تتحدثون عن الإصلاح في سوريا: السيِّدة المسالمة.. بأيِّ ذنبٍ أُقيلت؟! بقلم: جواد البشيتي
وإنَّ لكم في إقالة رئيسة تحرير صحيفة "تشرين" السورية الحكومية سميرة المسالمة من منصبها لعبرة يا أُولي الألباب، الذين هم مِمَّن يَزِنون التوجُّه الإصلاحي المُعْلَن للرئيس السوري بشار الأسد بميزان الأفعال لا بميزان الأقوال (على ضآلة الإصلاح حتى في أقواله). ما "الجريمة" التي ارتكبتها السيِّدة المسالمة (في حقِّ نظام الحكم في سوريا) حتى تُقال (سريعاً) من منصبها؟ لقد تحدَّثت عبر "الجزيرة" عن "الأحداث الدامية" التي شهدتها مدينة درعا السورية الجنوبية يوم الجمعة (8 نيسان الجاري) في "لهجة إصلاحية"، وكأنَّها أرادت أنْ تُثْبِت للمتشكِّكين، والمُشكِّكين، في جدِّية التوجُّه الإصلاحي للرئيس بشار الأسد، والذي عكسه خطابه الأخير، أنَّ الرئيس جادٌّ وصادق فعلاً. ومن سُنَن "المعارضة" في دول الاستبداد العربية، والتي تتزيَّن بشيء من الديمقراطية الشكلية، أنْ يهجو المعارِض كل من هم دون "الرأس"، المنزَّه عن الانتقاد، والذي يمثِّل "الخط الأحمر الأوَّل"؛ على أنْ يبدأ الهجاء بعد تلاوة ما تيسَّر له من سور وآيات الولاء للذي في يده كل شيء، وإلاَّ فُهِم الهجاء الصريح ل "الأسفل" على أنَّه هجاء ضمني ل "الأعلى". وعلى هذه السُّنَّة "الحميدة" سارت السيِّدة المسالمة، فقالت، وكأنَّها تنطق ب "الشهادتين"، إنَّ للسيِّد الرئيس تعليمات بعدم إطلاق النار على المتظاهرين المُحْتجِّين؛ وإنَّها إعلامية مؤمنة بمشروع إصلاحي يقوده الرئيس بشار الأسد؛ لكنَّ هذا "الإيمان" الذي أظهرت وأكَّدت لم يشفع لها؛ فلقد ألمحت إلى احتمال خَرْق جهات أمنية لتلك التعليمات (الرئاسية) إذ قالت: "إذا تبيَّن أنَّ جهات أمنية قد خَرَقَت التعليمات الرئاسية، وأطلقت النار على المتظاهرين، فإنَّ علينا أنْ نحاسب هذه الجهات، ونتعرَّف الأسباب التي جعلت هذه الجهات تخالف تعليمات الرئيس". وحتى تحمي نفسها أكثر، وتدرأ عن كلامها سوء الفهم، قالت (متبنِّيةً جوهر "الرواية الرسمية") إذا كان هناك "طرف ثالث (قوى مندسَّة)"، و"أنا (أي هي) أعتقد بوجوده"، فعلى الجهات الأمنية أنْ تقدِّمه إلى الناس، فهذه أرواح شعب، ولا يمكن التسامح مع من يزهقها.. إنَّ على قوى الأمن أنْ تتحمَّل مسؤولياتها، وأنْ تمسك بهذه العصابات المسلَّحة، وأنْ تحاسبها. السيِّدة المسالمة برَّأت ساحة الرئيس، ونزَّهته عن أنْ يكون الآمِر بإطلاق النار على المتظاهرين، وامتدحته ومجَّدته إذ صوَّرته على أنَّه قائد المشروع الإصلاحي؛ وقالت إنَّها تعتقد بوجود "طرف ثالث (قوى مندسة، عصابات مسلَّحة)" يطلق النار على المتظاهرين وعلى رجال الأمن، في الوقت نفسه، للوقيعة بين الطرفين؛ لكنَّها أَثِمَت إذ أشارت إلى احتمال أنْ تكون جهات أمنية قد خرقت تعليمات الرئيس، وأطلقت النار، وإذ دعت إلى محاسبتها إذا ما تأكِّد هذا الخرق، وتبيَّنت أسبابه، وإذ دعت، أيضاً، إلى الإمساك ب "الطرف الثالث"، وكشفه للناس. تلك "الجهات الأمنية" لم يَرُقْها هذا "التلميح"، وفهمته على أنَّه محاولة (من السيِّدة المسالمة) للوقيعة بينها (أي بين تلك الجهات) وبين الرئيس، صاحب التعليمات بعدم إطلاق النار، فما كان من أحد قادة الأمن إلاَّ أنْ أبلغ إليها قرار الإقالة من منصبها، ف "الأمن" هو الذي يعيِّن ويقيل في الإعلام الحكومي؛ كيف لا والسلطة عَرَفَت انتقالاً من "الحزب" إلى "الأمن"، مروراً ب "الجيش"، فغدا الرئيس رأساً تحرِّكه "الرَّقبة الأمنية"؟! كان على السيِّدة المسالمة أنْ تتعلَّم، وأنْ تُحْسِن التعلُّم، من "المعلِّم"، أي من وزير الخارجية السوري وليد المعلِّم، الذي أوضح لها، ولغيرها، ملابسات ما حدث ويحدث من سفح للدماء في درعا ومدن سورية أخرى، فالرئيس، وعلى ما أوضح وشرح المعلِّم، أصدر تعليمات بعدم إطلاق النار على المتظاهرين؛ والجهات الأمنية ورجال الأمن التزموا التزاماً حرفياً هذه التعليمات، ولم يخرقوها قط؛ والمتظاهرون أنفسهم أثبتوا سلمية تظاهرهم واحتجاجهم، وأنَّهم مواطنون صالحون، ينشدون إصلاحاً لهم حقٌّ فيه، وهو عينه المشروع الإصلاحي للسيِّد الرئيس؛ لكنَّ "الطرف الثالث (أو القوى المندسة، أو العصابات المسلَّحة، أو المخرِّبين)" هو الذي يطلق النار على الطرفين، أي على المتظاهرين ورجال الأمن، للوقيعة بينهما؛ وهذا أمر ما عاد ممكناً السكوت عنه؛ ولسوف تستل وزارة الداخلية السيف من غمده لِتُعْمِله في رقاب وصدور "المندسين المخرِّبين"، ولو كانت العاقبة إزهاق أرواح المئات والآلاف من الطرفين (المتظاهرون ورجال الأمن) الضحيتين! إنَّ بعض الضحايا من الشعب هم من المتظاهرين الذين أَطلق النار عليهم هذا "الطرف الثالث"؛ وبعضهم من "الطرف الثالث" الذي ستُطلق عليه النار وزارة الداخلية. في سورية، كما في سائر دول الاستبداد العربية، الرئيس (أو رأس الدولة والحكم) طيِّب؛ لكنَّ بطانته هي السيئة الشرِّيرة، فَلْنْدعُ له أنْ يكفيه الله شرَّ هذه البطانة؛ والشعب هو أيضاً طيِّب كرئيسه؛ لكنَّ "القوى المندسة" هي التي تُعكِّر صفو العلاقة بين "الشعب" و"الرئيس"؛ فلو تخلَّصنا من تلك "البطانة"، ومن هذه "القوى المندسة"، لأصبح ممكناً أنْ نعرِّف "المدينة الفاضلة" على أنَّها "الدولة العربية"!