"يجعل أيامك زين".. تحية يومية قديمة اعتاد التونسيون على تردديها وتبادلها على سبيل الدعاء، وبعدما أصبح زين العابدين بن علي رئيسا لتونس عام 1987، شاع استخدام هذه العبارة على المدونات والمنتديات أو في الأحاديث الودية بين المواطنين ولكن على سبيل السخرية وإطلاق النكات. وبمجرد إعلان فوز بن علي بفترة رئاسة خامسة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت الأحد 25-10-2009، والذي كان فوزه فيها "شبه مؤكد"، تردد عدد من النكات على المنتديات أبرزها: تونسي يقول لآخر: "ظللتم تقولون يجعل أيامك زين، حتى جاء الرئيس زين وجعل أيامكم طين"، وأخرى تقول لابنها: "يجعل أيامك زين"، فرد عليها قائلا: "أكثر من هذا يا أمي؟!". النكات السياسية التي اتسع نطاقها على المنتديات التونسية -خصوصا المعارضة- أرجعها مراقبون إلى ما وصفوه ب"الكبت الداخلي"، الذي تصاعد بشدة في السنوات الماضية بسبب التنكيل بالمعارضة التونسية، ومنع الحجاب، وانتشار البطالة والفقر في مناطق جنوبتونس التي شهدت انتفاضات العام الماضي قمعتها الشرطة بالقوة. وما زاد من هذا "الانسداد السياسي" -بحسب تعبير تيارات معارضة- هو إصرار الرئيس بن علي على الترشح لفترة رئاسية خامسة؛ ليظل في مقعده الذي يشغله منذ 1987 خلفا للرئيس السابق الحبيب بورقيبة حتى 2015، ويصبح مجموع سنوات حكمه منذ توليه السلطة عام 1987 هي 28 عاما. ويحتل بن علي المركز الخامس بين أقدم الحكام العرب بعد: الرئيس الليبي معمر القذافي، وسلطان عمان قابوس بن سعيد، والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والرئيس المصري حسني مبارك. ومن الملفت أن معظم الحكام العرب أعلنوا فور توليهم السلطة أنهم لن يتولوا سوى فترتين رئاسيتين، لكن مع تثبيت دعائم حكمهم وإقصاء المعارضة يسعون لتغيير الدستور بحيث يطلق عدد مرات الترشح للرئاسة لتصل إلى 5 أ و6 مرات. والحالة التونسية هنا فريدة من نوعها؛ لأن الرئيس عدل الدستور بما يسمح له ليس فقط بترشيح نفسه لولاية جديدة وإنما بما يسمح له اختيار من ينافسه في الانتخابات!. من هو بن علي؟ ولد بن علي في 3 سبتمبر 1936 في مدينة حمام سوسة، والتحق بصفوف الجيش التونسي في سنة 1958، وشارك في العمليات التي قام بها الجيش عقب العدوان الفرنسي على ساقية سيدي يوسف. ويقول الموقع الانتخابي (بن علي لتونس الغد) إنه حاصل على دبلوم المدرسة المختصة للجيوش ب"سان سير"، وشهادات من مؤسسات أخرى مثل: مدرسة المدفعية ب "شالون سور مارن" بفرنسا، والمدرسة العليا للاستعلامات والأمن، ومدرسة المدفعية المضادة للطيران بالولايات المتحدة، وحصل أيضا على بكالوريوس الهندسة في فرع الإلكترونيات. ويقول جان دانييل رئيس تحرير مجلة "نوفيل أوبزرفاتور" الفرنسية: إن بن علي درس الحقوق بعد استقلال تونس عام 1956، وإن حماه الجنرال كافي أرسله إلى المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن في مدينة بلتيمور الأمريكية لاجتياز دورة تدريبية، عاد بعدها ليستلم ملف الأمن العسكري التونسي. وأبرز المناصب التي تولاها: ملحق عسكري في ليبيا، ومدير الأمن الوطني عام 1978م، وسفير تونس لدى بولندا عام 1980م، ووزير دولة، ثم وزير مفوض، ووزير للداخلية، ثم أصبح رئيسا للوزراء عام 1987م، ثم رئيسا لتونس في نفس العام. كان بن علي الساعد الأيمن للرئيس بورقيبة، وعندما لاحت فرص كبيرة لصعود التيار الإسلامي التونسي بعدما تعاظم شأنه على يد الشيخ راشد الغنوشي ورفاقه، وكان بورقيبة يعاني من آثار الشيخوخة، قام بن علي بانقلاب أبيض وأعلن توليه السلطة، وقدم شهادات طبية تؤكد عدم قدرة الرئيس على إدارة شئون الدولة. وعقب توليه السلطة، سعى بن علي للحصول على تأييد النخب التونسية المختلفة، فاستقبل لأول مرة في قصر قرطاج ممثلي الأحزاب والمثقفين من غير المُنتمين للحزب الدستوري الحاكم، بل واستقبل إسلاميين من حركة النهضة، ولكنه سرعان ما انقلب -بعد استقرار حكمه- على الإسلاميين، واستغل في هذا الصدد موقفهم المؤيد ضمنا للعراق بعد غزو الكويت عام 1991 ورفضهم التدخل الأمريكي في هذه الأزمة. ونكل بن علي بالتيار الإسلامي، ومنع أي مظاهر إسلامية، وسار على درب بورقيبة في منع الحجاب، مؤكدا في أكثر من مناسبة أن "الحرب على الزي الطائفي (الحجاب) مستمرة". ومن هذا المنطلق قام بطرد آلاف الموظفات المحجبات بعدما حظر عليهن التعامل مع مؤسسات الدولة، كما حظر على الطالبات دخول الجامعات وسكن المدن الجامعية إلا بعد خلع الحجاب والتعهد بعدم ارتدائه. غير أنه سعى مؤخرا لإعلاء شأن بعض المظاهر الإسلامية كالسماح بإذاعة الأذان بعد أن كان ممنوعا؛ لتأكيد أن حملته ضد "المتطرفين" فقط، كما سعى لإعلاء شأن "الصوفية" في تونس، واهتم بالزوايا الصوفية. الملف الاقتصادي ويحسب للرئيس التونسي أنه نقل اقتصاد تونس نقلة مهمة للأمام في سنوات حكمه الأولى؛ حيث حافظ على معدلات تنمية مستقرة، معتمدا تارة على المساعدات الغربية التي دعمته ضد صعود التيار الإسلامي، وتارة أخرى على اهتمامه بالسياحة التونسية وأنشطة اقتصادية أخرى، وتبلغ الثروة الشخصية له -بحسب تقييم مجلة فوربس الأمريكية- 5 مليارات دولار. لكن تونس شهدت في العام الماضي مواجهات في جنوبتونس بين قوات الأمن وأبناء مدينة "الرديف" الذين تظاهروا احتجاجا على غلاء المعيشة وزيادة البطالة، ويرى مراقبون أن هذا الملف سيكون من أبرز التحديات التي ينتظر أن يواجهها بن علي في فترة رئاسته الجديدة. واشتهر الرئيس بن علي بالاهتمام بالملف الاقتصادي فقط، وتجميد الملف السياسي تماما، والتضييق على أي قوى سياسة مناوئة لحكمه، وذلك منذ أن أجرى أول انتخابات تعتبر قانونيا تعددية سنة 1999 بعد ما يربو على 12 سنة من استلامه للحكم، وهو يحرص على أن تكون (انتخابات معدة سلفا) ويغلب عليها سيطرة حزبه الحاكم مقابل ما لا يقل عن 10% لباقي الأحزاب التونسية. وبسبب الانتقادات الداخلية والخارجية، أجرى بن علي تعديلا دستوريا بالفصلين 39 و40 من الدستور لإزالة الحد الأقصى لتقلد المنصب الرئاسي، ومنح الحق في الترشح لانتخابات الرئاسة لبعض قادة الأحزاب الضعيفة، فمنح تراخيص عمل لعدة أحزاب غير فاعلة ونشاطها السياسي ضئيل ك(حزب الخضر والاتحاد الديمقراطيين الاشتراكيين..)، وبالمقابل ضيق على الأحزاب الأكثر شعبية مثل حركة النهضة الإسلامية التي سجن كل أعضائها ونكل بهم ودفع قواعدها للهرب خارج تونس، وحزب العمال الشيوعي؛ نظرا لشعبيتهما العالية لدى الأوساط الدينية والعمالية. وكان الدستور في صيغته السابقة يشترط في أي مرشح للرئاسة أن يحصل على تأييد ثلاثين نائبًا ورئيس بلدية، ولأن الحزب الدستوري الحاكم يسيطر على 80% من مجلس النواب، كما أن رؤساء البلديات معينون من قبل الحكومة، فقد كان مستحيلا على أي شخص أن يستوفي هذا الشرط إلا إذا كان عضوًا في الحزب الحاكم أو مرضيًّا عنه من الحزب. وبموجب التعديل الجديد تم إلغاء شرط تأييد المتقدمين للترشيح من قبل النواب ورؤساء البلديات، وسمح لأمناء أربعة أحزاب معارضة بالترشح. وفي عام 1999 استصدر الرئيس بن علي قانونًا استثنائيا في مجلس النواب لإفساح المجال أمام ترشيح رئيسي حزبين ممثلين في البرلمان لمنافسته في الانتخابات التي جرت في ذلك العام، وحقق فيها بن علي فوزًا «كاسحًا». وفي الانتخابات الرئاسية «عام 2004» استصدر قانونًا آخر أتاح لمرشحي ثلاثة أحزاب برلمانية منافسته، وحقق الرئيس فوزا بأكثر من 95% من الأصوات. وفي الانتخابات الأخيرة سمح بن علي لممثلي أربعة أحزاب أن ينافسوه، ووفقا للنتائج الرسمية التي أعلنتها الداخلية الإثنين 26-10-2009 فقد حصل الرئيس التونسي على نسبة 89.62% من الأصوات، مقابل 10% لمنافسيه الأربعة. وضمن عمليات تحسين صورة النظام، أطلق الرئيس التونسي العام الماضي سراح عدد من قادة حركة النهضة ممن اعتقلوا منذ 20 عاما، وفي الذكرى ال21 لتوليه الحكم أطلقت السلطات 21 سجينا من قادة حركة النهضة الإسلامية. ولكن معارضي النظام -ومنهم راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة- يؤكدون أن "هناك ما بين 1500 وألفين من شباب الصحوة الإسلامية الجديدة وراء القضبان يتعرضون لظروف أقسى مما تعرضت له النهضة نفسها". وأكد رئيس "النهضة" أن معتقلي الحركة الذين أطلقت السلطات سراحهم مؤخرا قد "خرجوا من سجن ضيق إلى آخر أوسع يحرمون فيه من جميع حقوقهم"، مطالبا ب"ترميم أوضاعهم"، بعد تعرضهم لتعذيب شبهه ب"الهولوكوست". ولا يستبعد المتابعون للشأن التونسي أن يتجه بن علي في فترة رئاسته الجديدة إلى تهدئة نسبية مع أنصار النهضة في ضوء تصاعد المد السلفي في البلاد، خصوصا تيار "السلفية الجهادية" واعتباره "العدو الأول" للنظام". مصدر الخبر : a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=1404&t="بن علي" رئيسا لخامس مرة.. يجعل أيامك "زين"!&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"