مايجري من تهديم لليبيا الآن , سواء من قوات النيتو أو من كتائب العقيد القذافي, يدفعنا للتساؤل حول أحسن وأسلم الطرق للدفع بالإصلاح أو لتحقيق التغيير في منطقتنا العربية دون إزهاق لأرواح الآلاف أو تهديم مكلف للملايير, ودون لجوء إلى تدخل أجنبي نهايته مجهولة, فهناك رأيان سمعناهما وشهدناهما مؤخرا, رأي يجيز إستعمال كل الوسائل الممكنة سلمية أو عنفية لإسقاط النظام, ورأي ثاني يدعو للتغيير أو للإصلاح فقط بالحوار وربما بالتظاهر السلمي كذلك. في تونس ومصر يحدث التغيير بطرق سلمية وبخسائر مادية وبشرية محدودة, ربما يرجع السبب في ذلك إلى الوعي و المستوى الثقافي المحترم للشعبين التونسي والمصري, ولربما يرجع السبب كذلك إلى حياذية أو إنحياز الجيش إلى صفوف المتظاهرين ضد رؤوس النظام وبوليسه .في ليبيا وسوريا وربما اليمن, الأمر يختلف نوعا ما,فالجيش السوري مراقب من أجهزة أمنية وحزبية قوية وهي جزء من النظام وتفعل ما في وسعها لمقاومة التغيير,وأما الجيش الحقيقي في ليبيا فهو كتائب القذافي ومعهم المرتزقة وهؤلاء ولاءهم مضمون مادام العقيد يملك الملايير وهو مستعد لتوزيعها عليهم,وليس من السهل كما بدا من أول وهلة, التخلص من القذافي بمظاهرات شعبية أو حتى بقنبلة أطلسية. كذلك نحن نسمع يوميا فتاوى وآراء تحرم التظاهر وتدعوا للحوار والتغيير السلمي فقط,لكن ماذا لو أن الحاكم رفض أي حوار وأي تغيير سلمي؟ هل المخرج الوحيد سيكون الثوة وطلب المساعدة من أي كان؟. لهذا,في رأيي يجب تغيير تكتيكات الإنتفاضات الشعبية حسب ضروف البلد, ونظرا لتجاربنا القاسية مع الغرب, يستحب الحذر في التعامل معه وعدم التسرع في مطالبة تدخله,فهم دول مصالح لامباديء,تصريحاتهم تقول شيأ وأفعالهم تظهر شيأ آخر, فهب أن غزة تعرضت إلى هجوم إسرائيلي عنيف وطلب الفلسطينيون تدخل حلف النيتو,فهل سنرى حظر جوي وضرب مواقع إسرائيلية؟ ستكون مجرد أضغاط أحلام,لاغير. نعم القذافي ديكتاتور وعنيف ومحتقر لشعبه ولهذا وجب الحذر والإرادة في المقاومة للتخلص منه,لكن ليس بالتحالف ووضع الثقة في أيي كان,و حسب رأي المعارضة الليبية فمن يعارض هذا التوجه فهو متآمر وخائن لشعب ليبيا,والجزائر واحدة منهم. وكان يجب على مقاتلي بنغازي في ليبيا, أن يحترموا الجزائر بالسكوت والتحري عن الحقيقة , قبل اللغط بإتهامات لم يقدموا حتى الآن الدليل المادي الملموس لقطع الشك باليقين حول حقيقتها ,ويبدو أنهم وقعوا في فخ سماسرة الخليج وأبواقهم كالخنزيرة وأخواتها. لقد إرتكب هؤلاء المقاتلون ومجلسهم الأخطاء التالية: لقد أخطأ الإخوة في ليبيا قراءة الشارع الجزائري الواقف معهم في إنتفاضتهم ضد ظلم وإستبداد نظامهم لهم,عوض ذلك إجتهدوا في تلطيخ سمعة الجزائر ونسوا أن الجزائر هي 37مليون مسلم شقيق, وليس وزارة خارجية أو دفاع أو حتى رئاسة فقط. لقد إخطأوا لرفعهم للعلم الفرنسي دون الجزائري في إحتفالات بنغازي يوم صوت مجلس الظلم على تدمير بلادهم,وهم يعلمون شعورنا إتجاه هذا العلم,فكأنهم رفعوا صليبا وطمسوا راية النجمة والهلال,هل بلغ حبهم وثقتهم بساركوزي أكثر من ثقتهم وحبهم لله ولرايتهم في الجزائر؟! ونحن نرى مافعلت طائرات ساركوزي والنيتو,لقد حطمت كل طائرات الجيش الليبي,التي كلفت الملايير, وهي قابعة على الأرض,بشرى لك ياإسرائيل ويا بطالوا مصانع السلاح في فرنسا وأمريكا!. لقد إخطأوا في إستنجادهم بأمريكا قبل إستنجادهم بالله وبإرادتهم للحياة,فهب أنهم لم يطلبوا هذا التدخل,حينها كان القذافي سيسحقهم, فهل يعتبر ذلك إنتصارا له ونهاية لشعب ليبيا؟ لا وألف لا,فالشعب إذا أراد الحياة أو أراد تغيير الظلم لابد أن يستجب القدر ولابد أن يستجيب الخالق.وهذا الإيمان هو الذي ينقص إخواننا في بنغازي فأستعجلوا النصر ورفعوا السلاح ورفعوا إيديهم إلى السماء القريبة, إلى النيتو,عوض السماء العلى داعين تحطيم الكولونيل,وهب أن الكولونيل هزم وتحطم,فهل من ضمان لنهاية الظلم وبناء ديمقراطية غربية في مجتمع قبلي؟ إن البيئة التي إنشأت الديكتاتورية في ليبيا وفي بلاد العرب لازالت سائدة ,ولاشيء يمنع ميلاد ديكتاتوريات جديدة في تونس ومصر واليمن وليبيا طبعا,إلا نهضة حضارية حقيقية,إقتصادية وعلمية والتي ستفرز أجيالا متحضرة كضرورة لتوفير شروط ترشيد الحكم وبناء الديمقراطية العربية. الصين مثلا,لها نظام ديكتاتوري لكن إقتصادها ديناميكي وشعبها مكد,وعوض أن تقوم ضجة لتحقيق ديمقراطية إرحل ,إتجه شعبها إلى خلق الثروة والرفاهية لتوسيع الطبقة الوسطى والتحكم في العلوم كسبيل للوصول إلى تكوين أجيال الحوار والثقافة الديمقراطية. هذا وإنه لمن مضحكات ومبكيات آخر الزمان أن نرى مشاييخ لورانس العرب في الخليج البترولي,يوجهون رسالة إلى اليمن مطالبين بفترة ومجلس إنتقالي وإنتخابات حرة! هل حققتم هذا لقبائلكم التاخمة بالبترو دولار لتقولوا لليمن السعيد,أرض حضرموت ومملكة سبأ ما يجب فعله؟ لقد مرت عقود من الزمن واليمن الطيب الفقير يطلب الإنضمام إلى مجلس التعاون الخليجي,لكنكم أوصدتم الباب في وجهه وقلتم له هذا نادي الأغنياء فقط ولا مكان للفقراء فيه! والآن تحشرون أنوفكم في ما لا يعنيكم.