الغرب يبحث في تغيير أذوات إستعماره للشرق الأوسط وشمال إفريقيا!؟ إن المتتبع لتصرفات الإدارة الأمريكية والإتحاد الأوروبي خلال الأحداث التي عاشتها تونس ومصر وتعيشها ليبيا واليمن والبحرين الآن,يخرج بنتيجة واضحة ملخصة في كلمة واحدة وهي الإرتباك ,هل يساند الغرب هذا الإحتجاج الشعبي بذون تحفظ؟ هل هذا يعني خيانة وسحب البساط من تحت أرجل أنظمة وفية وصديقة طالما خدمته؟ وماذا عن أمن إسرائيل ؟ وما موقع البعبع الإسلامي في الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة؟ وهل المصالح الغربية ستكون محفوظة مع ساكني القصور الرئاسية الجدد في تونس ومصر؟وأخيرا هل كل هاته المخاضات هي ثورات, وهل ستلد ديمقراطيات حقيقية, أم هي مجرد إحتجاجات تؤدي إلى إصلاحات شكلية فقط؟ إن المحاولة للإجابة على هاته الإسئلة تساعد على فهم دور الغرب الحقيقي لما يجري في منطقتنا الآن. الملاحظ أن أمريكا و معها الإتحاذ الأوروبي مارسوا صمت القبور عندما كانت قوى الطغيان في تونس ومصر و ليبيا تحاول قمع المتظاهرين,وعندما تطور الأمر إلى عشرات الضحايا وملايين المحتجين تعرى هذا الموقف المخزي فأتجه الغرب إلى تصريحات الواجهة,تصريحات وتنديدات الندوات الصحفية الموجهة للإستهلاك الإعلامي,ولم يطالب الغرب برحيل الديكتاتوريات وتقبل الأمر الواقع إلا بعد أن وصل الأمر إلى نقطة اللارجوع,وهنا خاف الغرب من تحول الإحتجاجات إلى ثورات قد تنتج تغيير راديكالي مجهول الملامح,فتدخل من خلال أصدقائه في الجيش التونسي والمصري للتضحية بالزعيم وبعض مقربيه ولكن ليس بالنظام ككل! وهذا لسببين:أولا إن الغرب لايشجع تغيير جدري للأنظمة لأنه لايثق في الشعوب,بل يخاف منها وخاصة التيارات الإسلامية التي قد تنجح في إنتخابات حرة. وثانيا الخوف من الفوضى والفراغ الناجم عن إنهيار النظام,لأن المعارضة في هاته البلدان ضعيفة ومفككة وهذ بفعل الأنظمة الشمولية التي عملت دوما على تهميش وتقزيم وتفكيك أي معارضة وبسكوت من الغرب. ومايجري الأن في تونس ومصر يعبر عن محاولات إلتفاف على مكاسب الشباب,ويعبر عن محاولة ترقيع الضرر الناتج عن هاته الإحتجاجات وإعادة تنصيب الأنظمة الساقطة برؤوس جديدة ممكيجة بالديمقراطية الكلامية! وكأن الغرب يقول لنا أنه غير مسموح لكم بأخذ جرعة ديمقراطية كاملة,بل خوذوا ربع الجرعة الآن والباقي أتركوه للمستقبل.وإلا كيف نفسر بقاء أشخاص من العهد البورقيبي وعهد بنعلي وعهد مبارك في السلطة في تونس ومصر؟ نعم يبدو أن تغيير النظام بالتمام في أي دولة عربية ,عن طريق الشعب, يبقى شيء بعيد المنال في وضعية العالم العربي الآن , وذلك لعدة أسباب موضوعية,داخلية وخارجية,يمكن إيجازها كما يلي: أول هذه الأسباب هو محدودية الخبرة والمقدرة على التغيير لذى شعوبنا,فمستوى الوعي السياسي والنقابي والتنظيمي محدود,ونحن ليست لنا تقاليد التعايش الديمقراطي واحترام وقبول رأي الآخر,بل أغلب العرب تربت في كنف الديكتاتورية ولهذا ترى الإنقلاب على بعضنا البعض سهلا.ويبدو أن إطاحة ديكتاتور كبن علي أسهل بكثير من إنجاز دستور وأنتخابات حرة تؤدي الى ديمقراطية محترمة في تونس. فإذا كان التهديم يحتاج إلى عدة كليكات على تويتر والفيسبوك ومظاهرة مليونية ومئات الضحايا,فإن البناء الحقيقي يحتاج إلى جيوش ديمقراطية وصبر وكفاح لتسلك جبل مثل جبل الهيملايا! إن مواقف الجيش تبقى محل تساؤل كبير,فمن قال أن رشيد عمار في تونس وسامي عنان في مصر وربما عبد الفتاح يونس في ليبيا,أنهم ديمقراطيون ومتقبلون لتغيير راديكالي في بلدانهم!؟ بل بالعكس فهم نشأوا وترقوا في ظل هيمنة القائد صاحب الفخامة,وتدربوا على الإنظباط وتنفيذ الأوامر,فرجل كسامي عنان هو رجل مقبول لذى البانتغون قبل أن يكون محترما في ميدان التحرير,فهو مُطعما ضد أي ديمقراطية لاتخدم المصالح الغربية والإسرائيلية,ولهذا كان يجب على الثورة في شارع بورقيبة وفي ميدان التحرير أن يكملا المهمة إلى قصري قرطاج وعابدين وإلى مباني التلفزيون وغيرها لتطهيرها من ألغام النظام السابق,ولو إقتضى الأمر التصادم بالجيش ومزيد من التضحيات,ولكنهم لم يفعلوا وسيكلفهم ذلك إلتفافات وتراجعات كثيرة عندما تنفجر هاته الألغام. السبب الثالث وهو يتمحور حول السؤال ماذا يريد شباب العرب وإلى أي حد سيتماشى ذلك مع مصالح الغرب؟ طبعا مصر لها جيوش من المثقفين والمفكرين وهم ولاشك يساعدون شباب ميدان التحرير في بلورة مطالبهم,والمحاولة للإبحار في المرحلة الإنتقالية للوصول إلى نظام أقل إستبدادية من السابق,لكنه لن يكون نظام ديمقراطي كامل بل نصف أو ربع ديمقراطي,لإن نظام ديمقراطي كامل يعني نزع الكثير من إمتيازات المتموقعين من النظام السابق سياسين وضباط ورجال أعمال,فهو نوع من إعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عادل,ويعني كذلك إنهاء هيمنة مصالح غربية على الإقتصاد المحلي وقد يعني إعادة مراجعة إلتزامات البلد الدولية,وكل هاته التغييرات المنشودة ستلقى مقاومة داخلية وخارجية, هزم هاته المقاومة ستكون أصعب من تسلك جبال الهيملايا! إن الديمقراطية لاتبنى بأذوات ديكتاتورية,والمشكل أن العرب ليس لهم أذوات ديمقراطية كافية لبناء ديمقراطيتهم الناشئة. لقد كتبت قبل رحيل مبارك مايلي:"الاحتمال الكبير الآن أن واشنطن ستشجع بقاء نظام صديق بحسني مبارك أو بذونه,فالأمور بدأت بغضب جماهيري وأحتجاجات وهي تتطور الى فوضى وغياب الأمن, ثم لتفتح الطريق الى الجيش ليعيد الهدوء الى الشارع بأي طريقة, وبعدها تطرح خريطة اصلاحات توافقية,تخمد نار الشارع لكن تبقي على معاهدة الاستسلام". إن على الشباب أن يواصلوا تكتلهم وتصعيد سقف مطالبهم في مواجهة محاولات الإجهاض الجارية امكاسبهم لعلهم بذلك يتحصلوا على نصف الجرعة بدلا من ربعها.وعلى التيارات الإسلامية أن تلعب الطريقة التركية في نشاطها السياسي وتقول للغرب أننا طلبة دنيا وتقدم وحضارة على نفس مستوى طلبنا للجنة والآخرة,وأن زمن البعبع الإسلامي المتعصب قد ولى. لقد عملت أمريكا لعقود على أستثناء العرب من أجندتها للتغيير الديمقراطي في العالم,فحاربت الشيوعية في شرق أوروبا والديكتاتوريات في أمريكا الجنوبية والإستبدادية في أفريقيا,والآن يبدوا أن العرب قد نهضوا من سباتهم العميق وبدأوا يطالبون الغرب بإنهاء تخوفه من الشعوب وبإنهاء نفاقه السياسي لمساندته لأنظمة ديكتاتورية تخدم مصالحه في حفظ أمن إسرائيل وفي مراقبة وقمع الإسلاميين وخدمة مصالحه الإقتصادية كذلك. من جهة أخرى لقد حان الوقت للغرب أن يُحدِّث أذواته الإستعمارية,فمن إستعمار عسكري في القرنين الماضيين,إلى إستعمار بإنظمة وأذوات ديكتاتورية محلية في العقود الأخيرة,والآن واللعبة قد إنكشفت فلابد من الجيل الأول من ربع أونصف الديمقراطيات التي قد تحفظ له مصالحه. وأما الثورة الديمقراطية العربية الكاملة فستأخد عقودا من الزمن والنضال والتضحيات لتحقيقها,فما هدم في عقود يحتاج إلى بنائه لعقود من الزمن كذلك,وسيمضي حينا من الدهر قبل أن يقول التوانسة والمصريين أن النظام فعلا قد سقط