منذ تاريخ إصداره سنة 1981, كان قانون 108 النقطة الفصل بين قمع غير معلن وقمع معلن تحت طائلة القانون لكل امرأة تونسية تمسكت بارتداء الحجاب. ولم يكن هذا القانون إلا تتويجا لنضالات جسام قام بها المتفرنسون واليساريون لضرب الإسلام في احد زواياه وهو الحجاب والهدف كان إخراج المرأة وتحييدها من دائرة الانتماء لدينها وخاصة للجيل الذي ستربيه. ففي 15 جانفي 1924, عقدت جمعية "الترقي" وهي جمعية تونسية تتبنى الثقافة الغربية ندوة بتونس تحت عنوان " مع أو ضد الحركة النسوية", وقد تدخلت السيدة منوبية الورتاني في هجوم قوي على الحجاب ودعت كل التونسيات إلى التحرر منه. وأعادت نفس الجمعية ندوة أخرى بنفس العنوان السابق في 8 جانفي 1929, وتدخلت السيدة حبيبة المنشاري تدخلا أثار حفيظة التونسيين, حيث إنها تحدثت عن تعاسة المرأة التونسية التي ترتدي الحجاب مقارنة بالمرأة الفرنسية التي تعيش في حرية وانطلاق, وهو ما أثار هذه المرة حفيظة الشاب التونسي الحبيب بورقيبة الذي لم يتجاوز عمره الستة وعشرين سنة, مخاطبا السيدة حبيبة "الحجاب يصنع شخصيتنا... وبالنسبة لخلعه فان جوابي الرفض" وقد كتب بورقيبة العديد من المقالات في صحف تونسية وفرنسية مؤكدا فيها بان الحجاب جزء من ثقافة تونس وهويتها. وكان السؤال آنذاك مالذي دعا السيدة منوبية والسيدة حبيبة لهذا الهجوم على الحجاب وفي ماذا أعاق الحركة النسوية, وكان المتفق عليه آنذاك بان السيدتين يتماهيان مع القوة الاستعمارية الفرنسية لطمس الهوية العربية الإسلامية بتونس بتغيير ثقافتها من الجذور. وفي سنة 1930 أصدر الطاهر حداد كتابه الشهير "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" ومما دعى إليه هذا الكتاب هو تحرر المرأة من الحجاب على اعتبار انه يمثل عائقا لتقدمها, ولم يطرح هذا الكتاب أية أسباب مقنعة لدعواه هذه, فهل إن الحجاب يعطل خلايا الدماغ عن التفكير ويحجب النظر, أم هناك أسباب أخرى مرتبطة بالفكر الاستعماري وما يخطط له على المدى الطويل. وقد أثار هذا الكتاب حفيظة العديد من الشيوخ والعلماء وصلت إلى حد طلب مصادرة هذا الكتاب من طرف الشيخ الطاهر بن عاشور. وهذا ما مهد الأرضية للحبيب بورقيبة بعد رئاسته للجمهورية في سنة 1956 وبعد إن تحول رأيه من مناصر للحجاب إلى مناهض له, فأصدر بعد ثلاثة أشهر من حكمه مجلة الأحوال الشخصية التي في جوهرها كانت تحارب من بين ما تحارب الحجاب, وكأن الحجاب عبئ كبير على تونس وتقدمها. ولم تقنع هذه الهجومات على الحجاب نساء تونس, بل انتشر الحجاب أكثر وأكثر معبرا عن تمسك تونس بثقافتها وهويتها. وأصبحت القاعدة الإسلامية في تونس تنتشر بعمق في كل المناطق متحدية الملاحقات الأمنية, وهو ما دفع الرئيس بورقيبة إلى إصدار قانونه الشهير في سنة 1981, القانون 108, ليجعل من ارتداء الحجاب جريمة يعاقب عليها القانون, وفي سنة 1986 أصدر قانونه, القانون 102, ليؤكد فيه على حظر الحجاب. وتحول رجال أمن بورقيبة ومن بعده بن علي قطاع طرق يطاردون كل متحجبة, في الطريق وفي المدارس والمعاهد والجامعات والمؤسسات, ينتزع حجابهن ويضربن ضربا مبرحا, وان اعترض أولياءهم فالسجن مآلهم. مع أن هذا القانون يتعارض مع ما جاء في الفصل الأول من الدستور الذي يؤكد على إن تونس دولة دينها الإسلام, وعلى واقع البلاد الذي يؤكد بان أكثر من 98% من سكان تونس هم من المسلمين, ويتعارض أيضا مع ما جاء في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والي صادقت عليه تونس, بان من حق الإنسان حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية اختيار الزي الذي يناسبه. وبعد إن تم الانقضاض على حركة النهضة والانتهاء منها في حدود سنة 1991, أصبحت كل متحجبة إرهابية هي وكل عائلتها وأحكمت قبضة الأمن, ومع إصرار العديد من النساء على مواصلة لبس الحجاب, فقد تم سجن العديد منهم وطرد أخريات من عملهن ومن مدارسهن وجامعاتهن, ولم تسلم أية امرأة تمر في الشارع وهي تلبس الحجاب من التعنيف والضرب المبرح ومن التتبعات العدلية ومن أشهر القضايا في هذا المجال ما حصل كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس في 23 جانفي 2003, حينما تم تقديم خمس طالبات إلى مجلس التأديب بالجامعة لرفضهن نزع الحجاب وتم رفتهن, مما حدى بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وفي سابقة غير متوقعة منه والأول من نوعه بالبلاد من إصدار بيان دعت فيه السلطات التونسية إلى الكف عن مضايقة المتحجبات, وكان ذلك لأن الوضع أصبح لا يطاق. وقد آثرت العديد من المتحجبات إلى الركون إلى منازلهن خوفا من العقاب المباشر في الشارع بالضرب والتعرية على مرمى ومسمع الجميع, وانقطعن عن دراستهن وعن عملهن. لقد كان قانون 108, الشاهد القانوني على قمع المرأة التونسية في اختيار زيها على مدار ثلاثة عقود من الزمن, ونسي هذا القانون ومن سنه, بان الحجاب ليس سوى وسيلة لتستر بها المرأة عورتها, وان كل المسائل تكمن في الدماغ وفي الفكر, وقد نجح النظام في مطاردة الحجاب ولكنه فشل فشلا ذريعا في إخراج النساء من هويتهن وثقافتهن العربية الإسلامية. ويبقى من استحقاقات هذه الثورة رد الاعتبار لكل محجبة اضطهدت على مدار سنوات القمع وتعويضها ماديا ومعنويا, وفسح المجال لكل امرأة بان تختار زيها مثلما تشاء. الدكتور محجوب احمد قاهري