يزكي القرآن الكريم منهاج "تعدد الخيارات.. وتنوع المواقف" تبعًا لتعدد المواقع وتنوع التحديات.. مع وحدة المقاصد، التي تحقق "المصالح الشرعية المعتبرة".. فالإنسان المسلم وكذلك الأمة الإسلامية تواجه في الحياة المعيشة ألوانًا من المواقف والتحديات.. وعليها أن لا تجمد على استجابة واحدة.. أو خطاب واحد في مواجهة هذا التنوع في المواقف والتحديات.. وإنما الواجب هو فقه الواقع.. وفقه التحدي، والاختيار للاستجابة المناسبة، التي تحقق مصالح الإسلام والمسلمين والناظر في الآيات القرآنية، التي تزكي هذا المنهج منهج تعدد الخيارات بتعدد المواقف والتحديات يجد العديد والعديد من الآيات.. ففي بعض الأحيان يكون الأفعل هو "منهاج التلطف" في الدعوة والعلاقة بالآخرين، وذلك عندما يكون "التلطف" هو السبيل للحفاظ على الذات، التي ستسعى لتحقيق المقاصد الشرعية المعتبرة للإسلام والمسلمين: {ولْيَتَلَطَّفْ ولا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً. إنَّهُمْ إن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ولَن تُفْلِحُوا إذاً أَبَداً} (الكهف : 19/20).. وفي بعض الأحيان يكون "منهاج الغلظة الرادعة" هو المناسب في التعامل مع بعض المواقف والأصناف والتوجهات: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ والْمُنَافِقِينَ واغْلُظْ عَلَيْهِمْ ومَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وبِئْسَ المَصِيرُ} (التوبة : 72) (التحريم:9).. فالمواجهة مع الكفار والمنافقين المعتدين.. وفي موقف ثالث.. ومع فرقاء وآخرين يكون المنهاج المناسب هو "منهاج الإغاظة للكفار المعتدين".. {مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ ومَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ ولا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ ولا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ} (التوبة : 120).. كذلك رسم القرآن الكريم منهاج التمييز في الآخر بين الفصائل والفرقاء والتنويعات.. وحذر من التعميم والإطلاق الذي يغفل عن التمايز في صفوف الآخرين وفي مواقفهم.. والذي يقتضي تنوعًا في الموقف من هؤلاء المتنوعين.. وفي رسم هذا المنهاج يقول القرآن الكريم : {لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) ومَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 113 115).. {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100) ولَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ ورَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} (البقرة: 100 101).. فحتى اليهود الذين هم أشر الناس عداوة للذين آمنوا {ليسو سواء} في الاستجابة لدعوة الحق.. وفي الحفاظ على العهود والمواثيق.. ولذلك زكى القرآن الكريم منهاج التمييز بين فصائلهم.. ومواقفهم.. ولفت الأنظار إلى خطأ منهاج "الإطلاق والتعميم" لما فيه من ظلم يأباه عدل الإسلام.. وفي الحوار والجدال مع أهل الكتاب يزكي القرآن الكريم منهاج التمييز فيهم بين الذين ظلموا والذين عدلوا {ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إلَيْنَا وأُنزِلَ إلَيْكُمْ وإلَهُنَا وإلَهُكُمْ واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت: 46).. فالعدل يأبى التعميم والإطلاق..