يجب على المواطن أن لا يسكت !! بهذه الجملة ختم وزير الشؤون الدينية "السيد" أبوبكر الأخزوري مداخلته أمام ما يسمى"مجلس المستشارين" عند مناقشة ميزانيّة وزارته معلّقا على قضية ارتفاع صوت الأذان في المساجد إثر تدخل "سيدة" من فرط تغيّر هيئتها حسبتها ذكرا لا أنثى وخاصة إسمها المثير "رياض الزغل" ولكن صوتها الذي لم تقو على تغييره أبرز أنوثتها. و قبل الدخول فيما صال به الوزير وسليلته ، ليسمح لي القارئ الكريم أن أعرج على ما استحدث في المؤسسة "التشريعية" التي يعرف الصغير قبل الكبير المدى الذي وصلت إليه من التهميش من خلال التركيبة والتمثيل النيابي. ففي الثالث من يوليو (تمّوز) من سنة 2005 أحدثت(بضم الهمزة) غرفة ثانية للمستشارين إلى جانب غرفة مجلس النوّاب. وقد طبّلت وسائل إعلام الموالاة لهذا الإنجاز العظيم واعتبرته رموز من سلطة صاحب الإنقلاب أنه يندرج "ضمن المشروع السياسي الإصلاحي"(فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب في ندوة بتاريخ 7 يونيو 2005 ) ،وهو تكريس ثنائية السلطة التشريعية وغيرها من الشعارات الجميلة التي ليس لها علاقة بواقع ولا معايشة. ويتكون هذا المجلس من ثلاثة أجزاء :ثلث لممثلي الجهات ،وثلث لممثلي القطاعات المهنية والثلث المتبقي "للعلماء والكفاءات والخبرات ورجال السياسة القدامى"، الذين يعينهم رأس السلطة بنفسه.واستبعدت "أحزاب المعارضة" المهجّنه منها والجاد لأن طبيعة هذا المجلس بدت مهنيّة ولكنها بخلفيّة سياسية وقد عبّرت بعض الأحزاب الجادة في ذلك الوقت أن إسم المجلس يوحي بصلاحيّاته فليس له صبغة إلزامية وإنما استشارية إضافة إلى الصلاحيات الموكولة إليه من أنه يقوم بمناقشة "مشاريع القوانين، وميزانية الدولة ومخططات التنمية بصفة موازية لغرفة ما سمي بمجلس النواب". ولكن لا يحق لمجلس المستشارين أن "يبادر باقتراح مشاريع القوانين ولا ينظر في المعاهدات الدولية ولا يتدخل في العلاقات الدولية ،كما أنه " ليس بإمكانه تقديم الأسئلة الكتابية والشفاهية ولا توجيه لائحة اللوم إلى الحكومة." في هذا الإطار الضيق قانونا وسياسة يتساءل المراقبون والمهتمون بالشأن السياسي التونسي عن جدوى هذه الغرف والبقية من المؤسسات التي أفرغت من محتواها ولم تؤد دورها المنوط بعهدتها فلا القضايا الحقيقية معروضة بجدية على أعضاء المجلس في غرفتيه المزعومتين والتي يسيطرعليها في الواقع حزب صاحب الإنقلاب في ظل انتخابات يسودها التزوير وشراء الذّمم وإكراه الناس على التصويت لصالح الحاكم بشتى صور الترغيب والترهيب شهد عليها الرقيب المحلي قبل الدولي. ولا نستطيع إخفاء هذه الحقيقة الناصعة من أن هذا المجلس لا حقيقة له في وعي الناس وليس حاضرا في الواقع الإجتماعي المزري الذي يعيشه المواطن ،ولكن المفاجأة المثيرة للإستغراب أن يدعو "وزير" المواطن أن يستفيق لواقعه وأن لا يسكت . يا أيها الوزير ماذا دهاك ؟ هل أصبحت تحرض المواطن على غير عادة الموالين والطائعين وجماعة "أن نعم ،نعم لأول مرّة أرى يمامة ميّتة تطير وهي مصابة بخرطوشتك سيدي الرئيس" (من بعض النكت التي وردت في كتاب"صديقنا بن علي لنيكولا بو وجون بيار توركوا) إلى العصيان المدني ضد السلطة؟ ويا لخيبة المسعى تمخض الجبل فولد فأرا !! صولتك يا سيد ياوزير قلبت المثل فصار عندي "تمخض الفأر فلم يلد جبلا ولا جملا " حيث أن صرختك وصياحك الزائد على اللزوم لم يكن سوى عما أسميته" التلوث السمعي" الصادر من أفضل ما أبدعه الفنانون المعماريون ، هي تلك المآذن التي ينطلق منها صوت المؤّذن لينادى للصلاة ،إنه فعلا "ضحك كالبكاء" كما يقولون أن ضاقت عليك الدنيا وطفقت تحلل وتبرر للسيدة التي أزعجها الأذان مستشهدا بالعلم ومحيلا الموضوع إلى "وزير البيئة" ومطالبا المواطن أن لايسكت على مثل هذه التجاوزات. ما هذه الموازين المقلوبة عندكم – حسبانا مني أنكم حريصون على راحة المواطن أو هكذا أتخيّل- أم أنّه لم يبق من تجفيف منابع التدين وتجلياته إلاّ الأذان حتى تخفتوا الصوت . عفوا "سيد الوزير الموقّر" لا يوجد في وزارتك ما يشغلك إلاّ صوت المؤذنين ؟؟. أنتم الوزراء والنخبة والعلماء والمفكرون الألمعيون الذين اختاركم وليّ نعمتكم لا تأكلون طعام المستضعفين والكادحين والفقراء والمساكين ولا تمشون في الأسواق ولذلك ضاق عندكم الأفق فانحسرت عندكم دائرة التفكير في شيء نحسبه في بلد الزيتونة من الشعائر التي نعظمها تمثل عندنا مظهرا من مظاهر مدى احترام البلد للإسلام. أنت وقبلك السيدة لم تلحظا إلاّ صوت الأذان وما يسببه من "تلوّث سمعي" الم تتلوث أذانكما بسب الجلالة ليلا ونهارا من الكبير والصغير من المرأة ومن الرجل أم أنه يشنّفها ؟ عذرا أنتم لا تأكلون طعامنا ولا تمشون في أسواقنا لهذا لايهمكم أن يعتدي مترفه على جاره المغلوب على أمره الذي تقدّم للشرطة ببلاغ عن انزعاجه من الصخب الصادر من الحفل المقام بمناسبة ختان ابنه من غروب الشمس حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر والناس يتمايلون سكارى لماذا لأنه قد استدعى رئيس المنطقة وعسسه وأعضاء في مجلس المستشارين الذي عيّن ثلثهم ولي نعمتكما والباقي من المسبحين بحمده والعائذين بعوذه. هذه هي الحقيقة المرّة التي يجب أن يعيها العقلاء من أبناء شعبنا الذي أصبح مقادا مساقا بعصابات نهب تنهش العظم حتى النخاع فاندفع يلهث وراء لقمة العيش وبالطريقة التي يرى بها نهابيه فكثر الخطف في وضح النهار وانتشرت العصابات النشّالة حتى تطورت في شكل مافيا تتاجر بأعراض النساء حيث بيعت الفتيات في سوق النخاسة فتكاثرت "الأمهات العازبات"!!؟ ،فهل كل هذا لم يلفت انتباهك أيها المتخرّج من "الشريعة" أم نقول :"سبحانه مغيّر الأحوال" ،فمن خالط الطبّال تلوث بطنَّه فطبّل للطبال فوق ما يتصوّر. هل اكتمل دورك أيها "الوزير" بطرحك لمثل هذه القضيّة بعد أن ضيّقت على الخطباء في المساجد فأمرتهم بتلاوة ما يكتب لهم من خطب معدّة سلفا أم أن ما لم تقم به وزارة الداخلية وأجهزتها تريد أن تتمه مناصفة مع وزارة البيئة. ألا تبّا لوزارة تسعى لتخريب الدين وهدم شرائعه وهي تدعي القوامة على شؤونه.لا غرابة في ذلك مادامت خطة التجفيف للدين من يعيد لها الحياة من الإستئصاليين والمتسلّقين من بقايا اليسار الإنتهازي المؤيد لعصابة النهب والمستكرشين من رؤساء الأموال مصاصي دماء شعبنا المستصعف إلا من قلّة حافظت على الإلتصاق بهموم الناس كل الناس فهم بين سجين ومحاصر ومراقب أو مهجّر عن الوطن الذي أكلته الذئاب. إن التاريخ يسجل ما تلوكه الألسن وما تحبره الأنامل ويأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال . هل عندك في الإسلام ما يلوّث إحدى أعضاء بدنك أيها ال"وزير" ، عندك من المجلس المنصب العدد الكافي من الذين ينقبون على ما يضيّق على شعبنا في هويته ورزقه وحياته فلتفرح بهم حتى يقضي فيكم الله أمره،إن أمره كان مفعولا. وأنتم أيها المناضلون والغيورون على تونس أفيقوا وانتبهوا فإن سفينة الوطن ستغرق إن لم نتداركها بقومة نكون فيها مجتمعين على المشترك ومتجاوزين المختلف وننقذ ما يمكن إنقاذه .