تونس: لماذا تسعى سلطة الإشراف إلى الحدّ من سجود اللاعبين؟!!
تونس – الحوار نت – تعاظمت في السنوات الأخيرة ظاهرة الرموز الدينية في ملاعب كرة القدم في أرجاء العالم، وأصبح لكل فريق طريقته الخاصة سواء في التعبير عن الفرح والشكر أو الدعاء والصلاة من أجل الفوز، هذه وغيرها من الرموز والحركات أصبحت تعجّ بها ميادين الكرة.
ولعلّ أبرز الحركات المسجلة وأكثرها شيوعا هي ظاهرة السجود لدى المسلمين والتثليث عند المسيحيّين.
تفاقمت هذه الظاهرة لدى الفرق العربية بالتحديد في السنوات الأخيرة وبرزت بشكل واضح لدى الأندية أو المنتخبات القوميّة خاصة في اللقاءات الدولية حتى أنّه وفي بعض المباريات المصيرية لا يفوّت اللاعبون سجدة جماعية لهدف أحرزوه في مرمى الخصم.
رغم أنّ الميادين التونسيّة شهدت عدّة لاعبين متديّنين يجاهرون بذلك على غرار لاعبي نادي حمام الأنف والمنتخب فيصل الجلاصي والحسومي ونبيل معلول والحاج عبد الرحمن "رحومة" وطارق سالم... لكنّها بقيت حالات فرديّة معزولة تأثيرها محدود... وككل البلدان تأثّرت تونس أخيرا بهذه الظاهرة وبرزت في ميادينها وانتشرت لدى معظم الفرق والنوادي وأصبحت لا تمرّ جولة من البطولة الوطنيّة أو مباراة للمنتخب إلا وتشهد حالات من السجود والدعاء وقراءة الفاتحة.. وعمّت هذه الظاهرة بصورة كبيرة وتفاعلت معها الجماهير إيجابا وأصبح المحبون يشيرون بالأصابع إلى اللاعب المتديّن، كما أصبح هذا الأخير يلقى من التبجيل والاحترام ما لا يلقاه زملاؤه الآخرين.
غانا 2008 هي التظاهرة الكروية الأكبر إفريقيًا أو عرس الكرة الإفريقية كما يحلو للكثير تسميتها، خلال التصفيات النهائيّة لهذا العرس برز المنتخب التونسي بمسحة تديّن ملفتة، فقد واظب جلّ اللاعبين على الصلاة وترددوا باستمرار على المسجد القريب من مقر إقامتهم، هذا إلى جانب الدعاء وسورة الفاتحة والسجود الجماعي والفردي الذي أعقب كل الأهداف تقريبا، مظهر التديّن هذا غير المعتاد في ملاعبنا وفي صفوف لاعبينا لاقى استحسانا كثيرا، لكن وكعادتها بعض المنابر الإعلامية المعادية للموروث والمتحسّسة من كل ما يمت للتدين بصلة أطنبت في لوم أعضاء المنتخب وقالت أنّ مثل هذه المظاهر من شأنها تأجيج العواطف الدينيّة لدى الشباب... لم يتوقف الأمر هنا إنّما يبدو أنّ هذا الرأي أعجب سلطة الإشراف وتبنّت على غراره مشروعا للحدّ من هذه الظواهر، فبادرت إلى نشر توصية عمّمتها على الأندية تطلب منهما العمل على الحدّ من سجود اللاعبين عقب الأهداف أو إثر نهاية المقابلة، الجهات الرسميّة وفي تعليقات جانبيّة برّرت ذلك بالسعي لتجنّب استفزاز الخصم، لكن الإلحاح على هذا الطلب ومتابعة تنفيذه تخبر عن النيّة المبيّتة كما يؤيد ذلك ما سبق تناوله من أنّ مساعد المدرب السابق السيد نبيل معلول تعرّض إلى انتقادات كبيرة واتُهم بأنّه المتسبّب الأول في تغذية هذه الظاهرة وفي نشر وعي التديّن لدى اللاعبين، كما أبدت حينها عدّة أطراف تذمرها من الرجل ولولا تمسّك لومار مدرب المنخب الوطني التونسي "الفرنسي" به لرحل نبيل من أيامه الأولى..
سلطة الإشراف التي تسعى جاهدة إلى القضاء على ظاهرة السجود في الملاعب تكون قد زايدت مثل عادتها على غير المسلمين مثلما زايدت عليهم من قبل في عدّة مسائل لعلّ أبرزها الحرب الطاحنة على الحجاب... مظهر التديّن الذي أقلق سلطة الإشراف في بلادنا لم يعيره الغير أدنى اهتمام بل إنّ الكثير منهم الذين هم من غير المسلمين اعتبروه من باب التنوّع الثقافي، وهذا لاعب الأنترميلان سليمان علي مونتاي تشهد لسجداته الملاعب الإيطالية والأوروبية، كما أنّ لاعب برشلونة سيدو كيتا ورغم أنّه يتبع أهدافه بالسجود فلا مسؤولي ناديه ولا حتى الجماهير الإسبانية "المسيحيّة" أزعجها ذلك، وكذا الأمر مع لاعب أرسنال أرمنو تراوري ولاعب الريال مامادو ريارا هذا دون التعرّض لللاّعبين العرب الذين أصبح سجودهم وإبراز تديّنهم يجلب لهم التبجيل عند سلطات إشرافهم.
الذين سعوا جاهدين للحدّ من ظاهرة السجود في الملاعب لم يثنهم عن ذلك سماح الفيفا بمثل هذه الظواهر حيث اعتبرتها من الأساليب المشروعة للتعبير عن الفرح، هذا وفي تصريح له أكّد مفتي الكنغو أنّ اللاعبين الذين يقومون بالسجود هم دعاة للإسلام دون أن يشعروا، كما أكّد المفتي الشيخ عبد الله منجالا لوابا أنّ سجدة أبو تريكة ساهمت في إسلام الكثير بعد أن تساءلوا بفضول عما قام به وما تعنيه هذه الحركة من دلالات.
وقد أكد مجموعة من الدعاة وأساتذة من الأزهر وغيره جواز السجدة في الملاعب وأنّها وجه من وجوه الشكر والامتنان لله، فلماذا يخشاها المسؤولون في بلادنا... اللهم إلاّ إذا كانت الجهات المسئولة في تونس أخذت بالتحوّط الشديد وتبنّت رأي أحمد الحداد مفتي دبي حين قال "أن سجود لاعبي كرة القدم في الملاعب بعد تسجيلهم للأهداف "باطل"، وذلك لعدم استكمال شروط السجود من طهارة البدن والثوب".