عند السادسة مساء الجمعة طوت تونس صفحة زين العابدين بن علي بإقلاع طائرته دون عودة من مطار قرطاج وترك الرئيس السابق لرئيس وزرائه محمد الغنوشي أن يتولى رئاسة مؤقتة، أُطلقت على الفور شكوك بدستوريتها. كما ترك بن علي تونس أيضا في عهدة حال الطوارئ التي يستلم الجيش فيها عادة المسؤوليات الفعلية في البلاد. وكان سيناريو إصعاد الرئيس إلى رحلة إلى المنفى قد نضج في الساعات الأخيرة، وتسارع تطبيقه في ساعات الظهيرة عندما سقط ما لايقل عن ستة عشر قتيلا في العاصمة تونس. تسارعت التطورات ولم يكن قد جف بعد حبر التعليمات التي قال بن علي قبل إنه قد أصدرها بالكف عن إطلاق الرصاص الحي على المحتجين، خلال الخطاب الذي أدلى به مساء الخميس ووعد فيه أيضا بتفعيل التعددية وإحياء الديمقراطية والإستجابة لمعظم المطالب المرفوعة. سفك الدماء لقد أطاح سفك الدماء في قلب العاصمة تونس بالفرصة الأخيرة لإستعادة الثقة بالوعود الرئاسية، إذ سقط العدد الأكبر من الضحايا خلال معركة دامية دارت قرب مقر وزارة الداخلية، ولجأت خلالها القوى الأمنية فجأة إلى القنابل المسيلة للدموع لتفريق ومطاردة تظاهرة بدأت سلمية عند الصباح. وتدهورت الأمور أكثر لتصل إلى إطلاق الرصاص على بعض المحتجين. خاض بن علي معركته الأخيرة للبقاء في السلطة في مواجهة دامية أمام مقر وزارة الداخلية. ومن المؤكد أن بعض منازل العائلة الحاكمة قد تعرض إلى الهجوم وعمليات تدمير جزئي من قبل المتظاهرين. وقام الجيش ليلا بإقفال المجال الجوي للبلاد وسد الطرق المؤدية إلى مطار العاصمة. الصفقة حول المرحلة الإنتقالية تشمل تأليف حكومة وحدة وطنية، وإجراء إصلاحات سياسية وانتخابية تتيح إجراء انتخابات تشريعية بعد ستة أشهر. لكنها ستكون مشروطة طبعا بموافقة المعارضة عليها، وهذا أمر لم يكن مؤكدا حتى اليوم. لقد خاض بن علي معركته الأخيرة للبقاء في السلطة في مواجهة دامية أمام مقر وزارة الداخلية في جادة الحبيب بوروقيبة. وكان مجرد وصول وتجمع الحشود أمام مقر الوزارة حدثا تاريخيا ورمزيا قويا، نظرا لتاريخ المقر في استقبال العشرات من المعارضين السياسيين. خسر الرئيس رهانه على القوى الأمنية والشرطة بأن تستعيد زمام الأمور الأمور في العاصمة. مواجهات دامية وتحول ما كان صباحا تظاهرة سلمية إلى مواجهات دامية عندما قامت الشرطة بمهاجمة جموع بالآلاف قادها محامون ومعلمون ونقابيون من الصفوف المتواضعة، واستخدموا فيها القنايل المسيلة للدموع لتفريقهم. كما جرت مطاردات في الأزقة القريبة من جادة بورقيبة، وسقط فيها عشرات القتلى والجرحى. وتوجت المعركة أمام الوزارة قناعة الجيش وأوساطا في التجمع الدستوري بأن العنف واللجوء المفرط إلى القوة، وغياب أي أفق سياسي سيجر البلاد إلى مذبحة دامية، وخصوصا أن جميع التنازلات التي تم تقديمها لم تؤد إلى تهدئة مزاج التونسيين الملتهب. نضج سيناريو رحلة المنفى في الساعات الأخيرة، وتسارع التطبيق مع سقوط قتلى في تونس. وشكلت دعوة الإتحاد العام للشغل إلى التظاهر في قلب العاصمة إنذارا إضافيا بخطر توسع الإحتجاجات، وذلك رغم بقاء قيادته على الحياد منذ بدء المواجهات، وهي لم تستطع التغاضي عن ضغط قواعدها التي تشارك منذ البداية في تأطير التظاهرات. لكن تواصل الاحتجاجات لم يكشف عن تهالك دعائم النظام الأمني التونسي فحسب بعد شهر تقريبا من قدح محمد البوعزيزي شرارة انتحاره الإحتجاجي، بل كشف عن هشاشة التمثيل السياسي للقوى السياسية المعارضة. يساريون وإسلاميون وكانت شخصيات لقاء 18 أكتوبر/تشرين الأول، والتي تضم يساريين وإسلاميين وليبراليين، قد سارعت لإعلان موافقتها على تشكيل حكومة ائتلافية، فيما كان تسارع الأحداث وحركة الشارع أسبق إلى التمسك برحيل بن علي. من المبكر التكهن بنجاح الغنوشي بقيادة المرحلة الانتقالية، إذ يجب انتظار الآيام المقبلة، ورد فعل الشارع، لا سيما في المدن الداخلية التي انطلقت منها الاحتجاجات التي تعتبر أنها قد دفعت ضريبة باهظة من الضحايا والدماء لكي تصل عملية التغيير الأولى من نوعها في التاريخ العربي المعاصر إلى نهايتها المنطقية. وهناك أصوات ترتفع في أوساط حركة الاحتجاج تعتبر أن تعيين الغنوشي رئيسا مؤقتا للبلاد يعد سطوا على ما تعتبره انتصارها. وهناك رهانات يجري تداولها على استمرار الاحتجاجات للمطالبة برحيل كل رموز العهد السابق، وإخراج التجمع الدستوري من الحياة السياسية كليا بعد 52 عاما من احتكاره للسلطة. انفراط العقد شكلت دعوة الإتحاد العام للشغل إلى التظاهر إنذارا إضافيا بخطر توسع الإحتجاجات. وهناك مؤشرات واضحة على احتمال انفراط عقد اللقاء المذكور مع أحزاب أخرى، من بينها النهضة الإسلامي، ويعتبر زعيمه راشد الغنوشي المنفي إلى لندن، أنه لا بد من مواصلة العملية لطرد ما تبقى من أعوان النظام السابق في السلطة، وهي مؤشرات ستؤدي إلى تعقيد المرحلة الانتقالية التي تتم تحت أنظار العسكر. ورغم حال الطوارئ، كانت تسمع أصوات طلقات نارية متقطعة في العاصمة تونس. كما جابت دوريات عسكرية شوارع المدينة لإبعاد مجموعات متنقلة تقوم بعمليات نهب للمخازن دون أن يمكن التأكد من ذلك، فيما كانت المروحيات تحلق دون انقطاع خلال الليل. وخلال الليل كان يسمع دوي طلقات نارية متفرقة داخل العاصمة التي لم تشهد أي تجمعات، أو احتفالات ابتهاج برحيل بن علي الذي فعلت مدن الداخل والضواحي ما بوسعها للتعبير عن فرحتها برحيله.
علمت "إيلاف" من مصادرها الخاصة أنّ الحكومة السعودية التي قبلت استضافة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وأسرته للإقامة في المملكة بعد فراره من تونس اثر انتفاضة شعبية، قدمت شروطها لبن علي وهو لايزال بعدُ على متن طائرته. ورجحت المصادر أن تكون الاستضافة أقرب إلى لجوء سياسيّ منح للرئيس المخلوع، ومن بين الشروط التي فرضتها السعودية على الرئيس بن علي وعائلته أن يتجنّب أي تحرك سياسيّ خلال إقامته بالمملكة. كما اشترطت السعودية على بن علي عدم تحريك الأموال إلى السعودية والأمر ينطبق على شخص بن علي وعلى عائلته كذلك. كما اشترطت الرياض على بن علي عدم الإدلاء بحوارات صحافية أو ممارسة أية نشاطات سياسية أخرى. وتشير ذات المصادر إلى أنّ السعودية قد تطلق قريبا وساطة بين الفرقاء السياسيين في تونس لتجاوز الأزمة التي تمرّ بها البلاد بعد الإطاحة بالرئيس بن علي اثر احتجاجات شعبية عارمة على طريقة حكمه. وكانت الحكومة السعودية أعلنت فجر السبت استضافة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وأسرته في المملكة بعد فراره من تونس اثر انتفاضة شعبية. وقال الديوان الملكي في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) "رحبت حكومة المملكة العربية السعودية بقدوم فخامة الرئيس زين العابدين بن علي وأسرته إلى المملكة". وكان مصدر سعودي أعلن لوكالة فرانس برس أن طائرة تقل بن علي حطت ليل الجمعة السبت في مطار جدة (غرب)، في حين أكد مصدر ملاحي أن الرئيس التونسي الفار نزل من الطائرة إلى صالون الشرف في المطار. وأكد بيان الديوان الملكي على "تقدير حكومة المملكة العربية السعودية للظروف الاستثنائية التي يمر بها الشعب التونسي الشقيق وتمنياتها بأن يسود الأمن والاستقرار في هذا الوطن العزيز على الأمتين العربية والإسلامية جمعاء، وتأييدها لكل إجراء يعود بالخير للشعب التونسي الشقيق". ولفتت الحكومة السعودية الى انها "وإذ تعلن وقوفها التام الى جانب الشعب التونسي الشقيق لتأمل، بإذن الله، في تكاتف كافة أبنائه لتجاوز هذه المرحلة الصعبة من تاريخه". وغادر بن علي تونس الجمعة بعد أسابيع من الاحتجاجات الدامية، فيما اعلن رئيس الوزراء محمد الغنوشي تولي السلطة مؤقتا. وجاء الإعلان عن مغادرة بن علي (74 عاما) والذي يحكم تونس بيد من حديد منذ 23 عاما، بعد ساعات من إعلان حالة الطوارئ عقب صدامات عنيفة شهدتها العاصمة التونسية ومدن أخرى، ورغم قراره حل الحكومة والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة.