السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حضارة لا تريد أن تتوب!!-أ.د عبد الحليم عويس
نشر في الحوار نت يوم 23 - 01 - 2011


حضارة لا تريد أن تتوب!!

أ.د عبد الحليم عويس
ويدور الزمان كما هي سنة الله في الدول والأمم.. قال تعالي {وَتِلْكَ الأَيامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ} (آل عمران : 140).. لكن بعض الأمم والحضارات في لحظات الغرور تظن أنها لن تزول ولن تتحقق فيها سنة الله الاجتماعية فتستبد بها أمراض الظلم والغرور.. لقد كان اليونانيون «الأثينيون» يظنون ذلك عندما، ظهر فيهم عمالقة مثل سقراط وأرسطو وأفلاطون الذين كانوا ومازالوا يتمتعون بمكانة الأساتذة الكبار في الفكر والفلسفة والعقلانية «اللادينية» التي تعتمد العقل والمنطق الصوري وحده،. ثم تفوقت «روما» علي «أثينا» فأصبحت روما تسمي نفسها «سيدة العالم» والمواطن الروماني فوق الأديان والقوانين، وهو كاليهودي الآن «شعب الله المختار» الذي يسحق القوانين والمنظمات الدولية ولا يدان أبدا أما غيره فمدان دائما. وهكذا كان القياصرة والأباطرة والأكاسرة والفراعنة والملوك الموزعون في العالم يتألهون ويعبدون من دون الله، ولا يسمحون لشعوبهم بممارسة حق امتلاك أسباب النهضة وعلي رأسها «عبادة الله وحده» والتزام الناس بمنهاج الله وبحدود العقل وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة، حيث إن التقدم لا يصنع إلا في هذا المناخ، الذي تتألق فيه الحرية علي مستوي حريات الفرد والجماعة مع انطلاق الفكر الفردي والمجتمعي الذي هو حصيلة جهود إبداع أبنائه، وانتقال المجتمع إلي صعيد جديد في السيطرة والسيادة، وذلك علي العكس من عصور التخلف والتحلل المفضية إلي الاندثار، لأنها عصور القمع والتسلط والجمود لدرجة أن الإمبراطوريات التي تكونت في ظل القمع والتسلط كانت إمبراطوريات عسكرية هشة لم يقدر لها أن تعيش طويلا.. فحياتها رهن السلاح المصلت علي الرقاب، ووأد الفكر وخرس الألسنة ولكن - كما هو معروف - سرعان ما يهن السلاح، ويضعف صاحبه وتصدق الحكمة الصينية القائلة: «إنك لا تستطيع أن تحكم شعبا من فوق جوادك طويلا»!! ***
وجاء الإسلام بحضارته الفذة فتفاعل مع الحضارات السابقة وأخذ منها الصالح وترك ما فيها من شرك واستعباد وتسلط. لقد عاشت الحضارة الإسلامية أكثر من عشرة قرون تأخذ وتعطي، وتتفاعل مع كل موروثات الماضي من علوم ونظم وأفكار.. فلم ترفض فكر اليونان ولا علومهم- بالجملة- ولم ترفض حضارة الرومان، ولا الفرس ولا المصريين أو الهنود بطريقة تشنجية استعلائية، ولا استغلت تفوقها السياسي والعسكري لفرض إقصاء الآخرين ونفيهم وتحقير عطاءاتهم.. بل أخذت كل ما يمكن من تراث العالم القديم، وأحسنت تمحيصه وترجمته وتقديمه للعالم المعاصر لها، ولمن جاء بعده.. وأضافت إليه، وأبدعت إبداعاتها الخاصة في كل مجال من المجالات العلمية والفنية. ***
ولقد كانت البشرية كلها تنتظر هذا الدين بفطرته السليمة بعد أن ذهبت آثار الأنبياء السابقين، وقد ظهرت نسمات هواء بين الأمم تمثلت في الأحناف وأهل الفترة الذين يبحثون عن الدين الحق، أمثال ورقة بن نوفل، وسلمان الفارسي، وبلال بن رباح وغيرهم.. وكانت هذه البواعث الفطرية وسيلة لنوع من التفاهم في الحياة الإنسانية، وكانت ممهدًا للعهد البشري الذي يرنو أصحابه إلي الوصول إلي أصل جامع يؤلف بين الجميع في حظيرة واحدة، إخوانا علي سرر متقابلين، ليقطعوا مراحل هذه الحياة، مجردين قواهم كلها للتكامل في العلم والعمل، لا متناحرين يبغي كل فريق لخصمه الفشل، ويبيت له الويل والخبل. وهذا كما يقول العلامة (محمد فريد وجدي): صحيح كل الصحة بيد أن هذا الشعور ولد خيالا يطوف ببعض الرءوس ولا يستقر فيها، إلا أنه كان يزداد علي مر الأيام قوة، إلي عهد خاتم النبيين محمد [. وكما يقول المفكر الهندي (وحيد الدين خان): إن ظهور الإسلام فتح طريقا جديدا للحضارة البشرية فبعد أن كانت الطبيعة معبودة أصبحت عابدة يسخرها الإنسان، وبعد أن كانت طابعة أصبحت مطبوعة، يكتب الإنسان علي وجهها ما يكتشف من قوانين يسخرها بها، وبعد أن كانت الطبقات يعبد بعضها بعضا، كما كان يقع في الهند بين الهندوس أصبحت الطبقات واحدة قائمة علي أصل واحد، يميز بعضها عن بعض {إِنَّ أَكْرَمَكُم عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} (الحجرات : 13). وبدلا من الصدام الحضاري أصبح التكامل الحضاري والتكافل الاجتماعي هو الأصل، حتي الحروب أصبحت تخضع لآداب إنسانية وأصبح الحق فوق القوة. وتميزت الحضارة الإسلامية بالوسطية فوازنت بين ما جعلته الحضارات الأخري متناقضات كما أنها قامت علي الموازنة بين العقل والنقل، بين الغيب والشهادة، بين الحكمة والشريعة، بين الدين والدنيا، بين الدنيا والآخرة، بين الفرد والجماعة، بين المادية والإيمان، بين السلم والحرب، بين السيف والقلم. يقول «هاملتون جب» المستشرق الإنجليزي والأستاذ بجامعة هارفارد الأمريكية في كتابه «الإسلام إلي أين؟»: «لا يزال لدي الإسلام فضل آخر يبذله من أجل قضية الإنسانية، فهو يقف علي كل حال أقرب إلي الشرق أكثر من موقف أوروبا منه، كما أنه يمتلك تقاليد رائعة فيما يتعلق بالتفاهم والتعاون بين أجناس البشر... فلم يحرز أي مجتمع آخر - غير إسلامي - مثل هذا السجل من النجاح في التوحيد بين ذلك القدر الهائل والمتنوع من الأجناس البشرية؛ بتحقيق المساواة أمام القانون، وتكافؤ الفرص للجميع. ولا يزال الإسلام قادرًا علي تحقيق مصالحة بين عناصر الجنس البشري وتقاليدها التي تستعصي علي التصالح. وإذا قدر أن يحل التعاون يوما ما محل التعارض القائم بين المجتمعات الكبيرة في الشرق والغرب، فإن وساطة الإسلام تصبح شرعاً لا غني عنه، إذ يكمن بين يديه - إلي حد كبير - حل المشكلة التي تواجه أوروبا في علاقاتها بالشرق. وعندما نسمع الآن عن ضيق أوروبا بالوافدين العرب والمسلمين، ومطالبة بعضهم بترحيلهم نتذكر حضارتنا الإسلامية التي رحبت بكل الأجناس حتي كان أغلب العلماء من غير العرب ومنهم عدد من الموالي، وقد كان إمام المحدثين الحسن البصري فارسياً، وكان أول الأئمة المجتهدين أبا حنيفة النعمان بن ثابت فارسياً، وقد لقبوه بالإمام الأعظم، وكان العدد الأكبر من أصحاب الصحاح في الحديث من أجناس شتي، كالبخاري ومسلم، وأحمد، والبيهقي، والترمذي، والدارقطني، وابن ماجه، فلم يكن ذلك ليثير عليهم حقداً، ولا ليمنع الناس عن الأخذ عنهم.. وكان يجري هذا المجري أقدم المفسرين وكبارهم كالطبري، والزمخشري، والرازي، والنيسابوري ، وكان من مقدمي علمائهم الذين صاروا الأئمة الأولين في مختلف العلوم علي هذا النحو أيضاً فكان: الباقلاني، والإسفراييني، وأبو حامد الغزالي الذي لقبوه بحجة الإسلام والراغب الأصفهاني. ولم يستثن ذلك حفاظ اللغة العربية نفسها، كأبي عبيدة، والفيروزبادي، والجوهري، ووضعه آلاتها من نحو وعروض ومنطق، كالخليل بن أحمد، وسيبويه، ونفطويه وابن خالويه، وابن فارس. فلما انتهت القرون العشرة التي كنا أساتذة العالم فيها، وجاءت الحضارة الأوروبية، قدمت للبشرية ما عرف بأسلوب (الإبادة الجماعية) كما حدث مع الهنود الحمر قديما في أمريكا، وكما حدث في الجزائر بواسطة فرنسا حديثا، وإلي جانب ذلك قدمت ترسانة من الأسلحة النووية التي تتباهي بأنها تستطيع بها تدمير الأرض عدة مرات، وقدمت نظرية صدام الحضارات مقاومة لنظرية تكامل الحضارات كما هو في الحضارة الإسلامية، وقد اعتمدت في قولها بصدام الحضارات علي البذور التوراتية وما نسب فيها من إبادة إلي يوشع (فتي موسي عليه السلام) وإلي داود عليه السلام. إلي جانب أن مع الحروب الصليبية الحديثة الاستعمارية التي شنوها علي العالم الإسلامي شنوا هجومًا آخر عن طريق التغريب والعولمة ومحاولات مسخ الهوية الإسلامية تحت ما يسمي بالحداثة وما بعد الحداثة. وبدلاً من أن يفكر الغرب بعد أن نام المسلمون نومتهم منذ ثلاثة قرون بتأثير غرورهم بانتصارهم في الحروب الصليبية، فإنه علي العكس بدأ يملأ العالم كله هرجا ومرجا وحروبا عالمية واستخداما لأول مرة في التاريخ للقنابل النووية. وبالنسبة للمسلمين خصهم بمزيد من الهرج والمرج والتمزيق ونشر الفوضي السياسية والأخلاقية والاقتصادية حتي أصبح المسلمون يرون ببصائرهم علامات الساعة. لقد كان واجباً ولازما علي الحضارة الأورو-أمريكية أن تكفر عن ماضيها الطويل في احتلال شعوب العالم، والاستئثار بالعلم ونشر الجهل والعبودية، ولا سيما وأنها تنحدر الآن انحدارا كبيرا يعترف به أكثرهم. لكن إنسان الحضارة الأورو-أمريكية لا يريد أن يعتبر ولا يريد العودة إلي الله ولا يريد إدراك أن ما وقع من هرج ومرج ومن فتن يحارُ فيها الحليم، إنما هو إنذارٌ من الله له، وهو تحقيق لقوله تعالي في سورة الكهف {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يوْمَئِذٍ يمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} (الكهف: 98، 99). ونحن المسلمين لا يسرنا هذا الواقع، ولا نشمت في الحضارة (الأورو - أمريكية)، بل نتمني لأصحاب هذه الحضارة أن يتوبوا وأن يهديهم الله إلي دين الحق والعدل والخير والرحمة.. أليس ديننا هو الدين الذي حَدَّد الله في كتابه رسالة نَبيه محمد عليه الصلاة والسلام في قوله تعالي {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107) "إن الإسلام يجبّ ما قبله"، أي إن الله يغفر الذنوب التي سبقت إسلام الوجه لله، والإقرار بعبودية الله وحده لا شَريك له.. وهذه الفرصة متاحة للحضارة (الأورو - أمريكية) قبل أن تموت!! ونحن المسلمين سوف ننسي للحروب الصليبية التي اجتمعت كل دول أوروبا فيها علينا، وظَلَّت تُقاتلنا نحو قرْنين ونصْف القرن!! وسوف ننسي ما فعلته محاكم التفتيش بقيادة (فرديناند وإزابيلا) في غرناطة آخر قلاع المسلمين في الأندلس (أسبانيا) حين قتلوا وشردوا من المسلمين أكثر من مليونين وصودرت أموالهم وعقاراتهم أو تُركت لنهب الشعب الصليبي!! وسوف ننسي ما وَقَع للمسلمين في الهند سنة 1857م حين ثار المسلمون والهندوس علي الجيش الإنجليزي الوحشي فانْصبَّ غَضَب الإنجليز علي المسلمين أكثر من الهندوس بكثير.. وقتلوا منهم عشرات الألوف. والله وحده قادر علي أن يغفر للحضارة الأوروبية الأمريكية الصهيونية ما فعلته في فلسطين وغزة وبيت المقدس، فهي صفحة سوداء في جبين الإنسانية كلها. والله وحده قادر علي أن يغفر لهذه الحضارة الثلاثية الأضلاع (الصهيونية - الصليبية - المادية) ما فعلته في أفغانستان والعراق وفي آسيا الوسطي (تحت الاحتلال الشيوعي) وفي تركستان الشرقية في ظل الاحتلال الصيني الإبادي!! وكل ذلك نفوض فيه الأمر إلي الله تعالي، ونسأله أن لا تضيع دماء المسلمين رخيصة بلا ثمن، وهو أعدل العادلين.. وإننا لواثقون في عدله سبحانه، لا سيما بعد أن أرانا الله صوراً من انتقامه منهم خلال المعارك التي قامت بين طوائفهم الدينية مثل الحروب التي قامت بين الكاثوليك والبروتستانت، والحروب بين كل أوروبا في الحربين العالميتين الكبيرتين اللتين بلغ عدد القتلي فيهما أكثر من سبعين مليوناً أكثرهم من الأوروبيين مشعلي الحربين. لكننا لا نستطيع أن نتبين مشاعرنا المليئة بالمرارة تجاه تلك الصفحة الجنونية الدموية المجردة من الإنسانية التي تفردت بها فرنسا (فرنسا الحرية والإخاء والمساواة) حين قررت في لحظة جنون شيطانية إبادة شعب الجزائر في العصر الحديث، علي غرار ما فعلت أمريكا بالهنود الحمر قديما... لقد دخلت فرنسا الجزائر سنة 1830م وعدد سكانها أربعة ملايين جزائري... وفي عدة سنوات قتلت فرنسا من هؤلاء نحو مليونين!! إن الجرائم الفرنسية والقتل الجماعي الذي ارتكب خلال الثورة الأخيرة (1954 - 1962) كان امتدادًا للجرائم البشعة التي ارتكبت أثناء الاحتلال سنة 1830م وفي ثورة المقراني سنة 1871م، وما تلاها من ثورات؛ تلك التي لم تتوقف منذ وطأت أقدام الفرنسيين أرض الجزائر. وقد وقعت جرائم إبادة لا ينساها الشعب الجزائري مثل جرائم 8 مايو 1945، والتي راح ضحيتها خمسة وأربعون ألف شهيد، وجرائم 20 أغسطس عام 1955 في سكيكدة. ومن الذين ارتكبوا جرائم شنعاء القائد الفرنسي العقيد بيليسي، الذي أصدر أوامره لجنوده بإضرام النار في مغارة التجأ إليها النساء والأطفال والشيوخ؛ هروبا من جحيم الاستعمار، وفي ظروف مأساوية قل نظيرها؛ اختنق هؤلاء في المغارة، وماتوا جميعا!! وقد كانت الاستراتيجية الأساسية لدي القائد بيليسي هي الإبادة؛ ففي نظره أنها هي وحدها الكفيلة بالقضاء علي مقاومة الشعب الجزائري، وإضعاف قدراته القتالية والنضالية. لقد ركَّزنا هنا علي المأساة الجزائرية لأنها مأساة فريدة في العصر الحديث، فهي نموذج إبادة شعب، وكأنها عود علي بدء أيام كانت إبادة الهنود الحمر ملهاة في رأي لصوص بريطانيا الزاحفين علي القارة الأمريكية البكر.. وثمة شعوب كثيرة أبيدت.. فقد ذكر المؤرخ العالمي أرنولد توينبي أن القابل للدراسة من الحضارات لوجود معلومات عنها نحو 22 حضارة بينما تزيد الحضارات عن مائة حضارة.. كلها أبيدت. قد يستاء بعضهم عما يصيب فلسطين، فنقول لهم إن مأساة الفلسطينين تكمن في اغتصاب الأرض وطرد الشعب.. لكن الفلسطينيين يزدادون عدداً.. وسيعودون بإذن الله وبسنن الله الاجتماعية. لكن ما فعلته فرنسا في الجزائر كان إبادة شعب. إن فرنسا لم تكتف بما فعلته في الجزائر خلال 132سنة (1830-1962م) بل إنها عمدت إلي ترك إشعاع نووي في الصحراء الجزائرية، ومئات الآلاف من الألغام.. لتستمر عملية الإبادة بعد خروجها مدحورة مهزومة بعد توقيعها علي اتفاقية الاستقلال (إيفيان). لقد أجرت فرنسا سبعة عشر تفجيراً نووياً قتل خلالها 42 ألف جزائري.. جري استخدامهم كفئران تجارب.. بينما لا تزال المنطقة الصحراوية برمتها تواجه الآثار الوخيمة لإشعاع نووي تمتد آثاره لما يزيد عن 4,500 مليار من السنوات!! ***
• إننا لا نشمت في الذي يجري علي الساحة اليوم للحضارة الأمريكية الأوروبية التي تبدو وكأن عقدها انفرط وتناثرت حباته.. من حيث لا تدري ولا تحتسب.. إننا - كمسلمين - لا نعرف التشفي ولا الحقد، فلقد علمنا رسولنا الأعظم [ أن نقول: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ونقول: (لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده ويعبده).. لكننا - فقط - نريد لهذه الحضارة أن تتوب!! فهل تتحقق هذه التوبة في القريب؟ ذلك ما نحلم به ونتمناه..!
* أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية
رئيس تحرير مجلة التبيان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.