إن للأمم آجالا، وأجل كل أمة يوم يكون تعليمها مترديا وعائقا حقيقيا أمام التنمية من حيث يجب أن يكون محركها الأساسي. بفضل الإسلام، وهو دين العلم، تحولت أمة الشعراء إلى أمة العلماء. لا عجب، فأول ما نزل من القرآن الكريم كان {اقرأ باسم ربك الذي خلق} فضلا عن آيات لا تعدّ ولا تحصى تجعل من العلم والتعلم واجبا مقدسا ونبراسا على طريق التقدم {يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٍ۬ (33)} (الرحمن)
كان التعليم ولا يزال عصا في يد الأمم المتحضرة تحارب بها أفعى التخلف. في هذا الصدد، يمكن اعتبار التجربة الماليزية في التعليم فريدة من نوعها في العالم الإسلامي. فقد استطاعت الدولة الماليزية أن تبني منظومة للقيم تؤطر التوجه العام للتعليم بالبلاد وتبني فلسفة تربوية توفق بين التفوق العلمي والحفاظ على الهوية الإسلامية، وهو الأمر الذي فشلت فيه أغلب الدول الإسلامية فشلا ذريعا التي لم تستطع بناء تعليم قوي واكتفت بالتعليم المشوه الذي ورثته من الحقبة الاستعمارية.
انهالت التقارير من مصادر مختلفة، كما ينهال الدود على الجثة، واصفة النظام التعليمي في الدول العربية بالمتأزم. فقد صنف التقرير السادس للبنك الدولي حول التنمية البشرية الدول العربية في ذيل ترتيب الأمم. وصنف أربع دول (المغرب، جيبوتي، اليمن والعراق) في المراتب الأخيرة لكونها تتوفر على نظام تعليمي سيِّئ. هذا ما ذهبت إليه أيضا دراسة "التعليم للجميع" التي وقفت على بعض ملامح الوضع الكارثي لقطاع التعليم بالمغرب. حسب الدراسة، 16 % فقط من تلامذة الرابع ابتدائي يستوعبون المعارف الأولية. كما أنّ أكثر من 380 ألف طفلا غادروا المدرسة قبل بلوغهم سنّ الخامسة عشر (سنة 2006). بدورهم تلامذة الثانوي حصلوا على نتائج هزيلة في الاختبار الدولي للرياضيات حيث حصلوا على المرتبة 40 على 45. أضافت الدراسة أنّ 60 % من المدارس الموجودة بالأرياف غير مرتبطة بالكهرباء، و75 % منها غير مرتبطة بالماء.
مشكل التعليم بالمغرب لا يقتصر على الأسلاك الأولى، بل التعليم العالي (الجامعات والمعاهد العليا)، الذي يفترض أن يؤسس للبحث العلمي، يعاني أيضا من الهشاشة رغم "الإصلاحات" و"المخطط الاستعجالي". نشعر بالدونية عندما نطلع على تصنيف جامعاتنا التي نعتبرها منارة للعلم والبحث، فقد صدرت في يوليوز 2009 التصنيف العالمي للجامعات والمعاهد العليا في العالم. فيما يلي تصنيف بعض الجامعات المغربية على الصعيد الإفريقي، العربي والعالمي:
الدول العربية الأخرى ليست أحسن حالا، فأحسن 200 جامعة في العالم لا توجد منها واحدة عربية. تجدر الإشارة إلى أنّ الترتيب العالمي تتصدره الجامعات الأمريكية (جامعة هارفرد صنفت كأحسن جامعة في العالم للمرة السادسة على التوالي). الجامعات والمؤسسات الأمريكية التي احتلت مراتب متقدمة جدا في التصنيف هي: جامعة هارفارد، المرتبة الأولى – ستانفورد، المرتبة الثانية – جامعة كاليفورنيا بريكلي، المرتبة الثالثة – معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، المرتبة الخامسة – جامعة كولومبيا، المرتبة السابعة – جامعة برنستون، المرتبة الثامنة – جامعة شيكاغو، المرتبة التاسعة.
التقرير العالمة لتصنيف الجامعات ذكر أيضا أنّ 55 جامعة أمريكية احتلت مراتب جيدة في المائة الأولى الأفضل في العالم. يستند التصنيف إلى معايير أهمها الأعمال العلمية التي تنشرها الجامعة وعدد خريجيها الفائزين بجائزة نوبل.
بدوره تقرير المعرفة العربي 2009 الصادر مؤخرا وقف على ملامح النظام التعليمي العربي. حسب التقرير:
· 9 تسعة ملايين طفل في سنّ التمدرس هم خارج أسوار المدارس.
· لا يزال أكثر من 60 مليون أمّي في الوطن العربي لا يعرفون القراءة والكتابة.
· 40 % من الشباب في سبعة بلدان عربية لا تتجاوز عتبة التعليم الابتدائي · 45 % من الدارسين بالخارج لا يعودون لأوطانهم ويفضلون الاستقرار بالغرب
كما وقف التقرير على الوضع الكارثي للثقافة والمعرفة في الوطن العربي حيث أنّ كتابا واحدا فقط من نصيب 19150 مواطنا عربيا مقابل كتاب واحد ل 461 مواطن في انجلترا. أما عن الفجوة الرقمية بين الغرب وبين أمة اقرأ فحدث ولا حرج. مثلا، في مصر 38 شخصا فقط من ألف يتوفرون على حاسوب. تذكر هذه المأساة بموقف الكاتب القصصي أحمد بوزفور الذي رفض جائزة وزارة الثقافة معللا ذلك بقوله: "أخجل من تلقي جائزة عن كتاب طبعت منه 1000 نسخة ولم توزع منه سوى 500 نسخة على شعب من 30 مليونا.". وفي الوقت الذي بلغ فيه متوسط القراءة في أمريكا حوالي 200 ساعة سنويا، لا يتجاوز هذا المعدل عربيا 6 ساعات فقط.
الغريب في الأمر أنّ هذا الجمود المعرفي يقابله تناسل فطري للمقاهي المنتشرة في كل مكان والتي تعج بالناس صباح مساء غير آبهين بما حل بعقولهم ووطنهم وأمتهم.
تعددت التقارير والتوصيف واحد: الفشل، الكارثة، الإحباط... وما شئت من مفردات الأزمة وأخواتها. السؤال الجوهري هو: هل هناك إرادة سياسية للإصلاح؟ خاصة إذا علمنا أنّ 7.2 % من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية يذهب إلى التسلح. على سبيل المثال، أنفق العراق لوحده قبل الاحتلال في الفترة ما بين 1985 - 1990 على تسلحه: 120 مليار دولارا أمريكيا، أي نسبة 256 % من إيرادات النفط. رغم كل ذلك لم تشفع كل تلك الأموال للجيش العراقي أمام الجيوش الأجنبية التي اجتاحت العراق. وفي عام 2001 أنفقت السعودية على التسلح 24 مليار و266 مليون دولارا أمريكيا. ترى ما فائدة تلك الجيوش إذا كانت تصرف عليها الأموال الطائلة ولا تستطيع تحرير أراضي الأمة المحتلة؟ ما فائدة تلك الجيوش إذا كانت تصلح فقط لقمع المواطنين؟ ما فائدة تلك الجيوش إذا كان تعليمنا يخرج "متعلمين بالمواصفات الرمادية" لا هم متعلمون ولا هم أميون؟
كل تلك المبالغ الخيالية التي تصرف على التسلح العشوائي تحرم منها قطاعات حيوية واستراتيجية في مقدمتها التعليم. عار أن يفوق الناتج المحلي الإجمالي لدولة واحدة مثل إسبانيا (595.5 مليار دولار) ناتج الدول العربية مجتمعة (531.2 مليار دولار).
على سبيل الاستنتاج، هناك علاقة وطيدة بين المعرفة والتقدم والحرية المسؤولة. لا يمكن أن يكون هناك تقدم علمي في ظل الانحباس السياسي. فالمدرسة ما هي إلاّ مجتمع صغير يتأثر بالمحيط الاقتصادي، السياسي والاجتماعي للمجتمع الكبير. لا يمكن لهذه المدرسة أن تخرج نشئًا صالحا إذا كانت البيئة الاقتصادية، السياسية والاجتماعية فاسدة.
لا بد من بلورة مشروع جامع يؤسس لدور ريادي للمدرسة ويكون مدخلا للإصلاح الشامل. وإلا ستبقى المدرسة مجرد أداة أيديولوجية لإعادة إنتاج الإنسان المعطوب والمجتمع المعطوب.
يا أمة ضحكت من تعليمها الأمم، يا أمة لعبت بتعليمها لعب الصبيان في الأوحال، هذا وقت الجد. نومك أعمق من نومة أهل الكهف. هذا زمن العلم، لا مكان فيه للجهلاء.