السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تشوشت الأفكار في رأسي بعد قراءة أحد المواضيع هنا في المنتدى( الكتابي للحوار نت ) وأيضا بعد مشاهدة الحلقة الأخيرة من " الإتجاه المعاكس" وطرأ على بالي سؤال بعدما رأيت دفاع الشيخ "عبدالرحمن كوكي" عن النقاب .. والدفاع المتهور من " عبدالرحيم علي" على شيخ الأزهر .. غير أن من يموت ويعذب من المسلمين في السجون لا يُسأل عنه أبدا من قبل أحد ولا يثار عنه أي جدل .. فأيّهما الأهم في الشرع الالتفات إلى غطاء الوجه للمرأة ( النقاب أو الخمار) - لا أقصد الحجاب لأنه فريضة - أم إراقة دماء المظلومين وتعذيبهم ؟؟؟.. تمام قطيش ------------------------------------------------------------------------ الجواب من الشيخ الهادي بريك: تجدونه على الرابط التالي: http://alhiwar.net/vb ------------------------------------------------------------------------ أنت سألت السؤال الصحيح وأجبت الإجابة الأصح أيتها الأخت الكريمة تمام ووافقتك الأخت الكريمة نخلة مراكش حيرتك تلك هي حيرة المسلم المعاصر الإيجابية. ليست هي حيرة من قبيل حيرة إيليا أبي ماضي ( لا أدري من أين أتيت ولكني أبصرت قدامي طريقا فمضيت ) وهي ما ترجمها من تربع على قمة الموسيقى العربية المرحوم محمد عبد الوهاب رحمه الله وغفر الله له في الأغنية الهابطة عقديا حتى الثمالة ( من غير ليه ).. بل هي حيرة مسلمة إيجابية .. تلك هي الحيرة التي إكتنفت الإمام الغزالي الأول عليه الرحمة فيما عبر عنه بشك الغزالي وقال الشك طريق اليقين وهو يحكي بذلك حديث الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام عندما تلا قوله سبحانه في سورة التوحيد الكبرى ( الأنعام ) عن قصة إبراهيم الخليل عليه السلام ثم قال : نحن أولى بالشك من إبراهيم عليه السلام .. ذلك النوع من الحيرات هو النوع الذي نحتاج إليه في زماننا لأنها حيرات إيجابية تدفع إلى النظر والتأمل والتدبر والتفكر ثم إلى الجهاد بالقرآن الكريم ( وجاهدهم به جهادا كبيرا).. تخبط الأولويات مسلك شياطين الجن والإنس معا 1 الحقيقة الأولى التي يغفل عنها كثير من المسلمين هي أن الشياطين ليسوا مقصورين على عالم الجن والدليل قوله سبحانه ( شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) فشياطين الإنس إذن حقيقة ثابتة موجودة أخبرنا عنه الكتاب الذي لا ينطق عن الهوى فلا يضل و لا ينسى .. في الإنس شياطين إذن .. 2 الحقيقة الثانية هي أن الشياطين من الجن و الإنس يتعاونون لإضلال الناس والدليل الآية الآنفة .. 3 الحقيقة الثالثة هي أن الشيطان من الجن والإنس معا إذا عجز عن إغواء الناس بالكلية أي غواية الكفر فإنه يتخطى بهم حاجزا بعد حاجز ما يضلهم ولو نسبيا وجزئيا وهذه لا بد من الرجوع فيها إلى العلامة إبن القيم عليه الرحمة والرضوان وذلك حين كشف مخطط الشيطان سداسي الخطوات و أثبت في آخر خطوة أن الشيطان يعمد إلى إحداث إضطراب وتشويش في سلم أولويات المسلم فيكون كما قال الأخت تمام ( المهم هو الأهم والأهم هو المهم ) بل تصبح الفريضة نافلة والنافلة فريضة والواجب المؤقت واجبا متراخيا والعيني كفائي والكفائي عيني وهكذا .. 4 الحقيقة الرابعة هي أن صف المؤمنين لن يخلو أبدا من أنواع من الكافرين منذ الهجرة إلى المدينة حتى يرث الله الأرض ومن عليها بدءا بالمنافقين الذين كانوا يعدون مواطنين كاملي الحقوق والواجبات في المدينة مما منعه عليه الصلاة والسلام من قتالهم حتى بعد نزول قائمة إسمية فيهم إليه من الرحمان الرحيم الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور حتى غيرهم من أنواع الكفار الآخرين وليس ذلك بدعا إنما هو لمزيد من التمحيص والإبتلاء لصف المؤمنين 5 الحقيقة الخامسة هي أن شهادة التوحيد وحتى بعض واجبات وفرائض الإسلام لها نواقض وفواسخ كما يقال فليس كل من نطق بالشهادتين هو مؤمن وليس كل من قام بالفرائض أو بعضها ممن هو معلوم من الدين بالضرورة هو كذلك .. إنما هو كذلك ظاهرا ولكن باطنا لا .. إنما هو كذلك كما قال الفقهاء : قضاء لا ديانة .. صحيح أننا ملزمون بحكم القضاء وليس الديانة الذي لا يحاسب عليه إلا ربك يوم الدين سبحانه .. ولكن في الجهة المقابلة ما ينبغي لنا أن نفرط في هذا النداء القرآني ( لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدروهم أكبر ).. فمن نطق بالتوحيد وقام ببعض الفرائض وأتى بنواقضها البينة الواضحة وضوح الشمس في رائعة النهار من مثل موالاة العدو ظاهر العدواة من مثل الصهيونية .. هذا لئن حكمت الظروف المعروفة على إعتباره مؤمنا بل ربما شيخا ومقدما مرموقا يشار إليه بالبنان فإن المؤمنين يجب أن يكونوا على حذر منه إذ ليس في العلم كبير وليس في الإسلام قديس لا يجابه بقول الحق إنما في العلم والحق كل الناس سواء حقيقة أخرى مهمة جدا العبرة بالنتيجة . معنى ذلك هو أنه عندما يستوي حالنا سوء سواء جرنا هذا بجهله إلى تذييل الفرائض والواجبات المقدمة عينيا وكفائيا أو جرنا الآخر بحمقه إلى ذلك أو جرنا الثالث إلى ذلك بتآمره ونفاقه .. إذا إستوت النتيجة فينا فآل أمرنا إلى تذييل الفرائض العظمى وتقديم ما دونها فإنه لا عبرة بالنظر إلى من جرنا إلى ذلك لأن الوضع الجديد للأمة هو الذي سيرتب أمرها في خانة ما ووضع ما وعندها يصبح الحديث عمن جرنا إلى ذلك هو حديث عن الأسباب لا عن النتائج والحديث عن الأسباب حديث أهل التقويم ولكن أهل الأصلاح يكون عن النتائج وكيف نتلافاها .. بين النقاب والإحتلال هو ما بين القبض والإستبداد لست أشك في أن الذين يجرون الأمة وهم في مواقع التوجيه والحكم دينا وسياسة إلى قضايا جانبية ظنية مختلف فيها بل مؤخرة حتى لو إتفق عليها .. لست أشك في أن هؤلاء إما حمقى جهلى والجاهل الأحمق يجب أن يؤدب حتى لو كان علامة العلامات إذ ليس في العلم كبير والعلم أكبر من كل أحد إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام .. أو أنهم متآمرون يوالون أعداء الأمة فينا وهؤلاء هم الذين قال فيهم سبحانه ( وفيكم سماعون لهم ).. النقاب لا هو سنة ولا هو بدعة فهو أمر مباح مسكوت عنه في القرآن والسنة .. من أخذ به فله ذلك ومن تركه فله ذلك شريطة ألا يعتقد الآخذ به أنه سنة ولا يعتقد تاركه أنه حرام أو مكروه .. وشريطة ألا ينكر هذا على ذاك ولا ذاك على هذا .. النقاب غلو يقابله غلو آخر هو التبرج الجنسي الفاضح وبين الغلويين : وسط إسلامي هو الخمار لو كانت أوضاع الأمة سمنة على عسل كما يقال في المشرق لتجادلنا حول النقاب وأمور أخرى كثيرة لا تحصى ولا تعد بسبب طبيعة هذا الدين ولكن أوضاع الأمة : إحتلال عسكري مباشر أينما يممت وجهك : فلسطين والعراق وأفغانستان إلخ .. وفقر مدقع أينما توجهت : شطر إفريقا وشطر آسيا .. وظلم وجور لا يقاسان أينما حللت دون إستثناء .. الأمة في حضيض الحضيض فكيف نفجر معارك ظنية وهمية ، مثالنا كمن يحترق بيته وهو يلهو بقضايا أخرى جزئية فيسأل نفسه : كم يجني ولدي من مال مثلا .. فقه مراتب الأعمال أو فقه الأولويات هو الداء هناك فقه قديم إنحسر في حياتنا إسمه فقه مراتب الأعمال أصله في القرآن والسنة ( أصله في قصة الخضر وموسى عليهما السلام وفي تحريم الخمر يسألونك عن الخمر في سورة البقرة ) ومواضع أخرى كثيرة .. هذا فقه نحن عنه غافلون وكلما غفلنا عنه تأخرنا لا ينفعنا في ذلك كثرة إيمان ولا كثرة سجود ولا كثرة إنفاق لأن النهضة والتقدم أمران متكاملان بين تقدم العقل ونهضة النفس فلا تتقدم نفس عقلها بال ولا ينهض عقل نفسه مريضة .. ذلك هو الإنسان وتلك هي جدليته التكاملية .. ما هو الحل المشكلة أخواتي الكريمات قديمة .. المشكلة صدقوني أنها بدأت يوم الجمل ويوم صفين ويوم ما سمي بعام الجماعة وما هو عام الجماعة بل هو عام الفرقة وعام التصدع وعام الإنقلاب ضد إرث محمد عليه الصلاة والسلام .. عام إنتصاب الملكية الوراثية وتراجع الشورية الإسلامية .. صدقوني أن الداء بدأ من ذلك اليوم .. إرصدن الإنقلابات التي وقعت ضد إرث محمد عليه الصلاة والسلام بمثل ما تنبأ هو نفسه عليه الصلاة والسلام .. إرصدن ذلك عين على ذلك التاريخ وعين آخرى على واقعنا .. إفعلن ذلك وستجدن أن سلسلة الإنقلابات القيمية كلها إنما هي ثمرة ذلك الإنقلاب الأموي السياسي الأكبر والأول .. ولولا أن الله سبحانه تعهد بحفظ هذه الأمة وحفظ ذكرها لتواصلت سلسلة الإنقلابات إنقلابا بعد إنقلاب حتى إنقلب الناس على الصلاة .. أليس في ذلك حديث صحيح ( تنقض عرى الأسلام عروة عروة أولها الحكم وآخرها الصلاة ).. ولكن لا يأس ولا قنوط ولكن المبشرات أكثر من ذلك بكثير .. المبشرات في القرآن والسنة والتاريخ والحاضر ولكنها مبشرات يرصدها المؤمن العامل العاقل أما المؤمن العاطل فلا يراها وكذلك لا يراها المؤمن الأحمق .. لا بد لها من إيمان وعقل وعمل وحركة وجماعة وقيم إسلامية عظمى من مثل قيم الشورى وكرامة الإنسان والعمارة والجمال والعلم والمعرفة والتوحيد ( توحيد الناس أما توحيد الله فهو فوق ذلك كله ).. الحل هو .. الحل هو مزيد من الإيمان ممزوجا بمزيد من العمل ممزوجين بمزيد من العقل والحكمة والعلم والمعرفة ممزوج كل ذلك بالحلم والخلق الطيب وكل ذلك في جماعة ولو كانت جماعة الأسرة وجماعة المسجد وكل ذلك ممزوج مزجا جيدا جدا بخلاصة الصبر . الصبر ,. الصبر .. لا يكفي الصبر فلا بد من التصبر والمصابرة ذلك هو الحل فمن يثبت على ذلك يلقى ربه وقد أدى أمانته ومن يفزع ويجزع فيفر أو يهرب ولو إلى العمل الصالح بظنه الحسير فقد خسر وأخسر الأمة جهده والله أعلم الهادي بريك ألمانيا