُنْبَذُ الجيفة، وركلته الأقدام، أقدام الذين كانوا يَعِدُونه ويمنونه يوم كان له من الحق جاه، ومن الكرامة هيبة، ومن الأمانة ملاذ.
كثير هم الذين يَهْوُونَ من القمة إلى السَّفْح، لا يرحمهم أحد، ولا يترحم عليهم أحد، ولا يسير في جنازتهم أحد، حتى السادة الذين في سبيلهم هَوَوْا من قمة الكرامة إلى سفوح الذل، ومن عزة الحق إلى مَهَاوي الضلال، ومع تكاثر العظات والتجارب فإننا ما نزال نشهد في كل يوم ضحية، ضحية تؤدي ضريبة الذل كاملة، ضحية تخون الله والناس، وتضحي بالأمانة وبالكرامة، ضحية تلهث في إثر السادة، وتلهث في إثر المطمع والمطمح، وتلهث وراء الوعود والسراب ..... ثم تَهْوِي وتَنْزَوِي هنالك في السفح خَانِعَةً مَهِينَة، ينظر إليها الناس في شماتة، وينظر إليها السادة في احتقار.
لقد شاهدتُ في عمري المحدود - ومازلت أشاهد - عشرات من الرجال الكبار يحنون الرؤوس لغير الواحد القهار، ويتقدمون خاشعين، يحملون ضرائب الذل، تثقل كواهلهم، وتحني هاماتهم، وتلوي أعناقهم، وتُنَكِّس رؤوسهم .... ثم يُطْرَدُون كالكلاب، بعد أن يضعوا أحمالهم، ويسلموا بضاعتهم، ويتجردوا من الحُسنَيَيْن في الدنيا والآخرة، ويَمضون بعد ذلك في قافلة الرقيق، لا يَحُسُّ بهم أحد حتى الجلاد.
لقد شاهدتهم وفي وسعهم أن يكونوا أحراراً، ولكنهم يختارون العبودية، وفي طاقتهم أن يكونوا أقوياء، ولكنهم يختارون التخاذل، وفي إمكانهم أن يكونوا مرهوبي الجانب، ولكنهم يختارون الجبن والمهانة .... شاهدتهم يهربون من العزة كي لا تكلفهم درهماً، وهم يؤدون للذل ديناراً أو قنطاراً، شاهدتهم يرتكبون كل كبيرة ليرضوا صاحب جاه أو سلطان، ويستظلوا بجاهه أو سلطانه، وهم يملكون أن يَرْهَبَهم ذوو الجاه والسلطان! لا ، بل شاهدت شعوباً بأَسْرِها تُشْفِقُ من تكاليف الحرية مرة، فتظل تؤدي ضرائب العبودية مرات، ضرائب لا تُقَاس إليها تكاليف الحرية، ولا تبلغ عُشْرَ مِعْشَارِها، وقديماً قالت اليهود لنبيها "يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون" فأَدَّتْ ثمن هذا النكول عن تكاليف العزة أربعين سنة تتيه في الصحراء، تأكلها الرمال، وتذلها الغربة، وتشردها المخاوف.... وما كانت لتؤدي معشار هذا كله ثمناً للعزة والنصر في عالم الرجال.
إنه لابد من ضريبة يؤديها الأفراد، وتؤديها الجماعات، وتؤديها الشعوب، فإما أن تؤدى هذه الضريبة للعزة والكرامة والحرية، وإما أن تؤدى للذلة والمهانة والعبودية، والتجارب كلها تنطق بهذه الحقيقة التي لا مفر منها، ولا فكاك.
فإلى الذين يَفْرَقُونَ من تكاليف الحرية، إلى الذين يخشون عاقبة الكرامة، إلى الذين يمرِّغُون خدودهم تحت مواطئ الأقدام، إلى الذين يخونون أماناتهم، ويخونون كراماتهم، ويخونون إنسانيتهم، ويخونون التضحيات العظيمة التي بذلتها أمتهم لتتحرر وتتخلص.
إلى هؤلاء جميعاً أوجه الدعوة أن ينظروا في عبر التاريخ، وفي عبر الواقع القريب، وأن يتدبروا الأمثلة المتكررة التي تشهد بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية، وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة، وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية، وأن الذين لا يَرْهَبُون الجاه والسلطان يَرْهَبُهم الجاه والسلطان.
ولدينا أمثلة كثيرة وقريبة على الأذلاء الذين باعوا الضمائر، وخانوا الأمانات، وخذلوا الحق، وتمرغوا في التراب ثم ذهبوا غير مأسوف عليهم من أحد، ملعونين من الله، ملعونين من الناس،
وأمثلة كذلك ولو أنها قليلة على الذين يأبون أن يذلوا، ويأبون أن يخونوا، ويأبون أن يبيعوا رجولتهم، وقد عاش من عاش منهم كريماً، ومات من مات منهم كريما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.