يبدو أن رجال الانتفاضة حسموا أمرهم وعقدوا العزم على الكرامة أو دونها و يبدوا أن الامور استفحلت و أصبحت لا تطاق ... الشعب التونسي من أكثر شعوب العالم رقة و حضارة و حبا للسلام ...غير أن حكومتهم من أسوأ الحكومات التي عرفتها المنطقة برمتها و بشهادة الأمريكان حلفاء العائلة الحاكمة ...شهدت على رداءة أخلاقهم و قباحة تصرفاتهم فهي لا ترقى لأخلاقية مجتمعها المنضبط في سلوكه ، و الراقي في معاملاته ، فهي مافيا من الدرجة الدنيا، ولا تساوي حتى عصابات أحياء القصديرية بسوويتو بجنوب افريقيا ... و أن هذه العائلة الحاكمة لا تشبه التونسيين في أي شئ ، غير أنهم يحملون هويات تونسية في جيب ، و جوازات سفر لدول أخرى هم يعرفونها بالجيب الاخر يستظهرون بها على حسب مقتضيات المهمة و حجم الصفقة و نوع الكاش ، الا أن الشعب التونسي على بكرة أبيه صرخ بالفم الملآن و على صوت رجل واحد : تونس حرة حرة بن علي على برة لا لا للطرابلسية الي نهبو الميزانية
جرائم ميدانية :
انهم لا يعرفون لمعاقل التعليم حرمة و لا لمعنى الحياة قدسية التي وهبها الله لعباده ...و للمرة الثانية على التوالي ، يقتلون خيرة أبنائنا رميا بالرصاص الحي ، الذي يخترق صدورهم العارية ، و يمزق بطونهم الخاوية ، و يهد أجسامهم الطرية ، أنهم يقتلون فلذات أكبادنا في عمر الزهور بأمر من وزير الداخلية ...هذا ما أنبأتنا بها صحف اليوم السيارة ... أقرأ الأخبار و أتساءل : أنحن في قطاع غزة ام في تونس المعجزة ..؟ هل البوليس الذي يطلق الرصاص على أبنائنا ، هل هو بوليس تونسي الجنسية أو جندي اسرائيلي مختفي في بدلة عسكرية وطنية ؟ هل أبناؤنا الذين في أعمار الزهور ليس لهم الحق في الحياة في ظل حكومة المافيا ...؟ هل الشعب التونسي قطيع من الأغنام بمزرعة الطرابلسية ...؟ هل العشرة مليون نسمة خلقوا ليكونوا عبيدا في مناجم الفحم بالجنوب ...؟ هل الشاب التونسي يلتحق بالجامعة ليكون مشروع انتحار ينتظر الاذن من الوالي أو وزير الاشغال ليضرم النار في جسمه و يحترق غبنا و قهرا ...؟ بالأمس بمدينة تالة قتل بوليس حكومة الارهاب شابين و جرح العشرات و حاصر معاهد العلم التي أصبحت شبيهة بالثكنات العسكرية و صارت رائحة الرعب و الموت ممزوجة بغاز المسيل للدموع و دخان الرصاص الأسود كلون جريمة الحرب و قتل العمد . اما في في مدينة منزل بوزيان ، وسيدي بوزيد ، و أم العرائس ، و القصرين و سوسة... كلها بدون استثناء شهدت انتفاضة أكثر ابداعا و أكبر عزما واصرارا على استحقاق حياة كريمة تليق بانسانيتهم ، لقد كسروا جدار الخوف و أعلنوا عن حبهم للحياة و أن تكون أرواحهم فداء لذلك و كله يهون من أجل الحرية و الكرامة .
وزير الداخلية على قائمة الاقالات :
بعد جريمة القتل العمد المتكررة و التي كانت ضحيتها أربعة شهداء قتلوا بالرصاص و هم بمظاهرة سلمية يطالبون فيها بحقوقهم القانونية كالوظيفة و الحياة الكريمة و تحقيق العدالة في تقسيم الثروة و فرص العمل و كما أن التظاهر حق مشروع تكفله القوانين الوضعية و الشرائع السماوية الا أن مجرمي النظام الفاشي بدلا من أن يستمعوا لابنائنا و تكون أذانهم صاغية لهم .... رموهم بالرصاص و أردوهم قتلى ...؟ و عليه ان اقالة وزير الداخلية من منصبه و احالته للتحقيق تعتبر أدنى خطوة لتحقيق العدالة قبل احالته للمحكمة و قبل أن تلتهم نار الغاضبين الأخضر و اليابس و قبل أن تنفلت الامور من يد الجميع و تصبح تونس على حافة حمام من دم .
المجتمع الدولي ...خط رجعة :
تونس اليوم في عيون القوى الدولية تختلف كثيرا عن نظرتهم اليها قبل انتفاضة سيدي بوزيد و ان المجتمع الدولي يعي تماما حجم التجاوزات التي يرتكبها نظام المافيا في حق شعبه على جميع المستويات و لكن ليس بيد الغرب حيلة و الساحة السياسية بتونس خالية من بدائل جادة أو معارضة قوية يمكن الاعتماد عليها أو استعمالها كورقة ضغط على حكومة الاستبداد خاصة و أن نظام الاكاذيب المصطنعة الذي يفتخر بانجازها على مستوى الاقتصاد و التنمية و التي أثبت فيما بعد الانتفاضة المباركة مدى زيفها و زيف شعارات كثيرة كان يتغنى بها النظام طيلة السنين الماضية و من ضمن هذه الاكاذيب ، أكذوبة خطر الارهاب الذي يعتبر التحدي الأكبر للغرب و للعالم المسيحي و الذي عرف نظام المافيا كيف يسوق هذه النظرية مستغلا نقطة ضعف المجتمع الدولي من الارهاب الاسلامي و كلما طالبت أمريكا من الرئيس التونسي فك الحصار على الحريات و الديمقراطية كانت دائما اجابته بالرفض مستدلا بالتجربة المصرية و حتمية استيلاء الاخوان على السلطة طال الزمن أم قصر و يؤكد سلامة سياسته المعتمدة على القمع و العصا الغليظة . و لكن أحداث سيدي بوزيد أثبتت غير ذلك و أسقطت القناع عن مسلمات كثيرة و مفاهيم مغلوطة كان يؤمن بها الكثير و دفعت أمريكا لاعادة النظر في التركيبة التونسية برمتها و البحث عن أسماء جديدة لتكون بديلا عن الرجل العجوز المريض بمرض الشيخوخة و أمراض عضوية أخرى . ليس أمريكا لوحدها التي أعادت النظر في سياستها تجاه تونس انما فرنسا ذلك الحليف القوي لبن علي و التي صدمتها هي بدورها انتفاضة سيدي بوزيد وأزاحت الستار عن أوهام كثيرة كانت بمثابة نجاحات في عقلية الحكومة الفرنسية ، و على الفور استدعت الخارجية الفرنسية نظيرها التونسي كمال مرجان ليستمع للتوصيات الجديدة و التوجيهات التي يجب العمل بها و انقاذ ما يمكن انقاذه قبل استفحال الأمور و خروجها عن السيطرة ، و بالتأكيد هذه المقابلة على مستوى وزراء الخارجية هي بمثابة تهدئة الامور و الحفاظ عن النسق العام و لكن من المؤكد أن بن علي أصبح غير مرغوب فيه لدى الفرنسيين و على الاستخبارات الفرنسية ترشيح شخصية ذات قبول دوليا و محليا و صاحب كاريزما على خلاف سابقه الذي كان يفتقر للحد الأدنى من التعايش و الاعتراف بالاخر ، اذا ، فالأمر محسوم ، و المسألة أصبحت مسألة وقت لا غير ، و بن علي يكون - برة - و يتحقق حلم المتظاهرين باذن الله . تأتي أيضا زيارة أحمد أبو الغيظ وزير الخارجية المصرية لتونس في هذا السياق ذاته بعد استجابته مسرعا لدعوة الرئيس التونسي و مساعدته للخروج من الأزمة خاصة و أن مصر سجلها حافل بالاضطرابات الشعبية و حافل ايضا بالانتهاكات الحقوقية ، فضلا عن و جود اتفاقات موقعة بين الطرفين في مجال الامن و مكافحة الارهاب . لا يخفى على أحد العلاقة الحميمية التي تجمع بين الكيان الصهيوني و نظام المافيا التونسي و التي تزداد يوميا توطدا عبر الرحلات الدينية من تل أبيب الى جربة أو التبادل التجاري و الثقافي بينهما و امتدت هذه العلاقة الى نقل الخبرات الاسرائيلية في مجال التجسس الالكتروني و أدوات التعذيب للمساجين و وسائل قمع المظاهرات . و بما أن نظام بن علي حليف استراتيجي لاسرائيل داخل المنظومة العربية و هو يمثل مهمة محام دفاع عن المصالح الاسرائيلية داخل اجتماعات الجامعة العربية فان سقوطه يعتبر خسارة كبيرة لها و عليه تعمل ما بوسعها للحفاظ على بقائه خاصة وأن الشعب التونسي لديه حساسية مفرطة تجاه اسرائيل و يمكن للقارئ أن يفهم التعتيم الالكتروني الأخير على شبكة الانترنت و حجب المواقع الحساسة على شاشة الكمبيوتر التي كانت ورائه اسرائيل بالتأكيد و حضور اسرائيل في هذه اللحظة الحرجة للنظام لن يتوقف عن المسائل الفنية أنما تتبعها اتصالات دبلوماسية لاقناع المجتمع الدولي بدعم بن علي و الحفاظ على استمراريته لأنه قدم خدمات كثيرة لها دون غيره من رؤساء المنطقة .