الصوفية والسلفية والاخوان والقاعدة يمثلون أبرز التوجهات الفاعلة على الساحة ولكل منهم رؤيته الخاصة للنهوض بالأمة وأسلوبه فى الحركة والدعوة ... وقد ظل التنافس على الأتباع بين هذه الحركات مظهرا من مظاهر الصحوة الاسلامية فكلها ترى أن منهجها هو المنهج الصحيح وأنها تتبع الكتاب والسنة بل لقد استعمل حديث الفرقة الناجية فى بعض الأحيان سلاحا يشهره البعض فى وجه البعض الاخر ... أما أكثرهم تواضعا فانه كان يرى أنه الأقرب الى الحق دون اخراج الاخرين من دائرة الحق ... الأنظمة الحاكمة وأجهزتها الاعلامية وظفت ذلك الجو التنافسى بين مختلف الحركات لبلبلة وتخويف الناس وكان من الطبيعى أن تشجع الاتجاهات التى لاتعارضها وتنكل بمن يسعون للتغيير متهمة اياهم بالعنف والارهاب والتستر بالتدين سعيا للوصول الى السلطة ... الواقع الجديد يفرض على هذه الحركات مراجعة المواقف وتغيير لغة التخاطب فيما بينها فقد انتهى زمن التخوين واتهام النوايا لأن جدار الخوف قد هدم ولأن نسائم الحرية قد هبت فليس هناك نظام بوليسى يخشى بطشه أو يرغب وده فى البلدان المحررة . لقد بدأ الصوفيون والسلفيون فى الاستعداد لخوض غمار معارك السياسة بتشكيل أحزاب تعبر عن رؤيتهم السياسية التى لم نكن نسمع بها من قبل ... ربما يكون ذلك غريبا على واقعنا المعاصر لكنه ليس كذلك اذا ما عدنا الى التاريخ ... ألم يكن سلطان العلماء وبائع الأمراء العز بن عبد السلام رحمه الله صوفيا ومع ذلك فقد لعب دورا سياسيا بالغ الأهمية فى اعداد الأمة لجهاد التتار فى وقت كان الناس يرتعدون خوفا من مجرد سماع كلمة التتار ... ألم يكن شيخ الاسلام الامام أحمد بن تيمية رحمه الله يقسم بالله أن المسلمين سينتصرون على التتار فيقول له الناس قل إن شاء الله فيقول أقولها تحقيقا لا تعليقا ...
هذه مواقف بعض العلماء الذين يجلهم الصوفيون والسلفيون فما المانع من أن يعود الفريقان الى سيرة أولئك العلماء العاملين والساسة العظماء بدلا من الغيبة الكبرى عن واقع الأمة وشغلها بمعارك كلامية لايفهم عامة الناس منها شيئا ولا يقوى ايمانهم بمتابعتها ...
أما الاخوان والقاعدة فكلاهما منشغل بواقع الأمة مع اختلاف فى وسائل التغيير ... فالاخوان قد انتهجوا العمل السياسى ونبذوا استخدام القوة والقاعدة حملت سلاحها فلا ترى بديلا عن الجهاد المسلح ... وقد رأينا تباينا بين ثورات تونس ومصر من ناحية وليبيا من ناحية أخرى فلم يشهر الثوار سلاحا فى الحالة الأولى ولم تجد السياسة وحدها فى الحالة الثانية ...
اذن فوسائل كل من الاخوان والقاعدة مطلوبة وضرورية ولكن لكل منها وقته ومكانه ... ولقد انتهى عهد بوش الذى ساد فيه شعار الحرب على الارهاب حتى أصبحت قصافة الأظافر سلاحا لا يجوز السماح بركوب طائرة لمن يحمله ... وبالمناسبة فهذه ليست نكتة وانما حقيقة حدثت معى شخصيا !
الواقع الجديد اذن يفرض على الحركات الاسلامية أن تغير من نظرتها الى بعضها البعض فليس لأى منها القدرة على مواجهة التحديات التى تواجهها الأمة منفردة ولا أن تلغى وجود الحركات الأخرى فى ظل جو الحرية الذى بدأنا نتنفسه والذى تتعايش فيه مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية والدينية ... خلاصة القول أن الحركات الاسلامية بحاجة الى رؤية جديدة فى تعاملها مع بعضها البعض وأن تتحول من التفاضل الى التكامل فالأمة بحاجة الى التربية الروحية والنهضة العلمية والوعى السياسى والاعداد الجهادى فصراع الحضارات الذى بشر به صمويل هنتنجتون قد بدأ مرحلة جديدة لكن التاريخ لم ينتهى بعد كما ادعى فوكوياما ...