الشّعب التّونسي كلّه بل والعالم العربي والإسلامي كلّه مدين للجيش التّونسي البطل، العظيم ليس بتجهيزاته ولا بعدد جنوده فهو دون الكثير من الجيوش العربية والإسلامية في هذا المجال بل بموقفه الشّجاع وغير المسبوق حين أمره الطّاغية المخلوع بإطلاق النّار على المواطنين العزّل فرفض بل وحسب المتوارد من الأخبار أنّه حوّل الأمر إلى هجوم حيث، ودائما حسب المتواتر من الأخبار، أنّ اللّواء البطل رشيد عمّار لم يتوقّف عند رفض تنفيذ الأمر من القائد الأعلى (بغير استحقاق) للقوات المسلّحة الرّئيس الهارب بل وخيّره بين الموت أو النّجاة بجلده فاختار بكلّ جبن أن ينجو بجلده وهرب لا يلوي على شيء. نعم، كنت أتمنّى لو أنّ الجيش التّونسي ألقى القبض على الطّاغية وقدّمه للمحاكمة على جرائمة البشعة في حق البلاد والعباد أمام قضاء نزيه ومستقل ولكن هذه الملامة لا تضع الجيش في موضع الشّك أو الغدر بالثّورة. الّذين يشكّكون اليوم في الجيش التّونسي ووفائه للثّورة هم أعداء الثّورة وعلى كلّ المساندين للثّورة التّصدّي لهم ومحاصرة ودحض ادّعاءاتهم. إنّهم أذيال النّظام البائد وبقايا المفسدين والمتنفّذين والمَصلحيّين الإنتهازيّين الّذين يستكثرون على الشّعب التّونسي سيادته وحقّه في تقرير مصيره واختيار حكّامه والعيش بكرامة والتّمتّع بالأمن و خدمة الوطن والإستفادة بخيراته. كيف يمكن للجيش الّذي صنع لنفسه موضعا رفيعا في سويداء قلوب التّونسيّين وافتكّ مكانة ومجدا في مصافّ الأمم والمنابر الدّولية وصنع لنفسه مجدا تليدا وأصبح مفخرة الخاص والعام والعدو والصّديق بموقفه التّاريخي أن يرتدّ عن هذا الإنجاز العظيم وينقلب على عقبه ويهدر كلّ مكتسباته؟ ثمّ ما الّذي يغريه بمثل هذا العمل الشّنيع؟ هل هوّ مستعدّ لسفك دماء التّونسيّين؟ هل هوّ قادر على أن يحكم البلاد دون إرادة القوى الوطنية المدنية؟ لا أحسب ذلك ممكنا ولا أحسب أنّ الجيش التّونسي وقيادته يخفى عليهم ذلك ويجهلون حساسية المرحلة وخطورة الوضع. لا أحد اليوم في تونس يستطيع أن يحكم البلاد بمفرده ويخرج بها ممّا تردّت فيه من أوضاع صعبة وخطيرة. فلا الجيش ولا حركة النّهضة ولا قوى الشّباب الصّاعدة ولا اليسار ولا غير كلّ هؤلاء يستطيع أن يدّعي قدرته على توفير الأمن والإستجابة للطّلبات الإجتماعية المتزايدة وحلّ مشكلة البطالة وتنمية الإقتصاد وووو... وعلى الجميع أن يضعوا اليد في اليد من أجل تحقيق كلّ ذلك وبناء تونس الغد، تونس الحرّية والعدالة والتّنمية. على الجميع أن يرتقوا فوق المصالح الحزبية بل لا مصلحة حزبية إذا لم تكن تصبّ رأسا وبأولوية مطلقة في مصلحة تونس والأكثر وطنيّة من كلّ ذلك أن تتنازل عن مصلحة الحزب لمصلحة الوطن وقد تصل حدّ التّضحية ببعض مصالح الحزب من أجل مصلحة الوطن. قد يتدخّل الجيش التّونسي إذا استدعت الضّرورة وفرض عليه الوضع الدّستوري في البلاد ذلك ولكن لا أحسب أنّ تدخّله يتجاوز إرجاع الأمور إلى نصابها ووضع البلاد في المسار الصّحيح وحماية القوى السياسية وتمكينها من القيام بواجبها الوطني ثمّ العودة بعد ذلك في أقصر أجل ممكن إلى ثكناته وإلى مهمّته الأساس وهي حماية البلاد والعباد. لا أخفي أنّي لست مطمئنّا بعد على نجاح الثّورة، فالمتربّصون كثّر وجيوب الرّدة مندسّة هنا وهناك ومتوثّبة بل وتسعى في الخفاء للفتنة وقلب الأوضاع وبين اليوم والآخر نفاجأ بأسلحة تختفي من مراكز الشّرطة وأخرى يلقى عليها القبض في سيّارة وأموال بالملايين توزّع لاستئجار المخرّبين ودسّهم بين المتظاهرين لتشويه الثّورة وبثّ البلبلة والرّعب في صفوف المواطنين وتصريحات تشكّك في الجيش التّونسي حامي الثّورة الأوّل وغير ذلك ممّا يدعو إلى اليقظة والإنتباه وعدم الإنسياق وراء الأراجيف والإدّعاءات وعدم الشّك في نقاوة ثورة الشّعب التّونسي و إخلاص الجيش التّونسي ومهنيته والتّحلّي بالواقعية والحكمة وأستسمح الشّباب، مسعّر الثّورة الأوّل ووقودها وحاميها أن أنبّهه إلى الحذر والإنتباه إلى أن الطّلبات لا تُلبّى "بكن فيكون" والّذي يقاوم الدّكتاتورية عليه أن يحذر من الوقوع في "دكتاتورية الطّلب" حيث يريد أن تلبّى كلّ طلباته كما يقولها ويتمنّاها بل عليه أن يحاور غيره والسّياسة أخذ وعطاء وتوافق والإختلاف في وجهات النّظر وتقدير المصلحة والحلول النّاجعة لا مفرّ منه حتّى في صلب الحزب الواحد والمنظومة الواحدة فكيف إذا تعلّق الأمر بمسائل تهمّ أطرافا عدّة ذوات إيديولوجيات وأفكار مختلفة وتتعلّق بمصير شعب ووطن!! حفظ الله الثّورة وعاشت تونس حرّة مستقلّة وعاش الشّعب التّونسي سيّدا كريما. إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه أنيب. العربي القاسمي / نوشاتيل سويسرا في 3 مارس 2011