قريبا ستمر ستة أعوام على اتفاقية نيفاشا (مارس 2005)، الاتفاقية التي كفلت لسكان الجنوب حق تقرير المصير عبر الاستفتاء . هذا الحق الذي ارتبط في الأصل بأهم بند قيل يومها أنه أهم بند وهو ''مطالبة الطرفين بالعمل على جعل الوحدة خيارا جاذبا...يستوجب أن تسخر له كل الإمكانيات والأجواء وإزالة كل العثرات باعتباره البند الوحيد الذي يضمن الإبقاء على السودان موحدا.''...بحسب بعض المحللين فأن هذه الاتفاقية تظل أسرارها و أبعادها الحقيقية وبنودها وتفاصيلها خافية على الشعب السوداني.... لكن بمرور الوقت وقرب تاريخ الاستفتاء أصبحت تتكشف العديد من الأمور التي كانت محل جدال، أهمها التدخل الأجنبي الفاضح في هذه الاتفاقية...رغم أن تصريحات وفد المؤتمر الوطني برئاسة عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية آنذاك، أفادت وقتها أن اتفاقية نيفاشا هي اتفاقية سودانية بحتة ولم تقع أية ضغوط من أية جهة أجنبية للتدخل في بنودها ومقرراتها...هكذا قيل يومها. لكن مسار الأحداث منذ توقيع الاتفاقية إلى اليوم يكذب تلك الادعاءات لأنه لو كان الأمر كذلك لما شهدت العلاقات بين شريكي الحكم كل تلك التوترات والخلافات الحادة التي كانت السمة البارزة لفترة الشراكة. ولكان الظاهر في المشهد السياسي السوداني هو الخطابات التي تشجع على الوحدة والعمل على نشر ثقافة المواطنة لدى كافة أطياف المجتمع كما نص على ذلك أهم بند في الاتفاقية...الحقيقة المرّة أن ما نشاهده على الساحة السودانية هو عكس ذلك تماما أمام هذا الأمر الجلل: تفتيت بلد وتمزيقه... هذا على مستوى الجبهة الداخلية أما خارجيا فقد بدأت ملامح التدخل الأجنبي تتضح شيئا فشيئا من خلال تصريحات المسئولين سواء الأمريكيين أو الاربيين وكل من له مصلحة في تمزيق السودان، على رأسهم طبعا السرطان الصهيوني في المنطقة لا أحد ينكر اليوم أن الرؤية واضحة والحقائق التي كانت خافية أو كان يدور حولها نوع من التشكيك في مدى صدقيتها أصبحت مجسدة على أرض الواقع، وفرشت كل أوراق اللعبة على الطاولة وقيل لنا ماذا أنتم فاعلون؟؟؟ها قد كسبنا المعركة وبدون رصاص....فقط أننا اجتهدنا وخططنا وحركنا عناصر اللعبة بإتقان وحكمة في وقت كنتم تغطون فيه في سبات عميق وبلاهة وقصر نظر لا مثيل له. استهانة بمعنى التقسيم والتفتيت ولعبة فرق تسد..... محاضرة (متوفرة على شبكة الانترنت) قدمها وزير الأمن الداخلي السابق للكيان الصهيوني ''آفي ديختر''وذلك سنة 2008لخص فيها بإيجاز أسباب اهتمامهم بالسودان . يقول هذا الأخير:لماذا نهتم بالسودان، ولماذا نعطيه هذا القدر من الأهمية؟ولماذا التدخل في شؤونه الداخلية في الجنوب سابقا وفي الغرب في دارفور حاليا طالما أن السودان لا يجاورنا جغرافيا؟...ثم قدم هذا الوزير استعراضا تاريخيا للتدخل الخارجي للكيان الصهيوني في عدة مناطق، من عرج مرة أخرى على موضوع السودان حيث قال:كانت هناك تقديرات اسرائيلية حتى مع بداية استقلال السودان في منتصف عقد الخمسينات انه يجب ان لا يسمح لهذا البلد رغم بعده عنا ان يصبح قوة مضافة الى قوة العالم العربي لان موارده ان استثمرت في ظل اوضاع مستقرة ستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب كما اعترف هذا الوزير بالتدخل السافر للكيان الصهيوني في أزمة دارفور بل مساهمته في صنعها ، قال في هذا الصدد : صانعو القرار في البلاد كانوا من أوائل المبادرين الى وضع خطة للتدخل في دارفور سنة2003والفضل يعود الى رئيس الوزراء السابق ارييل شارون، أثبتت النظرة الثاقبة لشارون والمستمدة من فهمه لمعطيات الوضع السوداني والوضع في شرق افريقيا صوابيتها، هذه النظرة وجدت تعبيرا لها في كلمة قاطعة ألقاها رئيس الوزراء السابق( يقصد أرييل شارون) خلال اجتماع الحكومة 2003حين قال: حان الوقت للتدخل في غرب السودان وبنفس الآلية والوسائل وبنفس أهداف تدخلنا في جنوب السودان السودان في ظل أوضاع متردية وخلافات وأزمات مستديمة لا يمكن له لعب دور فاعل في قضايا الامة والتدخل في شرقه وجنوبه وغربه يقوده الى الانغماس في مشاكل وأزمات لا حدود لها مما يدفعه لقبول تقسيمه الى كيانات هزيلة تكون مصالحها وأجنداتها مرتبطة بجهات خارجية ترى أنه كان لها الفضل في أن تصبح كل منها ''دولة'' وهي في الحقيقة مجرد كيانات وظيفية تخدم مصالح من نصّبوها على عروش خاوية مقابل فتات لايسد رمق شعوب تلك المناطق المنكوبة بفعل أفاعيل المستكرشين والغاصبين والنهابين و''صنّاع الفقر والمجاعات'' استراتيجيتنا التي ترجمت على الارض في جنوب السودان سابقا وفي غربه حاليا استطاعت ان تغير مجرى الاوضاع في السودان نحو التأزم والتدهور والانقسام أصبح يتعذر الآن الحديث عن تحول السودان في ظل أوضاعه المتردية والصراعات المحتدمة في جنوبه وغربه وحتى في شرقه غير قادر على التأثير بعمق في بيئته العربية والافريقية وعي عميق من طرف الصهاينة بأهمية السودان موحدا ومستقرا، وعي بثقل بشري وجغرافي و''خزان هائل في خدمة القضايا العربية'' نفس الوعي هو الذي قاد هؤلاء لتدمير العراق. العراق ووعي شعبه بقضايا الامة وعلى رأسها القضية الفلسطينية هو الذي جعل أمريكا تعجل بتدميره وتدمير ترسانته العسكرية وقتل علمائه وتدمير مكتباته ومتاحفه وكل ما يرمز الى حضارته العريقة...ووضع اليد على ثروته النفطية.... ثروته المائية أيضا، الم يحول الامريكان دجلة والفرات الى مزبلة لالقاء الفضلات.(أنظر: تقرير أعدته قناة الجزيرة منذ سنتين تقريبا) المياه بحسب المحللين ستشكل مستقبلا جوهر الصراع والحروب.... الاستقرار في السودان بحسب أعدائها يعني استغلال لثرواته وزاده البشري. ذلك يرشحه أن يكون قوة اقتصادية لا يستهان بها، فالسودان يلقب بسلة غذاء العالم العربي لوفرة المياه وخصوبة الارض كما أنه يعد من الدول النفطية أو أهم مركز لانتاج النفط، النفط المتركز خصوصا بالجنوب. السودان يعد مصدرا هاما للثروة الحيوانية خاصة دارفور. النفط في السودان والثروة الحيوانية بدارفور: القلاقل في كلا المنطقتين والمغزى من ذلك لا يتطلب ذكاء خلاقا لفهم اللعبة .... مياه ونفط وثروة بشرية هناك في العراق ومياه ونفط وشعب معطاء في السودان...كل ذلك يجعل كلا البلدين مستهدفا من أعداء الامة ...خاصة مع توفر عامل الاقليات في كليهما: الاكراد في العراق والانفصاليون في جنوب السودان ، بعرقياتهم المختلفة...ثم عامل دول الجوار الذي سهل مهمة الصهاينة والامريكان في كلا البلدين ، والحديث في ذلك لا تسعه المجلدات....وقع غزو العراق بالامس والسودان اليوم وبطريقة ناعمة سلسة وغير مكلفة لا للامريكان ولا لحلفائهم ، ويا أسفاه على حال الامة.... اذا قدر لجنوب السودان الانفصال نكاد نراه بأعيننا للاسف فان الصراع في هذه المنطقة سيتسع نطاقه عبر تمدد قوى الشر: امريكا ومن لف لفها في منطقة القرن الافريقي مرورا بخليج عدن وصولا الى بحر العرب وبذلك تتمكن امريكا وحلفائها من تطويق الشرق الاوسط من جميع الجهات اضف الى ذلك تمركز ذلك الكيان السرطاني في قلب الشام والذي يحكم الآن السيطرة عليها بارهابه المستمر وخيانة ابناء جلدتنا على راسهم مصر...كل ذلك يفتح الباب على مصراعية لتوسع أعداء الامة بكل حرية و''لي الاذرع التي لا ترفع بنان الموافقة'' وسحق كل حركات المقاومة والتحرر ومحاصرتها وتدجينها....خاصة اذا أخذنا في الاعتبار أن حكام الخليج العربي ومنطقة شمال افريقيا هم طوع بنان أمريكا.... اقامة دولة في الجنوب تكون موالية لامريكا والكيان الصهيوني هو بمثابة اقامة معسكر ضخم أو مركز شرطة أو كيان وظيفي له مهمته تسهيل تنفيذ مطامع هؤلاء في أفريقيا وبلاد المسلمين بصفة عامة . أمريكا لا تعول على بترول الجنوب كما يرى البعض فالامر أبعد من ذلك بكثير: أنه السيطرة على المنطقة وكل منافذها البرية والبحرية بالخصوص لمحاصرة المد الاسلامي ثم لبسط يدها على سلاح هام وهام جدا أنه سلاح المياه ، سلاح النيل...سلاح سيرفع في وجه مصر لتنبطح أكثر مما هي عليه وتقبل بكل قواعد اللعبة ولعل أهمها وهذا ما يخطط اليه وهو حلم قديم جديد عند الصهاينة ، ايصال مياه النيل الى كيانهم الغاصب في فلسطين...مع قيام دولة في الجنوب السوداني قد يكون ذلك سهلا جدا. كيف ذلك؟؟ دول المنبع ، منبع النيل، ان عجزت على وقف جريان النيل للضغط على مصر بإيعاز طبعا من الغرب وذلك لاسباب جغرافية فأن السودان وبالاساس الجنوب أرضه منبسطة ويمكن اقامة السدود بسهولة لمنع الماء عن مصر وعن شمال السودان(دول المصب). أيضا لتكوت تلك ورقة مقايضة وابتزاز لمصر وشعبها : أما القبول بالشروط واما تجفيف العروق وتجويع الشعب المصري...ومع ذلك لم يبذل أي جهد لمنع الانفصال من طرف مصر وهي التي ستكون أول من سيدفع الثمن : النيل على رأس المستهدفين...ويقول مبارك والبشير: مازال النيل يجري...لكن وبعد.... في أمان الله مريم حمدي