د. مراد الصوادقي بعد سقوط بغداد ومن ثم الأندلس، نام العرب، أو رقدوا رقدة العدم، وعلى مدى ثمانية قرون، غابوا وأمعنوا في الإندساس في تراب الأجداث، واستهلكوا الأجيال في دوامة ما جرى في غابر الأزمان. نام العرب لثمانية قرون ولم يستيقظوا حقا إلا في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. ناموا وسلكوا دروبا غريبة ومتاهات عجيبة زادتهم رقادا وتراجعا وتناقضا مع ماضيهم، وقطعتهم تماما عن حاضرهم، حتى عاشوا في حالة نكران شديد. وأسرفوا في آليات الإسقاط والتبرير والفنتازيا الحضارية، وأوغلوا في تشويه تاريخهم والانحراف بالدين إلى حيث محاربة الدين. وأمعنوا أكثر بقهر إرادتهم وعروبتهم وإذلال وجودهم وعدم الثقة بقدراتهم. وحاولوا النهوض في القرن التاسع عشر، وبرز فيهم قادة ومفكرون لكنهم غابوا وناموا، لأنهم لم يشيروا إلى العلة وأسبابها بوضوح، واتهموا الدولة العثمانية، ومن ثم الاستعمار الأجنبي، وبعدها برز النفط ليقهرهم ويدمرهم على مدى القرن العشرين، حيث تم وضع السياسات اللازمة للحفاظ على أخذه ومنع أبناء الشعب من خيراته. وكان القرن المنصرم من القرون التي تم فيها استخدام جميع الأدوية المخدرة لتنويم العرب، وإجراء العمليات الجراحية المطلوبة والضرورية لتحقيق أعلى درجات العوق الحضاري ومنع التأهيل للحياة من غير الاعتماد على الآخرين. وتم تحويل ثروة النفط إلى نقمة كبرى. ومضت الدعايات تشير إلى أن العيب في الدين، وأن الجهل والقبلية والعصبية والطائفية والعرقية والتعددية والتربية وغيرها الكثير من الأسباب التي يتم وضعها أمام الناس، ودفعهم لتغييب قيمة العروبة والوطن والوطنية والمواطنة، ومعنى القوة والعزة والكرامة والتقدم. وتأسست أنظمة سياسية فردية طاغية في الأوطان وتم إسنادها لقهر الناس واضطهادهم، ومنع الصحافة ووضع المعارضين السياسيين والمثقفين في معتقلات الامتهان والإبادة الشرسة؛ وتم توفير آليات ومهارات القمع والتنكيل بالشعب العربي حتى ازداد نوما وانقطاعا عن واقعه وعصره. وبعد مسيرة الهوان والشلل والخدر والاستكانة، وصلت الأمور إلى حالةٍ لا تطاق، فكان لا بد من الثورة ومن الهبة العربية الكبرى للخروج من المسار البائس والواقع المتداعي الأليم؛ وأصبحت القوى المدمنة على النفط أمام واقع جديد وحالة عليها أن تنظر إليها بعين أخرى، وأن تتحرر من الأفكار التي امتهنتها وسيطرت عليها على مدى عقودٍ عديدة. وصار من الواجب على هذه الدول أن تحطم عبوديتها وتتخلص من الأفكار والتصورات الضالة التي دفعتها لقهر العرب وسلب حريتهم ومصادرة إرادتهم.. وعليهم أن يدركوا أن السبب ليس في الدين وليس في الإنسان والنفط والتاريخ وفي كل شيء توهموه. إن السبب في أنظمة قمع طغيانية استبدادية مسنودة من قبلهم. وعليهم أن يرفعوا أيديهم عنها، ويكونوا مع الشعب العربي وليس مع الكراسي الاستبدادية والعوائل المحتكرة لحقوق الناس، والتي تتحكم بوجودهم وتقرر مصيرهم لأنها مدعومة من قبل الذين يرفعون شعار "عاش النفط وتباً للشعب"!.