فى ظل استمرار أزمة حكومة الوحدة الوطنية نتيجة تواصل المظاهرات اليومية التونسية من أجل إسقاطها، وفى غياب أى مؤشر حكومى من أجل حل "التجمع الدستورى الديمقراطى"، أو الاستجابة لمطالب المعارضة بتنحى كل رموز النظام السابق عن الحكومة، فإن خيار تدخل الجيش أصبح واردا بالنسبة للعديد من المراقبين من أجل حسم قضية "الشرعية"، هذا فى الوقت الذى يعتبر البعض الآخر أن مثل هذا الخيار قد يضر بصورة الثورة. وتشهد العاصمة التونسية إقبالا جماهيريا من مختلف أنحاء البلاد فى ما سمى "بقوافل الحرية"، والتى بدأت فى التوافد منذ أمس الأحد 23- 1- 2011 على قصر الحكومة بمنطقة القصبة فى قلب العاصمة. وانطلقت مبادرة "قوافل الحرية" من مدن الشمال الغربى التى عرفت الشرارة الأولى للثورة، وامتدت هذه الظاهرة لتشمل مدنا أخرى فى الجنوب والوسط والشمال. ويطمح المساهمون فى مسيرة "قوافل الحرية" عن طريق اعتصامهم أمام قصر الحكومة بتونس العاصمة إلى إجبار حكومة محمد الغنوشى على الاستقالة والتخلص من كل رموز حزب التجمع الدستورى الديمقراطى المشاركين فى الحكومة الحالية. غير أن كل الضغوطات التى مارستها الجماهير إلى حد الآن لم تجبر حكومة الوحدة الوطنية على الاستقالة، وهو ما ينذر بالنسبة للعديد من المراقبين بإمكانية تدخل الجيش لحسم قضية الشرعية. وفى تصريحات لشبكة أون إسلام يقول عبد اللطيف بوعون النقابى فى الاتحاد العام التونسى للشغل إن الأمر يسير باتجاه التعقيد، وكل المؤشرات تقول إن تغييرا سيقع هذا الأسبوع، وإن الحكومة لن تقوى على امتصاص ضغط الشارع إلى أمد غير محدد". ويضيف بوعون "أعتقد أن الجيش لن يقف مكتوف الأيدى، خاصة أمام تعقد الوضع، وعدم قدرة الحكومة على التراجع إلى الخلف". ويضيف بوعون "قد يشكل تدخل الجيش -فى حال حصوله- انقلابا على خيار الشعب، ولكنه سيكون مقبولا إلى حد ما من عدة أطراف بالنظر إلى كون يد الجيش وتاريخه كان نظيفا فى علاقته بالشعب التونسى". ويواصل الجيش التونسى تأمين الوضع الأمنى فى ظل حالة الطوارئ السائدة فى البلاد منذ يوم 14 يناير الماضى، ويعتقد أنه كان العامل الحاسم لانتصار ثورة الشعب ضد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علىّ؛ حيث تقول المعطيات المتوفرة إن الجنرال رشيد عمار قائد جيش البر هو الذى كانت له الكلمة الأخيرة فى إجبار بن علىّ على الرحيل. وتحظى المؤسسة العسكرية بتقدير خاص من قبل غالبية الشعب التونسى، وخاصة مع تواتر الأخبار التى تقول إن الجيش رفض الانصياع لأوامر الرئيس المخلوع بن علىّ، والذى أعطى أوامر بإطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين فى الاحتجاجات الشعبية التى سبقت الثورة، وهو الأمر الذى رفضه الجيش. ومن المفارقات أن فرضية "الحسم العسكرى" يستعملها أنصار حكومة الوحدة الوطنية كفزاعة من أجل القبول بحكومتهم كأفضل الخيارات فى الوقت الحالى، فقد حذر أحمد إبراهيم وزير التعليم العالى فى حكومة الغنوشى من إمكانية تدخل الجيش فى حالة حصول فراغ دستورى، وقال إبراهيم، الذى يرأس فى الوقت ذاته الأمانة العامة لحركة التجديد، فى اجتماع جماهيرى لأنصار حزبه أمس الأحد إن البلاد فى حالة حصول فراغ دستورى ستقع إما فريسة الفوضى أو تدخل الجيش من أجل التحكم فى الوضع". ويشارك فى حكومة الوحدة الوطنية شخصيتان فقط من أحزاب المعارضة، وهما أحمد إبراهيم الأمين العام لحركة التجديد وأحمد نجيب الشابى مؤسس التجمع الديمقراطى التقدمى، بينما انسحب مصطفى بن جعفر الذى أسندت له وزارة الصحة منذ الأيام الأولى لتعيين الحكومة، معتبرا أنها لا تمثل كامل مكونات الساحة السياسية بتونس. ويرفض الحكومة الحالية فضلا عن الجماهير الشعبية والنقابات المهنية التى تتظاهر كل يوم من أجل إسقاطها العديد من الأحزاب، ومن ضمنها حركة النهضة الإسلامية، وحزب العمال الشيوعى التونسى، والمؤتمر من أجل الجمهورية. وفى مقابل فزاعة "الفراغ الدستورى" و"تدخل الجيش" التى يستعملها وزراء حكومة الغنوشى من أجل تبرير مشاركتهم فى الحكومة فإن العديد من المعارضين للحكومة يطرحون حلا بديلا عن الحكومة الحالية دون الالتجاء إلى تدخل الجيش وهو تعيين الرئيس المؤقت فؤاد المبزع لحكومة جديدة بقيادة "أحمد المستيرى" الزعيم التاريخى لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، والذى يحظى بمصداقية كبيرة داخل الساحة السياسية التونسية. ويقترح أصحاب هذا البديل أن يقوم أأحمد المستيرى بتشكيل حكومة تشارك فيها كل أحزب المعارضة المعترف بها وغير المعترف بها، كما يطرحون حل التجمع الدستورى الديمقراطى، وإنشاء حزب جديد بدله يمثل الشخصيات النظيفة داخله، والتى لم تتورط فى السرقات والفساد.