أخيرا تنفس الشعبالمصري الصعداء بعد 18 يوما من المظاهرات العارمة التي حملت عنوانا واحدا وهو «الرحيل.. الرحيل» لرأس النظام الجاثم على صدره منذ ثلاثة عقود وسقوط مئات «الشهداء»، عدا الجرحى، وأنجز المهمة التي ثار من أجلها.. تنحى الرئيس المصري غير المأسوف عليه حسني مبارك عن حكم مصر، وأسقط الشعب المصري النظام وصرخ «مصر حرة»، بعد ظهر يوم جمعة آخر وهو ذات اليوم الذي شهد سقوط الطاغية زين العابدين بن علي في تونس الشهر الماضي. ففي بيان مقتضب، أعلن نائب الرئيس المصري عمر سليمان أمس أن الرئيس مبارك يتنحى عن رئاسة الجمهورية ويكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد. وقال سليمان في البيان «ايها المواطنون، في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية وكلف المجلس الاعلى للقوات المسلحة ادارة شؤون البلاد، والله الموفق والمستعان». وفور اعلان النبأ سادت حالة عارمة من الفرحة مئات الاف المتظاهرين المحتشدين في ميدان التحرير بوسط القاهرة معقل الحركة الاحتجاجية منذ انطلاقها في الخامس والعشرين من جانفي الماضي. واخذ المتظاهرون يهتفون في حالة هيستيرية «الشعب خلاص اسقط النظام» وهم يصرخون فرحا ويلوحون بالاعلام المصرية. كما فقد البعض الوعي من شدة التاثر. وكتب الشاب وائل غنيم خبير الانترنت الذي اصبح رمزا للثورة الشعبية في مصر على موقع تويتر «مبروك لمصر.. المجرم غادر القصر». ولوح المحتجون بالاعلام وبكوا وابتهجوا وتعانقوا عندما اذيع النبأ عبر نظام الاذاعة الداخلية الذي اقامه المحتجون في التحرير. واطلق قائدو السيارات ابواق سياراتهم وهتفوا «تحيا مصر» في مشاهد تكررت في ميادين مصرية في انحاء مختلفة في مصر. وهلل المحتفلون في التحرير وهتفوا قائلين «الله أكبر». وقال المغني هاني صبحي (31 عاما) والذي كان يحتفل في الميدان «انا واحد ممن ساعدوا في اسقاطه. كنت هنا منذ 17 يوما. مستقبل مصر في يد الشعب.» وأضاف محمد ابو بكر (17 عاما) وهو طالب «لا اصدق هذا.. هذه هي نهاية الظلم». وصافح المحتجون الذين كانوا يتظاهرون أمام مبنى التلفزيون المصري مع الجنود الذي انتشروا هناك لحماية المبنى وقفز بعضهم فوق الدبابات. وقال شريف الحسيني (33 عاما) ويعمل محاميا «لا أصدق أنني سأرى رئيسا اخر لمصر في حياتي... لا شيء يمكن ان يوقف الشعب المصري بعد الان. هذا عصر جديد في مصر.» وقال حسن عبدالحليم وهو مدرب رياضي متقاعد «كان ينبغي أن يحدث ذلك قبل اسبوع ... المشكلة الوحيدة الان هي الحكم العسكري... كنت أفضل ان يكون هناك انتقال سلس للسلطة عبر الانتخابات. الان يجب أن يكون حكما عسكريا.. لكن هذا ما يريده الشعب.» وقالت صفاء الدين أحمد (65 عاما) وتعمل في حياكة الملابس «لدي كلمتين فقط .. الكابوس انتهى». البيانان العسكريان الثاني والثالث وكان مئات الالاف من المتظاهرين نزلوا الى الشوارع صباح أمس في القاهرة والاسكندرية ومعظم المحافظات للمطالبة مجددا برحيل مبارك رافضين الاكتفاء بتفويضه صلاحياته الى نائبه عمر سليمان وتعهدات الجيش ب»ضمان» تنفيذ الاصلاحات السياسية التي وعد بها الرئيس المصري. وفي ميدان التحرير، الذي بات رمز الانتفاضة غير المسبوقة المطالبة باسقاط مبارك الذي يتولى السلطة منذ ثلاثة عقود، تدفق مئات الالاف من المتظاهرين منذ الصباح لاعلان اصرارهم على رحيل مبارك بعد ان دعوا الجيش الى اخذ موقف هاتفين «الجيش لازم يختار الشعب او النظام». وتدفقت الحشود في العاصمة المصرية الى حد ان حركة السير توقفت في شارع رمسيس، احد اكبر شرايين القاهرة الذي يربط وسط المدينة بمصر الجديدة، بسبب امتلائه بالمتظاهرين. وكان الجيش، وهو العمود الفقري لنظام مبارك، احبط المتظاهرين صباح أمس رغم الامال الكبيرة التي كانوا يعقدونها عليه والدعوات التي اطلقوها الى تدخله لتحقيق مطلبهم برحيل مبارك الذي اكد مساء أول أمس انه سيظل في منصبه حتى نهاية ولايته في سبتمبر وانه سيبقى في مصر الى ان «يوارى الثرى» فيها. واعلن الجيش في ما اسماه «البيان رقم 2» انه «في إطار ما تقرر من تفويض للسيد نائب رئيس الجمهورية من اختصاصات وإيمانا من مسؤولياتنا الوطنية بحفظ واستقرار الوطن وسلامته قرر المجلس الاعلى للقوات المسلحة ضمان تنفيذ» الاصلاحات التي تعهد بها الرئيس المصري، ومن أبرزها «إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة فى ضوء ما تقرر من تعديلات دستورية» و»انهاء حالة الطوارىء فور انتهاء الظروف الحالية». إلا أن المجلس العسكري الاعلى عاد ليقول لاحقا في ثالث بيان يصدره إنه ليس بديلا عن الشرعية التي يرتضيها الشعب المصري. واضاف ان المجلس يتدارس اجراءات تحقيق آمال الشعب، ووجه تحية شكر الى الرئيس السابق حسني مبارك لموقفه الوطني في الحرب والسلم على حد تعبيره.
دعوات للتهدئة والتعاون
وبعد لحظات البهجة ارتفعت أصوات مصرية كثيرة مساء أمس تطالب بالتهدئة والحوار الوطني والتفاعل مع الجيش باعتباره ضمانة التغيير الديمقراطي، فيما أفادت وكالة «فرانس براس» نقلا عن مراسلها في مصر عن قيام وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي بجولة في سيارته امام قصر الرئاسة في منطقة مصر الجديدة، شرق القاهرة، تبادل خلالها التحية مع الجمهور الذي كان يحتفل برحيل مبارك. يذكر أن التظاهرات في الايام العشرة الاولى منها، التي حاولت خلالها قوات الشرطة قمعها بالقوة، قد أسفرت عن مقتل ما يقرب من 300 شخص، وفقا للامم المتحدة. ولكن منذ الثالث من فيفري الجاري اتخذت التظاهرات طابعا سلميا تماما وتركت قوات الجيش المتظاهرين ينزلون الى الشوارع من دون ان تتدخل. يأتي ذالك فيماكشفت مصادر مصرية رفيعة المستوى أمس أن قرار الرئيس المصري حسني مبارك مبارك التنحي عن السلطة قد جاء بعد تهديد قيادات الجيش له بتحويله للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى.