اتفاقية بين المركز البيداغوجي واتحاد التضامن الاجتماعي لتوفير الكتب المدرسية لأبناء العائلات المعوزة    موعد الدورة الثانية للانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة دقاش - حامة الجريد - تمغزة    ترامب: يجب أن ننهي ذلك الكابوس في قطاع غزة    وزير الخارجية يدعو إلى تكثيف الجهود لوقف جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني    'بودشارت' على مسرح قرطاج: عرض موسيقي تفاعلي يوم 28 أوت    عاجل/ قتلى وجرحى في حادث مرور مروّع بهذه الطريق الوطنية    عاجل/ تسجيل تراجع في أسعار الذهب    نقابات التعليم الأساسي والثانوي بتونس الكبرى تقرّ تعبئة هياكلها استعداداً لاحتجاج 28 أوت الجاري..    عاجل/ حجز 1.589 طنًا من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك بهذه الولاية    بن فرحان في اجتماع جدة: السعودية تدين التصريحات الإسرائيلية بشأن "رؤية إسرائيل الكبرى"    توريد كميات هامة من لحوم الضأن وهذا سعر بيعها للعموم.. #خبر_عاجل    سيدي بوزيد: عدد من أساتذة التعليم الثانوي ينددون ب"تغييب الفرع الجامعي وإلغاء دوره في الدفاع عن المربين"    قابس : برنامج ثقافي ثري للدورة السابعة لتظاهرة " أثر الفراشة "    بهاء الكافي: عودة قوية ب"الرد الطبيعي" بعد غياب    اتحاد بن قردان يعزز صفوفه بلاعب الوسط وائل الصالحي    قفصة: إحداث محطة لمعالجة المياه المستعملة بهذه المناطق في إطار المخطط الخماسي 2026-2030    من بينها تونس: 7 دول عربية تشملها فرص الأمطار الصيفية    تحرير 9 محاضر وحجز 60 كرسيا و25 طاولة خلال حملة لمقاومة الانتصاب الفوضوي بهذه الجهة..    ''كارثة صحية'' تهدد نصف سكان العالم!    النادي الإفريقي: ثلاثي يغيب عن مواجهة النادي البنزرتي    القيروان: اليوم الترويجي لتظاهرة المولد النبوي الشريف    شكري حمودة يوضح: التنسيق مع المصانع المحلية والدولية يحمي المخزون ويواجه النقص الظرفي    كيفاش نحضر صغيري نفسيا لدخول المدرسة لأول مرة؟    بشرى سارة: تقنية جديدة لتصحيح النظر بدون ليزر.. ومدتها دقيقة واحدة..    قبلي: مركز التكوين المهني الفلاحي بجمنة يستعد للسنة التكوينية الجديدة ويوفر فرص تكوين متنوعة في مجال الفلاحة الواحية    لقاء اعلامي للصحفيين المهتمين بالشأن الثقافي بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات    عدسات العالم تسلّط الضوء على الوعي الثقافي: المهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية في دورته الخامسة    نتنياهو يحدد شروط الانسحاب من لبنان..    اصدار طابع بريدي حول موضوع الطائرات الورقية    الحماية المدنية: 113 تدخلاً لإطفاء حرائق خلال ال24 ساعة الماضية..    أمل حمام سوسة يكشف عن خامس إنتداباته    عاجل/ من بينهم 3 توفوا في نفس اليوم: جريمة قتل 5 أشقاء تبوح بأسرارها..والتحقيقات تفجر مفاجأة..!    أفروباسكيت 2025: أنغولا تحرز اللقب القاري للمرة الثانية عشرة في تاريخها    نقص ظرفي في الأدوية ووزارة الصحة توجه نداء هام للأطباء والصيادلة والمواطنين..#خبر_عاجل    الأبراج ليوم 25 أوت 2025: يوم تحت شعار الخيارات الحاسمة    كرة القدم العالمية : على أي القنوات يمكنك مشاهدة مباريات اليوم الإثنين ؟    ارتفاع طفيف في الحرارة مع ظهور الشهيلي محلياً    اليوم: انطلاق بيع اشتراكات النقل المدرسية والجامعية    ترامب يدعو إلى سحب تراخيص بعض القنوات التلفزيونية الأمريكية    عاجل/ عالم أمريكي يفجر مفاجأة كبرى عن منشأ كورونا..    متابعة: إعصار سيدي بوزيد يخلف أضرارا مادية دون إصابات بشرية    سوسة: مهاجر إفريقي يُقتل طعناً بسكين على يد أصدقائه    ماذا ستجني أوغندا من استقبال المرحّلين من أميركا؟    تاريخ الخيانات السياسية (56) .. أفتكين و بختيار وسطوة الترك    توقعات بنمو القطاع الفلاحي    تراجع قيمة صادرات الزيت    وفاة مفاجئة لفنان مصري.. سقط أثناء مشاركته بمباراة كرة قدم    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    المعهد الوطني للرصد الجوي: شهر جويلية 2025 رابع اكثر الاشهر حرارة في تونس    عاجل/ نشاط للسحب الرعدية وأمطار بهذه الولايات عشية اليوم..    تهاطل الأمطار بكميات متفاوتة في صفاقس والوسط خلال 24 ساعة الماضية    تعزيز جديد في صفوف اتّحاد تطاوين    عاجل/ بداية من هذا التاريخ..كلغ العلوش ب38 دينار..    طبرقة تستعيد بريقها: عودة مهرجان "موسيقى العالم" بعد 20 سنة من الغياب    النادي الصفاقسي يكشف عن الوضعية الصحية للاعبي أكابر فريق كرة القدم المصابين    صدر أخيرًا للدكتور علي البهلول «الإتيقا وأنطولوجيا الراهن»: رحلة فلسفية في أفق الإنسانية    أولا وأخيرا .. هاجر النحل وتعفن العسل    موعدُ رصد هلال شهر ربيع الأوّل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرّ الكلام
نشر في الحوار نت يوم 11 - 02 - 2011

ليس صحيحاً أن الوعي الوطني بكل أبعاده الإنسانية كان العامل المشترك وراء إقبال التونسيين للمشاركة في انتفاضتهم المباركة، فهناك من شارك فيها بعد اقتناعه بفكرة التخلص من الطاغية بن علي " زين الهاربين"، بينما كانت تعني لشخص آخر التخلص من فكرة سياسية معينة إلى فكرة أكثر شمولاً، وهناك من رأى فيها مناسبة لإيجاد منصب سياسي له يرضيه، وهناك من ترك منفاه، وعاد ليشارك بالانتفاضة بهدف السعي لنهضة وطنه كي يأخذ مكانه اللائق تحت الشمس، أمثال الدكتور منصف المرزوقي، وغيره من المناضلين الشرفاء الذين أفنوا أعمارهم في خدمة تونس والتونسيين.
منذ أيام، ونحن نقرأ بعض الكتابات المسمومة بحق هذا المناضل الشريف، على أنّه " علماني عدو للإسلام" وبأنّه " أنحرف، وشوّه المشروع الراقي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية"، وبأنّه "شخصاني"، بالإضافة إلى تشويه صورته التنظيمية بوصفه " دكتاتوراً"، وإلصاق بعض الصفات السلبية التي يمكن لها أن تلعب دوراً سيئاً جداً بين حزبه العلماني ، وبين بعض الأحزاب الإسلامية في مستقبل الأيام.
أي متتبع لكتابات الدكتور منصف المرزوقي، هذا المناضل المفكّر الفذ، يلاحظ قوة تأثيرها على عقول أبناء تونس في مسيرتهم الوطنية،كما يلاحظ أيضاً، أنها أصبحت بمثابة منارة تنير طريق الإصلاح الجذري لبعض الجماعات المخلصة، المؤمنة والملتزمة التي ترنو لتجديد نهضة وطنها.
كما أن ممارساته النضالية اليومية طيلة سنوات جهاده، في الوطن والمهجر، قد نجحت في ترسيخ مبادئ التضحية والشجاعة والإقدام، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية في عدد لا بأس به من المنتسبين إلى حزبه، هذا مع العلم أن التجارب الميدانية أثبتت أن هذه القيّم لم تشمل جميع المنتسبين، وهي توزعت بينهم بصور متفاوتة جداً.
من المعلوم، أن أشد الحروب التي تُشن على حزب ما، أو شخصية سياسية ما، هي الحروب التي يشنها ذوو القربى الفكرية من أعضاء الحزب، أو من رفاق المؤسس القائد.
من حق كل عضو حزبي أن يتراجع، أو ينهار في مواقفه، أو أن يبدي رأياً سياسياً مغايراً لرأي القيادة الحزبية، أو القائد، إنما عليه دائماً أن لا يضيق بأصحاب الآراء المتخالفة لرأيه في ما يتصل بشؤون الحزب الفكرية، السياسية والتنظيمية، كما عليه، أن يصحح، أو يسامح المخالفات والهنات التي يتعرض لها القائد، والأعضاء، كما يتعرض لها كل كائن بشري على الأرض، إنما ليس من حقه أن يشن الحروب على حزبه ورفاق الأمس لكي يتسنى له تبوأ المراكز القيادية في أحزاب أخرى تتناسب وطموحاته الشخصيّة.
لست هنا في وارد مناقشة مبادئ وأهداف حزب " المؤتمر من أجل الجمهورية", ولا دستوره، ولا نظامه الداخلي، ولكنني أؤكد أن الدكتور المرزوقي لم يطلب من أعضاء حزبه يوماً كسر المحرمات، ولا تحقيق المستحيلات، إن كل ما كان يطلبه من العضو هو الوعي لشخصيته الوطنية بالدرجة الأولى، والعمل المنظم من أجل مصلحة الوطن بالدرجة الثانية.
وأستطيع أن أقول إن التجاوب الذي لقيه الدكتور المرزوقي كان كبيراً بالمقياس العددي، خاصة وهو يصارع أعتى قوة ظالمة عرفتها تونس، لكن هذا التجاوب العددي لم ينسحب على العمل التنظيمي المطلوب من حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، ذلك أن العدد لم يتحول إلى قوة نظامية، خلاقة ومنتجة.
ومع ذلك، هذا لم يمنع الدكتور المرزوقي، بما يملك من فكر وسياسة وتنظيم، من العمل لجعل حزبه قوة تقدم لتونس، قوة حداثة، قوة ديمقراطية تسعى إلى أخذ حصتها في خانة الخدمة العامة في أجهزة الحكومة.
فماذا يضر المجتمع التونسي لو أن مؤسس حزب " المؤتمر من أجل الجمهورية"، العلماني، ترشح لرئاسة الجمهورية؟ا...، وإذا أعضاء حزبه تقدموا للوظائف الحكومية، وهم الذين برهنوا بنضالهم، وما أدوه للوطن من خدمات على أنهم فئة لها مزايا تمكنها من القيام بأعباء السلطة؟ا....
أين الشخصانيّة في كل ذلك؟..... وأين الدكتاتورية ؟... ما داموا يعملون لدولة عصرية تساوي بين المواطنين التونسيين في الحقوق والواجبات أمام القانون؟...
ويناضلون من أجل أن يتساوى المتدينون والعلمانيون، وأن يصبحوا جزءاً لا يتجزأ من النظام المنوي إنشاءه في تونس الغد، ولتتمثل كل فئة وفق النسبة التي تنالها في صناديق الاقتراع، هل هذا النوع من النضال السياسي المدني ممنوع ؟ا...
ليس على شيء من الأخلاق الإسلامية من يشهّر بمؤسس حزب بهره يوماً ما مشروعه الراقي، واستهواه النضال في صفوفه، لغير الدفاع عن الحقيقة، فكيف بالذي يصوب مرّ الكلام على رفيق النضال والجهاد والمنفى والمصير؟....
أما بخصوص نعته بأنّه " علماني وعدو للإسلام"، أستطيع أن أجزم بأن الدكتور منصف المرزوقي كرجل علم، يؤمن بحركة تطور العقل البشري وبالقوانين وبحركة التطور الاجتماعي والعمراني، ويعتبر أن ارتقاء علم الاقتصاد والسياسة، الاجتماع، الطب، الهندسية والكيمياء، هي من اختصاص الخبراء بهذه الشؤون، ويستحيل معالجتها بنظرة دينية سالفة، وقد أكد في أكثر من مقال، وحديث، أن عمل رجال الدين هو في تثقيف النفوس في حفظ الإيمان والشريعة فقط.
لم يرَ الدكتور المرزوقي حاجة لهدم القناعات الدينية عند التونسيين، بل أجتهد بالمقارنة والتحليل لتقديم البراهين أن بعض هذه القناعات الدينية لا علاقة لها بحياتهم المجتمعية وتقدمها، وهو ليس عدواً للإسلام، إنها تهمة أخصامه السياسيين الذين يسوقون هذا النعت، ويفعلون ذلك خدمة لمصالحهم السياسية وليس تدليلاً على حقيقة علمانيته الحضارية.
وإذا كان أخصامه السياسيين والمفكرين، وبعض حساده، لا يقرأؤنه في كل كتاباته، ولا يفهمونه الفهم الشمولي، أو يقرأونه بشكل جزئي، أو يتعمدون إلغاء مفاهيمه الصحيحة، فهذا موقفاً يخصّهم ولا ينطبق ما يقولونه عن الدكتور منصف المرزوقي وكتاباته وأفكاره ومواقف السياسية، وكلامهم التحريضي ضدّ علمانيته لم يهدٍ الضالين، ولم يزد في هدى المهتدين.
قد نعيب على هؤلاء جهلهم التام للعلمانيّة المؤمنة التي ينادي بها الدكتور المرزوقي، والتي تفهم الإسلام على أنّه دعوة لحرية الاختيار تاركة الحساب والعقاب والثواب لله في الآخرة، وبما أنهم متعلقون بشؤون الماضي أكثر من شؤون الحاضر، يفهمون العلمانيّة الملحدة على طريقة فئة من العلمانيين الاشتراكيين الملحدين الذين شاركوا بحماية النظام البائد، وزنوا مع الطاغية بن علي " زين الهاربين" بحق الإسلاميين الشرفاء من أبناء تونس، وورّطوا أنفسهم في خصومات مع الشعب، وانشغلوا بتحصيل المكاسب أكثر من انشغالهم بقضية الشعب الوطنية، ولم يفلحوا في التقدم الاجتماعي خطوة باتجاه متقدم نحو إقامة العدل الاجتماعي والاقتصادي، من هذه الزاوية فهموا العلمانية، وأساؤا فهم علمانية الدكتور المرزوقي الحضارية، وهذا ليس دليلاً على فسادها، ولا يحط من شأنها عند التونسيين الذين فهموها وآمنوا بها، وهي سائرة إلى الأمام بخطوات ثابتة، إنما ماذا نستطيع أن نقول إذا كان رأس الجاهل مكمن الشرّ، وقلبه مغارة الحقد والتعصب؟ا...
في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها تونس، لا تنفع تبادل الاتهامات التي تزيد في التباعد والتباغض.
تونس اليوم، بعد الانتفاضة المباركة، بحاجة إلى أقلام تعمل على تنمية الإرادة المشتركة في الحياة الواحدة، والشعب يأمل أن يبني لنفسه مستقبلاً مشرقاً بعيد عن التهديد لحياته ومنجزاته، وهو يحاول أن يبني حياته الوطنية من ضمن المنظومة المشكلة من كافة الأطياف الفكرية والسياسية عن طريق وحدته وطريق الأخوة والمحبة والمساواة.
باريس تيسير العبيدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.