مساندة متواصلة للفئات الضعيفة.. قريبا انطلاق معالجة مطالب التمويل    وفد من الحماية المدنية في الجزائر لمتابعة نتائج اجتماع اللجنة المشتركة التقنية المنعقد في جانفي الماضي    عاجل : انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي لمركز أكساد    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. قصّر يخربون مدرسة..وهذه التفاصيل..    الحكم الشرعي لشراء أضحية العيد بالتداين..!    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقّعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه    مدنين: حجز 50 طنا من المواد الغذائية المدعّمة    الحمامات: اختتام فعاليّات الصالون المتوسّطي للتغذية الحيوانيّة وتربية الماشية    صندوق النقد الدولي يدعو سلطات هذه البلاد الى تسريع الاصلاحات المالية    الرابطة الأولى: جولة القطع مع الرتابة في مواجهات مرحلة التتويج    قرعة كأس تونس 2024.    جندوبة: الحكم بالسجن وخطيّة ماليّة ضدّ ممثّل قانوني لجمعيّة تنمويّة    مفزع/ حوادث: 15 قتيل و500 جريح خلال يوم فقط..!!    الكاف..سيارة تنهي حياة كهل..    مدنين: القبض على مُتحيّل ينشط عبر''الفايسبوك''    المدير العام لبيداغوجيا التربية:الوزارة قامت بتكوين لجان لتقييم النتائج المدرسية بداية من السنة الدراسية القادمة.    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    بدرة قعلول : مخيمات ''مهاجرين غير شرعيين''تحولت الى كوارث بيئية    عمال المناولة بمطار تونس قرطاج يحتجون    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    عاجل/ يرأسها تيك توكور مشهور: الاطاحة بعصابة تستدرج الأطفال عبر "التيكتوك" وتغتصبهم..    البحيرة: إخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين من المهاجرين الأفارقة    حفاظا على توازناته : بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يرفع رأس ماله الى 69 مليون دينار    أبل.. الأذواق والذكاء الاصطناعي يهددان العملاق الأميركي    خليل الجندوبي يتوّج بجائزة أفضل رياضي عربي    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    البطولة الوطنية : تعيينات حُكّام مباريات الجولة الثانية إياب من مرحلة تفادي النزول    وسط أجواء مشحونة: نقابة الصحفيين تقدم تقريرها السنوي حول الحريات الصحفية    معهد الصحافة يقرر ايقاف التعاون نهائيا مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بسبب دعمها للكيان الصهيوني    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    نبيل عمار يستقبل البروفيسور عبد الرزاق بن عبد الله، عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية    حالة الطقس ليوم الجمعة 03 مارس 2024    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    الرابطة المحترفة الاولى : تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    تشيلسي يفوز 2-صفر على توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    بنزيما يغادر إلى مدريد    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزهة في كتاب الحيوان للجاحظ
نشر في الحوار نت يوم 05 - 11 - 2009


نزهة في كتاب الحيوان للجاحظ
للدكتور عثمان قدري مكانسي
بعض أقوال النبي صلى الله عليه وسلم التي صارت مضرب المثل
قالها صلى الله عيه وسلم ولم يتقدمه فيها أحد ،
من ذلك قوله: إذاً لا ينتَطِح فيها عَنْزان،
ومن ذلك قوله: ماتَ حتْف أنفه،
ومن ذلك قوله: يا خيلَ اللّه اركَبي .
ومن ذلك قوله: كلُّ الصَّيدِ في جَوفِ الفَرا،
ومنها قوله: لا يُلسَعُ المؤمنُ من جُحْرٍ مرتين.
ومنها قوله : شنشنة أعرفها من أخزم . وفسرها عمر رضي الله عنه إذ قال : يعني شبّه ابن العبَّاس بالعبَّاس، وأخزَم: فحل معروف بالكرم.
بعض الأقوال كرهها العرب
- روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: لا يقولَنَّ أحدُكم خَبثت نَفسي ولكن ليقلْ لَقِسَت نفسي، كأنه كره أن يضيف المؤمنُ الطاهِرُ إلى نفسه الخُبث والفساد بوجهٍ من الوجوه. ومعنى لقست : غَثَتْ ولم تستقم .
- وجاءَ عن عمر ومجاهد وغيرهما النهيُ عن قول القائل: استأثَر اللّهُ بفُلان، بل يقال مات فلان، ويقال استأثرَ اللّه بعلم الغيب واستأثر اللّه بكذا وكذا.
- كانوا يكرهون أن يقال: قراءة عبد اللّه، وقراءة سالم، وقراءَة أُبَيّ، وقراءَة زيد، ويُقال : قرأ بوجه كذا وكذا ، فالقراءات للنبي صلى الله عليه وسلم نقلها الصحابة ، ومِن بعدهم التابعون من القرّاء .
- وكانوا يكرهون أَن يقولوا سنَّة أبي بكر وعليّ رضي الله عنهما ، بل يقال سنَّة اللّه وسنَّة رسوله،
- وكره مجاهد أن يقولوا مُسيجِد ومُصيحِف، للمسجد القليل الذَّرْع ، والمصحف القليل الورق، ويقول: هم وإن لم يريدوا التصغير فإنَّه بذلك شبيه وجوه تصغير الكلام وربَّما صغَّروا الشيءَ من طريق الشَّفَقة والرِّقَّة، كقول عمر: أخافُ على هذا العُريب، وليس التصغير بهم يريد، وقد يقول الرجل: إنَّما فلانٌ أخَيِّي وصُدَيِّقي؛ وليس التصغير له يريد،
- وذكر ابن مسعود أمام عمر رضي الله عنهما فقال :: كُنَيْفٌ مُلئ علماً،
- وقال الحُباب بن المنذر يوم السَّقِيفة: أنا جُذَيْلها المحكك، وعُذَيقُها المرجَّب، وهذا كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة : الحُميراء، وكقولهم لأبي قابوسَ الملك: " أبو قُبيس " ، وكقولهم: دبّت إليه دويْهِيَة الدهر، وذلك حين أرادوا لطافة المدخل ودقّة المسلك.
- ويقال إنَّ كلَّ فُعيل في أسماء العرب فإنَّما هو على هذا المعنى، كقولهم المُعَيْدِيّ، وكنحو: سُليم، وضُمَير، وكليب، وعُقير، وجُعيل، وحُميد، وسُعيد، وجُبير؛ وكنحو عُبيد، وعُبيد اللّه، وعُبيد الرماح،
- وطريق التحقير والتصغير إنَّما هو كقولهم: نُجيل ونُذيل، قالوا: ورُبّ اسمٍ إذا صغَّرْتَه كان أملأَ للصَّدْر، مثل قولك أبو عبيد اللّه، هو أكبر في السماع من أبي عبد اللّه، وكعب بن جُعَيل، هو أفخم من كعب بن جعل، وربَّما كان التصغير خِلقة وبنية، لا يتغيَّر، كنحو الحُمَيّا والسُّكَيْتِ، وجُنَيدة، والقطيعاء، والمريطاء، والسُّميراء، والمليساء - وفي كبيدات السماءِ والثرّيا.
- وقال عليٌّ بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه: دقَقت البابَ على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: من هذا? فقلت: أنا، فقال: أنا ؟! كأنَّه كرِه قولي أنا.
وحدّثني أبو عليٍّ الأنصاري، وعبد الكَريم الغِفاريّ قالا: حدَّثنا عيسى بن حاضر قال: كان عمرو بن عُبيد يجلس في دَاره، وكان لا يَدَع بابَه مفتوحاً، فإذا قرعَه إنسان قامَ بنفسه حتَّى يفتحه له، فأتيتُ الباب يوماً فقرعتُه فقال: من هذا? فقلت: أنا، فقال: ما أعرف أحداً يسمَّى أنا، فلم أَقُلْ شيئاً وقمتُ خلفَ الباب، إذ جاءَ رجلٌ من أهل خراسان فقرَع الباب، فقال عمرو: مَن هذا? فقال: رجلٌ غريبٌ قدِم عليك، يلتمس العلم، فقام له ففتح له الباب، فلمَّا وجدْتُ فرجةً أردت أن ألجَ الباب، فدفَع البابَ في وجهي بعُنف، فأقمتُ عنده أيَّاماً ثم قلت في نفسي: واللّه إنِّي يومَ أتغضَّب على عمرو بن عُبيد، لَغَيرُ رشيدِ الرأي، فأتيتُ البابَ فقرعته عليه فقال: من هذا? فقلت: عيسى بن حاضر، فقام ففتح لي الباب.
- وقال رجل عند الشَّعبيّ: أليس اللّه قال كذا وكذا ؟ قال: وما عَلَّمَك?
- وقال الربيع بن خُثَيم: اتَّقُوا تكذيب اللّه، ليتَّق أحدكم أن يقولَ قال اللّه في كتابه كذا وكذا، فيقول اللّه كذبتَ لم أقلْه.
- وقال عمر بن الخطَّاب رضي اللّه عنه: لا يقل أحدُكم أهرِيقُ الماءَ ولكن يقول أبول. ولعلهم كانوا يُكَنّون عن البول بتلك الكلمة " أهريق "
- وسأل عمرُ رجلاً عن شيءٍ، فقال: اللّه أعلم، فقال عمر: قد خَزينا إن كُنَّا لا نعلم أنَّ اللّه أعلم؛ إذا سُئِلَ أحَدُكم عن شيءٍ فإن كان يعلمه قاله، وإن كان لا يعلمه قال: لا علم لي بذلك.
- وسمعَ عمر رجلاً يدعو ويقول؛ اللهمَّ اجعلْني من الأقلِّين قال: ما هذا الدعاءُ? قال: إنِّي سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول: "وقليلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورَ" وقال: "وَمَا آمَنَ مَعَهُ إلاَّ قَلِيلٌ"، قال عمر: عليك من الدعاءِ بما يُعرَف.
- وكره عمر بن عبد العزيز قولَ الرجل لصاحبه: ضعْه تحت إبطِك، وقال: هلاَّ قلتَ تحت يدِك وتحت مَنكِبك وقال مَرَّة –
- وقال الحجَّاج لأمِّ عبد الرحمن بن الأشعَث: عَمَدْتِ إلى مَالِ اللّه فوَضَعْته تحْتَ ... ، كأنَّه كره أن يقول على عادة الناس: تحت استك، فتلجلج خوفاً من أن يقول قَذَعاً أو رَفَثاً، ثمّ قال: تحتَ ذيلِك.
- وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا يقولَنَّ أحدُكم لمملوكه عَبْدِي وأمَتي، ولكنْ يقول: فتَايَ وفتاتي، ولا يقول المملوكُ ربِّي ورَبَّتي، ولكن يقول سيِّدي وسيِّدتي.
- وكره مُطرِّف بن عبد اللّه، قولَ القائل للكلب: اللّهُمَّ أخْزه.
- قال ابن مسعود وأبو هريرة: لا تسمُّوا العِنَب الكَرْم؛ فإنَّ الكَرمَ هو الرجلُ المسلم.
وقد رفعوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
- وأمَّا قوله: لا تسُبُّوا الدَّهرَ فإنَّ الدهر هو اللّه ، فما أحسنَ ما فسَّر ذلك عبد الرحمن بن مهديّ قال: وجهُ هذا عندَنا، أنَّ القوم قالوا: "وَمَا يُهْلِكنَا إلاَّ الدَّهْرُ" فلما قال القوم ذلك، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ذلك اللّه، يعني أنَّ الذي أهلك القرونَ هو اللّه عزّ وجلَّ، فتوهم منه المتوهِّم أنَّه إنَّما أوقع الكلام على الدهر.
- وسمع الحسن رجلاً يقول: طلع سُهيل وبَرُد الليل، فكره ذلك وقال: إنّ سهيلاً لم يأتِ بحرٍّ ولا ببردٍ قطُّ، ولهذا الكلام مجازٌ ومذهب، وقد كره الحسنُ كما ترى.
- وكره مالك بن أنس أن يقولَ الرجُلُ للغيم والسحابة: ما أخلقها للمطر وهذا كلام مجازه قائم، وقد كرهه ابن أنس، كأنّهم من خوفهم عليهم العودَ في شيءٍ من أمر الجاهليّة، احتاطوا في أمورهم، فمنعوهم من الكلام الذي فيه أدنى متعلّق.
- ورووا أنّ ابنَ عبَّاسٍ قال: لا تقولوا والذي خَاتَمه على فمي، فإِنَّما يختِم اللّه عزّ وجلّ على فم الكافر، وكره قولهم: قوس قُزَح، وقال: قزح شيطان، وإنَّما ذهبوا إلى التعرِيج والتلوين، كأنّه كره ما كانوا عليه من عادات الجاهلية، وكان أحَبَّ أن يقال قوس اللّه، فيرفع من قدره، كما يقال بيت اللّه، وزُوَّار اللّه، وأرض اللّه، وسماء اللّه، وأسد اللّه.
- وقالت عائشة رضي اللّه عنها: قولوا لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم خاتَم النبيين، ولا تقولوا: لا نَبيَّ بعده . ولعلها قصدت نزول المسيح بعده ، وقد رفعه الله تعالى إلى السماء
- وكره أبو العالية قول القائل: كنت في جِنازة، وقال: قل تبِعت جنازة، كأنّهُ ذهب إلى أنّه عنى أنّه كان في جوفها، وقال قل تبعت جنازة، والناس لا يريدون هذا، ومجاز هذا الكلام قائم،
- وكره ابن عبَّاس قول القائل: الناس قد انصرفوا، يريد من الصلاة، قال بل قولوا: قد قَضَوُا الصلاة، وقد فرَغوا من الصلاة، وقد صلَّوْا؛ لقوله: "ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ"، قال: وكلام الناس: كان ذلك حين انصرفنا من الجنازة، وقد انصرفوا من السُّوق، وانصرف الخليفة، وصرف الخليفةُ الناسَ من الدار اليومَ بخير، وكنت في أوَّل المنصرفين، وقد كرهه ابن عبّاس، ولو أخبرونا بعلّتِه انتفعنا بذلك.
- وكره مجاهد قول القائل: دخل رمضان، وذهب رمضان، وقال: قولوا شهر رمضان، فلعلّ رمضان اسم من أسماء اللّه تعالى.قال أبو إسحاق: إنما أتى من قِبل قوله تعالى: "شَهْرُ رَمََضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقرْآنُ" فقد قال الناس يوم التَّروية، ويوم عَرَفة ولم يقولوا عرفة.
بعض ما كرهه العرب من قول المفسرين :
- وفي قوله عزَّ وجلّ: "وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلّهِ": إنّ اللّه عزّ وجلَّ قالوا :لم يعنِ بهذا الكلام مساجدَنا التي نصلِّي فيها، إنَّما عنَى الجبَاهَ وكل ما سجد الناس عليه: من يدٍ ورجلٍ، وَجَبْهَةٍ وأنفٍ .
- وقالوا في قوله تعالى: "رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً" قالوا: يعني أنّه حَشَرَهُ بِلاَ حجَّة.
- وقالوا في قوله تعالى: "وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ": الويل وادٍ في جهنم، ثم قَعَدُوا يصِفون ذلك الوادي، ومعنى الويل في كلام العرب معروف، وكيف كان في الجاهليَّة قبل الإسلام، وهو من أشهر كلامهم.
- وسئلوا عن قوله تعالى: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ" قالوا: الفَلَق: وادٍ في جهنم، ثمَّ قعدوا يصِفونه، وقال آخرون: الفلق: المِقْطَرة بلغة اليمن.... كرهوا ذلك .
- وقال آخرون في قوله تعالى: "عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً" قالوا: أخطأ من وصَلَ بعض هذه الكلمة ببعض، قالوا: وإنَّما هي: سَلْ سبيلاً إليها يا محمد، فإن كان كما قالوا فأين معنى تسمَّى، وعلى أيِّ شيءٍ وقع قوله تسمَّى فتسمَّى ماذا، وما ذلك الشيء?
- وقالوا في قوله تعالى: "وَقَالُوا لجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا" قالوا الجلود كناية عن الفروج، فتمحّلوا.
وقالوا في قوله تعالى: "كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعامَ": إِنّ هذا إنَّما كان كنايةً عن الغائط، كأنه لا يرى أنّ في الجوع وما ينال أهلَه من الذِّلَّة والعجزِ والفاقة، وأنّه ليس في الحاجة إلى الغذاءِ - ما يُكتَفَى بِه في الدِّلالة على أنّهما مخلوقان، حتّى يدَّعيَ على الكلام ويدّعي له شيئاً قد أغناه اللّه تعالى عنه.
- وقالوا في قوله تعالى: "وَثيَابَكَ فَطَهِّر": إنّه إنما عنَى قلبه.
- وقالوا في قوله تعالى: "ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم" قالوا: النعيم: الماءُ الحارُّ في الشتاء، والبارد في الصيف.
------------------------------------------------------------------------

مدح الكتاب
من كتاب الحيوان للجاحظ
نقله بتصرف: الدكتور عثمان قدري مكانسي

- نعم الذخر والعُقدة هو، ونعم الجليس والعُدَّة، ونعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس لساعة الوحدة، ونعم المعرفةُ ببلاد الغربة ونعم القرين والدخِيل، ونعم الوزير والنزيل،
- والكتاب وعاءٌ مُلِئَ علماً، وَظَرْفٌ حُشِي ظَرْفاً، وإناءٌ شُحِن مُزَاحاً وجِدّاً؛ إِنْ شئتَ كان أبيَنَ من سَحْبانِ وائل، وإن شئت كان أعيا من باقِل، وإن شئتَ ضَحِكْتَ مِنْ نوادِرِهِ، وإن شئتَ عَجِبتَ من غرائبِ فرائِده، وإن شئتَ ألهتْك طرائفُه، وإن شئتَ أشجَتْك مواعِظُه، وَمَنْ لَكَ بِوَاعِظٍ مُلْهٍ، وبزاجرٍ مُغرٍ، وبناسكٍ فاتِك، وبناطقٍ أخرسَ، وبباردِ حارّ،
- ومَنْ لكَ بطبيب أَعرابيّ، وَمَنْ لَكَ برُوميٍّ هِنْدِيّ، وبفارسي يُونَانيّ، وبقَدِيمٍ مولَّد، وبميِّتٍ ممتَّع، وَمَنْ لَكَ بشيءٍ يَجْمَعُ لَكَ الأَوَّلَ والآخِر، والناقص والوافر، والخفيَّ والظاهر، والشاهدََ والغائبَ، والرفيعَ والوضيع، والغَثَّ والسمين، والشِّكْلَ وخِلافَه، والجِنسَ وضدَّه.
- وبعد: فمتى رأيتَ بستاناً يُحمَل في رُدْن، ورَوضةً تُقَلُّ في حِجْرٍ، وناطقاً ينطِق عن الموتَى، ويُترجمُ عن الأحياء وَمَنْ لك بمؤنس لا ينام إلاّ بنومِك، ولا ينطق إلاّ بما تهوَى؛ آمَنُ مِنَ الأرض، وأكتمُ للسرِّ من صاحب السرِّ، وأحفَظُ للوديعةِ من أرباب الوديعة، وأحفَظ لما استُحْفِظَ من الآدميِّين، ومن الأعْرَابِ المعرِبين،
وقد قالَ ذو الرُّمَّةِ لعيسى بن عمر: اكتبْ شِعري؛ فالكتابُ أحبُّ إليَّ من الحفظ، لأنّ الأعرابيَّ ينسى الكلمةَ وقد سهر في طلبها ليلَته، فيضَعُ في موضعها كلمةً في وزنها، ثم يُنشِدها الناسَ، والكتاب لا يَنْسَى ولا يُبدِّلُ كلاماً بكلام.
- ولا أعلَمُ جاراً أبرَّ، ولا خَليطاً أنصفَ، ولا رفيقاً أطوعَ، ولا معلِّماً أخضعَ، ولا صاحباً أظهرَ كفايةً، ولا أقلَّ جِنَايَةً، ولا أقلَّ إمْلالاً وإبراماً، ولا أحفَلَ أخلاقاً، ولا أقلَّ خِلافاً وإجراماً، ولا أقلَّ غِيبةً، ولا أبعدَ من عَضِيهة، ولا أكثرَ أعجوبةً وتصرُّفاً، ولا أقلَّ تصلُّفاً وتكلُّفاً، ولا أبعَدَ مِن مِراءٍ، ولا أتْرَك لشَغَب، ولا أزهَدَ في جدالٍ، ولا أكفَّ عن قتالٍ، من كتاب،
ولا أعلَمُ قريناً أحسنَ موَافاةً، ولا أعجَل مكافأة، ولا أحضَرَ مَعُونةً، ولا أخفَّ مؤونة، ولا شجرةً أطولَ عمراً، ولا أجمعَ أمراً، ولا أطيَبَ ثمرةً، ولا أقرَبَ مُجتَنى، ولا أسرَعَ إدراكاً، ولا أوجَدَ في كلّ إبَّانٍ، من كتاب،
ولا أعلَمُ نِتاجاً في حَدَاثةِ سنِّه وقُرْب ميلادِه، ورُخْص ثمنه، وإمكانِ وُجوده، يجمَعُ من التدابيرِ العجيبَة والعلومِ الغريبة، ومن آثارِ العقولِ الصحيحة، ومحمودِ الأذهانِ اللطيفة، ومِنَ الحِكَم الرفيعة، والمذاهب القوِيمة، والتجارِبِ الحكيمة، ومِنَ الإخبارِ عن القرون الماضية، والبلادِ المتنازِحة، والأمثالِ السائرة، والأمم البائدة، ما يجمَعُ لك الكتابُ،
قال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه عليه الصلاة والسلام (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) فَوَصَفَ نَفْسَهُ، تبارك وتعالى، بأنْ علَّمَ بالقَلم، كما وصف نفسَه بالكرَم، واعتدَّ بذلك في نِعَمه العِظام، وفي أيادِيه الجِسام، وقد قالوا: القَلَمُ أحدُ اللسانَين، وقالوا: كلُّ مَنْ عَرَف النِّعمةَ في بَيان اللسانِ، كان بفضل النِّعمة في بيانِ القلم أعرَف ، ثمَّ جَعَلَ هذا الأمرَ قرآناً، ثمَّ جعلَه في أوَّل التنزيل ومستَفْتَح الكتاب.
- والكتابُ هو الذي يؤدِّي إلى الناس كتبَ الدين، وحسابَ الدواوين مع خفَّة نقلِه، وصِغَر حجمه؛ صامتٌ ما أسكتَّه، وبليغ ما استنطقته، ومَن لك بمسامر لا يبتديك في حالِ شُغْلك، ويدعُوك في أوقاتِ نشاطِك، ولا يُحوِجك إلى التجمُّل له والتذمُّم منه، ومَن لكَ بزائرٍ إن شئتَ جعل زيارتَه غِبّاً، وورُوده خِمْساً، وإن شئت لَزِمَك لزومَ ظلِّك، وكان منك مكانَ بعضِك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.