تونس:اطاحت الاضطرابات الدامية التي تعصف بتونس منذ شهر بالرئيس زين العابدين بن علي الذي فر الجمعة الى السعودية فيما اعلن رئيس الوزراء محمد الغنوشي تولي السلطة موقتا.وجاء الاعلان عن مغادرة بن علي (74 عاما) والذي يحكم تونس بيد من حديد منذ 23 عاما، بعد اعلان حالة الطوارىء عقب صدامات عنيفة شهدتها العاصمة التونسية ومدن اخرى، ورغم قراره حل الحكومة والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة. وبعد ساعات من فرار بن علي، وهو اول زعيم عربي تطيح به انتفاضه شعبية، حطت الطائرة التي اقلته في مطار جدة غربي المملكة العربية السعودية، بحسب ما اعلن مصدر سعودي. واعلنت الحكومة السعودية رسميا استضافة بن علي واسرته. وقال الديوان الملكي في بيان نشرته وكالة الانباء السعودية الرسمية (واس) "رحبت حكومة المملكة العربية السعودية بقدوم فخامة الرئيس زين العابدين بن علي واسرته الى المملكة". واكد البيان على "تقدير حكومة المملكة العربية السعودية للظروف الاستثنائية التي يمر بها الشعب التونسي الشقيق وتمنياتها بأن يسود الامن والاستقرار في هذا الوطن العزيز على الامتين العربية والاسلامية جمعاء، وتأييدها لكل اجراء يعود بالخير للشعب التونسي الشقيق". وقبل وصوله الى جده سرت شائعات مفادها ان بن علي قد يكون توجه الى فرنسا او ايطاليا او مالطا الا ان هذه الدول سارعت الى النفي. وسادت حالة من الفلتان الامني في عدة مدن تونسية مساء الجمعة حيث قامت عصابات باعمال نهب، مما دفع العديد من المواطنين الى توجيه نداءات عبر التلفزيون لطلب تدخل عاجل من الجيش لحمايتهم. ووضع الجيش التونسي في تصرف المواطنين رقم هاتف للتبليغ عن هجمات، في حين بثت مروحيات عبر مكبرات للصوت نداءات تطلب من المواطنين الهدوء والبقاء في منازلهم. وسمع صوت اطلاق رصاص من اسلحة رشاشة مساء الجمعة في تونس العاصمة بعيد مغادرة بن علي الا انه لم يكن بالامكان معرفة مصدر اطلاق النار بدقة في العاصمة التي خلت الا من قوات الامن. وهتف كهل تونسي في قلب العاصمة المقفر "الشعب هب وبن علي هرب" و"عاش الشعب التونسي العظيم" قبل ان يمسك به عناصر الامن. وتوالت ردود الفعل في العواصم العالمية على فرار بن علي. ففي واشنطن اشاد الرئيس الاميركي باراك اوباما الجمعة ب"شجاعة" وكرامة" الشعب التونسي داعيا الى اجراء انتخابات نزيهة وحرة في البلاد. اما الرئاسة الفرنسية فاعلنت ان باريس "اخذت علما بالعملية الدستورية الانتقالية" في تونس مؤكدة انها "تقف الى جانب الشعب التونسي في هذه المرحلة الحاسمة" فيما دعا الاتحاد الاوروبي الى "حل ديموقراطي دائم" في تونس. وفي لندن طلب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ من السلطات التونسية بذل ما في وسعها لايجاد حل "سلمي" للازمة، داعيا الى اجراء انتخابات حرة والى مزيد من الحريات السياسية في هذا البلد. واعلن الغنوشي في بيان قرأه عبر التلفزيون الرسمي عن تسلمه الحكم "طبقا لاحكام الفصل 56 من الدستور" الذي يتناول "تعذر رئيس الجمهورية القيام بمهامه بصفة وقتية". واضاف "وباعتبار تعذر على رئيس الجمهورية ممارسة مهامه بصفة وقتية، اتولى من الان سلطات رئيس الجمهورية وادعو كافة ابناء الشعب من مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية والفئات والجهات بالتحلي بالوحدة لتمكين بلادنا التي تعز علينا جميعا من تخطي هذه الصعاب". كما تعهد الغنوشي "باحترام الدستور" والقيام "بالاصلاحات السياسية والاجتماعية التي تم الاعلان عنها بكل دقة بالتعاون مع الاحزاب ومكونات المجتمع المدني". وافادت وكالة الانباء الرسمية ان الغنوشي تولى مهامه بناء على "امر تفويض" من بن علي. واعلن قياديون من المعارضة التونسية المعترف بها استعدادهم للتعاون مع الغنوشي الا ان اصواتا اخرى في البلاد طالبت بمواصلة الاحتجاجات للتخلص من جميع رموز نظام بن علي. وقد تواصلت منذ صباح الجمعة التظاهرات والتجمعات في وسط تونس بمشاركة الاف المتظاهرين قبل ان تفرقهم قوات الامن بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع. واعلن المتظاهرون عزمهم على مواصلة الاحتجاج "لحين سقوط النظام" ورفعوا لافتات كتب عليها "بن علي ارحل" و"خبز وماء بن علي لا". وطالبت احزاب المعارضة الرئيسية المعترف بها والمحظورة، ب"تنحي بن علي وتشكيل حكومة موقتة تكلف خلال ستة اشهر اجراء انتخابات حرة"، وذلك في بيان مشترك صدر في باريس. وكان بن علي القى خطابا مساء الخميس حاول فيه نزع فتيل الاحتجاجات. وطلب التوقف عن اطلاق النار على المتظاهرين واعلن عدم ترشحه مجددا للرئاسة في 2014 كما اعلن عن اجراءات لضمان الديموقراطية وحرية الاعلام وتدابير اخرى لخفض الاسعار. الا ان المواجهات استمرت بعد هذا الخطاب موقعة 13 قتيلا مدنيا برصاص قوات الامن، اضافة الى 66 اخرين قتلوا منذ بدء المواجهات بحسب الاتحاد الدولي لروابط حقوق الانسان. واندلعت الثورة الاجتماعية في تونس في 17 كانون الاول/ديسمبر ضد غلاء المعيشة والبطالة والفساد اثر انتحار الشاب التونسي محمد البوعزيزي (26 عاما) باضرام النار في نفسه في سيدي بوزيد (265 كلم جنوبتونس) احتجاجا على مصادرة عربته لبيع الخضار. وقال شقيقه سالم البوعزيزي بعد الاعلان عن مغادرة بن علي "الحمد لله ظهر حق اخي، ولم يذهب دمه هدرا". واضاف في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس "هم الذين قتلوه، النظام والسلطة" مؤكدا ان "اخي اصبح رمزا وانا لا اجد الكلمات للتعبير عما حصل اليوم". وكانت الحكومة التونسية حاولت عبثا تهدئة الاوضاع باقالة العديد من المسؤولين آخرهم وزير الداخلية واعلان الافراج عن جميع الموقوفين "باستثناء المتورطين في اعمال نهب". وكان بن علي يحكم تونس منذ الانقلاب الابيض الذي قام به في 1987 واطاح سلفه الحبيب بورقيبة. واعيد انتخابه في العام 2009 لولاية رئاسية خامسة. وكان حلفاء بن علي الغربيون يرون فيه ضامنا للاستقرار من اجل تدفق الاستثمارات على تونس التي يزورها سنويا ملايين السياح الاوروبيين. لكن الاحتجاجات الاخيرة ومحاولة قوات الامن قمعها بعنف دفعت هذه الدول الى مراجعة مواقفها. وقد وصف قسم من المعارضة ومنظمات للدفاع عن حقوق الانسان النظام التونسي في عهد بن علي بانه "تسلطي" و"بوليسي" واتهمته بالتعدي على الحريات بحجة مكافحة الاسلاميين. وهو متزوج وله ستة ابناء هم ثلاث بنات من زواج اول وابنتان وابن من زوجته ليلى بن علي الحاضرة بقوة في الحياة الاجتماعية والسياسية. اما محمد الغنوشي (69 عاما) الذي تولى الحكم بالانابة فهو تكنوقراطي وخبير اقتصادي يشهد له بالكفاءة ونظافة اليد. وعين رئيسا للوزراء في العام 1999 بعد تسلمه مناصب وزارية عدة.