لندن الصباح ثلثا المهاجرين العرب والمسلمين في أوربا الغربية عموما من بين المغاربيين، وأساسا من بين التونسيين والجزائريين والمغاربة.. وإذا كانت تيارات المهاجرين التونسيين والمغاربيين مركزة منذ عقود نحو فرنسا ثم ايطاليا واسبانيا وألمانيا، فقد تضاعفت أعدادهم في بريطانيا التي لا تنتمي إلى فضاء "شينغن" ورغم خصوصياتها الجغرافية كجزيرة التي تجعل البعض يعتبرها "خارج القارة الاوربية". إنها "الحيل" التي ابتكرها المختصون في"الحرقان"و"تهريب البشر" ل"كسر القيود الامنية الحديدية" التي فرضها مسؤولو الامن والجيش في بريطانيا والحلف الاطلسي. "وائل" ورفيقه "ياسين"، شابان من حي الزهور.. التقيتهما في أحد المطاعم "المغربية" الصغيرة وسط لندن.تجاذبنا أطراف الحديث حول "صحن كسكسي"و"شيشة"على أنغام عبد الوهاب الدوكالي وسميرة ولطفي بوشناق إلى أن وصلنا إلى سؤال يهم قصة "تسللهما"إلى لندن وتقنين وضعيتهما. "السارق"يغلب اللي.. رغم الاجراءات المتشددة جدا التي يتخذها مسؤولو الاقسام القنصلية والامنية في السفارات البريطانية في العالم أجمع " بهدف محاربة الهجرة السرية" نجح وائل وياسين في الوصول إلى مطار"هيثرو" بلندن في ظروف"عادية جدا". قال لي وائل:"السارق يغلب اللي يحاحي..لقد تابعنا عبر "فايس بوك" والمواقع الاجتماعية المفتوحة ما ينشرهنا وهناك عن شبكات"بيع" تأشيرات وجوازات سفر أوربية "مضروبة" ثم سافرنا إلى استطنبول(دون تأشيرة طبعا) ومنها تسللنا إلى اليونان حيث التقينا"واحدا من أهل الخير" سهل عملية شراء"جواز أوربي مضروب" به تأشيرة دخول إلى بريطانيا.بعدذلك امتطينا رحلة عادية من أثينا إلى لندن.لكننا قبل مغادرة الطائرة أرضيةاثينا أعدنا الجوازات" المضروبة " إلى ممثل عن " تاجر التأشيرات والجوازات". لكن ماذا بعد الوصول إلى مطار لندن بدون جواز ولاتأشيرة؟
القانون فوق الجميع ؟
مخاطباي ردا بثقة في النفس.. سمعت منهما جوابا تردد على مسامعي بعد ذلك مرارا من مهاجرين جزائريين ومغاربة وعرب ومسلمين من عدة جنسيات لا سيما العراقيين والصوماليين. جميعهم قدم نفس الرواية تقريبا:"عند الوصول إلى مطارلندن نتظاهر بفقدان جواز السفر ونتمسك بتلك الرواية وإن اضطررنا إلى التباكي والعويل والصراخ وندب الخدين مع التظاهر باننا قدمنا من العراق او فلسطين أو أفغانستان أو الصومال أو أي بلد فيه حروب وحياة الناس فيه في خطرويمكنهم الحصول على صفة "لاجئ إنساني" وفق مقاييس الاممالمتحدة واللجنة الدولية للصيلب الاحمر ومنظمات حقوق الانسان الاوربية والعالمية مثل منظمة العفو الدولية"أمنستي". وبما أن " القانون فوق الجميع " في بريطانيا يحيلنا مسؤولو" الهجرة" في المطار( أي شرطة الجوازات)على جهات أمنية وإنسانية تضمن لمن كان في مثل وضعيتنا فرصة الإقامة في شقق مخصصة للاجئين لأسباب إنسانية وسياسية في انتظار" البت في الأصل"الذي قد يدوم سنوات يلجأ فيها " المتسلل " إلى التقاضي. وتحسم المسألة غالبا بتقنين وضعيته خاصة إذا كان يتقن الانقليزية وتأكد المحققون أنه يمكن أن يمارس مهنة تضمن له السكن وتغطية حاجياته الأساسية.
بطاقة إقامة "وقتية" ؟
بعد ذلك يقول وائل ورفيقه ياسين يزعم كل مرشح عربي أو من دول العالم الاسلامي وإفريقيا يريد الحصول على"بطاقة إقامة وقتية"تمهد له الطريق للحصول بعد مدة على بطاقة إقامة دائمة أنه " مطارد سياسيا " في بلده أوأنه قدم من بلد فيه "حروب وقلاقل" وأن " حياته في خطر". وفي الغالب تنتهي سلسلة " الحيل" لصالح المهاجر غير القانوني خاصة إذا "نجح" في تناسي هويتيه الشخصية والوطنية الاصلية وتبنى هوية "مواطن"في بلد فيه حروب ومخاطرأمنية وسياسية بالمقاييس البريطانية والاوربية.
حيل أخرى
في مقهى مغاربي ثان بضاحية " ويمبلي" وفي مطعم"لبناني عراقي" بشارع" ادغاررود" حيث آلاف المهاجرين والمتسكعين العرب والآسيويين والافارقة سمعت شهادات أخرى بالجملة عن"حيل المتسللين " و" الحارقين ". بعضهم دفع أموالا لموظفين في شركات نقل البضائع الى بريطانيا قادمة من فرنسا واسبانيا وبلجيكيا أو من بلدان شمال اوربا. هؤلاء " الموظفون"لهم شبكات مختصة منذ عقود في نقل مهاجرين غيرقانونيين من روسيا وشرق اوربا وشمالها وأصبحت "متطوعة" لتهريب مهاجرين مغاربيين وعرب مقابل أموال.وفي الغالب يقع إخفاء" المهاجر السري" بين البضائع في ساعات المراقبة الحدودية ، وإن كان الثمن في حالات كثيرة وفاته خنقا بسبب نقص الهواء الصالح.
عندما ينقلب السحر على الساحر
والملفت للنظرأن المختصين في الاتجار في البشر نحو أوربا عامة وبريطانيا خاصة أصبحوا منذ العقد الماضي يستخدمون خاصة هويات مواطنين قادمين من البلدان التي تشارك قوات بريطانيا مباشرة وغير مباشرة في الحروب عليها مثل العراق وافغانستان وباكستان وفلسطين وايران وزيمبابوي والسودان.. نفس الظاهرة تتكرر بين كندا والولايات المتحدة وفي مناطق عديدة من العالم.. مرة أخرى " ينقلب السحر على الساحر" وتتحول حروب " الشمال" على بعض بلدان "الجنوب"إلى ورقة يستخدمها المختصون في تهريب البشروالسلاح والاموال والمخدرات..