رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مزاد دولي يبيع ساعة أغنى راكب ابتلعه الأطلسي مع سفينة تايتنيك    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد بعد دعوته لتحويل جربة لهونغ كونغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب وإفريقيا: من أضاع من... ومن «يدفع» الثمن؟
نشر في الشروق يوم 18 - 05 - 2010

بعثت الاتفاقية الاطارية التي وقّعتها دول حوض النيل نهاية الأسبوع الماضي بإشارات قوية حول غياب العرب عن القارة الافريقية في مقابل تزايد الوجود الاسرائيلي عبر أشكال ومجالات متعدّدة.
الحقيقة أن الوجود الاسرائيلي في إفريقيا ليس جديدا ولكنه يتزايد بشكل لافت ولعلّه ليس من باب المبالغة القول بأن اسرائيل تطوّق أبواب الديبلوماسية العربية بل تدكّها دكّا من إفريقيا لكن الخطير في الأمر هو موقف العرب مما يجري في القارة الافريقية وهو موقف أقل ما يقال عنه أنه يتّسم بنوع من اللاّمبالاة وكأن هذه القارة جزيرة معزولة تسكنها الأرواح رغم أنها تشكّل مجالا حيويا وحديقة خلفية للعديد من الدول الافريقية.
وبالرغم من الأهمية الاستراتيجية لهذه القارة بالنسبة الى الدول العربية بما في ذلك تلك الدول الواقعة جغرافيا في قارة آسيا إلا أن الاهمال ظلّ عنوان السياسة العربية تجاه إفريقيا..
وعلى عكس الحالة العربية المترهّلة والفاقدة للوعي بأهمية القارة نجد الاهتمام الاسرائيلي والأمريكي المتزايد بالفضاء الافريقي وهو اهتمام تجلّى من خلال الحضور الاسرائيلي المكثف في إفريقيا أمنيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا وأيضا من خلال الرغبة الأمريكية في تشكيل قيادة عسكرية مختصة في الشأن الافريقي فضلا عن تقديم مساعدات عسكرية مباشرة لما يعرف بدول الساحل (مالي وموريتانيا والتشاد والنيجر) انضمّت لها ست دول أخرى لمكافحة ما يسمّى «الارهاب».
لقد مثلت إفريقيا بالنسبة الى العرب جدارهم الخلفي وفضاءهم الآمن.. لكن متى يدركون أن هذا الفضاء الافريقي لم يعد آمنا كما كان.. ومتى يتحرّكون لاستعادة دورهم في هذه القارة قبل فوات الأوان؟
أ. معن بشور ل «الشروق»: الصهاينة يخطّطون ل «خنق» العرب... من افريقيا
٭ تونس (الشروق)
لاحظ المفكّر القومي العربي والأمين العام لهيئة دعم المقاومة في العراق وفلسطين الأستاذ معن بشور في لقاء مع «الشروق» عبر الهاتف في بيروت أمس أن هناك مشروعا صهيونيا يستهدف محاصرة العرب من «الجبهة الافريقية» مؤكدا ان ان الغياب العربي عن القارة السمراء شجع الكيان الاسرائيلي على المضي قدما في مخططه هذا...
الاستاذ معن بشور كشف ل«الشروق» ان العمل جار على عقد مؤتمر عربي افريقي كبير في غضون عام وذلك في اطار اعادة «الدفء» الى العلاقة العربية الافريقية... وفي ما يلي هذا الحوار :
٭ كيف ترصدون أستاذ معن التعاطي العربي مع القارة الافريقية، ألا يشكل توقيع دول حوض النيل لاتفاقية اطارية أحادية، اشارة واضحة على غياب العرب في مقابل تزايد الحضور الاسرائيلي بهذه القارة؟
أولا، اعتقد انه علينا ان نقر بأن هناك غيابا عربيا عن الهموم والقضايا العربية قبل ان نتحدث عن غياب عربي في افريقيا... المشكلة ان الجسم العربي وخصوصا الجسم الرسمي العربي بات خائرا ومنهكا ومنشغلا بخلافات داخلية ومضطرا للإذعان للاملاءات الخارجية على الاستجابة الى التحديات المطروحة... لذلك لم يكن غريبا ان يصل الامر بعدد من دول افريقيا في حوض مياه النيل ان توقّع اتفاقية اطارية تهدد الامن المائي لمصر والسودان فهذا الامر لطالما حذّرنا منه بل اننا كنا نعتقد ان ما تعرض له السودان هو محاولة للنيل من الأمن القومي العربي ومن مصر على وجه الخصوص.
اسرائيل لم تكن لتتغلغل داخل افريقيا سياسيا وعسكريا وأمنيا وثقافيا لولا التراجع العربي الخطير الذي حدث... فحتى بالنسبة الى القضية الفلسطينية فقد تراجع الالتزام العربي تجاه هذه القضية فاستغل الصهاينة هذا الامر الى حد كبير لكن الجديد في الامر ان الصهاينة في احدى ركائز استراتيجيتهم كانوا يعتمدون على تطويق دول المنطقة من دول الجوار وكانوا يسعون الى تعميق التناقض بين الدول العبرية ودول الجوار... اليوم بات الأمر مختلفا فالتطورات التي حدثت في الفترة الاخيرة نقلت ايران الى محور الممانعة والوقوف الى جانب المقاومة في فلسطين ولبنان وكذلك الشأن بالنسبة الى تركيا التي أصبحت دولة مناصرة للقضية الفلسطينية... لذلك لم يبق امام المشروع الصهيوني في هذه الحالة سوى العمل على محاصرة العرب من الجهة الافريقية وخصوصا مصر والسودان.
٭ في ظل هذا الوضع ما المطلوب برأيكم، لسد الفراغ العربي لهذه القارة... والى أي مدى يقدر العرب وهم على اهذه الحالة من الفرقة والتشتت على «مزاحمة» الوجود الغربي والاسرائيلي هناك؟
اليوم مطلوب عربيا اغلاق بؤر التوتّر في العمق الافريقي وتحديدا السودان والصومال وكذلك التشاد.
2) مطلوب تضامن عربي حول القضايا الرئيسية وخصوصا الأمن القومي العربي المهدد مائيا واقتصاديا من خلال ما نراه في وسط افريقيا.
3) مطلوب كذلك تعزيز المؤسسات الافريقية العربية ودعم أطر الحوار العربي الافريقي... وأودّ ان أشير هنا الى ان هناك مبادرة عربية لعقد مؤتمر كبير يحضرها عشرات الشخصيات العربية والافريقية خلال عام... واليوم هناك مخطط يهدف الى انشاء مجموعة مؤتمرات مع قارات أخرى بهدف توثيق العلاقات الشعبية لأننا أكدنا منذ البداية على أهمية الانتقال بالعلاقات العربية الافريقية من مستوى الضغط الشعبي الى مستوى الضغط الرسمي.
٭ هذا على المستوى النظري العام لكن في ما يتعلق بأزمة مياه النيل مثلا، كيف يمكن للعرب هنا التحرك في اتجاه الدفاع عن الامن المائي المصري والعربي؟
لا شك أن هذا أمر يتطلب موقفا مشتركا على مستوى جامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي لإيجاد الحلول، فلو كانت الحكومة المصرية في مستوى طموحات ومستوى دور مصر في كل المجالات فأعتقد انه ما كان ممكنا لأي دولة في افريقيا ان تتطاول على مصر وعلى أمنها القومي... لأن الأمن القومي المصري مرتبط الى حد كبير بالدور الذي تنتزعه مصر لنفسها والمنسجم مع تاريخها.
٭ أعلنتم عن مبادرة لعقد مؤتمر عربي افريقي... لكن هل تعتقدون أن مثل هذه المؤتمرات قادرة فعلا على تصحيح العلاقة بين العرب والقارة السمراء؟
أنا أرى أن هذه المؤتمرات تحقق تقاربا بين الشعوب... فالنخب تلتقي وتتباحث وربما تقترح حلولا وتضع الامور في يد القوى صاحبة القرار... وأود ان أشير هنا الى أن هذا الانعطاف في الموقف التركي تجاه نصرة القضية الفلسطينية بدأ في ملتقى القدس الدولي عام 2007... يومها قال لي وزير الخارجية التركي الحالي أوغلو أننا أردنا من خلال ملتقى القدس اختبار مدى حماسة الشعب التركي للقضايا العربية...
القارة السمراء والعرب واسرائيل: تعدّدت الأهداف والمصالح... وفتش عن «الخاسر والرابح»!
تونس الشروق :
لماذا أهمل العرب افريقيا؟... يبدو السؤال شديد المراوغة وربّما يحيل ذهن المتلقي الىحقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، الى حركات التحرّر الوطني، الى توجّه العرب شرقا وجنوبا حيث نجد مصطلحات سياسية من قبيل حركة عدم الانحياز والافروآسيوية... تنبع المراوغة هنا من منطلق أن المصطلحات كمفاهيم تمتلك القدرة على إثارة الخيال... والمؤسف في هذه النظرة أن بامكانها طرح السؤال الآخر... عن الوجه الآخر للعلاقة بين افريقيا والعرب... السؤال هنا عن ماذا تعني افريقيا بالنسبة الى العرب؟
إفريقيا هي ثاني أكبر قارات ا لكرة الأرضية مساحة لكنها في الوقت نفسه أكثرها تفتتا ففيها 52 دولة قامت علىحدود واهية لا علاقة لها بالتركيب القبلي للسكّان الاصليين... فالحدود كانت دائما حدود المصالح المتنافرة للقوى الاستعمارية وليست حدودا بين شعوب القارة السوداء الموقع الجغرافي لهذه القارة فريد من نوعه فهي تطل على أوروبا من خلال البحر الأبيض المتوسط وعلى أمريكا من خلال المحيط الاطلسي وعلى الشرق كله من خلال المحيط الهندي... وربّما كانت هذه المزايا جميعا السبب الرئيسي في حملات الاستعمار التي حوّلت هذه القارة من أكثر القارات غنى الى أكثرها فقرا...
الجدار الخلفي للعرب
افريقيا هي فعلا الجدار الخلفي للعرب وهي حزام الأمن الذي يطوّق الوطن العربي من الجنوب... وفضلا عن ذلك فإنها تعدّ «مخزنا اقتصاديا» مهما جدا بالنسبة الى العرب... فحروب المياه يمكن أن تندلع في حوض النيل وحروب السيطرة على الطرق التجارية يمكن أن تنشب في القرن الافريقي وفي البحر الاحمر بالتحديد... وعلى سبيل المثال فإن مصر كانت دائما محمية من الغرب بالصحراء ومن الجنوب بالادغال والخطر الداهم كان يأتيها من الشمال... لذلك كان خط الدفاع الرئيسي عن مصر وأمنها يقع في الشام... هكذا كان الحال مع غزوات الحوثيين والاشوريين والمغول لكن في العصر الوسيط تغيرت الأحوال لا سيما مع ازدياد أهمية التجارة الدولية العابرة لبرزخ السويس ولقناة السويس في ما بعد... فالزحف الفاطمي جاء من الغرب... والزحف الفرنسي بدأ في الغرب أيضا... وأصبح الأمن المصري معرّضا للخطر لا من الشمال وحده بل من الجنوب أيضا أي في منبع النيل نفسه...
إن العقيدة الأمنية الاسرائيلية كانت ترى في افريقيا مجالا مهما جدا لادارة الصراع العربي الاسرائيلي وميدانا لا يمكن الاستغناء عنه في حربها مع العرب... وذلك من خلال العمل على:
1) تطويق مصر من خلال السيطرة على النطاق الجغرافي المحيط بها.
2)تأمين الملاحة الاسرائيلية في البحر الاحمر من خلال الوجود الظاهر في أثيوبيا ثم في أريتريا.
3) تأمين مستوردات الألماس وصادرات السلاح.
4) كسر حلقة المقاطعة العربية المفروضة على اسرائيل.
5) اكتساب الشرعية الدولية.
6) تهجير اليهود الافارقة الى اسرائيل، وبناء على هذه الأهداف مجتمعة شرعت اسرائيل في «اللعب» في القرن الافريقي لتأمين مضيق باب المندب وفي دول منابع النيل للضغط علىمصر والسودان... وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية للتحرّش بها وتمكّنت من تأسيس وجود عسكري واستخباراتي لها في كل من كينيا وأثيوبيا وأريتريا والكونغو الديمقراطية وليبيريا... وقد نجحت على العموم في اختراق القارّة السمراء وفي اضعاف الموقع العربي التقليدي في دول جنوب الصحراء.
اختراق اسرائيلي
حتى عام 1956 لم تكن في افريقيا الا دولتان تقيمان علاقات مع اسرائيل هما أثيوبيا وليبيريا... لكن هذا العدد ارتفع الى 32 دولة عام 1970... ومنذ عام 1979 تقيم اسرائيل علاقات ديبلوماسية كاملة مع مصر ولها تمثيل غير ظاهر في دول أخرى افريقية... إن هذا «الاختراق» الاسرائيلي كان في الحقيقة ممكنا بفضل التخطيط بعيد المدى و«القضم» المتدرّج من المواقع العربية في افريقيا... لكن المؤسف هنا أنه في مقابل هذا النجاح الاسرائيلي المتدرج في اختراق افريقيا كان العرب ينتقلون وبشكل متدرج وأحيانا متسارع من تراجع الى تراجع...
ومع أن الاقطار العربية وقفت ضد أنظمة الفصل العنصري في جنوب افريقيا وروديسيا (زمبابوي في ما بعد)... ومع أن معظم الدول الافريقية قطعت علاقاتها باسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973 تظامنا مع العرب ومع أن اسرائيل ظلّت دائما مكروهة في افريقيا بسبب تعاونها مع أنظمة الفصل العنصري ومساندتها لحركات الانفصال في عدّة دول افريقية... ومع أن العرب دفعوا الكثير من الأموال للدول الافريقية فإن اسرائيل هي التي حصدت النتائج في النهاية حتى أن الرئيس الاريتري أسياس أفورقي الذي تلقّى دعما هائلا من بعض الأقطار العربية لم يتورّع عن ادارة ظهره للعرب.
عبء كبير... وتراجع خطير
إن الرصيد الذي حققته اسرائيل في افريقيا شكّل بلا شك عبئا كبيرا على كاهل العرب... كما أن الحضور الاسرائيلي المتزايد في افريقيا مثّل ضربة كبيرة أيضا للوجود العربي في هذه القارة السمراء... ومن شأن هذا الوجود العربي أن يندثر أصلا إذا لم يتحرّك العرب ويستعيدوا هذه القارة الجريحة من الوحش الاسرائيلي لا سيما بعد أن باتت دول حوض النيل ودول القرن الافريقي لا تمانع في منح اسرائيل مكانة تفوق في بعض الأحيان المكانة التقليدية لمصر...
د. صالح النعامي ل «الشروق»: الغياب العربي وراء البلية... والمطلوب رؤية شاملة وموحّدة
تونس الشروق : حوار أمين بن مسعود :
اعتبر الدكتور صالح النعامي أن الوجود الإسرائيلي في افريقيا يعتمد بالأساس على إلهاء الدول الكبرى عن الملفات الحيوية والاستراتيجية بإشغالها بمسائل جانبية مضيفا أن تل أبيب وجدت في القارة الإفريقية مجالا رحبا للامتداد في ظل الغياب العربي.
وقال النعامي في حديث ل «الشروق» إن القارة الإفريقية باتت مسرحا للتوازنات الدولية والديبلوماسية وأن الدول المتقدمة إضافة إلى البلدان الصاعدة أصبحت تبحث عن موطئ قدم لها في الفضاء الإفريقي.
وأوضح الباحث في الشؤون الصهيونية أن هذا الاختراق مرتبط بالعقيدة الأمنية المتمثلة في تهديد الأمن الاستراتيجي للدول الكبرى عبر التحالف مع الجهات التي تعاديها تكريسا للشعار القديم القائل بأن عدو عدوي صديقي ضاربا في هذا السياق مثال التحالفات التي أبرمتها مع إريتريا لتهديد الأمن اليمني إضافة إلى الدعم الذي تقدمه لحركة تحرير السودان لتجذير الانقسام في أرض النيلين وإيجاد موطئ قدم راسخ لها هناك.
رؤية استراتيجية
وأوضح أن التوجه الصهيوني نحو إفريقيا ليس وليد اللحظة وإنما هو رؤية استراتيجية كاملة للفضاء الإفريقي يسعى إلى دعم النفوذ الصهيوني الذي وصل به في بعض الأحيان إلى إسقاط أنظمة حاكمة في أوغندا وزنجبار.. مشيرا إلى أن التواجد الإسرائيلي لا يقتصر على الجانب العسكري وإن كان هو الأهم وإنما يتعداه ليشمل الأبعاد الاقتصادية والثقافية ذلك أن إسرائيل ضاعفت صادراتها من السلاح إلى نيجيريا خلال الاونة الأخيرة.
وفي إجابته عن استفسار «الشروق» عن أبعاد اعتماد إسرائيل في التغلغل الصهيوني على «الموساد» وليس الخارجية الإسرائيلية, أجاب الدكتور النعامي أن هناك تكامل أدوار بين الجهتين مشيرا إلى أن «الموساد» بدأ عمله الحقيقي مع «قايشن شلويح» في إفريقيا وأن الموساد أوكلت له مهمات ديبلوماسية منها تأسيس علاقات ديبلوماسية مع دول إفريقية لم تكن لها علاقات مع إسرائيل, أو إحيائها مع بعض العواصم الإفريقية التي قطعتها بعد حرب 1967 تضامنا مع القاهرة ودمشق.
وأبرز أن هذا التغلغل وصل إلى حد التنقيب على اليورانيوم واستخراجه دون أن يضع الموساد الدول الإفريقية في صورة ما يقوم به, مستشهدا بما كشفه العالم النووي الإسرائيلي أرئيل بخراخ بأن تل أبيب قامت بسرقة اليورانيوم من دول إفريقية دون علمها بحجة ان علماءها كانوا يقومون بأبحاث جيولوجية في صحارى تلك الدول.
وفي حديثه عن آليات الاختراق, أكد أن إسرائيل تركز على الدول ذات الطابع الشمولي والتي لا يستنكف حكامها في التضحية بمقدرات الوطن في سبيل تأمين مصالحه الذاتية.
وأضاف أن إسرائيل تقدم نفسها لهؤلاء الحكام كدولة حريصة على مصالحهم الشخصية, فتقوم بتدريب حراسهم الشخصيين وتسليحهم بأفضل العتاد وبتدريس بعض الطلبة في جامعاتها ومنحهم خبراء في الشؤون الاستخباراتية والعسكرية , وبهذا تشتري مصلحتها العلوية بمصالح ضيقة.
صخب الصمت الأوروبي
وفي تعليقه على استفسار «الشروق» عن سكوت الدول الأوروبية فرنسا وبريطانيا من اختراق إسرائيل لدول تعتبرها مستعمراتها السابقة مكامن نفوذها الحالي والمستقبلي قال المتخصص في المسائل الإسرائيلية ان المخابرات الفرنسية نسقت مع السي أي إيه في 1984 لتهجير الالاف من اليهود الفلاشا من إثيوبيا الى إسرائيل , مشيرا إلى أن هذه الحادثة لا تعني بالضرورة وجود تواطؤ بين هذه الدول وإسرائيل لفسح المجال أمام تل أبيب.
وأضاف أنه وعلى الرغم من كل هذا التغلغل الإسرائيلي في المستعمرات السابقة لفرنسا وبريطانيا فإنه لا يوجد تبرم معلن من طرفيهما الأمر الذي يطرح عدة أسئلة في هذا السياق.
ورجح أن تكون اللوبيات اليهودية المتناثرة في القارة العجوز قد أثرت على السياسة الخارجية للدول الاستعمارية القديمة وعلى تصورها للوجود الصهيوني هناك.
وفي حديثه عن الغياب العربي , عزا النعامي هذا الغياب إلى افتقاد العرب للمشروع الموحد والرؤية الشاملة مشيرا إلى أن إسرائيل تجتاح إفريقيا وفق تصور محدد وأن إيران والصين عندما تلقيان بثقلهما في الفضاء الإفريقي فهما تجسدان مشروعين خاصين بهما.
واعتبر أن غياب العرب حث بعض الدول الإفريقية على التطاول عليهم..داعيا الأقطار العربية إلى استعادة زمام المبادرة عبر صياغة مشروع موحد يعكس طموحاتها واستحقاقاتها ويحول دون مزيد التغلغل الصهيوني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.