فخامة السيد طيب رجب أردوغان المكرم تحت قيادتكم نجحت تركيا في الدخول إلى العالم العربي، ليس من الأبواب السياسيَّة والاقتصاديَّة والسياحيَّة فحسب، بل ومن خلال قلوب ملايين العرب المتعطشين للحرية ولقيادة سياسيَّة شجاعة تعتز بالكرامة وتدافع عن المصالح المشروعة وتجمع بشكلٍ متناغمومتوافق بين المصالح والمبادئ وبشكل أصبح فريدًا في عالمنا. لقد كان لمواقفكم من القضية الفلسطينيَّة ومن الاعتداء الغاشم على غزة وتحديكم العلني والقوي لشمعون بيزير في دافوس أثرًا كبيرًا دفع بكم لتكونوا الشخصية الأكثر حبًّا وقربًا في الشارع العربي وعند صفوة مثقفيه، ثم جاء موقفكم الشجاع والحازم من الاعتداء الإسرائيلي على قافلة الحرية، ليضيف إلى رصيدكم الكبير المزيد من التقدير والاحترام، لقد شكَّكت أقلية صغيرة جدًّا من الكُتَّاب العرب بمواقفكم واعتبروها سعيًا للشعبيَّة من خلال قضية تحظى بأولوية وقدسية في الضمير العربي، مستشهدين بطغاة عرب كانوا وما زالوا يرفعون صوتًا زائفًا في دعم هذه القضية في مواجهة قمع شعوبهم وتسترًا على طغيانهم وفسادهم، ولقد تصديت شخصيًّا لمثل هذه الكتابات ودافعت عنكم وعن مواقفكم المشرفة منطلقًا من حب كبير وثقة عالية بمبدئية مواقفكم السياسية. وحين انطلقت الثورات العربية، لم تتأخروا عن دعم الشعوب في حقها في الحرية والكرامة والديمقراطيَّة، وكان صوتكم الأعلى دوليا وإقليميًّا وأنتم تطالبون حسني مبارك بالإصغاء إلى صوت شعبه والاستجابة لمطالبه والتي كانت تنادي بإسقاط النظام ورحيل الرئيس، غير أن موقفكم من القضية الليبيَّة شكل صدمة كبيرة عند قطاع عريض في العالمين العربي والإسلامي وصل إلى صفوة مفكريه وعلمائه، مما أدى بالعلامة الشيخ يوسف القرضاوي أن يرسل لكم رسالة نشرتها وسائل الإعلام يناشدكم فيها مناصرة الشعب الليبي في مواجهة القذافي وبطشه وتنكيله بالأبرياء، ورغم ذلك كنت شخصيًّا أرى أن موقفكم قد يكون له بعض الاعتبار، فأنتم تتحفظون على التدخل الأجنبي وربما عندكم من المعطيات ما يدفعكم للتمهل حتى يتسنى لكم لعب دورٍ أكثر استقلالية ليكون حاسمًا في إخراج ليبيا من محنتها ومأساتها. وحين عصفت الأحداث في سوريا سمعنا لكم ولرئيس الجمهورية عبد الله غول تصريحات مشجعة وجريئة، ولكن ومع توغل آلة قمع نظام الأسد في قتل المتظاهرين المسالمين، افتقدنا كثيرًا المواقف التركية وبطريقة أثارت الكثير من التساؤلات والحيرة وعلامات التعجب، خصوصًا ونحن نستذكر مواقفكم الواضحة من الثورة المصريَّة، وفي الجمعة الأخيرة 22 إبريل، وحين فتحت القوات الأمنية النار وبشكل عشوائي ووحشي على المتظاهرين المسالمين وقتلت العشرات منهم، جاء رد الفعل التركي هزيلا ولا يقارن بالمواقف الأوروبية والأمريكية وموقفالأمين العام للأمم المتحدة، إن كان من جهة مستوى الجهة التي اتخذت الموقف أو مبناه ومعناه، فلقد أعربت وزارة الخارجية التركية عن قلقها الكبير من القمع الدامي في سوريا، ودعت السلطات إلى التصرف بأقصى قدر من ضبط النفس والإحجام عن استخدام العنف ضد المظاهرات، لم نسمع صوتكم يطالب بشار بالإصغاء إلى شعبه أو تحذيراتكم للقتلة من التبعات القانونيَّة، نعم لم تكن الإدانة تناسب المكانة الكبيرة لتركيا ودورها الإقليمي ولا لبشاعة الحدث. أنتم تعرفون جيدًا النظام السوري وتعرفون أنه وعد بإصلاحات كثيرة منذ زمن بعيد ولم يطبق منها شيئًا على الإطلاق، وأنه رفض وساطات تركية سابقة –بحسب معلوماتي- لحل قضايا سياسيَّة وإنسانيَّة مؤلمة مرَّ عليها عقود، وتشاهدون كيف أن الإصلاحات المزعومة المعلنة تترافق مع مجازر دموية بشعة. إننا نطلب منكم أن تحافظوا على مكانة تركيا ودورها الإقليمي الكبير سياسيًّا وإنسانيًّا وأن تنحازوا للحق وللضحايا في سوريا، وأن تطلبوا من النظام بشكل صريح وقف القتل ومحاكمة القتلة ورفع الحصار الإعلامي عما يحدث في بلادنا المنكوبة وأن يصغي إلى صوت الجماهير، كما فعلتم في مصر. إننا نخشى من أن يفسر القتلة في دمشق عدمَ الحزم في مواقفكم كتشجيع لهم لمزيد من القتل والبطش والتنكيل، إن مصالح تركيا هي مع الشعب وليست مع نظام ديكتاتوري فاسد مصيره إلى الاندثار والزوال، وإذا لم تكن تلك المواقف من أجل المبادئ التي تؤمنون بها ولا معاناة الضحايا، فمن أجل الحفاظ على سمعتكم السياسيَّة ودوركم ومكانتكم الكبيرة إسلاميًّا وعربيًّا.