من فصول إرهاب الدولة الذي كان مسلطا على الشعب التونسي هو أسر المساجد والجوامع بيد الدولة من خلال رجال البوليس السياسي والمخبرين السريين وحزب التجمع, ولعملية القرصنة هذه فقد أصدرت الدولة قانون المساجد والمنشور 29 وكل ذلك لضرب الإسلام والمسلمين وتجفيف المنابع. جاء في الفصل الخامس من قانون المساجد "لا يجوز مباشرة أيّ نشاط في المساجد من غير الهيئة المكلّفة بتسييرها سواء كان بالخطبة أو الاجتماع أو بالكتابة إلاّ بعد ترخيص من الوزير الأول غير أنّه يمكن للعائلات إبرام عقود الزواج وتقبل التعازي بها". وواقع هذا الفصل الخامس يعرفه كل تونسي, فالنشاط داخل المساجد قد استأثر به حزب التجمع, من الدعاية للرئيس والدعاء له, وحث المواطنين على الدفع لصندوق 26-26 الذي كانت تعود إيراداته إلى الرئيس نفسه والى زوجته ليلى بدعوى التضامن, والدعاية في الانتخابات بالرغم من أن نتائجها محسومة سلفا إلى التجمعيين والى الرئيس, وكانت خطب الجمعة تكتب في مقرات التجمع ويصادق عليها البوليس السياسي, ويلقيها ابن بار للرئيس !. ولا يسمح بأي نشاط آخر لأي طرف آخر مهما كان نوعه. وبالنسبة للمكلفين بتسيير المساجد, وهم إمام الخمس, إمام الجمعة, المؤذن والحارس. وهؤلاء المكلفين لا بد وان يكونوا تجمعيين, وليس تجمعيين فقط وإنما من أثبت بأنه صاحب ولاء تام. فأما الجمعة غالبا ما يكون رجل بوليس متقاعد مشهود له بالفساد ولا يشترط فيه سوى فك الخط, لأن الخطبة تأتيه مكتوبة, آو وان يكون من ناشطي التجمع ومكلف بمهمة في لجنة التنسيق الحزبي, وأهم الشروط الأخرى التي لا بد وان تتوفر فيه هو دقة ملاحظته وهو واقف على المنبر لملاحظة الوجوه المشتبه فيها والتي يجب الأعلام عنها, لأن الكثير من قواعد النهضة كانوا يؤمون المساجد إلا يوم الجمعة, فالحضور لصلاتين متتاليتين جريمة تعني الانتماء للنهضة, وبالتالي يجب التصدي و فتح المعتقلات. وإمام الخمس, فهذا لا بد وان يكون محترفا في مراقبة الأشخاص, و لا بد وان يسجل أسماء المصلين في كنشه الذي يفتخر به ويوفر له حوافز مادية هامة وهم يقدم أسماء الضحايا للجلاد. والمؤذن والحارس فمهامهم أيضا واضحة تسجيل كل الأسماء وإعطاء تقرير في تحركاتهم ونوع لبسهم والمواضيع التي تحدثوا فيها وعدد الركعات التي قاموا بها داخل المسجد, هل زادت على عدد الركعات الخاصة لكل صلاة, يقدمونها للبوليس السياسي الذي يقبع داخل المسجد وخارجه. وأما المصلين فنصفهم من البوليس السياسي, ومن المضحك بان البوليس السياسي أصبح يراقب بعضه البعض, لأن بعض المساجد قد خلت تماما من المصلين الحقيقيين آو وجود بعض الشيوخ الذين أقعدتهم الدنيا. وأما التقدم بطلب لإبرام عقود الزواج وتقبل التعازي داخل المساجد, فهذا إقرار صريح بالانتماء لحركة النهضة المحظورة والإرهابية !, وهو ما يقدم أصحاب الطلب إلى المحاكمة مباشرة ودون تحقيق والأحكام غالبا جاهزة وما على القاضي إلا قراءة نصها. اما المنشور 29 فقد أمر بإلغاء جميع المصليات والمساجد القائمة بالدوائر الخاصّة والعمومية بما في ذلك مساجد الجامعات والمعاهد والسجون والمستشفيات والموانئ والمصانع والإدارات وحظر الصلاة على العمال والموظفين أثناء الدوام. وكان كل طالب تسول له نفسه إقامة صلاته بأحد زوايا جامعته أو معهده, يحال فورا على مجلس التأديب التابع لمؤسسته ويتم رفته نهائيا ومن جميع المؤسسات التعليمية. وأما كل موظف حاول الصلاة داخل مؤسسته فيضيقون عليه الخناق لتنتهي به الأمور إلى أخطاء فادحة في العمل ومن ثمة الطرد لحماية الناس من تهاونه. كانت المساجد مخطوفة بهذه القوانين للتجمع وللبوليس السياسي, وقد حان الوقت لإلغاء هذه القمع الجائر في حق شعب مسلم بالفطرة... وما المساجد إلا لله. الدكتور محجوب أحمد قاهري