هنا نقطة العبور... الطاهر العبيدي / صحفي وكاتب تونسي مهجّر بباريس منذ سنة 93 ارفع رأسك إنك تونسي، فأنت ابن ذاك الشعب الأبيّ، فقد سجّل التاريخ بالدماء بالحروق أنك اخترت الوقوف ورفضت أن تنحني..
ارفع رأسك أيها التونسي، فقد كتبت ملحمة ذاكرة لا تمّحي، وصرت نموذجا وعنوان ثورة باتت سراجا في ليلنا المظلم..
ارفع رأسك أيها التونسي، فمثلك صار جرعة ضدّ السكون وضدّ أنظمة منع التجوّل الفكري..
ارفع رأسك أيها التونسي، فأنت ابن شعب اخترق جدار الصمت وانتفض ضد جمهوريات الحقد المدجّج.
ارفع رأسك أيها التونسي، فهنا نقطة العبور كما رسمها
" محمد بوعزيزي " بوجعه المتناسل من حروقه، من بؤسه من صبره من ضيمه، من تعبك من تهجيري ومنفاي وغربتي..
ارفع رأسك عاليا أيها التونسي، فأنت من سلالة عقبة ابن نافع وحفيد أبو زمعة البلوي..
ارفع رأسك أيها التونسي، فأنت ابن شعب استطاع تأميم الجراح لتورق ثورة متحضّرة دون سلاح، وقودها بارود الحناجر وذخيرتها رفضك وغضبي..
ارفع رأسك أيها التونسي، فأنت ابن شعب انتفض ضدّ الغبن، ضد الهوان، ضد القهر والتسلط..
ارفع رأسك أيها التونسي، فقد خرجت من مدن العرق، وأتيت من قرى الشقاء واللهب، واستيقظت من أحياء الجوع والعطش، ونهضت من شوارع البطالة والتعب، وزحفت من مناطق الرماد والسخط، وتجمّعت من مقاهي الفراغ والقلق، وانبلجت من تواريخ زمن القحط، وتدفقت من مناجم وكهوف البؤس، لتكتب سنفونية عنوانها أناشيد الغضب.
" الميكيافليون "، يا كل أولائك الجاثمون كالحقد فوق صدورنا، لن تعبروا لن تمرّوا فدونكم لحمي وجسدي..
ارفع رأسك أيها التونسي، فأنت ابن شعب تحدّى ثقافة الهزيمة وحطم سلاسل الصمت الأبدي..
ارفع رأسك أيها التونسي، فأنت ابن شعب غيّر فصيلة الدم وأنتج سمادا بدّل أديم الأرض..
ارفع رأسك أيها التونسي، فأنت ابن شعب حطم قيود الأسر، واستطاع سحق عروش الظلم والقهر..
ارفع رأسك أيها التونسي، وسجذل على صفحات التاريخ، أنك نطقت باسم الملايين التي تجهل حتى الآن ما هو النهار، وأنك رفضت أن تعقد صلحا دائما مع الهوان المعلب..
ارفع رأسك أيها التونسي، فقد استطعت أن تزلزل دولة المقاولين، وتقوّض عرش التخريب والخراب المنظم..
ارفع رأسك أيها التونسي، فأنت ابن شعب تمرّد كالإعصار كالزلزال وكالموج المرتطم..
ارفع رأسك أيها التونسي، فأنت ابن شعب يتدفق أصالة ووطنية، ابن شعب اخترق حواجز الصمت، وخطب الانحدار ومشاريع الشعوذة وضرب الكف..
ارفع رأسك أيها التونسي، فأنت ابن شعب تحدّى القمع، وثار ضد لافتات الاستغلال والقبح..
ارفع رأسك أيها التونسي، فهذه المدن والجبال والأحجار والبحار والحقول والسنابل والأشجار، تشهد أنك أصبحت شامخا مرفرفا، وأنك عنوان ثورة ضد النهب، ضد إعلام الفولاذ وضدّ صحافة الغثيان والدفّ.
ارفع رأسك أيها التونسي، فمثلك قرّر أن لا يبيت على الضيم، وأن لا يطأطأ العينين وينكس الرأس..
ارفع رأسك أيها التونسي، فأنت ابن شعب عزته من عزّة كل حرّ أبيّ، وشرفه من شرف كل عربي..
ارفع رأسك أيها التونسي فما أنجزته يعجز عن تسطيره القرطاس والقلم..
ارفع رأسك أيها التونسي، فصمتك كان نزيفا راحلا بلا دماء، يبحث عن لحظة نار، عن لحظة احتراق، عن لحظة انسياق، تفجّر براكين الحيف والجور والعرق..
ارفع رأسك أيها التونسي وسجّل ملحمة شعب أبى إلا أن
ينفض غبار سنوات الجدب..
ارفع رأسك أيها التونسي فقد نطقت لمّا نطقت بما نطق به شاعرك حين قال:
" حذاري فتحت الرماد اللهيب ومن يبذر الشوك يجني الجراح "، لتنسج مواويل ثورة قافيتها دماء وتحضّر، ورفض.