بعد محاولتين لتنظيم مسيرات مطالبة بالتغيير في الجزائر، كنت على يقين بمآلهما للفشل، لا لشيء سوى لمعرفتي بالوزن "الذّبابي" للداعين إليهما، بل وبتواطئهم مع الجهات الرافضة لأي تغيير في نظام الحكم في البلاد، قرّرت أن أجهر بصوتي هذه المرة، لأنني وبحكم معرفتي بميكانيزمات العمل السياسي في الجزائر، لم أشأ أن أبرز مواقفي ممّن أسموا أنفسهم "الحركة من أجل التغيير والديمقراطية"، حتى لا أتهم بأنني ممّن يدافعون عن بقاء النظام الحالي، وممّن يعارضون مساعي التغيير السلمي للسلطة، وبقيت على صمتي طوال كل هذه المدة الماضية، صمت تجاه الداعين للتظاهر من أجل التغيير والديمقراطية فقط، لأنني واصلت مطالباتي برحيل بوتفليقة وحاشيته الفاسدة، وكنت على يقين بأن مسيرتي يومي السبت 12 فيفري و19 فيفري، لن يكونا سوى نموذجين لاحتواء غضب الشعب الجزائري، بل وأكثر من ذلك هما مجرد مناورتين طُبختا في مخابر المفسدين، لصدّ الشعب الجزائري عن التظاهر السلمي ضد السلطة، ما دام أن الداعين للتظاهرتين هم من المستفيدين من الوضع الراهن، فالدكتور سعيد سعدي، طبيب الأعصاب، الذي زرع أولى بذور الطائفية والعنصرية في الجزائر، وأول من جاهر بعدائه لثوابت هذا الشعب ودينه، نعرف جميعا مستواه المعيشي قبل التعددية السياسية في الجزائر، لكنّننا اليوم أمام شخص آخر، يعيش في محمية نادي الصنوبر بالعاصمة، ولا يتحدث إلا مع سفراء أمريكا وفرنسا وغيرها من الدول الغربية، رفقة جماعة من كبار المتواطئين مع النظام ومع القوى الحاقدة على استقلال الجزائر، هذه القوى التي لا ترغب إطلاقا في إقامة دولة ديمقراطية في الجزائر، لأن إقامتها تعني نهاية وقت نهب ثروات الجزائريين، وتكميم أفواههم، كنت بالفعل على يقين أن تحرك سعيد سعدي وجماعته والواقفين من ورائهم، لا هدف من ورائه سوى قطع الطريق أمام قوى التغيير الحقيقي، التي وللأسف الشديد تمّ صبغها وطلاؤها في وقت مضى، بألوان العنف والتخريب، وتأكدت مساء يوم السبت 19 فيفيري، بأن المخطط الذي رسمه أرباب الفساد عندنا قد بدأ ينشر سمومه في الواقع الجزائري، فالعديد من هوّاة السياسة وحقوق الإنسان توهّموا أن مسيرة التغيير بل والثورة قد فشلت عندنا، والاعتقاد بفشل هذا الوهم صحيح إلى حدّ بعيد، لكن الإعتقاد بفشل إرادة الشعوب في التغيير، هو الوهم بعينه، وهو ما سيدفع بالمعتقدين به من أذناب النظام والمقاولين له، إلى دفع ثمن لم يكن في الحسبان، فالحالة الجزائرية وبعكس المصرية والتونسية وغيرها، هي حالة لها خصوصياتها، وميزاتها التي تتقاطع معهما، لكنها تختلف في مظهرها عنهما، فالجزائر عاشت خلال أكتوبر 1988 حالة مشابهة للحالتين المصرية والتونسية، لكن للأسف الشديد تمّ احتواؤها، وليت الأمر وقف عند هذا الحدّ، فالمعلوم أنه تمّ توريط الجيش الجزائري في هذه الأحداث إبان حكم الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، فكان أن تحوّل الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، إلى متورط في قتل الأبرياء في الجزائر، وبعدها تمّ توريط الجيش سنة 1992، على عهد سيطرة ضبّاط فرنسا من أمثال خالد نزار، في توقيف المسار الإنتخابي، وكان أن زُجّ بالجيش الوطني الشعبي للعب دور قوات الأمن، وهذا ما يتناقض مع طبيعته ومبادئه، وأقول كلّ ذلك، لأبرهن على أن مؤسسة الجيش عندنا، أراد لها البعض، أن تتحمّل أوزار وكوارث السياسيين الفاشلين عندنا، فالجيش الوطني الشعبي، أُرغم على إيجاد الحُلول لأخطاء أشباه السياسيين، وأُرغم في وقت مضى، على اتخاذ مواقف كبيرة، ليس لحماية المؤسسة، وإنما لحماية وحدة الجزائر، وأرغمه بعض المنادين للتغيير اليوم، على سحب قوات الدرك الوطني من منطقة القبائل، وكلنا اليوم نرى ما عانته هذه المنطقة العزيزة على كل جزائري من ويلات الإرهاب، واليوم يطالبونه بالتدخل لتغيير النظام، بحسب ما يرونه صالحا ومفيدا، "لهم بالطبع"، وليس للجزائر، أظن من موقعي كمتتبع لسيرورة الأحداث عندنا منذ الإستقلال وإلى اليوم، أن الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، أن له دورا هاما في المرحلة الحالية، عليه أن يلعبه وبسرعة، ليُظهر لكافة الجزائريين وللعالم أجمع، أنه كان هو الضحية الأولى لأخطاء وكوارث أشباه السياسيين، وليِؤكد من جديد، أنه لولا مؤسسة الجيش، لانقسمت الجزائر إلى طوائف، ودويلات منذ زمن بعيد، ولولا مؤسسة الجيش لانهارت كلّ مفاهيم الدولة في الجزائر، وأؤكد على قناعاتي هذه، لأنّنا رأينا كيف حمى الجيش الثورة في تونس، وكيف حماها في مصر، فالواقع يشهد أن جيشي البلدين كانا من صناع التغيير فيهما، لكنّنا وللأسف الشديد مع سعدي وأتباعه من أشباه الجزائريين يريدون لنا أن لا نحتمي بهذه المؤسسة التي باتت راعية للديمقراطية والتغيير في العالم العربي، بل يريدون لنا من خلال شعاراتهم الجوفاء الخرقاء، أن نظل قابعين تحت سلطة الفساد والمفسدين، وكمجاهد وإبن قائد ثوري، أقول للجيش الوطني الشعبي في الجزائر، لقد حان الوقت لك لتتطهّر من نجاسات السياسيين وأشباههم، وكل الجزائريين الأحرار على قناعة بأنه لن يحصل أي تغيير نحو الأفضل والأحسن، ما دام أن دعاة التغيير عندنا من أمثال سعدي ومن سار في فلكه، ممّن دعوا في وقت سابق إلى إقامة الديمقراطية على ظهور الدّبّابات، أو عبر التدخّل الأجنبي، يدعون إلى التغيير، بلغة لا تزال توحي بأن هذه المؤسسة الشريفة هي أصل بلاء الجزائر، فالحق كل الحق، أن أمثال هؤلاء لا يمثلون السواد الأعظم من الجزائريين، لأنهم وببساطة لم يخرجوا في مسيراتهم البائسة اليائسة، وهو ما يعني أن الفئات العريضة من الشعب الجزائري أصبحت تعرف اليوم من هم صُنّاع الأزمة والفتن والفساد في الجزائر. جمال الدين حبيبي