لن أطنب في التحليل، رغم نزوع إلى التأصيل، ولن أسترسل أو أطيل، رغم أن قلمي يأبى إلا أن يسيل. إني أرى التونسي اليوم يمشي، وهو بنصرشعبه منتشي. وقد كان بالأمس مطاردا ذليلا، لا يفتخرببلده إلا قليلا. وهو الآن يتحدث أينما حل، عن الثورة على النظام الذي اضمحل. لكن أحدهم قام أمامي متشائما، وقد كان في الماضي نائما، يبث الإحباط، فيمن اقترب منه وبه أحاط. يزعم أن الثورة ستسرق، وأن تونس سريعا ستغرق، فهمهمت وما فهمت، وعن الكلام برهة صمت، إلى أن فتح الله علي فتحا، وعصف ذهني قدحا. فتذكرت رأسا، من أظهروا في مثل هذه المواقف بأسا، استقيت منها عبرا ودرسا. استحضرت دروس بدر، ما شرح حولي كل صدر. قلت ألم يكن النصر في تلك المعركة مدويا، قالوا نعم، قلت لكنه لم ينجز كل المهام ولا لكل الأمور مسويا. لم يجتث الباطل ولا ظهر عليه الحق نهائيا، وتراجع يلملم قواه كما يتحرك اليوم بقايا النظام مسائيا، و يظهرون من حين لآخر موقفا عدائيا. لقد سبق بدرا في مكة التعذيب والتنكيل بآل ياسر وبلال، وسبق الثورة القهر والظلم والنهب والإذلال. في تونس كما في بدر سالت دماء الشهداء زكية، وعاش الأحرار كما كل الشعب الفترة المكية. فرّ الشباب من الجحيم فرارا، هاجروا بالآلاف مرارا، كل بطريقته كان للحدود عبارا، يترك الأهل والوطن قسرا، راجلا أو راكبا برا وبحرا، سرا وجهرا، بالليل متسللا، أو بالنهار متذللا، ومن فضل أن لا تثكله أمه، انزوى ولم يفتح فمه. ثم إنه ثمّت من المهجرين من عاد من الأحباش، بعد أن أشيع أن مكة خلت من الأوباش، أو قبلت بدين الحق، فأسرع من قلبه حنّ ورقّ، أو من للإسفين دقّ، وللصف شقّ. في بداية موقعة بدر برز الشجعان ليواجهوا رؤوس الكفر، كما برزعلى الشاشات وفي مواقع الأنترنات من ينازل مأجوري النظام من كتاب الصحف الصفر. في بدر برزت أهمية إبداء الرأي و التحاور، أمنزل أنزلكه الله؟ فنزل القائد الى سنة الشورى والتشاور. وفرقاء تونس اليوم أحوج ما يكونون لتبادل الرأي والتزاور. لن أستحضركل الدروس ولن أربطها بالمكان، ولن أسرد كل الوقائع حسب تسلسل الزمان، لكني أقول بثقة أن بدرا أنهت عهد الخوف والتهجير والتنكيل والإستكان، ومثلت نقلة إلى مرحلة تالية من البناء والإعداد في أمان، مع التنبيه والتحذير من أن لكل مرحلة أبو سفيان. فبعد بدر سيأتي الخندق وحنين وأحد، وقد تفاجئنا الأحزاب في ليل أو يوم سبت أو أحد، وهي آتية لا ريب عندي بكرة أو بعد غد، فأين خطة سلمان ومن المتجند لها والمستعد، ليواجه عدو الظلام أزلام الطاغية المستبد.