تونس البلد الذي ترتكب فيه أكبرالفضائع تونس البلد الذي يعذب فيه الأبرياء يوميا بقوانين جائرة وبقوائم جاهزة وعلى يد وحوش مفترسة احترفت مهنة القتل والبطش والتنكيل. تونس البلد الذي تهان فيه كرامة الإنسان في كل لحظة وفي كل شبر من تراب الجمهورية تونس البلد الذي يحكمه جنرال تاريخه كله سواد وإجرام وفساد وانحطاط تونس البلد الذي لا توجد فيه إنسانية للإنسان تونس البلد الذي تحالفت فيه عصا البوليس مع عصابة اللصوص. تونس هذه تنتفض والحمدلله وتتحرك باتجاه التحرير ، باتجاه التغيير الديموقراطي الحقيقي ، باتجاه إنهاء حكم الدكتاتورية والإستبداد وإرهاب الدولة. لقد اتسعت كما كان متوقعا دائرة الإحتجاجات لتشمل شمال وجنوب البلاد تضامنا مع الإنتفاضة الشعبية التي انطلقت شرارتها من سيدي بوزيد. لقد أبلغ المحتجون إلى كل الدنيا من خلال رفعهم لشعار ( التشغيل استحقاق يا عصابة السراق ) ومن قبلهم تقارير ويكيليكس أن تونس اختطفتها شرذمة من البلطجية الفاسدين الخائنين. هذا النظام يجني ثمار جرائمه التي لا تحصى ولا تعد ، ويحصد نتائج حربه الضروس والشعواء على الدين والهوية والحريات ودوسه على حقوق الإنسان ، ويدفع فاتورة نهبه لخيرات البلاد وأرزاق العباد ، ويلقى جزاء تعامله مع كل الملفات السياسية تعاملا أمنيا. كل وكالات الأنباء العالمية والمواقع الإلكترونية تنقل مباشرة بالصورة والصوت فضائح هذا النظام التي تتصدر في الأيام الأخيرة عناوين الصحف ونشرات الأخبار. لقد أوصلت سياساته الخرقاء والحمقاء كل الأطراف إلى طريق مسدود ولم يبقى أمام الجميع إلا خياران لا ثالث لهما إما انتزاع للعيش الكريم وإما إنهاء للحياة بموتة شريفة.. لقد مكن هذا النظام بسلوكه الغبي الشعب من الخروج إلى الشارع ومحاصرته وتضييق الخناق عليه ، كان بإمكانه تجنب كل ذلك لو أن الوالي اللئيم استمع لمشكلة الشاب محمد البوعزيزي وعمل على مساعدته. الشعب التونسي أمام فرصة تاريخية عظيمة لإنقاذ نفسه وإعادة الإعتبار لها وطرد هذه الطغمة الظالمة والإستراحة منها إلى الأبد. وأمام انفلات زمام الأمور اتجهت الدولة وكعادتها إلى الكذب والإفتراء من خلال ادعائها أن بعض الأطراف استغلت حادثة البوعزيزي لتوتير الأوضاع ، وإلى إطلاق الوعود التي يعلم الجميع أنها زائفة ولا تنفذ بأي حال من الأحوال لتسكين الآلام الإجتماعية . كما حاو ل محامو الشيطان وشهود الزور من أمثال برهان بسيس وأبوبكر الصغير ( الصغير في مستواه ، الصغير في أعين كل الشرفاء ، الحقير في وعيه ، الخاذل لتاريخه النضالي ) عبثا قلب الحقائق والتلبيس على الناس إلا أن الله كذب أقوالهم وسفه أحلامهم وخيب آمالهم. كل المعارضين في الداخل والخارج معنيون بمساندة الإنتفاضة الشعبية كل من موقعه ولا عذر لمقصر أو متثاقل أو مستكين. المرحلة تستدعي حشد كل الجهود والإمكانيات المتاحة والقوى الحية من أجل نصرة دعاة الحرية في الداخل. المرحلة تستدعي تحديد المواقع هل أنا مع المستضعفين أم مع المستكبرين ، هل أنا مع الظالم أم مع المظلوم ، هل أنا مع محمد البوعزيزي أم مع عصابة الطرابلسية. فئة واحدة معذورة في صمتها وخرسها على ما يجري وركونها للظالم هم العبعابيون العائدون عبر بوابة الملحق الأمني ، لقد وعدوا السلطة بالتوبة النصوح وعدم التدخل في الشأن العام ولو أحرق بن علي تونس بأكملها عملا بقولة أخط راسي واضرب ، والمسلمون عند شروطهم وهم لأماناتهم وعهدهم راعون . أتحداهم جميعا أن يصدروا بيان مساندة لأهالي سيدي بوزيد كما ساندوا ترشيح بن علي ، إنهم لا يستطيعون ، مثل هذا الصنيع يكلفهم الحرمان من الجواز والحرمان من العودة وربما متابعات عدلية. أنصحهم جميعا بقراءة مقال ضريبة الذل لشهيد العصر سيد قطب فهو البلسم لما هم فيه. ولتأكيد هذه البراءة وهذه الأنانية المقيتة وهذه الإنتهازية التي لا تليق بمن ادعى زورا وبهتانا في وقت من الأوقات أنه مناضل ، اختار بعضهم هذه الأيام الخالدة التي يتحرك فيها الشعب التونسي من أجل الإنعتاق للعودة الذليلة . كان من باب اللياقة ومن باب الحياء ومن باب الذوق ومن باب الرجولية أن يقع تأجيلها احتراما لانتفاضة المظلومين وتقديرا للدماء الزكية التي تسيل فداءا للحرية. ( إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) إن لم تستحي فاصنع ما شئت.