عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق الكاتب العام السابق لنقابة قوات الأمن..    تراجع رقم أعمال قطاع الاتصالات إلى 325 مليون دينار في أفريل 2025    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق الطيب راشد..    عاجل/ الاحتفاظ بمربي نحل من أجل هذه التهمة..    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    جائزة كندا الكبرى للفورمولا-1: البريطاني راسل يتوج باللقب    بعد ترميمه: "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميًا لأول مرة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    قافلة "الصمود": الإفراج عن العديد من المعتقلين والمفاوضات مستمرة لإطلاق سراح البقية    معرض باريس الجوي.. إغلاق مفاجئ للجناح الإسرائيلي وتغطيته بستار أسود    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    من هو الهولندي داني ماكيلي حكم مباراة الترجي وفلامينغو في كأس العالم للأندية؟    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    243 ألف وحدة دم أُنقذت بها الأرواح... وتونس مازالت بحاجة إلى المزيد!    كهل يحول وجهة طفلة 13 سنة ويغتصبها..وهذه التفاصيل..    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    قتلى وجرحى بعد هجمات صاروخية إيرانية ضربت تل أبيب وحيفا..#خبر_عاجل    عز الدين عقيل يحذّر من التصعيد: القافلة تحتاج تنسيقًا رسميًا لتجاوز العراقيل    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    باكستان تتعهد بالوقوف خلف مع إيران وتدعو إلى وحدة المسلمين ضد "إسرائيل"    النفط يرتفع مع تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط.. ومخاوف من إغلاق مضيق هرمز    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    الاحتلال يستهدف مقرا للحرس الثوري في طهران    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    اليوم انطلاق مناظرة «السيزيام»    إطلاق خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي يوم 24 جوان 2025 في تونس بمشاركة 30 دار نشر    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أساليب التربية في القرآن الكريم المقارنة والاختيار
نشر في الحوار نت يوم 23 - 02 - 2011


من أساليب التربية في القرآن الكريم

المقارنة والاختيار(الجزء 72)
ذكر الأهم فالأقل أهميّة( الجزء 73)

الدكتور عثمان قدري مكانسي

خلق اللهُ سبحانه الإنسانَ ، وكرّمه على بقيّة المخلوقات بما حباه من عقل يفكر به ، فينقد ما يراه ويسمعه ، ويصل إلى الاختيار الصحيح والقرار الصائب .
وفي القرآن الكريم عشرات الآيات ، تضع بين يدي الإنسان طرقاً مختلفة ، ونتائج كلٍّ منها ليختار ما يريد بعد المقارنة بينها ودراستها على بيّنة وليتحمل نتائج هذا الاختيار ، إن خيراً فخير ، وإن شرّاً فشرّ .
ولعلنا في هذا العرض نقف على عوامل عدة لهذا الأسلوب منها :
1 التنبيه إلى العمل الصحيح :
فقد ظنّ المشركون في مكة أنهم حين يسقون الحجيج ويضيفونهم ويخدمونهم فقد أدّوا حق الله تعالى . فينبههم القرآن الكريم إلى خطأ هذا الاعتقاد وأن العمل الصحيح الذي يرضاه الله منهم الإيمانُ الحقُّ به ، وتوحيدُه ، والإيمانُ باليوم الآخر ، ونشرُ الدين بالجهاد في سبيل الله . وشتّان بين قوم يعملون دون أساس العقيدة وقوم وضعوا نصب أعينهم الإيمان بالله وحده (( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ !!
لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)))(1) .
ضرب الله مثلاً للمؤمن والكافر ، فالكافر كالأعمى الماشي على غير هدى وبصيرة منكساً رأسه لا يرى طريقه ، يخبط خبط عشواء يتعثر كل ساعة فيخر على وجهه .
- والمؤمن سويٌّ صحيح البعد يمشي منتصب القامة ، يرى طريقه ولا يتعثر في خطواته .
والكافر يحشر ماشياً على وجهه إلى دركات الجحيم .
- والمؤمن يمشي إلى الجنّة سوياً على الصراط المستقيم (( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) ؟))(2) حقاً إن الإيمان نور وثقة يوصل إلى الهدف المنشود ، ويرشد إلى الطريق السوي والسبيل الرشيد .
2 التحفيز إلى اختيار الكمال :
قال تعالى : (( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ (201) ))(3) .
فمن كانت الدنيا همّه رغب أن تكون منحته في الدنيا خاصة ، وليس له في الآخرة نصيب ومن طلب خيرَي الدنيا والآخرة وهو المؤمن العاقل فقد فاز بسعادة الدارين ، وله حظ وافر مما عمل من الخيرات .
ومثلها قوله سبحانه وتعالى :
أ (( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ
ب ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)
ج وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ
د فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) ))(4) .
فالذي يريد بعمله الدنيا فقط ، ولها يسعى ويعمل ،ليس له همٌّ سواها أعطيناه ما نريد ، لا ما يريد ، وليس له في الآخرة سوى جهنّم يدخلها حقيراً مطروداً من رحمة الله .
أما الذي يسعى إلى النعيم المقيم ، وعمل له بما يليق من الطاعات ، وهو مؤمن صادق الإيمان فقد جمع الخصال الحميدة من الإخلاص ، والعمل الصالح ، والإيمان فكان عند الله تعالى مقبولاً .
3 التحذير والترغيب :
تعال معي أيها الأخ الحبيب نلقي نظرة على مشهد من مشاهد يوم القيامة ، فترى المؤمنين يأخذون كتب أعمالهم بأيمانهم ، فإذا هم من السعداء . وترى المجرمين يأخذون كتب أعمالهم بشمالهم فإذا هم من الأشقياء ، واسمع ما يقوله المؤمن السعيد ، وما يقوله الكافر الشقي واختر ما تراه مناسباً للإنسان العاقل :
أ (( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ
هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22)
قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)
ب وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ
فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25)
وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)
يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ))(5) .
وهذا مشهد آخر شبيه بما سبقه ، فالأشقياء في جهنّم مستقرون هناك لهم من شدة كربهم زفير وشهيق يترددان بشدّة ، أصواتهم في النار كصوت الحمار ، أوَّله زفير وآخره شهيق ، ماكثون فيها على الدوام .
أما السعداء ففي الجنّة مستقرون فيها لا يخرجون منها أبداً تنهال عليهم الخيرات والعطاء دون انقطاع ، قال تعالى : (( يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ
إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ
إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) ))(6) .
4 تحديد العاقبة :
قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟!))(7) بل يا رب من يأتي آمناً يوم القيامة ، ونعوذ بك أن نكون وقودَ النار.
وانظر معي إلى المصير الرائع للسابقين إلى الإيمان ، الراغبين رضا الرحمن .
فأولهم السابقون :
(( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ))(8) .
وثانيهم في الفضل أصحاب اليمين
(( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا
مَمْنُوعَةٍ (33)))(9) .
أما الكفار فانظر إلى نهايتهم المأساوية :
(( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) ))(10) .
وفي آخر هذه السورة ((الواقعة)) يجمل القرآن الكريم عاقبة أمر هذه الفئات الثلاثة :
أ (( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)
ب وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)
ج وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)))(11)
فمع مَنْ تريد أن تكون . . . يا أخي العزيز ؟

5 تقسيم الناس :
مرَّ قبل قليل في سورة الواقعة أنَّ الناس ثلاثة أقسام :
السابقون : هم المقرَّبون من الله في أرفع منازل الجنّة .
أصحاب اليمين : أهل الجنة في مقام أقلّ من السابقين .
أصحاب الشمال : أهل النار المشركون والكفار والمنافقون .
وفي سورة فاطر نجد تصنيفاً لأمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام :
(( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا
أ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ
ب وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
ج وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ
ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) ))(12) .
الظالم لنفسه : العاصي من رجحت سيئاته على حسناته .
المقتصد : من استوت سيئاته وحسناته .
السابق : من رجحت حسناته على سيئاته .
ولا شك أنك تريد أن تكون من السابقين .
وفي سورة الجنّ نجد نوعين من الناس ، قال تعالى :
أ (( وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ
ب وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ(13)
أ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)
ب وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)))(14) .
6 المشاكلة :
يقول سبحانه وتعالى في سورة النور مؤكداً أن الكلمة الخبيثة تخرج من النفس الخبيثة ، وأن الكلمة الطيبة تخرج من النفس الطيبة ، وأن الرجل الصالح يرزقه الله الزوجة الصالحة ، وأن الخبيث منهم له الخبيثات منهنّ :
(( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ
وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ))(15).
والله سبحانه وتعالى يجعل نساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل النساء وأمهات المؤمنين لأنهن في كنف المصطفى عليه الصلاة والسلام أفضل الرجال ، قال تعالى :
(( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ))(16) .
7 حصر العلاقات :
فقد حدد الله سبحانه وتعالى التعامل بين الزوجين في قضية الطلاق ، فقد كان للرجل أن يطلق ما شاء دون أن تبين زوجته منه ، وهذا طلم لها ، فقال موضحاً :
(( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ))(17) .
أما مصارف الزكاة فهي طرق لا يمكن تجاوزها وهي ثمانية ، قال تعالى :
(( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ
وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ ))(18) .
8 العطف إلى قدرة الله تعالى :
من قدرنه سبحانه وتعالى أن يجعل البحار متلاصقة ، متجاورة بحيث لا يتمازجان على الرغم من تلاقيهما ، فلكل بحر ماء تختلف خصائصه عن ماء البحر الآخر . وكذلك فهو يخرج المياه العذبة في المياه المالحة ، فلا يغلب أحدهما على الآخر:
(( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ
وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) ))(19) .
والله تعالى المالك لكل شيئ لا رادَّ لقضائه ، ولا معقب لحكمه :
(( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
أ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)
ب أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا
ج وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا
إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) ))(20) .
وفي غزوة بدر أغرى المشركين بالمسلمين حين صوّرهم أكَلَةَ جزور والجمل يكفي مئة نفر فقط ، فكأنما استقل المشركون المسلمين فهاجموهم معتقدين سهولة القضاء عليهم .
وبالمقابل صور المشركين قلائل في أعين المسلمين فهاجموهم معتقدين سهولة القضاء عليهم .
وبالمقابل صور المشركين قلائل في أعين المسلمين كي لا يهابوا كثرتهم ، فيصمدوا أمامهم ثم تنقلب الدائرة على المشركين قال تعالى : (( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) ))(21) .
9 ضرب المثل :
كلمة الإيمان ((لا إله إلا الله)) كالشجرة الطيبة أصلها راسخ في الأرض ، وأغصانها ممتدة نحو السماء ، تعطي ثمارها بإذن الله وتيسيره دائماً ، وهذه الثمار العملُ الصالح يصعد إلى السماء ، فينال بركته وثوابه في كل وقت . وكلمة الكفر الخبيثة كشجرة الحنظل الخبيثة الخبيثة ، اسؤصلت من جذورها واقتلعت من الأرض لعدم ثبات أصلها ، لا خير فيها ، فلا يقبل عمل الكافر مهما عمل ، لأن عمله ليس له أساس :
(( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) ))(22) .
والمسلم مع هذا يفكّر ويتدبّر ويحسب لكل أمرٍ حسابه ، ولا يعمل إلا ما يدخله الجنّة ويبعده عن النار . . ويختار آخرته لأن فيها رضى الله تعالى . نسأل الله حسن الختام والبعد عن الزلل . . إنه سميع مجيب الدعاء .
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة التوبة ، الآية : 19 .
(2) سورة الملك ، الآية : 22 .
(3) سورة البقرة ، الآيتان : 200 ، 201 .
(4) سورة الإسراء ، الآيتان : 18 ، 19 .
(5) سورة الحاقة ، الآيات : 19 31 .
(6) سورة هود ، الآيات : 105 108 .
(7) سورة الصافات ، الآية : 40 .
(8) سورة الواقعة ، الآيات : 10 12 .
(9) سورة الواقعة ، الآيات : 27 33 .
(10) سورة الواقعة ، الآيات : 41 44 .
(11) سورة الواقعة ، الآيتان : 88 94 .
(12) سورة فاطر ، الآية : 32 .
(13) القاسطون : الكافرون الجائرون عن الحق .
(14) سورة الجن ، الآيتان : 14 ، 15 .
(15) سورة النور ، الآية : 26 .
(16) سورة الأحزاب ، الآية : 32 .
(17) سورة البقرة ، الآية : 229 .
(18) سورة التوبة ، الآية : 60 .
(19) سورة الفرقان ، الآية : 53 .
(20) سورة الشورى ، الآيتان : 49 ، 50 .
(21) سورة الأنفال ، الآية : 44 .
(22) سور إبراهيم ، الآيات : 24 26 .

------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------

من أساليب التربية في القرآن الكريم

ذكر الأهم فالأقل أهميّة( 73)
الدكتور عثمان قدري مكانسي


يبدأ الدين في العقيدة والعبادات بالأهم ثم الأقلّ أهميّة ، وكلها مهمّة . فينطق بالشهادتين : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
ثم يبدأ الصلاة ، والصلاة صلة بين العبد وربّه وأكبر دليل على تعلقه به سبحانه .
ثم يؤدي الزكاة العبادة المالية ، وقد قرنت بالصلاة كثيراً سواء في النص القرآني أم في السنة النبوية . . .
ثم يأتي الصوم .
وأخيراً يحج من استطاع إلى الحج سبيلاً .
ذلك أن الإنسان حين يبدأ بالأهمِّ الأوجب يسهل عليه ما بعده ، فيفعله دون حرج ، بل يستسيغه ويلتذ به لأنه ترجمة لما هو أعظم منه . ولا يُقبل في غالب الأمور فعلُ ما هو أقل أهميّة لأنه بناء قائم على ذلك الأساس فإن لم يكن الأساس موجوداً فعلامَ يقوم البناء .
أما في الأمور المعيشية كتعلم الحرفة ، أو الكتابة أو التربية البدنية فالارتفاع فيها درجة إثر أخرى يوصل إلى الإتقان والإبداع .
ومن الأمثلة على ذكر الأهم فالأقل أهمية قوله تعالى : (( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَئَابِ (14) ))(1)
أ بدأ النساء بالنسبة لأن الفتنة بهنّ أشد ، والالتذاذ بهنّ أكثر ، وفي الحديث : ((ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء))(2) .
ب ثم ذكر ما يتولد منهنّ فقال ((والبنين)) وإنما ثنّى بالبنين لأنهم ثمرات القلوب وقرّة الأعين ، كما قال الشاعر حطان بن المعلّلا :
وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمض
وقُدِّموا على الأموال لأن حب الإنسان لولده أكثر من حبه لماله ، والمال في خدمة المرأة والولد.
ج ثم بدأ بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة ، وإنما كان المال محبوباً لحصول غالب الشهوات به ، (( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) )) .
ثم قدّم الذهب على الفضة لأنه أهم منها ، والاثنان أصل التعامل .
د ثم قدّم الخيل الأصيلة الحسان ، ففي ركوبها الزُهوُّ وقتال العدو وسرعة الجري .
ه ثم جاءت الأنعام من إبل وبقر وغنم فمنها المركب والمطعم والزينة .
و ثم جاء الزرع والغراس لأن فيهما تحصيل الأقوات .
لكنَّ هذه الشهوات متاع الحياة الزائل ، وما عند الله خير وأبقى ، فليكن هم الإنسان كسب ما عند الله سبحانه .
ومن الأمثلة على ذلك أيضاً قوله تعالى :
أ (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ
ب وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ
ج وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)
د وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ))(3) .
1 هناك حرمة بالنسب وهي الأقوى .
2 وهناك حرمة بالرضاع ثانية .
3 وهناك حرمة المصاهرة ثالثاً .
4 وهناك حرمة المتزوجات رابعاً .
أما حرمة النسب فقد بدأ بالأصل ، ومَن الجنةُ تحت قدميها ، الأمُّ ثم البنت ، فأنت أصلها وهي فرعك ، ثم الأخوات المساويات لك عند والديك ، ثم العمات ونسبهن أقرب من نسب الخالات ، ثم تأتي بنات الأخ وهنَّ أقرب من بنات الأخت ، أما الجدة فكالأم والحفيدة مثل البنت ، ولذلك لم تذكرا .
وأما حرمة الرضاع فبدأ بالأمهات المرضعات ولم تذكر البنت في الرضاع ، وهي بعد الأم من الرضاعة تجنباً للتكرار ، وذكر الأخت من الرضاعة ولم يذكر العمة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت من الرضاعة تجنباً للتكرار كذلك ، وقد ذكرت السنة النبوية أنه ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب))(4) .
وأما حرمة المصاهرة فتحرِّم أم الزوجة حرمة أبديّة لأن مجرّد العقد على البنت يحرِّم الأم ، ولا تحرم البنت إلا بالدخول على الأم ، وكذلك تَحرُم ابنةُ الزوجة الربيبةُ بعد الفراق ، أما أخوات الزوجة فتحرمن حرمة مؤقتة ، وكذلك عماتها وخالاتها وبنات إخوتها وبنات أخواتها .
ويحرم من المصاهرة زوجة الأب وزوجة الابن .
كذلك يحرم أن يتزوج الإنسان امرأة متزوجة ، فلا يجوز إلا عقد واحد ، وهؤلاء يسمين المحصنات ، إلا ما ملكت من النساء بالسبي فيحل وطؤهن بعد الاستبراء لانقطاع عصمة الكافر، أما غير ذلك من النساء فيجوز للمسلم أن يعقد على أربع نساء إن أراد .
وهكذا نجد القرآن يشرّع حرمة النساء الأهم فالأقلّ أهمية ، وكلهن مهمات .
ويقول الله تعالى : (( وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ))(5) .
ويقول سبحانه : (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ))(6) .
فلماذا قدّم السارق على السارقة في الآية الأولى ، وقدم الزانية على الزاني في الآية الثانية؟
الجواب : أن الرجل على السرقة أجرأ ، لأنه يرى نفسه مكلفاً بالإنفاق فَقُدِّم في الآية الأولى.
والمرأة هي الشهوة ، ومنها الإغراء ، فهي السبب الأول الداعي إلى الزنى ، فقدِّمت في الآية الثانية .
وقال الله تعالى في توزيع الزكاة : (( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ ))(7) فحصر الله تعالى الصدقات في ثمانية أصناف .
وقدَّمت الأصناف الأربعة الأولى للتمليك ، فكل منهم يأخذ نصيبه بيده ، وأخَّرت الأصناف الأربعة الثانية لأن الدفع يكون عنهم لغيرهم .
أما الأصناف الأربعة الأولى فأولهم الفقير الذي لا شيء له ، وثانيهم المسكين الذي له بُلغةٌ من العيش قليلة ، أما الموظف الذي يجبي الزكاة فله منها أجر ، والقسم الرابع لا يعمل في الزكاة، ولا يحتاج إليها ، لكنَّ الحاكم يعطيه منها لأنه شريف في قومه ، يتألف قلبه للإسلام ، فيؤمن ويؤمن مَنْ معه وراءه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية وغيره .
أما الأصناف الأربعة الثانية فهم : العبيد تدفع لأسيادهم فيعتقونهم ، والغارمون الذين ثقل عليهم الدين ،وفي تجهيز المجاهدين والمرابطين في سبيل الله ، وتجهيز المنقطع بدابة تحمله ، وزاد يتبلغ فيه في سفره وعدّة السفر .
ومن الأمثلة على ذكر الأهم فالأقل أهمية قول الله تعالى : (( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)))(8) .
والترتيب كما يلي :
أ أن لا تشرك بي شيئاً : واجعل بيتي العتيق خالصاً لوجهي .
ب طهَّره من الأوثان والأقذار لمن يتعبد فيه بالصلاة .
ج ذكرَ من أركان الصلاة أهمها : الركوع والسجود ، والركوع يكون قبل السجود .
وحين يصبح البيت الحرام جاهزاً للعبادة :
أ يؤذن إبراهيم عليه السلام ، ويبلّغ الله تعالى صوت نبيه إلى أصلاب الرجال ، وأرحام النساء فيجيبون : لبيك اللهم لبّيك .
ب يأتي الرجال على أقدامهم وراكبين على نوقهم ، ولأن الحاجِّين على أقدامهم أكثر قدّموا على الراكبين .
ومن الأمثلة على ذلك قول الله تعالى : (( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ . . . ))(9) .
فالزوج يرى كل ما يريده من امرأته لأنها حلال له .
والأب : يصون عرض ابنته ، فهي شرفه وعفّته .
والعم أبو الزوج ، يحفظ على ابنه ما يسوءه ، ويحرص على حفظ شرفه .
والأبناء يعتزون بشرف أمهاتهم ، فهم من لحمهن ودمائهن .
وأبناء الأزواج يعتبرون زوجات آبائهم كأمهاتهم ، ويحفظون آباءهم في زوجاتهم .
والإخوان هم الذين كانوا يحرصون على أخواتهم قبل زواجهن وما يزالون كذلك .
وأبناء الأخوة لا يرون في العمات إلا صنو الأمهات وأخوات الآباء .
وأبناء الأخوات لا يرون في خالاتهم إلا شرف أمهاتهم .
ثم تأتي نساء المسلمات الشريفات العفيفات اللواتي يحفظن شرفهن ، وشرف أخواتهن المسلمات أين كنّ وأيان كَنَّ .
أما الإماء المشركات فيجوز لسيدتهن أن تظهر زينتها أمامهنّ لأنهن ملك اليمين . وكذلك العبيد فمكانتهم الدونية تمنعهم من التطاول إلى التفكير في المرأة الحرّة التي تملكهم وتتصرف فيهم كما تشاء .
أما نساء غير المسلمين فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر زينتها أمامهنّ لفسادهن ، ولأنهن يصفن المسلمات لأزواجهن غير مباليات بدين ، ولا حرمة ولا شرف .
ثم يأتي الجواز للنساء أن يظهرن أمام العنّين ، الذي لا يشتهي النساء أو الأبله والمغفل الذي لا يهمه إلا بطنه .
وأخيراً يجوز للمرأة أن تظهر زينتها أمام الطفل الغريب الذي لا يميّز ولا يعرف حاجة الرجال إلى النساء .
كما أن على المرأة أن تمشي بأدب ، دون أن تتلوى أو تظهر زينتها بشكل عفوي
مقصود ..!! .
ومن الأمثلة على ذكر الأهم فالأقل أهمية الآية الحادية والستون من سورة النور ، التي تبيح الدخول إلى بيوت الأقارب دون حرج .
ومن الأمثلة على ذكر الأهم فالأقل أهميّة قوله تعالى :
(( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ
أ اعْبُدُوا اللَّهَ
ب وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ
ج وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) ))(10) .
فإذا عرف العبد ربه عبده ، وخاف الحساب يوم القيامة أحسَنَ وعاف الفساد . . .
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى :
(( وَمِنْ آَيَاتِهِ
أ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ
ب وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ
ج وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ
د وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ
ه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) ))(11) .
ويتضح الترتيب :
أ يرسل الرياح فتسوق السحاب مبشرة بنزول المطر والإنبات والرزق .
ب ثم ينزل الغيث الذي يحيي البلاد والعباد .
ج وتحرك الرياح السفن فتسير إلى المكان الذي يريده المسافرون .
د ويتاجر التجار طالبين الرزق من الله تعالى .
ه فيرزقهم فيشكرون الله تعالى على فضله ومنّه وكرمه .
ومن الامثلة على ذلك قوله تعالى : (( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)))(12) .
ذكر سبحانه التحليق قبل التقصير لأنه أفضل ثواباً .
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى : (( إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)))(13) .
يوضح الله تعالى خبيئة أعدائنا فهم حين يضعفون يتظاهرون بالودِّ والصداقة ، وإن يظفروا بنا ويتمكنوا منا .
أ يظهروا عداوتهم لنا .
ب يقتلوا ويدمروا ويسبوا ويشتموا .
ج ويتمنّوا من كل قلوبهم أن يؤدي بنا فعلهم هذا وبطشهم إلى أن نرتدَّ عن ديننا .
ومن الأمثلة على ذكر الأهم فالأقل أهمية قوله تعالى :
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)
أ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
ب وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
ج يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
د وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
ه وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) ))(14) .
عُدْ إلى الآيات مرة أخرى لترى الترتيب كما ذكرناه مسلسلاً ، وتدبّر ذلك .
والمثال الأخير في هذا العرض ، قوله تعالى :
(( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ
أ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ
ب وَجِبْرِيلُ
ج وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ
د وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) ))(15) .
تدبّر هذه الآية مرة أخرى لترى ذلك الترتيب اللطيف.
------------------------------------------------------------------------
(1) سور آل عمران ، الآية : 14 .
(2) أخرجه البخاري .
(3) سورة النساء ، الآيتان : 23 ، 24 .
(4) متفق عليه .
(5) سورة المائدة ، الآية : 38 .
(6) سورة النور ، الآية : 2 .
(7) سورة التوبة ، الآية : 60 .
(8) سورة الحج ، الآيتان : 26 ، 27 .
(9) سورة النور ، الآية : 31 .
(10) سورة العنكبوت ، الآية : 36 .
(11) سورة الروم ، الآية : 46 .
(12) سورة الفتح ، الآية : 27 .
(13) سورة الممتحنة ، الآية : 2 .
(14) سورة الصف ، الآية : 13 .
(15) سورة التحريم ، الآية : 4 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.