بسم الله الرحمن الرحيم تميزت ثورة الشعب التونسي بجملة من الخصائص التي جعلت منها مفخرة لهذا الشعب و مصدر إلهام للعديد من الشعوب الأخرى. لقد كانت الثورة مدنية و سلمية بامتياز و حافظت على هذه الخاصية رغم محاولات نظام الطغيان و الجبروت إلى إغراقها في بحر من الدّماء. وما زالت بقايا هذا النظام من قوى الردة تتآمر على شعبنا لتثخنه جراحا و ترفع عدد الضحايا إشفاءا لساديتها و غريزتها الإنتقامية. إنّهم يحاولون خلط الأوراق حتّى يملّ الشعب حالة اللاّأمن و اللاّإستقرار فيتمنّى عودة الدكتاتورية و قبضتها الأمنية الحديدية و يشتري أمنه بحريته وكرامته بالإستقرار . تلك خطتهم التي يعي خطورتها أغلب أبناء شعبنا و خاصة من قدم منهم تضحيات و ساهم في هذه الثورة مساهمة فعالة. إن أبناء شعبنا على علم بهذه الخطة الشيطانية و يعرفون جيدا الذين يخططون لها من بقايا القيادات التجمعية داخل البلاد، و لكن الشعب في ظل غياب قيادة ثورية و شح الوسائل مازال عاجزا على إيقاف المحرضين على الإجرام و الفوضى. يعلم الجميع أنه لو أمكن محاصرة هؤلاء المحرضون و الحد من حراكهم لجنبنا بلادنا سقوط مزيد من الأرواح البريئة، لأن المنفذين ماهم إلا بيادق يبيعون أنفسهم بثمن زهيد يحركهم المال الذي بيد أسيادهم، وقديما قيل قص الراس تيبس العروق. أمّا حكومة العميل الغنوشي فلم تحم البلاد من هؤلاء بل فسحت لهم المجال للتحرك و التخطيط و التنفيذ، ورغم ثبوت تهم القتل العمد و التعذيب على الكثير منهم أمثال المجرم عبدالله القلال سارعت بتوفير الحماية القانونية لهم فانضمت في هذا التوقيت المشبوه للإتفاقية العالمية لحظرتطبيق عقوبة الإعدام ، وأقصى ما فعلت معهم هو وضعهم في إقامة جبرية شكلية. إنه لا يمكن لشعبنا أن يطمئن على ثورته إلّا إذا تمكن الثوار من شلّ حركة بقايا النظام السّابق من التجمعيين و الجلاّدين و تصفيتهم و التخلّص منهم. و بما أنّ ثورتنا مدنية و سلمية فينبغي أن تكون وسائلها سلمية و مدنيّة. لابد أن تضغط الجماهير على الحكومة للبدء في محاكمات عادلة تصدر أحكاما عادلة بالقصاص من المجرمين على رأسهم الطاغية بن علي و السرياطي والقلال وغيرهم ممن تثبت عليه تهمة القتل العمد "ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب"، على الحكومة القادمة و الجيش وشباب الثورة أن يستيقنوا أنه لن يعود الأمن للبلاد إلاّ بعد أن تصدر و تنفذ أحكاما عادلة و ردعية ضد هؤلاء المجرمين . عندها سيشعر من تبقى منهم بالخطر على حياته فيوقفون شرهم و مكرهم. عندها فقط سيهنؤ شهداء الثورة في قبورهم و تقرّ عيون أمهاتهم و أهاليهم لأنّ العدالة أخذت مجراها
إنّنا لا ندعوا من خلال هذا المقال للإنتقام و التشفي و لانريد لثورتنا أن تنزلق نحو أي شكل من أشكال العنف و تصفية الحسابات. و لكن محاكمة مجرمي النظام السّابق وردعهم ضرورة من ضرورات المرحلة لحماية ثورتنا. إنّنا دعاة عفو و مسامحة ولنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قدوة حسنة فعندما فتح مكة عفى عن أهلها وقال قولته الشهيرة "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ولكنه مع ذلك حدّد قائمة بعشرة أسماء من كبار المجرمين و المحرضين على الإسلام وقال لأصحابه اقتلوهم و لو وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة. إنّه لكلّ عصابة من المجرمين رؤوساء يخططون و يوجهون لا يمكن التسامح معهم ولو فعلنا فإنهم سيعودون لجرمهم و تأسيس بؤر الجريمة، القصاص فقط هوالذي يوقف شرهم القصاص ولو وجدوا متعلقين بأستار الكعبة. إن على الحكومة و الجيش تحمّل مسؤولياتهم و القيام بدورهم لحماية الثورة حتّى لا ينفلت شباب الثورة و يلتجأ إلى حلول لا نرتضيها و لا نريدها لبلادنا
"من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" سورة المائدة : 32