الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    حركة النهضة تصدر بيان هام..    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دستور ممنوح واستفتاء دكتاتوري بقلم الأستاذ بوبكر التايب
نشر في الحوار نت يوم 17 - 01 - 2011


دستور ممنوح[1][1] واستفتاء دكتاتوري
[2][2]

بوبكر التايب(*)
تعتزم السلطة الفعلية في تونس اجراء مجموعة من التعديلات على الدستور الحالي تصب جميعها في اتجاه واحد يتمثل في اعطاء منصب رئاسة الدولة صلاحيات قانونية وسياسية غير محدودة تأتي على أسس ومرتكزات دولة القانون والمواطنة وتقدم صفعة جديدة لمقومات النظام الجمهوري وخاصة فيما بتعلق بالتداول على السلطة، توزيع السلطات، ضمان الحريات العامة ومسؤولية الهيئات الدستورية.
لا شك أن الدستور التونسي الحالي يحتاج الى تعديلات جوهرية بل ربما الى إيقاف العمل بمقتضياته واستبداله بدستور جديد كفيل بضمان فعلي للحريات العامة، توزيع متوازن للصلاحيات بين المؤسسات الدستورية وضمان استقلال القضاء الذى يحتاج الى عملية إعادة هيكلة عميقة. غير أن هذه الحاجة الماسة الى تعديل الدستور وجب أن يتوفر لها الحد الأدنى والضروري من المناخات السياسية الحرة التي تسمح بإدارة حوار وطني شامل علني ومفتوح حولها. والمتأمل في واقع الاطار السياسي والاجتماعي الذى تقدم فيه السلطة مشروع التعديل لا يجد عناء بل لا يحتاج الى إثبات افتقاد السلطة الى القائمة في البلاد الى شرعية قانونية أو مصداقية سياسية ذلك أنه ومنذ انتخابات 2 أفريل89، على الأقل، خضع إفراز الهيئات الدستورية وفي كل مراحل هذا الإفراز من الحق في الترشح الى الأنتخاب الى الاعلان عن النتائج الى عملية تزييف وإكراه منهجيين مما يجعل من كل هذه الهيئات ودون استثناء هيئات فعلية لا شرعية. وأما المصداقية السياسية لسلطة ما بعد 7/11/87 فقد ذهبت بها عمليات الخنق الشامل للحقوق والحريات حتى تحولت الادارة في تونس الى ما يشبه عصابات المافيا وقطاع الطرق وأصبحت جل أعمالها خادمة حامية لمجموعات ضيقة من المتنفذين مقابل ارهاب جماعي لقوى المجتمع وأفراده من منظمات وأحزاب ونقابات. بل ان القول بأن عشرية التسعينات تعد أحلك عشرية في تونس ما بعد 56 ، وربما حتى قبله، قول منطقي تدعمه الحجج البينة المتواترة وتشهد عليه القوى الوطنية المجاهدة وكذلك الأطراف الدولية المحايدة والنزيهة.
مؤدى هذه المقدمة ان الاطار اللازم لاجراء عملية اصلاح دستوري تخدم مصلحة الوطن والشعب غير قائمة بالمرة وأن ما تقوم به السلطة الفعلية في تونس إنما تقوم به من باب استغلال اختلال
موازين القوى، لفائدتها على حساب المجتمع، وعلى اساس الاستناد الى الغلبة والاكراه والقهر ولا علاقة له بالشرعية القانونية ولا حتى بوفاق سياسي وطني تراضت عليه الاطراف الوطنية وقوى المجتمع المدني.
وثانيا ان هذه التعديلات لن تكون لها قيمة فعلية تذكر ولن تحدث تحولا مهما سواء في علاقات المؤسسات الدستورية فيما بينها أو في علاقة هذه المؤسسات بالمجتمع وقواه الحية والفاعلة. كل ذلك لأن الدولة وضعت نفسها خارج الشرعية والقانون وتغيير هذا الأخير لن يغير من واقع العلاقات السياسية في تونس لانها بكل بساطة لا تخضع للقانون ولا تدار وفق ضوابطه وقواعده.
يأتي هذا التعديل متناغما مع كل عمليات التعديل الدستوري السابقة والهادفة إلى تعزيز الاختلال القائم أصلا بين السلطات الرئيسية الثلاث في دستور 59 وأيضا الى دعم مركز الرئاسة، وليس غريبا على سلطة امتهنت الدعاية والبرقعة والإعلام الغوغائي إن تظهر مشروعها للتعديل على أنه شامل وجوهري وأنه يمثل خطوة جديدة نحو إرساء دعائم الديمقراطية والحريات العامة. وليس هذا التعديل الواسع شكلا والذي لامس عدة أبواب[3][3] وفصول من الدستور إلا تأكيد على هذا المنحى الغوغائي بقصد إخفاء المقاصد والمرامي الحقيقية من مشروع التعديل.
لقد استهدف المشروع ثلاثة أمور رئيسية:
أولا: فتح الباب للرئيس القائم للاستمرار في الرئاسة لفترة قادمة خلاف ما تقضي به الفقرة الثالثة من الفصل 39 من النص الحالي للدستور
ثانيا: تمتيع الرئيس بحصانة قضائية مؤبدة
ثالثا: قطع خطوة جديدة في تهميش السلطة التشريعية وتعزيز صلاحيات الرئاسة

I فتح الباب للرئيس القائم للاستمرار في الرئاسة لفترة قادمة خلاف ما تقضي به الفقرة الثالثة من الفصل 39 من النص الحالي للدستور
1- لعله من المفيد في بداية هذه الفقرة التنبيه إلى مغالطة درجت السلطة على الترويج والدعاية لها كما سلم بها بعض الوطنيين في المعارضة وحتى بعض الأكاديميين. مضمون هذه المغالطة أن الرئيس الحالي ألغى الرئاسة مدى الحياة وهذا أمر غير صحيح لأن الدستور التونسي قبل تعديل88 لم يكن ينص على الرئاسة مدى الحياة مجردة عن الأشخاص ومطلقة كحكم عام.
كان الفصل 40 من دستور جوان 1959 يسمح بتولي الرئاسة لثلاث دورات متتالية مدة كل واحدة منها خمس سنوات أي ما مجموعه 15 سنة على الأقصى.
ثم جاء تعديل 1975 ليعدل هذا الفصل حيث أدرجت هذه التعديلات في الفصل 39 والذى ميز في موضوع المدد الرئاسية المسموح بها للشخص الواحد بين حالتين خصص لكل منهما فقرة في ذات الفصل:
- الحالة العامة: فقد نصت الفقرة (3) من الفصل 39 على أنه " يجوز للرئيس تجديد ترشحه" وهنا لا بد من الانتباه ان هذه الصيغة لم تعد تسمح بثلاث دورات فقط، كما كان منصوص عليه في الدستور الأصلي لسنة 1959، ولكن جعلت الباب مفتوحا للترشح وهذا من الجهة القانونية الصرفة لا يمكن اعتباره تنصيصا على الرئاسة مدى الحياة. وإذا أصر فقهاء بلاط الرئيس وأبواق دعايته على انها تعني الرئاسة مدى الحياة فلن يكون جوابنا إليهم غير أن رئيسهم لا يفعل اليوم غير إعادة تقنين الرئاسة مدى الحياة عندما يقدم مشروعا بتعديل الدستور فيه فقرة تقول "يجوز للرئيس تجديد ترشحه". إن هؤلاء الذين يزعمون بان بن علي ألغى الرئاسة مدى الحياة لهم الخيرة من أمرهم فإما أن الرئاسة مدى الحياة لم تكن موجودة كحكم عام وبالتالي لم يتم إلغاؤها لأنها عدم وإلغاء العدم عبث.
وإما أن الرئاسة مدى الحياة، جواز ترشح الرئيس بصيغة مفتوحة، كانت موجودة في دستور 76 ثم ألغاها الرئيس القائم بمقتضى تعديل 88 ولكن عندما حان وقت التزامها والعمل بها أعادها بمشروع 2002. ومؤدى هذا أن الرئيس الحالي يعرض على نواب حزبه وشعبه المستضعف تقنين الرئاسة مدى الحياة، أي تقنين الاستبداد وإحالة حكمه إلى ملكية وينسف بذلك "جمهورية" النظام السياسي.
ب‌- الحالة الخاصة: نصت الفقرة 4 من الفصل 39 من الدستور، بعد تعديل 75، على أنه وبصفة استثنائية وتقديرا للخدمات الجليلة التي قدمها المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة للشعب التونسي... فإن مجلس الأمة،النواب، يعلن بورقيبة رئيسا مدى الحياة.
ولعله من فضول القول بهذا الصدد بأن هذه الفقرة تتضمن حكما خاصا واستثنائيا لا يحمل على الإطلاق ولا العموم كما أن هذا المقتضى الخاص منعدم بذاته بانعدام موضوعه وذهاب شرطه.
ان يعزل الرئيس القائم رئيسه الممنوح رئاسة مدى الحياة لا يفيد إطلاقا إلغاء الرئاسة مدى الحياة هكذا مهملة بل إن ما حدث في 7/11/87 من استبعاد لبورقيبة إنما هو تنحية لشخص عن الرئاسة رتب عمليا إلغاء هذه الفقرة الخاصة بالرئيس السابق، في حين تبقى الفقرة العامة.
- إن الصيغة التي عرضها مشروع الرئيس القائم تريد أن يتمتع الرئيس أي رئيس بحق ترشيح نفسه بصفة مفتوحة وغير محدودة وهذا، وبغض النظر عن الاشخاص، ضرب لمبدأ التداول على السلطة وتقنين للاستمرار المفتوح في الرئاسة في مجتمع لا يزال يعاني من ثقافة وسياسة الاستبداد والبغي وأحوج ما يكون الى منظومة قانونية دافعة نحو التداول على السلطة لا مشجعة على الاستمرار فيها. لا جدال إذن ان هذه الفقرة تمثل تراجعا واضحا عن الفقرة المدرجة بالدستور بمقتضى تعديل 88 ومن قبله دستور 59. فهل هذا الدستور الذى يريد الرئيس من نوابه والشعب المصادقة عليه هو دستور تونس الغد المظلم ام تونس الأمس الأقل ظلمة.
- مقابل هذا الباب المفتوح على مصراعيه أمام شخص الرئيس القائم لتجديد رئاسته لدورة أخرى لم يتشجع هذا القائم بأمره بان يلغي المواد المجحفة في موضوع المنافسة الرئاسية إذ لم يلغ الفقرة 3 من الفصل 40 التي تحيل بدورها على القانون الانتخابي (الفصل 66 من المجلة الانتخابية) فهل سيختار منافسيه كما فعل في انتخابات 1999 ويصدر أحكاما خاصة ومؤقتة لتجديد شروط الترشح للرئاسة عند كل منافسة انتخابية مما سيفقد الدستور والقانون الانتخابي صفات التجريد والعمومية والعدالة.

4- يزعم الرئيس الحالي وزبناؤه أنه لم يعدل شرط السن الأقصى للترشح للرئاسة والمحدد بسبعين سنة. فهل عدم تعديل هذه الفقرة يمنع بن علي من مواصلة البقاء في الرئاسة بعد 2009؟
لعله من المفيد في هذا الأطار التمييز بين نوعين من العوامل. عوامل خارجة عن نص الدستور و أحكامه و عوامل، مقتضيات، ضمن الدستور.

أ‌- عوامل خارجة عن نص الدستور
العامل الأول عامل خارج عن ارادة الجميع و مرتبط بعالم الغيب ألا وهو الموت الحق"وما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأي أرض تموت"[4][4]

و أما العامل الثاني، و الذي بإمكان جميع الأطراف الإسهام فيه بأقدار، فمرتبط بمآلات الأوضاع في حدود سنة 2009. و اذا كان هذا العامل يحتاج إلى المتابعة و الدراسة و التحليل فانه أحوج إلى إرادة الإصلاح، الأيمان الراسخ به و الانخراط الفعلي فيه. و إذا كانت التجارب القديمة والحديثة لحركات الإصلاح الوطني تفيد بكون عملية البناء الديمقراطي و الإصلاح الاجتماعي الشامل جهد متواصل في الزمن ضد الاستبداد و البغي الاجتماعي فأنها، في ذات الوقت، فاجأت الجميع بهزات عميقة ذهبت بأنظمة و أشخاص كاد الجميع يظن أنهم مخلدون.
ب‌- عوامل، مقتضيات، داخلة في نص الدستور
أولا لا شيء يمنع، قانونا و نظريا، الرئيس الحالي من اللجوء مرة أخرى، خلال الدورة ما بين 2004 و 2009، إلى تعديل الدستور يستهدف إلغاء القيد المتعلق بالسن الأقصى للترشح للرئاسة.
ثانيا لا شيء يمنع، قانونيا ونظريا، الرئيس الحالي من الاستمرار في الرئاسة لمدة مفتوحة بعد 2009 وذلك عبر اللجوء إلى إحدى الحالتين المنصوص عليهما في الدستور:
الحالة الأولى تنص عليها الفقرة 2 من الفصل 39 من النص الحالي للدستور، والتي حافظ عليها مشروع التعديل، والتي جاء فيها "وإذا تعذر إجراء الانتخابات في الميعاد المقرر بسبب حالة حرب أو خطر داهم فإن المدة الرئاسية تمدد بقانون الى أن يتسنى اجراء الانتخابات" فتحقق أحد الشرطين، حالة حرب أو خطر داهم، كاف لتمديد مدة الرئاسة، لأجل مفتوح، بقانون. والمقصود ب"قانون" هنا أي بقرار بالأغلبية العادية لمجلس النواب أو للمجلسين معا، مجلس النواب ومجلس المستشارين في حالة تمرير القانون المعروض. فأما تحقق أحد الشرطين ومن له الصلاحية في تقرير ذلك فلا شك أنه مخول للرئيس المبادرة بعرض ذلك على البرلمان.
وأما اللجوء الفعلي لهذه الفقرة فمرتبط بمآلات الأوضاع السياسية والاجتماعية وإرادة رأس الدولة وصيغ معالجاته لتطورات الأوضاع. إن "حالة الحرب" و"الخطر الداهم" مفاهيم فضفاضة يمكن استعمالها في أي وقت ولأي سبب، بل يسع السلطة افتعال بعض الاضطرابات أو أعمال عنف قصد تمهيد اللجوء الى هذه الفقرة والبقاء في الرئاسة ربما حتى قبل 2004 وليس فقط بحلول موعد انتخابات سنة 2009.
الحالة الثانية: وهي المنصوص عليها بالفصل 46 بفقراته الثلاث والمعروفة في مجال القانون الدستوري والمؤسسات السياسية بحالة الاستثناء. وتمنح هذه الفقرات، خاصة الفقرة الأولى، "رئيس الجمهورية" "اتخاذ ما تحتمه الظروف من تدابير استثنائية" "في حالة خطر داهم مهدد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها". وهذه المفاهيم المطاطة تخول الرئيس ما شاء من التدابير وقد يكون منها تعطيل الانتخابات والبقاء في الرئاسة الى حين.

II- تمتيع الرئيس بحصانة قضائية مؤبدة:
يتضمن مشروع التعديل إضافة فقرة ثانية للفصل 41 من النص الحالي جاء فيها أنه "يتمتع رئيس الجمهورية أثناء ممارسته مهامه بحصانة قضائية، كما ينتفع بهذه الحصانة القضائية بعد انتهاء مباشرته لمهامه بالنسبة للأفعال التي قام بها بمناسبة أدائه لمهامه".

1 - من المتعارف عليه في الأنظمة الدستورية والسياسية الحديثة أن منصب رئيس الدولة يحتاج الى مجموعة من الضمانات والحصانات حتى يتسنى لهذا الشخص حسن القيام على مهام ومسؤوليات الرئاسة.
غير أن هذه الحصانات والضمانات عادة بل وجب أن تكون مشروطة بأربعة شروط على الأقل وهي:
أ - أن يكون الرئيس الممنوح رئيسا شرعيا وصل هذا المنصب وفق الكيفيات والشروط المتطلبة قانونا لا سلطة فعلية أو جهة متسلطة.
ب - أن يكون الرئيس الممنوح يؤدي مهام الرئاسة وفق المقتضيات الدستورية والقانونية لا خارقا لها طولا وعرضا.
ج - أن يكون الرئيس المتمتع بهذه الحصانة القضائية، الجنائية، مسؤول من الناحية السياسية، عادة أمام نواب الشعب، أي البرلمان وأن تكون هذه المسؤولية منصوص عليها في الدستور، وهو ما يعرف بالمسؤولية السياسية غير المباشرة.
د - أن يكون الدستور ضامنا لمبدإ التداول الفعلي على منصب الرئاسة، وهو ما يعرف بالمسؤولية السياسية المباشرة أمام الشعب والناخبين، وهذا التداول الفعلي هو الذي سيمكننا من التفريق بين حالتي "أثناء ممارسة مهامه" و"بعد انتهاء مباشرته لمهامه".
يلاحظ أن الشرطين الأولين سياسيين ويخضعان للتقدير والاجتهاد كما يختلف الموقف منهما بحسب الرئيس الماسك بمهام الرئاسة وبالتالي فلن نخوض فيهما الآن. أما الشرطين الثالث والرابع فوجب التنصيص عليهما في الدستور لضمان حد أدنى من التوازن بين صلاحيات ومسؤولية الرئيس.
وإذا ما نظرنا في مدى توفر الشرط الثالث، التنصيص على المسؤولية السياسية غير المباشرة لرئيس الدولة أمام نواب الشعب، في الدستور التونسي نلاحظ أن هذه المسؤولية أدرجت في نص الفقرة الأخيرة من الفصل 63 بمقتضى تعديل 1976 ثم ألغيت بتعديل 88 ولا تنصيص عليها في المشروع المعروض في 2002. وعليه فإن هذا الشرط ليس مضمونا في الدستور التونسي ولا رقابة للبرلمان على أعمال الرئاسة مطلقا.
أما بالنسبة للشرط الرابع، ضمان الدستور التونسي لمبدأ التداول الفعلي على منصب الرئاسة، فإن هذا الشرط غير منصوص عليه بصيغة واضحة وحاسمة إذ سيكون من حق الرئيس "تجديد ترشحه" بصفة مفتوحة دون تحديد وبالتالي يمكن لشخص واحد أن يستمر في الرئاسة لأكثر من 30 سنة. كما أن شروط الترشح للرئاسة تظل غير عادلة بل خادمة للحزب الحاكم وهي أيضا عرضة للتعديل في كل دورة انتخابية مما يفقدها صفات القانونية مثل التجريد والعمومية والاضطراد.
وخلاصة هذه الفقرة أن تمتيع الرئيس بحصانة أثناء مدة رئاسته وردت في الدستور بغير ضمانات ولا شروط قانونية من شأنها أن تؤطرها وتحد من سقطات الرئيس، أي رئيس.

2 - إن تمتيع رئيس الدولة بحصانة قضائية، جنائية، أثناء ممارسة مهامه حتى مع توفر الشروط المعروضة سلفا محل انتقاد بل مخالف لمرجعيات دينية وإنسانية
أ - فمن وجهة نظر إسلامية، ولا أقول من وجهة النظر الإسلامية، تبدو هذه الحصانة غير مؤسسة على حجة، خاصة إذا كانت شاملة كما نص عليها الفصل 41 المذكور أعلاه، فالمقطوع به إسلاميا إن كل بني آدم مسئولين عن أعمالهم أمام بقية بني آدم فيما يتعلق بحقوق هؤلاء الأخيرين. والمقطوع به أيضا أن الله وحده "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"
[5][5].
فمبدأ التقاضي والمقاضاة في الإسلام مبدأ شامل للإنسانية لا يستثنى منه رئيس ولا مرؤوس وحتى الأنبياء يمكن مقاضاتهم في غير مهام النبوة والرسالة، مع وجوب التنبيه إلى الفرق بين مجرد احتمال المتابعة و ضمانها للخصوم و بين الإدانة النهائية الباتة و الصادرة وفق قواعد العدالة و الأنصاف.
وأحاديث الرسول الأكرم وخطب تولي أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، خاصة شواهد في هذا الإطار. وإذا ما عدنا إلى الحالة التونسية فإن الشعب التونسي المسلم والمصمم "على تعلقه بتعاليم الإسلام"، كما جاء في توطئة الدستور، لا أحسبه يقبل أن يمنح شخصا أيا كانت مكانته حصانة قضائية .
والرئيس التونسي، أي الرئيس القائم أو الذى سيأتي بعده، وهو مسلم (انظر الفصول 38 و 40) لا أحسبه يتساهل ويمنح نفسه حصانة لا يخولها له دينه.
ب - من جهة ثانية، تشهد الساحة الحقوقية والقانونية الدوليتان حالة ايجابية من السجال والبحث في موضوع حدود وصيغ المسؤولية الجنائية للسياسيين أثناء أدائهم لمهامهم. والاتجاه الغالب اليوم يدفع باتجاه رفع الحصانة القضائية التقليدية الممنوحة لهؤلاء الساسة وجلبهم للمحاكمة بإحدى الوسائل الثلاث التالية:
- المحاكم الدولية الخاصة أو المؤقتة كحالتي المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، (TPIY) أو الأخرى الخاصة برواندا(TPIR).
- اتجاه المحاكم الوطنية العادية، في العديد من الدول الاروبية، بلجكيا مثلا، إلى إعلان اختصاصها في متابعة مواطنين من دولة أخرى وبصرف النظر عن مركزهم السياسي بسبب احتمال ارتكابهم لجرائم يعاقب عليها القانون الوطني لهذه المحاكم، مثل الجرائم ضد الإنسانية، المذابح وجرائم الحرب.
- احتمال أن تمثل المحكمة الجنائية الدولية الدائمة خطا ثالثا لا يستثني من اختصاصاته متابعة رؤوسا سياسية.

3 - أما أن يتمتع الرئيس بحصانة قضائية حتى بعد انتهاء مهامه كرئيس، حصانة مؤبدة، فهذا يعد اكتشافا تجمعيا صرفا لا قبله ولا أظن أن مثله سيحدث بعده.
فحتى ما تمتع به بينوشيPinochet، كان عقدا بينه وبين من خلفه على أن يتمتع الأول وسائر ضباط الجيش بحصانة قضائية لمدة 10 سنوات 88-98، لم يرتق هذا الاتفاق إلى نص دستوري ولم يكن مؤبدا، أما يلتسين فلم يتوفق إلى أكثر من ضمان حصانته من طرف بوتين ولا أحد يضمن له الحصانة بعده وهنا أيضا نلاحظ أن الاتفاق دون مستوى التنصيص الدستوري وهو أيضا غير مؤبد.

4 - لماذا هذه الحصانة إذن؟
يبدو أن مجموعة من العوامل تفاعلت ودفعت بالرئيس الحالي الى تضمين هذه الحصانة بالدستور منها:
أ - حصول قناعة ذاتية لديه، ربما، بأنه ونظرا لسواد سجله في مجال حقوق الإنسان وخاصة في التسعينات قد يكون عرضة للمتابعة والمقاضاة من طرف ضحاياه بعد خروجه من الرئاسة. هذه القناعة لها ما يبررها في الواقع إذ أكدت السنوات الأخيرة أن ذلك ممكن وأن فتح ملفات ضد وزرائه ومساعديه في المحاكم الاروبية قد يكون خطوة في اتجاه متابعته شخصيا.
ب - عدم قدرة المعارضة الوطنية على تطمينه على مستقبله الشخصي بل إن هذه المعارضات جميعها لا تمتلك هذه السلطة لانه يكفي وجود ضحية واحدة غير خاضعة لأي حزب أو جهة أن تتابعه إذا ما أرادت، فعجز المعارضة عن تقديم هذه الضمانة أمر لا سلطان لها عليه.
ج - الأبعاد الجديدة والايجابية التي أخذتها بعض مظاهر العولمة خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والتخلي عن الحدود التقليدية بين ما هو داخلي وما هو دولي أو عالمي كوني. فازدياد الطلب على حقوق الانسان وحرياته عصفت بالمفاهيم التقليدية للسيادة وإقليمية القوانين وعملت على تعويض الفاعلين الدوليين بفاعلين عالميين معطية للفرد مكانة الى جانب الدولة لم يكن يحظى بها من قبل.
د - قصور النظر لدى مستشاريه، أو عدم نصحهم له، بمحاولة اقناعه أن التنصيص على هذه الحصانة في الدستور ستحميه، وهذا أمر غير صحيح.

5 - حصانة شكلية وعديمة الجدوى فعليا:
هل لهذه الحصانة قيمة فعلية في ذاتها؟ الجواب قطعا لا. لتناول هذه الفقرة يحسن بنا التمييز بين زمنين وجغرافيتين:
الزمن الأول هو خلال تولي الرئيس لمهامه الرئاسية، في هذه المرحلة ليس للتنصيص اية قيمة فعلية داخل تونس لأنه والحالة تلك السلطة العليا في البلاد وله الكلمة الفصل في من يحاكم ومن لا يحاكم وماذا يكون الحكم. إذن مع غياب لاستقلال القضاء حتى في القضايا الخاصة كيف يمكن تصور تجرؤ محكمة على فتح ملف ضد رئيسها القاهر فوق الناس بامره.
أما خارج تونس وأثناء تولي الرئيس لمهام الرئاسة فالقانونيون وغيرهم يعلمون أن المبدا المعمول به هو إقليمية القوانين حيث لا يسري القانون التونسي، هذه الفقرة من الدستور هنا، خارج التراب التونسي وبالتالي لا يحتج به ضد محكمة دولة أخرى إذا ما فتحت ملفا ضد الرئيس التونسي لأن مرجعها في ذلك هو قانون بلادها ودولتها. وإذا ما انتقلنا الى الزمن، المرحلة، الثانية أي بعد انتهاء مهام الرئاسة فالنص لا يفيده أيضا من الناحية العملية:
- فداخل تونس يمكن لسلطة تأتي من بعده وهو لا يزال على قيد الحياة أن تعدل الدستور في هذه الفقرة بالذات وتفتح الباب أمام محاكمته وكأن الفقرة لم تكن وحصانته لم تتم. كما يمكن لأية سلطة تأتي من بعده أن تحاكمه دون تعديل الدستور بل تخرقه وتتجاوزه بكل بساطة كما فعلت سابقتها من السلطات.
- اما خارج تونس فلا فائدة في إعادة ترديد كلام سابق حول عدم صلاحية القانون الدستوري خارج بلاده كقاعدة عامة.

6- ما العمل إذن؟
الحل سياسي وليس قانونيا في مثل هذه الحالات. يجب، ولا يزال الوقت يسع ذلك، على السلطة ورأسها بالتحديد أن يقوم بإصلاحات سياسية حقيقة من شأنها أن تخفف من حالة الاختناق الشامل، تعيد للمواطن كرامته وللشعب سيادته وللدولة شرعيتها ومصداقيتها.

لا يزال أمام الرئيس الحالي أكثر من سنتين ليخرج من الباب الكبير ويسهم في عودة الأمن والرحمة الى نفوس التونسيين. إن الحصانة الحقيقية التي يمكن أن يتمتع بها الرئيس ليس ما نصت عليه الفقرة 2 من الفصل 41 بل ما يمكن أن يقوم به من مراجعات فيما تبقى له في هذه الدورة فينهي عذابات الزنزانات الانفرادية التي لم يعرفها حتى ا المقاومون ضد الاستعمار وعذابات المنفيين الذين لم ينف مثلهم الاستعمار وعذابات المقهورين جوعا وخوفا كما لم يسبق لتونس ان عرفته. هكذا فقط يمكنه أن يضع عنه وزره وأوزار آخرين من دونه دعموه ولا يستطيع أن يشملهم بحصانة ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا.
أما إذا اراد ضمانة قانونية فأظن أن إجراء تعديل على القانون الجنائي يمنع إصدار العقوبات البدنية ضد المسنين البالغ سنهم 65 فما فوق اضمن له وارفق به وبفئة كاملة من الشعب. هذا القانون موجود في العديد من الدول وهو أفضل من التنصيص على حصانة دستورية لفائدة فرد واحد فضلا عن كونها عديمة الجدوى.

III- خطوة جديدة في سياسة تهميش المؤسسة التشريعية من خلال سحب بعض صلاحيات مجلس النواب وغحداث غرفة برلمانية ثانية
يقتضي منطق التعامل السياسي الخذ والعطاء بحسب ما تسمح به توازنات الطراف وثقافاتها السياسية فاستهداف الرئيس السابق للرئاسة مدى الحياة وحرصه عليها دفعاه الى التنازل لحزبه في شقيه التشريعي والتنفيذي فقبل بعقله الاستبدادي السياسي المدني، ولو نظريا، مبدأ المسؤولية السياسية غير المباشرة أمام البرلمان الذى يسيطر عليه نواب حزبه وبذلك أدرجت فقرة أخيرة بالفصل 63 من دستور 76 تنص على وجوب تقديم رئيس الدولة، الممنوح رئاسة مدى الحياة، استقالته إذا إذا توافرت الشروط المنصوص عليها بالفقرة اعلاه الأشارة إليها.
أما في المستوى التنفيذي فقد قبل بورقيبة أن تصبح السلطة التنفيذية ذات رأسين حيث أعطيت صلاحيات خاصة للوزير الأول وأخرى للحكومة.
كانت تعديلات 76 إذن تعبيرة "سياسية" أو "مدنية" عن الاستبدادي الدستوري القديم، ضربة ضد التداول على السلطة ولكن" بقفاز حريري" مع بعض من الحلوى إلى المقربين، يمكن أن نقول أنها صفقة داخل الحزب الدستوري.

كانت شرعية بورقيبة في 76 أعرض وأوسع من شرعية بن علي في 2002 بل ان المقارنة لا تستقيم أصلا وهذا يقتضي أن الثاني إذا ما اراد البقاء في الرئاسة عن طريق تعديل الدستور فإنه يحتاج الى تنازلات اكبر مما قدمه سلفه بورقيبة، هذا ما يقتضيه المنطق السياسي الاستبدادي أما المنطق الديمقراطي والشرعي فلا يقولان بغير الرحيل، الرحيل غير المأسوف عليه.
غير أن المشروع الذي قدمه الرئيس الحالي ليس فيه أي نفس للتنازل أو للتوافق حتى داخل حزبه وحرفائه بل جاء مشروعه في شكل "عفسة برودكان" تعكس أسلوب جنرالات الحرب عندما تكون توازنات القوى مختلة لفائدتهم وجاء مشروعه أيضا في صيغة "ضربة هراوة" لتطبع مشروع التعديل بطابع بوليسي صميم عاكسا بذلك شخصية الرئيس وطبيعة حكمه.

1 - من 1988 إلى 2002 مسار متواصل من أجل رئاسة غير محدودة الصلاحيات:
تفيد الدراسات المقارنة في مجال القانون الدستوري والنظم السياسية بأن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في النظام الرئاسي تقوم على ما يعرف بالاستقلال والتوازن مع وجود مساحة لتنزيل هذه العلاقة بين المرونة والجمود.
كانت العلاقة بين هاتين السلطتين مختلة أصلا في دستور 59 حيث حذت حذو دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لسنة 1958 الذي وقع تبريره بأمرين:
أولهما رد فعل على دستور الجمهورية الرابعة الذي وسع صلاحيات البرلمان على حساب السلطة التنفيذية. أما ثانيهما فهي المكانة والنفوذ الخاصين الذين كان يتمتع بهما ديغول وقتئذ.
جاءت تعديلات جويلية 88 لتعميق هذه الهوة وتجعل من الرئيس غير مسئول سياسيا أمام مجلس النواب كما أعادت إليه الصلاحيات التي منحت للوزير الأول والحكومة بمضمون تعديلات 76. ثم جاءت تعديلات 97 لتقلب الأصول الدستورية فجعلت من السلطة التشريعية، مجلس النواب، مّشرعا استثنائيا ومن السلطة التنفيذية، الرئيس، مشرعا أصليا. أخضعت هذه التعديلات "مجال القانون"، الوظيفة التشريعية لمجلس النواب، للحصر والضبط والتقييد في حين جعلت "مجال اللائحة"، الوظيفة القانونية للرئيس وحكومته، مجالا مفتوحا أي المجال الأصلي لممارسة الوظيفة التشريعية والتقنينية.
بل أعطت هذه التعديلات رئيس الدولة وحده حق اللجوء إلى المجلس الدستوري للطعن في مجال اختصاص مجلس النواب أو في ما يعرف بتنازع الاختصاصات بين المؤسسات الدستورية. وعندما نصل إلى 2002 فإن نزعة الرئاسة لالتهام ما تبقى من صلاحيات لا تكاد تبين لمجلس تبدو جشعة وفضة كل الفضفاضة. فبعد عمليات البتر المتواصلة منذ 88 لصلاحيات مجلس النواب، لم نذكر أعلاه إلا بعضا منها إذ لا يتسع المجال لذكرها جميعا، ها نحن نرى المشروع الجديد ينفرد بما لم تسبقه به دساتير جمهورية سابقة في مركزة الصلاحيات في يد الرئيس وسحبها من الجهة صاحبة الاختصاص الأصلي ألا وهي البرلمان، مجلس النواب إلى حد الآن.
أ - تحديد الصلاحيات البرلمانية في المجال المالي حسبما تضمنه مشروع التعديل في الفصول 28 و31 منه.
إن أول ما يعلق بذهنك وأنت تدرس القانون الدستوري والنظم السياسية وكذلك المالية العامة ونظام الميزانيات فكرة أصيلة ومتواترة وهي: الأصل المالي للبرلمان.
ومعنى هذه الفكرة أن الاختصاص المالي كان أول وأهم السباب التي بعثت وأسست من اجلها البرلمانات وذلك قبل إعطائه، البرلمان، الصلاحيات المتعارف عليها الآن في دساتير الدول الحديثة بعد بروز فكرة تفريق السلط. ومؤدى هذه الفكرة انه وإن جاز سحب صلاحيات أخرى، غير الصلاحيات المالية، من البرلمان فإن ذلك قد يكون مقبولا أما أن يصل الحد الى سحب، تحديد، الصلاحيات المالية للبرلمان الذي نشا أول مرة في بريطانيا لمشاركة الملك في السياسة المالية للدولة، معنى ذلك أن الرئيس الحالي يمنح نفسه أكثر من الملك البريطاني ويقبل ان يشتغل معه برلمان حزبه بأقل ما قبل به برلمان "النبلاء" و"الشرفاء" في العهد الملكي البريطاني لقرون خلت.
ب - تحديد صلاحيات البرلمان، مجلس النواب حاليا، في مجال المعاهدات الدولية وإدراجها ضمن الاختصاصات الأصلية لرئيس الجمهورية حسبما تنص عليه مقتضيات الفصول 32 و48 من مشروع التعديل. فأي المعاهدات يخشاها الرئيس ولا يريد المصادقة عليها. هل لها علاقة بمقتضيات الفقرة 2 من الفصل 41 ولكن في الإطار الدولي.

خلاصة هذه الفقرة أن دستور 59 ثم تعديلات 88، 97 وأخيرا 2002 بعيدة كل البعد عن تحقيق العلاقة المفترضة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في إطار النظام الرئاسي، علاقة الاستقلال والتوازن. إن العلاقة القائمة في دستور بن علي هي علاقة تبعية واختلال لا توازن واستقلال.

2 - إحداث غرفة ثانية، مجلس المستشارين، الى جانب مجلس النواب:
إذا وقع تمرير هذا المشروع فإن البرلمان التونسي سيكون مؤلفا من غرفتين، "الغرفة الدنيا" وهي مجلس النواب، نواب الشعب من "الأوضعين والعامة" و"الغرفة العليا" وهي مجلس المستشارين، نواب "الخاصة" من "الأعيان" أو "الشيوخ" أو "اللوردات".
والكلمات التي ترد بين معقفات اقتبسها فقط للإشارة للأصل التاريخي لهذه المؤسسات والاستعمالات الواردة بشأنها في الدساتير والدراسات السياسية وليس فيها مس بالشعب التونسي المجاهد ولا إلحاق صفة نبل او شرف بغير "شريف" ولا "نبيل".
أ - تذكر البحوث المتخصصة ثلاثة أسباب، متفرقة أو مجتمعة، لتبرير احداث الغرفة الثانية، مجلس المستشارين، في الحالة التونسية.
- التنوع العرقي، الديني، الجهوي أو الطبقي لشعب الدولة.
- الطبيعة الفدرالية، الاتحادية أو اللامركزية السياسية للدولة حيث المقاطعات أو الولايات ذات الاستقلال السياسي النسبي.
- التوازن الحاد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فيصار إلى غرفة ثانية للحد من سلطة مجلس النواب ولاجتناب الهزات السياسية.ولا حاجة لنا هنا لتبيان أن هذه المبررات الثلاثة غير قائمة في تونس.
ب - ما هي إذن أهداف المشروع من إحداث غرفة ثانية بالبرلمان ليصبح ثنائي التركيبة؟
- وسيلة من الداخل، داخل البرلمان، لمزاحمة ومشاغبة مجلس النواب. هذه الوسيلة تختلف في طبيعتها عن الوسائل المعروضة سلفا والتي كانت من خارج البرلمان أي وسائل ضغط بيد الرئاسة. هنا نلاحظ لأول مرة الأسلوب المزدوج لإخماد صوت نواب الشعب. أسلوب التقييد من الخارج، الرئاسة، وأسلوب المشاغبة من الداخل عن طريق مجلس المستشارين. لكن هل بقي لمجلس النواب حقيقة ما فيه يشاغَب.
- تحرير الرئاسة من بعض وسائل ضغط مجلس النواب
- اسكات صوت بعض الأشخاص أو الهيئات المتأرجحة بين المساندة والمعارضة للحكم وإفقار جانب المعارضة أو لنقل بعض مؤسسات المجتمع المدني مثل اتحاد الشغل وربما منظمات حقوقية أو قطاعية أخرى مهمة
- بنزين إضافي لماكينة الدعاية والإشهار النوفمبرية حيث استنفذت اغلب براميل بنزينها الحالية
ج - أما سلبياته، سلبيات إحداث مجلس المستشارين، فهي ما يتحقق من أهداف السلطة المشار إليها أعلاه بالإضافة إلى التكلفة المالية الباهظة لقيام هذه المؤسسة بدءا بالحملة لها مرورا بأجور المستشارين وانتهاء بنفقات بنزين سياراتهم ومكاتبهم.

خلاصات عامة
إن تونس دخلت مرحلة خطيرة في حياتها السياسية /القانونية إذ لن يكون المطلب الأساسي لشعبها هو احترام الدستور وإلغاء القوانين غير الدستورية بل إلغاء العمل بالدستور الحالي الذى يقنن الاستبداد واستصدار دستور جديد يحمي الحقوق والحريات، يضمن تفريقا متوازنا للسلط وتداولا على السلطة.

على أي حال فإن تمرير هذا الدستور يعني:
1 - ان بن علي لا يشتغل بعقل سياسي لا مبدئي ولا براغماتي ولا يقدر مصلحة لا ذاتية ولا وطنية بل انه يشتغل بعقل امني هروبي تبرره القناعة الذاتية الراسخة بأنه وصل حالة ووضعية لا يستطيع معها الرجوع الى الوراء، التأمل أوالتفكر
2 - إن الحزب الدستوري لا سلطان ولا تأثير له في سياسته حتى أنه يقبل بوزرائه ونوابه وديوانه تعديلا لا يمنح الحزب ذاته أي امتيازات أو ضمانات. ان هذا الحزب رهن حاضره وخاصة مستقبله لهذا الرجل أكثر مما فعل مع بورقيبة.
3 - ان المعارضة لا تزال عاجزة عن تحقيق نجاحات حقيقية في معركتها ضد الاستبداد
4 - إن الشعب التونسي سيعيش دورة جديدة من الاستبداد السياسي والبغي الاجتماعي نسال الله أن تكون ألطف مما نزل به في العشرية المنقضية.

بوبكر التايب
محام وباحث في القانون العام بجامعة أطاوا - كندا

أوطوا – كندا في 27 مارس 2002
------------------------------------------------------------------------
[1][1] عرفت الدساتير الممنوحة بأنها تلك الدساتير التي يمنحها الملك أو الحاكم لرعيته فيتنازل الملك، بمقتضى هذا الدستور الممنوح، لرعيته عن بعض حقوقه واختصاصاته الاصلية في الحكم لفائدة رعيته التي لا تملك إلا أن تفرح به. في هذا النوع من الدساتير لا مجال للحديث عن المواطنة والديمقراطية وتفريق متوازن للسلط، إنه دستور يأتي على شكل هبة.
[1][2] استعمل Georges Burdeau صيغة "الاستفتاء الدكتاتوري" لوصف الاستفتاء الذى تكون مشاركة الشعب فيه صورية وظاهرية لتمرير دستور وضعه الحاكم أو فئة قليلة من المتنفذين.
[1][3]خلاف ما ذكره د. عبد الوهاب معطر في مقال له بعنوان: مشروع "الأصلاح الدستوري الجوهري" قراءة قانونية، كون باب الأحكام العامة لم يكن موضوع تعديل قبل مشروع 2002، فان باب الأحكام العامة سبق و أن كان موضوعا للتعديل حيث أضافت تعديلات27-10- 1997 عدة فقرات تتعلق بالأحزاب السياسية الى الفصل الثامن من الدستور
[1][4]قرآن
[1][5] قرآن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.