خرج الينا بالأمس رئيس أكبر دولة متجبرة على كوكب الأرض بخبر اغتيال أسامة بن لادن. كان الرجل مزهوا بفشل استخبارات بلده على مدى عشر سنوات قلبت فيها الدنيا أعلاها على أسفلها من أجل القبض على رجل واحد لا يملك من التكنولوجيا ومن الأدوات الحديثة ما تملكه أعتى وكالة استخبارات في العالم، ومع ذلك فقد فضل سعادة الرئيس أن يسمي اغتياله نجاحا باهرا حققته الولاياتالمتحدةالأمريكية في مسلسل القضاء على الارهاب. بشر باراك أوباما كل من في الأرض جميعا بالنصر العظيم الذي أنجزه وأن أمريكا والعالم أجمع ان لهم أن يتنفسوا الصعداء وأن لا يخافوا على أمنهم وسلامتهم بعد الان بعد القاء جثة زعيم الارهاب في البحر.ركب الغرور حسين واستبد به الكبر، شأن من سبقوه الى البيت الأبيض، وهو يقف أمام وسائل الاعلام ليزف اليهم خبر القرن وكأنه ومن خرجوا من الأمريكان بعد سماعهم للخبر يحتفلون في الشوارع لساعات متأخرة، لا يعلمون أن رئيسهم قد حكم على نفسه وعليهم بسنوات أخرى، وربما أطول من ذي قبل، من جس النبض والحذر والحرب على ما يصرون على تسميته بالارهاب. لقد قمت باغتيال أسامة يا حسين ولكنك نسيت أن تغتال فكره الجهادي الذي سيبقى ولن يموت، لأن الفكر لا يموت بموت الأشخاص، وكيف يموت بن لادن/الجهاد في قلوب من اتخذوه زعيما ومرشدا لهم، فلابد أن يثأروا وينتقموا للتمثيل بجثة شيخ المجاهدين، فالسن بالسن والعين بالعين والبحر بالبحر، هذا هو القصاص يا حسين. قتل بن لادن وبمقتله سيولد المئات وربما الالاف من أتباعه الجدد مباشرة بعد خطاب البيت الأبيض، واذا كان هناك من أتباعه السابقين من أعلنوا توبتهم النصوح من فكر القاعدة ووضعوا السلاح وتبرأوا من أسامة وأيمن ومصعب فانهم سيعودون ولا شك لاستعادة لياقتهم في أفغانستان وحمل السلاح من جديد واعلان الحرب على الكفار والصليبيين بعد أن ألقيت جثة زعيمهم في البحر ليحفظ البيت الأبيض ماء وجهه، المفقود قبل عشر سنوات، كما يحافظ على الأسعار بالقاء أطنان الحبوب في البحر. صحيح أن أسامة بن لادن كان سببا مباشرا في قتل المئات من الأبرياء وتفجير كثير من بنايات وسفارات بعض الدول، ولكنه مع الاتحاد السوفياتي سابقا ومع أمريكا في أفغانستان أولا وفي العراق ثانيا كان يقاتل جيشا بجيش وان لم تكن القوى متوازنة. ولا يعقل أن كل من قتل نفسا في كوكب الأرض عمدا أو تفجيرا أو بتدبير اخر ارتكب فعلته بأمر مباشر من بن لادن وننسبه الى تنظيم القاعدة، فهناك من تأثروا بفكر القاعدة الجهادي وباسلوبها في تنفيذ عملياتها وهو ليس منهم. فالتأثر بأديبات القاعدة وبفكرها لا يسأل عنه بن لادن ولا تنظيمه، واذا حاكمنا هذه الأخيرة وزعيمها قبما اقترفوه بأيديهم وثبت عنهم وما تبنوه من عمليات قاموا بتنفيذها. لا أدري هل ذاكرة الأمريكيين ضعيفة الى هذا الحد الذي ليس في مقدورهم أن يتذكروا شيئا قبل الحادي عشر من شتنبر،شيئا اخر غير تفجيرات الحادي عشر من شتنبر، ألا يستطيعون أن يتخيلوا أو يسترجعوا أحداثا ارهابية تاريخية وذكريات أليمة وماسي انسانية كان رؤساءهم وبيتهم الأبيض أبطالها. هل نسوا بهذه السهولة ما فعلوه بالهنود وما اقترفوه في حق الزنوج والسود من قتل وابادة، أو سفك لدماء الفيتناميين دون موجب حق، وأخيرا ما فعلوه بشعب أفغانستان وبشعب العراق فعاتوا فيهم فسادا وأشعلوا بينهم نار الفتن وأذلوهم وفوق هذا يسرقونهم، حتى الصوماليين الذي يموتون جوعا في عصر، الحقوق والحريات والانسانية، لم يتركوهم وشأنهم. هل نسي البيت الأبيض والشعب الذي يقودونه، اذ يفرحون ويمرحون بالقاء جثة بن لادن للأسماك، مجازر مناحين بيجن ومجازر صبرا وشاتيلا التي أشرف عليها أرييل شارون. هل نسوا تدمير لبنان وقبل عامين تدمير غزة وهي التي نقلت أطوار الحرب عليها كل وسائل الاعلام الدنيوية، فكم طفلا وعجوزا وامرأة وكم من أبرياء قتلوا هناك بشكل ارهابي واجرامي. ولا يزال الارهاب والاجرام البشع متواصلا في فلسطين الى يومنا هذا، ولو تبادر الى ذهن أحدهم اسم حماس في هذا الخضم فانه بذلك قد دعانا الى الضحك واستفنز دموعنا في الان ذاته. فكم قتلت حماس في تاريخها كله من اسرائيلي، علما أن الاسرائيليين جميعا فوق سن الثامنة عشرة ذكورا واناثا جنود مجندون ملزمون بالتجنيد الاجباري، وكم قتلت اسرائيل في غزة قبل عامين لوحدها، اضافة الى أن كل قادة وزعماء حماس ثم اغتيالهم بوحشية وهمجية حتى الشيوخ والمقعدين منهم الذين لا يقدرون على حمل السلاح. الان يا حسين يا ايها الأمريكان، من تباركون دولة الارهاب المنظم وتدعمون ارهاب الفلسطينين والاستيلاء على أراضيهم، أنتم الذين تحتلون العراق وتحتلون أفغانستان، أحصوا عدد الذين قتلهم رؤساءكم وبيتكم الأبيض من أبرياء وعدد الذين قتلهم رؤساء اسرائيل من فلسطينيين ولبنانيين عزل، وقارنوهم بعدد الذين قتلهم بن لادن. اذا كان بن لادن ارهابيا يستحق القتل ويستحق أن يكون طعاما سائغا للأسماك، فان أرييل شارون ونتنياهو وايهود باراك وجورج بوش الابن لا يختفلون عنه، فهم أيضا يجب اغتيالهم والقاء جثثهم في البحر. فالذي تسبب فيه هؤلاء من اجرام وارهاب وما جلبوه من ماسي وتجويع وسفك لدماء شعوب البلدان التي قاموا باحتلالها وتشريد أهلها أكبر،عدد سكان أمريكا مضافا اليه عدد سكان الصهاينة، مما تسبب فيه اسامة بن لادن. ان كل الحريات والحقوق وكل المبادئ الحداثية التي تتبجح بها أمريكا والغرب على السواء أمام العالم، وكل الارشادات ونوع الديمقراطية التي تمليها علينا أمريكا نراها تتهاوى أمام التمثيل بجثث من تعتبرهم ارهابيين وتضعهم في لائحتها السوداء. نذكر جيدا ما فعلوه بصدام حسين قبل خمس سنوات عندما قاموا باعدامه أمام العالم وضحوا به صبيحة عيد الأضحى في أقدس أيام المسلمين، وبالأمس تكرر نفس الشيئ باغتيال أسامة بن لادن، وكان بامكانهم،ان كان ذلك صحيحا، القاء القبض عليه كما يقول بعظمة لسانه قاتله، والقاء جثته في البحر.لماذا لا تفعل أمريكا ،ما فعلته بصدام حسين وباسامة بن لادن، بجورج بوش وهو يعيش بينهم ويسهل القبض عليه وشارون ونتنياهو وايهود باراك وهم ارهابيون منظمون أكثر من تنظيم القاعدة. ولوحدهما، ايران التي قالت أن قتل بن لادن ليس انجازا لأمريكا، وحماس التي قال زعيمها هنية أن بن لادن مجاهد عربي مسلم وليس زعيم تنظيم ارهابي. فالكل رحب باغتيال بن لادن الذي أوصى أبناءه بعدم تولي أي واحد منهم زعامة القاعدة بعد وفاته، والذي هجر الشهرة وعالم الأموال والقصور والعقارات والفساد وسرقة عرق جبين الشعوب، وفضل عيشة الأدغال والحروب على التنقل بين جزر العالم للسياحة والترفيه، رغم أنه كان يستطيع لو أراد ذلك أن يتصدر عناونين الصحف الأمريكية كرجل أعمال ومن أغنى أغنياء العالم بدل أن يحتل أغلفة ذات الصحف كمجرم وارهابي يطالب الصغير والكبير برأسه منذ عشر سنوات. يهللون ويفرحون ويحتفلون برحيل أسامة بن لادن وكأنه من منع العالم الاستقرار وحرم البشرية الأمان، وكأنه وحده الذي يقتل وهو وحده الذي يتحمل ماسي شعوب الأرض وليست الرأسمالية والامبريالية الغربية وجبروت أمريكا وحلفائها وطغيانهم. كأن أسامة بن لادن وحده الذي أرهب وأرعب البشرية. أمامك الكثير يا باراك أوباما لكي تفرح وتحمل البشرى للعالم، يوم تقول للعالم بأن أمريكا لم تعد تتدخل في شؤون غيرها ولن ترسل طائراتها وجيوشها لاحتلال البلدان. أما اليوم فانك لم تبشر الا أتباعك وحلفائك، ولم تحقق أي انجاز سوى أنك فتحت على نفسك أبواب جهنم، ليس مني طبعا، ولكن من ثأر وانتقام أتباع أسامة. لقد انتهيت من شخص زعيم الجهاد ولكن فكرة الجهاد لم تنته والأرجح أنها ستزداد قوة ومتانة وتماسكا من ذي قبل. لقد أخطأت خطأ العمر يا حسين. لقد جنيت على أمريكا يا حسين.