بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصابع الإخطبوط.....أصابع القوة الناعمة...(2)
نشر في الحوار نت يوم 22 - 12 - 2010

قبل فترة طويلة من نشأة ما يسمى دولة إسرائيل على أرض فلسطين كان ساسة الكيان الصهيوني على أعلى درجة من الاهتمام بالقارة السمراء، وعيا منهم بأهمية المنطقة في المعادلات الدولية، ثم أهميتها من الناحية الاقتصادية حيث تتركز أغلب المعادن الثمينة في العالم، في باطنها ومناجمها وهضابها وسهولها.... يلاحظ ذلك في كتب ساستهم وأدبياتهم.... لقد كتب تيودورهرتزل منظر ومؤسس الصهيونية يقول بأنه: كان شاهدا على محنة وخلاص شعبه اليهودي وأنه سوف يفعل ما بوسعه للمساعدة في خلاص الأفارقة من محنتهم . . عبر عن ذلك( الاهتمام بالقارة الإفريقية ) بعض الساسة في فترة الخمسينات والستينات مما دفع بأحدهم أظنه ديفيد بن جوريون إلى القول بأن الصراع من أجل إفريقيا يمثل مسألة حياة أو موت .
لماذا هذا الاهتمام المتزايد بإفريقيا ؟؟؟
قد يعتبر البعض أن ذلك ضرب من المبالغة والتضخيم، بينما الحقيقة والوقائع التاريخية تثبت أن إفريقيا ساحة للصراع منذ قرون وفي العصور الحديثة ، منذ الحرب الباردة الى اليوم . ساحة صراع بين القوى الكبرى في النظام العالمي لكسب النفوذ....كانت كذلك في الصراع بين الدول العربية والكيان الغاصب لفلسطين، بالتحديد في الخمسينات والستينات... هذا أوّلا.
ثانيا البعد الاقتصادي: فأفريقيا ثروات بلا حدود أو هي حسب الذهنية النمطية للغرب التي تدور حول فكرة الاستعلاء والعنصرية هي ثروات بلا شعب فهي تبعا لذلك لشعب بلا ثروات....عجز هذه الدول عن استغلال ثرواتها لأسباب خلقها صناع الفقر والمجاعات في العالم وإخفاقها في تحقيق تنمية مستدامة والتخلص من التبعية للغرب حتى في لقمة العيش...كل ذلك ساهم في خلق قنوات ومنافذ تتسرب منها أصابع الإخطبوط بسلاسة وليونة عبر مشاريع مشبوهة يظنها الظمآن ماءا...كانت ''إسرائيل'' في طليعة هؤلاء.
ثالثا البعد الاجتماعي المتمثل في كثرة القلاقل والحروب والنزاعات بين الطوائف ومختلف العرقيات والقبائل, كل ذلك يمثل أرضا خصبة لتدخلات صناع الحروب والنزاعات وشركات السلاح....لإرساء قواعد سياسة فرق تسد....
رابعا البعد الثقافي الديني، المنظمات التبشيرية ترى إفريقيا أرضا بكرا يمكن لحركات التنصير وعبر منظماتها ''الاغاثية'' المشبوهة استغلال البطون الخاوية لتنصير الافارقة....وهي بذلك تحاول منافسة المد الإسلامي المتصاعد في كل أرجاء القارة، بل يعتبره الغرب( المد الاسلامي) تهديدا لمصالحه ولأمنه أيضا....
أمام كل هذه الاعتبارات كما بينت آنفا فأن التغلغل الصهيوني في القارة السمراء كان مبكرا. كانت أهدافه وأطماعه في إفريقيا في بداية قيام دولته اللقيطة على أرض الإسراء والمعراج أهدافا اقتصادية للهيمنة على ثروات المنطقة...والأخرى سياسية ، تتمثل في السعي لفك الحصار العربي المفروض عليه وكسر العزلة التي فرضتها عليه مصر وبقية الدول العربية ومن ساندهم من الدول النامية. أصبح هذا الهدف من المسائل الملحة خاصة بعد مؤتمر باندونج لدول عدم الانحياز سنة1955الذي تبنى بالإجماع مقاطعة هذا الكيان الغاصب....
فكرة التغلغل الصهيوني في إفريقيا كانت متزامنة مع حصول الدول الإفريقية على استقلالها، فكان منها أن استغلت هذه الفرصة لتبين لتلك الحكومات الفتية أنها نموذج يمكن أن يحتذى به في مجالات التنمية، بحيث تعتبر نفسها دولة نالت ''استقلالها ''حديثا على حد زعمها. من هذه البوابة حاولت كسب قلوب الأفارقة من خلال تشبيه تجربة اليهود في بناء ''دولتهم ''بتجربة الأفارقة في بناء الدولة الوطنية بعد نيل الاستقلال... . سعت للبرهنة على ذلك بنزولها إلى الميدان وعبر الفعل المباشر، فألقت بخبرائها في المجال التنموي خاصة مجالات الري والزراعة والصحة والتعليم والمستشارين السياسيين....اذا كانت المساعدات التنموية التي كانت الحكومات الإفريقية بحاجة ملحة إليها وسيلة ناجعة ومفيدة لاختراق جدار العزلة، عبر عن ذلك رئيس الوزراء ديفيد بن جوريون سنة 1960أمام الكنيست :ان المساعدات التي نقدمها للدول الحديثة ليست عملا من أعمال الخير، إننا بحاجة إلى صداقة هذه الدول أكثر من حاجتها هي إلى مساعداتنا .
إضافة إلى كل ذلك تطورت العلاقات لتشمل المعونات العسكرية عبر تدريب جيوش تلك الدول بعد أن أنهكتها عقود الاستعمار وبيع الأسلحة والعتاد العسكري...أقيمت في هذه الفترة أيضا علاقات وطيدة بين الكيان الصهيوني وبعض الدول التي تمتلك المعادن النفيسة كالذهب والألماس، عبر إقامة مشروعات مشتركة لاستخراج تلك الثروات من باطن الأرض.....
رغم كل ذلك ظلت ''إسرائيل'' محدودة التأثير، السبب الرئيسي هو الدور الرئيس والريادي الذي كانت تضطلع به مصر في إفريقيا من خلال احتضانها لحركات التحرر الإفريقية زمن الاستعمار. كما احتضنت مصر العديد من الثوار وكان لجمال عبد الناصر علاقات جيدة مع أهم زعمائها التاريخيين من أمثال المسلم أحمد سيكوتوري الذي قاد حركة التحرر في غينيا، إضافة إلى أنه كان رجلا نقابيا وهو أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال ...كما كان لعبد الناصر علاقات مماثلة مع الزعيم الغاني المعروف كوامي نكروما الذي قاد معارك ضارية من أجل تخليص بلاده من براثن الاستعمار البريطاني والذي كان من المتحمسين للوحدة الإفريقية....ثم باتريس لومومبا الذي قاوم الاستعمار البلجيكي في الكنغو وهو أول رئيس للبلاد ، قتله البلجيكيون سنة بعد حكمه وذلك سنة1961رأوا فيه تهديدا لمصالحهم في المنطقة ....يعتبر هذا الوضع العام بمثابة الجدار الحصين الذي يقف حائلا أمام التمدد الصهيوني بصورة كبيرة....
إضافة إلى ذلك قطع العديد من الدول الإفريقية التي كانت تربطها علاقات بالكيان الصهيوني علاقتها معه على اثر حرب 1967واحتلال ''إسرائيل'' للعديد من الأراضي العربية أولها ما تبقى من أرض فلسطين وعلى رأسها القدس...كل ذلك جعل تلك العلاقات الإسرائيلية الإفريقية تتراجع بصورة ملحوظة.
بعد معاهدة كامديفد والصراعات العربية العربية على اثر توقيع الاتفاقية ، يلي ذلك المقررات الهزيلة التي خرجت بها القمة الافرو عربية سنة 1977هزلت العلاقات العربية الإفريقية وبدأ الرصيد المصري الذي بنته في إفريقيا يتلاشى ما بين غفلة من ناحية، واستدراج ومخطط جهنمي لتحييدها عن المنطقة، من ناحية أخرى. إحساس الأفارقة آنذاك بالإحباط جعلهم يرتمون في أحضان الآخر . كانت ''إسرائيل'' على أهبة الاستعداد للعب دور ''الحاضنة''أو''المصيدة''... جاهزة للعب دور جديد في المنطقة وبأوراق جديدة وبإستراتيجية قديمة جديدة...
إستراتيجية اعتمدت على ما سمي بمبدأ القوة الناعمةsoft powerالذي وضع أسسه جوزيف ناي رئيس مجلس الاستخبارات الوطني الامريكي ومساعد وزير الدفاع في عهد بيل كلينتون. أساس الفكرة هو الوعي بأن القوة العسكرية وحدها لا تكفي للسيطرة على مقدرات الآخرين. فهو يدعو الى ترويج الإيديولوجية الأمريكية والبحث عن أساليب تدفع الآخر لتقبلها دون أن يشعر....وبحسب تعبيره : جعل الآخرين يريدون ما تريده أنت، هو ما اسميه انا بالقوةالناعمة- بهذه الطريقة تكسب الناس بدلاً من اجبارهم....القوة الناعمة تستندالى القدرة على وضع برنامج سياسي يرتب الأولويات بالنسبة للآخرين، على المستوىالشخصي، الابوان الحكيمان يعلمان انه اذا قاما بتربية اولادهما على القيم والمفاهيمالصحيحة، فان قوتهما ستكون اكبر، وستدوم اطول مما لو كان اعتمدا فقط على الضغطوالتوبيخ او قطع المصروف، او اخذ مفاتيح السيارة مثلاً.. كذلك الامر فيما يتعلقبالمسؤولين السياسيين والمفكرين مثل انتونيوغرامشي، الذين فهموا طويلاً القوةالناجمة عن وضع جدول اعمال وخطة عمل، اضافة الى تحديد اطار عمل لنقاش معين.
انالقدرة على تأسيس الاولويات تميل دائماً الى الارتباط بمصادر القوة المعنوية، كأنتكون ثقافة جذابة، ايديولوجيا، او مؤسسات، فاذا استطعت ان اجعلك تريد ان تفعل مااريد انا، فعندها لن يكون علي اجبارك على ان تقوم بما لاتريد ان تقوم به. فلو انالولايات المتحدة تمثل قيما يريد الاخرون اتباعها لكانت الكلفة التي ندفعها للقيادة، قيادة العالم،أقل....
يرى الدكتور حمدي عبد الرحمان حسن أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وجامعة الشيخ زايد بالإمارات العربية المحتدة والمختص في الشأن الإفريقي أن إسرائيل تفطنت إلى أهمية دور القوة الناعمة في الهيمنة على الشعوب بصورة مبكرة، سبقت فيها جوزيف ناي بعقود . ففي كتاب ديفيد بن جريون إسرائيل وسنوات التحدي الذي نشر سنة 1962يقول هذا الاخير:''ان اسرائيل دولة صغيرة الحجم ومحدودة السكان، كما أنها لا تمتلك قوة عسكرية أو اقتصادية كبرى، بيد أنها تمثل على المدى البعيد قوة روحية خلاقة، ومعلوم أن العبرة في مملكة الروح للكيف وليس الكم....ولسوف يعود عليها إسهامها(يعني إسرائيل) في تأسيس عالم جديد بالسلام والامن واحترام العالم.''
عبر هذه السياسة التي وضعت أسسها منذ زمن بن جريون عادت ''إسرائيل للعب دور جديد في إفريقيا منذ زمن بعيد غير ان عودة الاعتبار لإفريقيا كمسألة أولية كان في بداية التسعينات من القرن الماضي. يرى الدكتور حمدي عبد الرحمان حسن أن العودة القوية للكيان الصهيوني للاهتمام بالقارة السمراء يعود لأسباب عدة من أهمها وحسب تحليل الدكتور في إحدى مقالاته :
• الاعتبارات الأمنية، فثَمَّة مَخاوف إسرائيليَّة مِن انتشار الجماعات الإسلامية المتشَدِّدة في كثير من مناطق إفريقيا، ولا سيما في بؤر التوتُّر والصراعات الكبرى، وفي ظل حالات ضعف الدولة أو انهيارها، كما هو الحال في الخبرة الصومالية، ولا شك أنَّ إسرائيل تنظر إلى هذه المخاوف الأمنية باعتبارها تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي...
• التغلغل الإيراني المتزايد في إفريقيا، واستخدام السياسة الإيرانية للأدوات نفسها، التي استخدمتها إسرائيل لكسب عقول وقلوب الأفارقة، وهي المساعدات التنموية، وعليه، فإنَّ إسرائيل رأت في إيران وسياستها الإفريقية تهديدًا مُباشرًا لمصالحها الإستراتيجية في القارة السمراء.
• الاعتبارات الاقتصادية والتجارية؛ إذ تُحاول إسرائيل أن تُبْنَى على تقاليد عصرها الذهبي في إفريقيا، وهي تستخدم هيئة التعاون الدولي (مشاف)، التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، باعتبارها الذراعَ الدبلوماسي، الذي يُسهم في تقوية علاقاتِها مع الدول الإفريقية....
• التوكيد على أهمية إفريقيا الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل؛ حيث تُحاول إسرائيل - من خلال تبنيها مبدأَ شد الأطراف - خلق بؤر للتوتر والصِّراع على أطراف النظام الإقليمي العربي في جواره الإفريقي، ويُمكن أن نُشير هنا إلى الدَّور الإسرائيلي في دعم حركات التمرُّد والعنف في جنوب السودان وغربه، ومن المعروف أنَّ هذا المبدأ يعني خلقَ مناطق للتوتر تشمل الجماعات العرقية والإثنية في الدول العربية، وتقديم وسائل الدعم كافَّةً لها؛ من أجل تقوية نزعاتِها الانفصالية والقومية.
• التكالُب الدولي الجديد على استغلال الموارد الطبيعية الإفريقية يفرض على إسرائيل أنْ تعيدَ حساباتِها؛ لتُدافِعَ عن مصالحها، ويكون لها نصيب معلوم في عملية التنافُس الدولي، تلك التي تشهدها الساحة الإفريقية؛ ولذلك لا تتحرك إسرائيل صوبَ إفريقيا بدافع من مُجابهة التمدُّد الإيراني فقط، ولكن لمُواجهة واحتواء النفوذ الصيني المتزايد كذلك.
في هذا الإطار تتنزل زيارة وزير الخارجية الصهيوني أفيجدور ليبرمان في سبتمبر 2009 إلى كل من كينيا وأوغندة ونيجيريا وغانا وأثيوبيا. إضافة إلى ما ذكر أعلاه، فأن ليبرمان حسب العديد من المختصين في هذا الشأن يبحث أيضا عن :
· ضمان الدعم السياسي لاسرائيل في المحافل الدولية، حيث تمثل إفريقيا قوة تصويتية خاصة في الأمم المتحدة.
· تصدير السلاح، لتحريك الاقتصاد المحلي الذي لم يكن بدوره بمنأى عن الازمة العالمية ...والمعروف أن أهم تجار السلاح في القارة الافريقية هم من الصهاينة، لذلك تلعب ''إسرائيل'' دورا جهنميا في إثارة القلاقل لبيع ما لديها من فائض من الأسلحة الخفيفة التي لا تمثل خطرا على أمنها الداخلي...
· فتح أسواق هذه الدول للبضائع الإسرائيلية، خاصة أن المقاطعة لبضائعها لعبت درا نسبيا في ركود سلعها...
· الهيمنة على ثروات تلك المناطق أهمها الماس الذي يعتبر اليهود من أهم المتاجرين به في العالم . ثم اليورانيوم والحاجة إليه في الصناعات النووية ....
· الهيمنة على موارد النفط عبر الحصول على عقود لاستخراجه واستغلاله لتأمين احتياجاتها المستقبلية...فالدول التي زارها ليبرمان اذا ما حذفنا غانا هي دول مجاورة للسودان وبالتحديد جنوب السودان الذي يتهيأ للانفصال وهو صاحب الثروات النفطية الهائلة ....وهنا يتنزل الدور الكبير والمحوري الذي لعبه الكيان الصهيوني في دعم الانفصاليين بالسودان...( لماذا السودان , هذا ما سأتناوله في مقال مستقل ان شاء الله)
· تحريض دول منابع النيل على مصر والسودان من خلال طرح برنامج وخطط جديدة لتعديل قانون توزيع حصص مياه النيل والذي أصبحت مصر أمام الضغوط المتزايدة عليها تبدي ليونة في الموضوع، بعد ان كانت رافضة، وذلك من أجل سواد عيون الكيان الصهيوني...ما يدلل على ذلك أن ليبرمان لما زار دول المنبع (خلال الزيارة المذكورة)كان بصحبته وفدا كبيرا من الخبراء في مجالات عدة كالتجارة والمجال العسكري ثم والاهم بالنسبة لقضية مياه النيل أنه كان من ضمن الوفد خبراء في مجالات المياه والري وإقامة السدود وفنون الزراعة...كما تجدر الإشارة هنا الى أن بعض دول المنبع زارت ''اسرائيل'' لمناقشة موضوع مياه النيل مثل الكونجو كينشاسا وبورندي....
· البحث عن غطاء قانوني لتركيز شبكات للموساد في عدة مناطق من إفريقيا خاصة ذات الأغلبية المسلمة وتلك المتواجدة في القرن الإفريقي . لتتمكن هذه الأجهزة من رصد كل التغيرات ونقلها لباحثين استراتيجيين مختصين في شؤون المنطقة ، لدراستها والاعتماد على نتائجها لرسم الخطط المستقبلية تحسبا لأي تغيرات تهدد مصالحها....
تعد هذه النقطة الاخيرة من أهم بنود سياسة الكيان الصهيوني في القارة السمراء وبالتحديد في القرن الإفريقي. تعتبر السفارات الصهيونية في إفريقيا بمثابة غطاء سياسي لأنشطة الموساد وكل أجهزة مخابراتها في المنطقة، تعمل هذه الأجهزة على خلق حالة من التوتر بين مختلف الطوائف والعرقيات أولا لصرف الانتباه عما تقوم به من نهب وسلب لثروات البلاد، ثم ثانيا لإنعاش تجارة السلاح لديها كما ذكرت نجحت إسرائيل بصورة كبيرة في هذا المجال وتمكنت من استمالة بعض زعماء الحركات الانفصالية، فكانت وراء الخلافات بين اريتريا وأثيوبيا كما أن لها يدا مع دول أخرى في دلتا نهر النيجر بنيجيريا....
وها هي اليوم في انتظار يوم حاسم لجني ثمار سنوات من التخطيط وحبك المؤامرات وزرع سمومها في جزء من أرض السودان الحبيب...9جانفي 2011يوم مصيري سيسجله التاريخ ، يوم قد تفرح فيه قوى الاستكبار في العالم وعلى رأسها الكيان الصهيوني في حال صوت الجنوبيون لصالح الانفصال يفرحون فيه بقيام كيان وظيفي جديد أو مركز شرطة يشرف على البوابة الخلفية للأمة بعد تنصيب الكيان الصهيوني في قلبها النابض، أرض المحشر والمنشر، أرض الإسراء والمعراج، أرض المقدس أول القبلتين حراسة بوابة الامة الخلفية ليسهل اختراق أمنها القومي والحد من التمدد الاسلامي ونشر الاسلام داخل القارة السمراء....
هل نعي الدرس، للبحث عن أساليب لقطع دابر هذه القوة الناعمة التي تحمل في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذابات والسموم والنيل من كرامة الامة...؟؟
في أمان الله
مريم حمدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.