وفاة أول مريض يخضع لزراعة كلية خنزير معدلة وراثيا    رئيس أركان جيش الاحتلال يعلن تحمله المسؤولية عن هزيمة الكيان الصهيوني في 7 اكتوبر    يوميات المقاومة.. كبّدت قوات الاحتلال خسائر جديدة .. المقاومة تعيد تنظيم قواتها شمال غزّة    عاجل/حادثة "حجب العلم"..الاحتفاظ بهذا المسؤول..    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أمام دعوات لمقاطعتها ...هل «يضحّي» التونسي بأضحية العيد؟    سوسة حجز 3000 صفيحة من القنب الهندي وحوالي 15 ألف قرص من مخدّر إكستازي    لأول مرة منذ 37 عاما.. الرجال أكثر سعادة بوظائفهم من النساء    القيروان: غرق ثلاثة شبان في صنطاج ماء بالعين البيضاء    كرة اليد: الترجي يتفوق على المكارم في المهدية    بلاغ هام لرئاسة الحكومة بخصوص ساعات العمل في الوظيفة العمومية..    وزير الخارجية يُشيد بتوفر فرص حقيقية لإرساء شراكات جديدة مع العراق    العثور على شابين مقتولين بتوزر    باجة: اطلاق مشروع "طريق الرّمان" بتستور لتثمين هذا المنتوج و ترويجه على مدار السنة [صور + فيديو]    الجامعة العامة للإعلام تدين تواصل الايقافات ضد الإعلاميين وضرب حرية الإعلام والتعبير    حفوز: العثور على جثث 3 أطفال داخل خزّان مياه    افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك وسط العاصمة لعرض منتوجات فلاحية بأسعار الجملة وسط إقبال كبير من المواطنين    البطولة العربية لالعاب القوى (اقل من 20 سنة): تونس تنهي مشاركتها ب7 ميداليات منها 3 ذهبيات    رسمي.. فوزي البنزرتي مدربا للنادي الإفريقي    وزارة التجارة: تواصل المنحى التنازلي لأسعار الخضر والغلال    سليانة: عطب في مضخة بالبئر العميقة "القرية 2 " بكسرى يتسبب في تسجيل إضطراب في توزيع الماء الصالح للشرب    التهم الموجّهة لبرهان بسيّس ومراد الزغيدي    جربة.. 4 وفيات بسبب شرب "القوارص"    وفاة 3 أشخاص وإصابة 2 اخرين في حادث مرور خطير بالقصرين    المحكمة الابتدائية بسوسة 1 تصدر بطاقات إيداع بالسجن في حق اكثر من 60 مهاجر غير شرعي من جنسيات افريقيا جنوب الصحراء    رجة أرضية بقوة 3.1 درجة على سلم ريشتر بمنطقة جنوب شرق سيدي علي بن عون    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    مؤشر جديد على تحسن العلاقات.. رئيس الوزراء اليوناني يتوجه إلى أنقرة في زيارة ودّية    شركة "ستاغ" تشرع في تركيز العدّادات الذكية "سمارت قريد" في غضون شهر جوان القادم    زهير الذوادي يقرر الاعتزال    ر م ع الصوناد: بعض محطات تحلية مياه دخلت حيز الاستغلال    في الصّميم ... جمهور الإفريقي من عالم آخر والعلمي رفض دخول التاريخ    النساء أكثر عرضة له.. اخصائي نفساني يحذر من التفكير المفرط    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    المالوف التونسي في قلب باريس    الناصر الشكيلي (أو«غيرو» إتحاد قليبية) كوّنتُ أجيالا من اللاّعبين والفريق ضحية سوء التسيير    صفاقس تتحول من 15 الى 19 ماي الى مدار دولي اقتصادي وغذائي بمناسبة الدورة 14 لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية    سبيطلة.. الاطاحة بِمُرَوّجَيْ مخدرات    نتائج استطلاع رأي أمريكي صادمة للاحتلال    حضور جماهيري غفير لعروض الفروسية و الرّماية و المشاركين يطالبون بحلحلة عديد الاشكاليات [فيديو]    اليوم: إرتفاع في درجات الحرارة    انشيلوتي.. مبابي خارج حساباتي ولن أرد على رئيس فرنسا    عاجل : برهان بسيس ومراد الزغيدي بصدد البحث حاليا    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    قيادات فلسطينية وشخصيات تونسية في اجتماع عام تضامني مع الشعب الفلسطيني عشية المنتدى الاجتماعي مغرب-مشرق حول مستقبل فلسطين    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    حل المكتب الجامعي للسباحة واقالة المدير العام للوكالة الوطنية لمقاومة المنشطات والمندوب الجهوي للشباب والرياضة ببن عروس    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حضارة لا تريد أن تتوب!!-أ.د عبد الحليم عويس
نشر في الحوار نت يوم 23 - 01 - 2011


حضارة لا تريد أن تتوب!!

أ.د عبد الحليم عويس
ويدور الزمان كما هي سنة الله في الدول والأمم.. قال تعالي {وَتِلْكَ الأَيامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ} (آل عمران : 140).. لكن بعض الأمم والحضارات في لحظات الغرور تظن أنها لن تزول ولن تتحقق فيها سنة الله الاجتماعية فتستبد بها أمراض الظلم والغرور.. لقد كان اليونانيون «الأثينيون» يظنون ذلك عندما، ظهر فيهم عمالقة مثل سقراط وأرسطو وأفلاطون الذين كانوا ومازالوا يتمتعون بمكانة الأساتذة الكبار في الفكر والفلسفة والعقلانية «اللادينية» التي تعتمد العقل والمنطق الصوري وحده،. ثم تفوقت «روما» علي «أثينا» فأصبحت روما تسمي نفسها «سيدة العالم» والمواطن الروماني فوق الأديان والقوانين، وهو كاليهودي الآن «شعب الله المختار» الذي يسحق القوانين والمنظمات الدولية ولا يدان أبدا أما غيره فمدان دائما. وهكذا كان القياصرة والأباطرة والأكاسرة والفراعنة والملوك الموزعون في العالم يتألهون ويعبدون من دون الله، ولا يسمحون لشعوبهم بممارسة حق امتلاك أسباب النهضة وعلي رأسها «عبادة الله وحده» والتزام الناس بمنهاج الله وبحدود العقل وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة، حيث إن التقدم لا يصنع إلا في هذا المناخ، الذي تتألق فيه الحرية علي مستوي حريات الفرد والجماعة مع انطلاق الفكر الفردي والمجتمعي الذي هو حصيلة جهود إبداع أبنائه، وانتقال المجتمع إلي صعيد جديد في السيطرة والسيادة، وذلك علي العكس من عصور التخلف والتحلل المفضية إلي الاندثار، لأنها عصور القمع والتسلط والجمود لدرجة أن الإمبراطوريات التي تكونت في ظل القمع والتسلط كانت إمبراطوريات عسكرية هشة لم يقدر لها أن تعيش طويلا.. فحياتها رهن السلاح المصلت علي الرقاب، ووأد الفكر وخرس الألسنة ولكن - كما هو معروف - سرعان ما يهن السلاح، ويضعف صاحبه وتصدق الحكمة الصينية القائلة: «إنك لا تستطيع أن تحكم شعبا من فوق جوادك طويلا»!! ***
وجاء الإسلام بحضارته الفذة فتفاعل مع الحضارات السابقة وأخذ منها الصالح وترك ما فيها من شرك واستعباد وتسلط. لقد عاشت الحضارة الإسلامية أكثر من عشرة قرون تأخذ وتعطي، وتتفاعل مع كل موروثات الماضي من علوم ونظم وأفكار.. فلم ترفض فكر اليونان ولا علومهم- بالجملة- ولم ترفض حضارة الرومان، ولا الفرس ولا المصريين أو الهنود بطريقة تشنجية استعلائية، ولا استغلت تفوقها السياسي والعسكري لفرض إقصاء الآخرين ونفيهم وتحقير عطاءاتهم.. بل أخذت كل ما يمكن من تراث العالم القديم، وأحسنت تمحيصه وترجمته وتقديمه للعالم المعاصر لها، ولمن جاء بعده.. وأضافت إليه، وأبدعت إبداعاتها الخاصة في كل مجال من المجالات العلمية والفنية. ***
ولقد كانت البشرية كلها تنتظر هذا الدين بفطرته السليمة بعد أن ذهبت آثار الأنبياء السابقين، وقد ظهرت نسمات هواء بين الأمم تمثلت في الأحناف وأهل الفترة الذين يبحثون عن الدين الحق، أمثال ورقة بن نوفل، وسلمان الفارسي، وبلال بن رباح وغيرهم.. وكانت هذه البواعث الفطرية وسيلة لنوع من التفاهم في الحياة الإنسانية، وكانت ممهدًا للعهد البشري الذي يرنو أصحابه إلي الوصول إلي أصل جامع يؤلف بين الجميع في حظيرة واحدة، إخوانا علي سرر متقابلين، ليقطعوا مراحل هذه الحياة، مجردين قواهم كلها للتكامل في العلم والعمل، لا متناحرين يبغي كل فريق لخصمه الفشل، ويبيت له الويل والخبل. وهذا كما يقول العلامة (محمد فريد وجدي): صحيح كل الصحة بيد أن هذا الشعور ولد خيالا يطوف ببعض الرءوس ولا يستقر فيها، إلا أنه كان يزداد علي مر الأيام قوة، إلي عهد خاتم النبيين محمد [. وكما يقول المفكر الهندي (وحيد الدين خان): إن ظهور الإسلام فتح طريقا جديدا للحضارة البشرية فبعد أن كانت الطبيعة معبودة أصبحت عابدة يسخرها الإنسان، وبعد أن كانت طابعة أصبحت مطبوعة، يكتب الإنسان علي وجهها ما يكتشف من قوانين يسخرها بها، وبعد أن كانت الطبقات يعبد بعضها بعضا، كما كان يقع في الهند بين الهندوس أصبحت الطبقات واحدة قائمة علي أصل واحد، يميز بعضها عن بعض {إِنَّ أَكْرَمَكُم عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} (الحجرات : 13). وبدلا من الصدام الحضاري أصبح التكامل الحضاري والتكافل الاجتماعي هو الأصل، حتي الحروب أصبحت تخضع لآداب إنسانية وأصبح الحق فوق القوة. وتميزت الحضارة الإسلامية بالوسطية فوازنت بين ما جعلته الحضارات الأخري متناقضات كما أنها قامت علي الموازنة بين العقل والنقل، بين الغيب والشهادة، بين الحكمة والشريعة، بين الدين والدنيا، بين الدنيا والآخرة، بين الفرد والجماعة، بين المادية والإيمان، بين السلم والحرب، بين السيف والقلم. يقول «هاملتون جب» المستشرق الإنجليزي والأستاذ بجامعة هارفارد الأمريكية في كتابه «الإسلام إلي أين؟»: «لا يزال لدي الإسلام فضل آخر يبذله من أجل قضية الإنسانية، فهو يقف علي كل حال أقرب إلي الشرق أكثر من موقف أوروبا منه، كما أنه يمتلك تقاليد رائعة فيما يتعلق بالتفاهم والتعاون بين أجناس البشر... فلم يحرز أي مجتمع آخر - غير إسلامي - مثل هذا السجل من النجاح في التوحيد بين ذلك القدر الهائل والمتنوع من الأجناس البشرية؛ بتحقيق المساواة أمام القانون، وتكافؤ الفرص للجميع. ولا يزال الإسلام قادرًا علي تحقيق مصالحة بين عناصر الجنس البشري وتقاليدها التي تستعصي علي التصالح. وإذا قدر أن يحل التعاون يوما ما محل التعارض القائم بين المجتمعات الكبيرة في الشرق والغرب، فإن وساطة الإسلام تصبح شرعاً لا غني عنه، إذ يكمن بين يديه - إلي حد كبير - حل المشكلة التي تواجه أوروبا في علاقاتها بالشرق. وعندما نسمع الآن عن ضيق أوروبا بالوافدين العرب والمسلمين، ومطالبة بعضهم بترحيلهم نتذكر حضارتنا الإسلامية التي رحبت بكل الأجناس حتي كان أغلب العلماء من غير العرب ومنهم عدد من الموالي، وقد كان إمام المحدثين الحسن البصري فارسياً، وكان أول الأئمة المجتهدين أبا حنيفة النعمان بن ثابت فارسياً، وقد لقبوه بالإمام الأعظم، وكان العدد الأكبر من أصحاب الصحاح في الحديث من أجناس شتي، كالبخاري ومسلم، وأحمد، والبيهقي، والترمذي، والدارقطني، وابن ماجه، فلم يكن ذلك ليثير عليهم حقداً، ولا ليمنع الناس عن الأخذ عنهم.. وكان يجري هذا المجري أقدم المفسرين وكبارهم كالطبري، والزمخشري، والرازي، والنيسابوري ، وكان من مقدمي علمائهم الذين صاروا الأئمة الأولين في مختلف العلوم علي هذا النحو أيضاً فكان: الباقلاني، والإسفراييني، وأبو حامد الغزالي الذي لقبوه بحجة الإسلام والراغب الأصفهاني. ولم يستثن ذلك حفاظ اللغة العربية نفسها، كأبي عبيدة، والفيروزبادي، والجوهري، ووضعه آلاتها من نحو وعروض ومنطق، كالخليل بن أحمد، وسيبويه، ونفطويه وابن خالويه، وابن فارس. فلما انتهت القرون العشرة التي كنا أساتذة العالم فيها، وجاءت الحضارة الأوروبية، قدمت للبشرية ما عرف بأسلوب (الإبادة الجماعية) كما حدث مع الهنود الحمر قديما في أمريكا، وكما حدث في الجزائر بواسطة فرنسا حديثا، وإلي جانب ذلك قدمت ترسانة من الأسلحة النووية التي تتباهي بأنها تستطيع بها تدمير الأرض عدة مرات، وقدمت نظرية صدام الحضارات مقاومة لنظرية تكامل الحضارات كما هو في الحضارة الإسلامية، وقد اعتمدت في قولها بصدام الحضارات علي البذور التوراتية وما نسب فيها من إبادة إلي يوشع (فتي موسي عليه السلام) وإلي داود عليه السلام. إلي جانب أن مع الحروب الصليبية الحديثة الاستعمارية التي شنوها علي العالم الإسلامي شنوا هجومًا آخر عن طريق التغريب والعولمة ومحاولات مسخ الهوية الإسلامية تحت ما يسمي بالحداثة وما بعد الحداثة. وبدلاً من أن يفكر الغرب بعد أن نام المسلمون نومتهم منذ ثلاثة قرون بتأثير غرورهم بانتصارهم في الحروب الصليبية، فإنه علي العكس بدأ يملأ العالم كله هرجا ومرجا وحروبا عالمية واستخداما لأول مرة في التاريخ للقنابل النووية. وبالنسبة للمسلمين خصهم بمزيد من الهرج والمرج والتمزيق ونشر الفوضي السياسية والأخلاقية والاقتصادية حتي أصبح المسلمون يرون ببصائرهم علامات الساعة. لقد كان واجباً ولازما علي الحضارة الأورو-أمريكية أن تكفر عن ماضيها الطويل في احتلال شعوب العالم، والاستئثار بالعلم ونشر الجهل والعبودية، ولا سيما وأنها تنحدر الآن انحدارا كبيرا يعترف به أكثرهم. لكن إنسان الحضارة الأورو-أمريكية لا يريد أن يعتبر ولا يريد العودة إلي الله ولا يريد إدراك أن ما وقع من هرج ومرج ومن فتن يحارُ فيها الحليم، إنما هو إنذارٌ من الله له، وهو تحقيق لقوله تعالي في سورة الكهف {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يوْمَئِذٍ يمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} (الكهف: 98، 99). ونحن المسلمين لا يسرنا هذا الواقع، ولا نشمت في الحضارة (الأورو - أمريكية)، بل نتمني لأصحاب هذه الحضارة أن يتوبوا وأن يهديهم الله إلي دين الحق والعدل والخير والرحمة.. أليس ديننا هو الدين الذي حَدَّد الله في كتابه رسالة نَبيه محمد عليه الصلاة والسلام في قوله تعالي {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107) "إن الإسلام يجبّ ما قبله"، أي إن الله يغفر الذنوب التي سبقت إسلام الوجه لله، والإقرار بعبودية الله وحده لا شَريك له.. وهذه الفرصة متاحة للحضارة (الأورو - أمريكية) قبل أن تموت!! ونحن المسلمين سوف ننسي للحروب الصليبية التي اجتمعت كل دول أوروبا فيها علينا، وظَلَّت تُقاتلنا نحو قرْنين ونصْف القرن!! وسوف ننسي ما فعلته محاكم التفتيش بقيادة (فرديناند وإزابيلا) في غرناطة آخر قلاع المسلمين في الأندلس (أسبانيا) حين قتلوا وشردوا من المسلمين أكثر من مليونين وصودرت أموالهم وعقاراتهم أو تُركت لنهب الشعب الصليبي!! وسوف ننسي ما وَقَع للمسلمين في الهند سنة 1857م حين ثار المسلمون والهندوس علي الجيش الإنجليزي الوحشي فانْصبَّ غَضَب الإنجليز علي المسلمين أكثر من الهندوس بكثير.. وقتلوا منهم عشرات الألوف. والله وحده قادر علي أن يغفر للحضارة الأوروبية الأمريكية الصهيونية ما فعلته في فلسطين وغزة وبيت المقدس، فهي صفحة سوداء في جبين الإنسانية كلها. والله وحده قادر علي أن يغفر لهذه الحضارة الثلاثية الأضلاع (الصهيونية - الصليبية - المادية) ما فعلته في أفغانستان والعراق وفي آسيا الوسطي (تحت الاحتلال الشيوعي) وفي تركستان الشرقية في ظل الاحتلال الصيني الإبادي!! وكل ذلك نفوض فيه الأمر إلي الله تعالي، ونسأله أن لا تضيع دماء المسلمين رخيصة بلا ثمن، وهو أعدل العادلين.. وإننا لواثقون في عدله سبحانه، لا سيما بعد أن أرانا الله صوراً من انتقامه منهم خلال المعارك التي قامت بين طوائفهم الدينية مثل الحروب التي قامت بين الكاثوليك والبروتستانت، والحروب بين كل أوروبا في الحربين العالميتين الكبيرتين اللتين بلغ عدد القتلي فيهما أكثر من سبعين مليوناً أكثرهم من الأوروبيين مشعلي الحربين. لكننا لا نستطيع أن نتبين مشاعرنا المليئة بالمرارة تجاه تلك الصفحة الجنونية الدموية المجردة من الإنسانية التي تفردت بها فرنسا (فرنسا الحرية والإخاء والمساواة) حين قررت في لحظة جنون شيطانية إبادة شعب الجزائر في العصر الحديث، علي غرار ما فعلت أمريكا بالهنود الحمر قديما... لقد دخلت فرنسا الجزائر سنة 1830م وعدد سكانها أربعة ملايين جزائري... وفي عدة سنوات قتلت فرنسا من هؤلاء نحو مليونين!! إن الجرائم الفرنسية والقتل الجماعي الذي ارتكب خلال الثورة الأخيرة (1954 - 1962) كان امتدادًا للجرائم البشعة التي ارتكبت أثناء الاحتلال سنة 1830م وفي ثورة المقراني سنة 1871م، وما تلاها من ثورات؛ تلك التي لم تتوقف منذ وطأت أقدام الفرنسيين أرض الجزائر. وقد وقعت جرائم إبادة لا ينساها الشعب الجزائري مثل جرائم 8 مايو 1945، والتي راح ضحيتها خمسة وأربعون ألف شهيد، وجرائم 20 أغسطس عام 1955 في سكيكدة. ومن الذين ارتكبوا جرائم شنعاء القائد الفرنسي العقيد بيليسي، الذي أصدر أوامره لجنوده بإضرام النار في مغارة التجأ إليها النساء والأطفال والشيوخ؛ هروبا من جحيم الاستعمار، وفي ظروف مأساوية قل نظيرها؛ اختنق هؤلاء في المغارة، وماتوا جميعا!! وقد كانت الاستراتيجية الأساسية لدي القائد بيليسي هي الإبادة؛ ففي نظره أنها هي وحدها الكفيلة بالقضاء علي مقاومة الشعب الجزائري، وإضعاف قدراته القتالية والنضالية. لقد ركَّزنا هنا علي المأساة الجزائرية لأنها مأساة فريدة في العصر الحديث، فهي نموذج إبادة شعب، وكأنها عود علي بدء أيام كانت إبادة الهنود الحمر ملهاة في رأي لصوص بريطانيا الزاحفين علي القارة الأمريكية البكر.. وثمة شعوب كثيرة أبيدت.. فقد ذكر المؤرخ العالمي أرنولد توينبي أن القابل للدراسة من الحضارات لوجود معلومات عنها نحو 22 حضارة بينما تزيد الحضارات عن مائة حضارة.. كلها أبيدت. قد يستاء بعضهم عما يصيب فلسطين، فنقول لهم إن مأساة الفلسطينين تكمن في اغتصاب الأرض وطرد الشعب.. لكن الفلسطينيين يزدادون عدداً.. وسيعودون بإذن الله وبسنن الله الاجتماعية. لكن ما فعلته فرنسا في الجزائر كان إبادة شعب. إن فرنسا لم تكتف بما فعلته في الجزائر خلال 132سنة (1830-1962م) بل إنها عمدت إلي ترك إشعاع نووي في الصحراء الجزائرية، ومئات الآلاف من الألغام.. لتستمر عملية الإبادة بعد خروجها مدحورة مهزومة بعد توقيعها علي اتفاقية الاستقلال (إيفيان). لقد أجرت فرنسا سبعة عشر تفجيراً نووياً قتل خلالها 42 ألف جزائري.. جري استخدامهم كفئران تجارب.. بينما لا تزال المنطقة الصحراوية برمتها تواجه الآثار الوخيمة لإشعاع نووي تمتد آثاره لما يزيد عن 4,500 مليار من السنوات!! ***
• إننا لا نشمت في الذي يجري علي الساحة اليوم للحضارة الأمريكية الأوروبية التي تبدو وكأن عقدها انفرط وتناثرت حباته.. من حيث لا تدري ولا تحتسب.. إننا - كمسلمين - لا نعرف التشفي ولا الحقد، فلقد علمنا رسولنا الأعظم [ أن نقول: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ونقول: (لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده ويعبده).. لكننا - فقط - نريد لهذه الحضارة أن تتوب!! فهل تتحقق هذه التوبة في القريب؟ ذلك ما نحلم به ونتمناه..!
* أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية
رئيس تحرير مجلة التبيان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.