هناك من يقول إن المرأة التونسية " عرفت شيئاُ وغابت عنها أشياء" فهي دون الرجل علماً ومعرفةً، ولهذا لا نراها بارزة في مؤسساتنا الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية !!!. أطلب العفو من نساء بلادي المصونات إذا كتبت ما قيل عنهن إجحافاً، معاذ الله أن أمسّ شعائرهن، فمن يطالع تاريخ بلادي يرى ما للمرأة التونسية من اليد الطولى بين أجيال تونس المتمدنة، منذ أيام اليسار ملكة قرطاج التي أحرقت نفسها كي لا تسلم جسدها لملوك البرابرة، إلى أيام الحاجة منّوبية والدة الشهيد محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه، فأشعل ثورةً أمتد لهيبها إلى أكثر من بلد.
كلنا نعلم أن المرأة التونسية طيلة عهود طويلة ذاقت أشد صنوف الألم، الاضطهاد، السجون، التشرد والاستشهاد، وبقيت صامدة بوجه الطغيان والقهر والبطش، وتحملت خسائر باهظة لا أظن أن الرجل العادي قادراً على تحمل جزء بسيط مما تحملّته. ومن يطالع تاريخ بعض النساء التونسيات اللواتي أمتزن بسمو مداركهن وسعة معارفهن، ومعرفة واجباتهن الحياتية الشاملة، يعلم حق العلم ما للمرأة التونسية من القوة والسلطان على رجال الوطن التي هنًَ منه، وهل من الضروري أن أتحدث عن دور المرأة التونسية في توفير أسباب الراحة والهناء لجميع أفراد أسرتها، وتفانيها في خدمة أبنائها لحملهم على إحراز موارد الثروة، ونيل الرتب العالية عن أهلية واستحقاق، وكيف تدفعهم لما لها من طباع اللطف واللين، إلى حب الوطن والدفاع عنه؟!...
فليس بغريب على شاعرنا الرائع أبو القاسم الشابي أن يشبّه المرأة الأم بالأرض، بأنشودته الشهيرة " أنشودة الحياة" عندما كتب سائلاً:
وقالت لي الأرض لما سألت: يا أم هل تكرهين البشر ؟: أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر وألعن من لا يماشي الزمان ويقنع بالعيش ، عيش الحجر أن نعي هذه القيّم، يعني أننا ندرك أن المرأة التونسية لم تخلق أضعف عقلاً، وأحط شأناً من المرأة في الأمم المتمدنة، ولم تحرمها الطبيعة شيئاً من الامتيازات التي منحتها للمرأة في الأمم الراقية، بل زادتها من رقة الهواء، وصفاء السماء، واعتدال الفصول ما لم تهبه للمرأة في تلك الأمم على السواء.
قريباً جداً، وبفضل الانتفاضة، سنجد المرأة التونسية في أكبر محافلنا العلميّة، مؤسساتنا الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، وسوف نفتخر بعقلها وسعة معارفها، تلك التي يشب في أحضانها الرجال والنساء الذين سوف نفتخر بهم في تونس وعالمها العربي، والعالم.
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة تحية إجلال واعتزاز وإكبار للمرأة التونسية، وقبلة على جبينها الشامخ وأخرى على يديها المعطاة. تيسير العبيدي باريس