ترامب يعقد اجتماعا لفريق الأمن القومي بشأن الحرب الإسرائيلية ضد إيران    قافلة "الصمود" تتوقف في سرت وتتمسك بالإفراج عن المحتجزين قبل العودة إلى تونس    مونديال كرة اليد الشاطئية للاصاغر والصغريات - اليوم الاول - تونس تفوز على المكسيك في الذكور والاناث    حالة الطقس هذه الليلة    خلال 6 أشهر: تونس تصدّر 195 ألف طن من زيت الزيتون نحو اكثر من 60 دولة.. #خبر_عاجل    إيران: الساعات القادمة ستشهد هجمات شرسة ضدّ إسرائيل    وزارة التجارة تدعو تجار التسويق والترويج عبر قنوات التوزيع الالكترونية إلى اعلام المستهلك بتفاصيل العروض المقترحة    ضاحية مونمارتر تحتضن معرض فني مشترك بين فنانة تونسية وفنانة مالية    صفاقس: تنظيم يوم الأبواب المفتوحة بمركز التكوين والتدريب المهني بسيدي منصور للتعريف بالمركز والإختصاصات التي يوفرها    الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: نعرف تماما أين يختبئ المرشد الأعلى ولكن لن نقضي عليه الآن    "عليسة تحتفي بالموسيقى " يومي 20 و 21 جوان بمدينة الحمامات    باجة: اعادة اكثار واحياء قرابة 5 الاف صنف من الحبوب بنجاح    الدورة الأولى لتظاهرة "لقاءات توزر: الرواية والمسرح" يومي 27 و28    ماهر الكنزاري: ''لا ألوم اللاعبين على الخسارة، بل أنا فخور بالروح التي أظهروها داخل الملعب''    حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف    اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني    شنيا الماكلة اللي تنفع أو تضرّ أهم أعضاء بدنك؟    الملعب التونسي يعزز صفوفه بالحارس نور الدين الفرحاتي    الاتفاق على احداث لجنة قيادة وبرنامج وطني لتفعيل "إعلان قرطاج" للصحّة الواحدة    إيران تعتقل عميلا للموساد الإسرائيلي    تحذير طبي: خطر الاستحمام بالماء الساخن قد يصل إلى الإغماء والموت!    المنتخب التونسي يشارك في بطولة افريقيا للرقبي السباعي بالموريس يومي 21 و 22 جوان الجاري    منوبة: فتح الجزء الثاني من الطريق الحزامية " اكس 20 " بولاية منوبة    قفصة : حلول الرحلة الثانية لحجيج الولاية بمطار قفصة قصر الدولي وعلى متنها 256 حاجا وحاجة    ملتقى تونس الدولي للبارا ألعاب القوى: العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    الكاف: تطوير القطاع الصحي بتدعيم طب الاختصاص وتوفير تجهيزات متطورة (المدير الجهوي للصحة)    تونس ترشّح صبري باش طبجي لقيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية    بشرى للمسافرين: أجهزة ذكية لمكافحة تزوير''البطاقة البرتقالية'' في المعابر مع الجزائر وليبيا    بُشرى للفلاحين: انطلاق تزويد المناطق السقوية بمنوبة بمياه الري الصيفية    الحرس الثوري: استهدفنا مقر الموساد في تل أبيب وهو يحترق الآن (فيديو)    عاجل/ ايران تشن موجة جديدة من الهجمات الشرسة ضد الكيان الصهيوني..    عاجل : ''طيران الإمارات'' تمدد تعليق رحلاتها إلى 4 دول    تعرفش علاش الدلاع مهم بعد ''Sport''؟    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    الصين تتهم ترامب ب"صب الزيت على النار"    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    الحماية المدنية : إطفاء 192 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية    كأس العالم للأندية : برنامج مباريات اليوم الثلاثاء    عاجل/ رئيس الدولة يفجرها: "لا أحد فوق المساءلة والقانون..ولا مجال للتردّد في إبعاد هؤلاء.."    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    كاس العالم للاندية : فلامنغو البرازيلي يجسم افضليته ويتفوق على الترجي بثنائية نظيفة    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ستنتصر الثورة في سوريا رغم الداء والأعداء.
نشر في الحوار نت يوم 27 - 05 - 2011

لست سوريا ولكني أعد الثورة في سوريا ضد إستبداد العائلة العلوية ثورتي.
أعد أهل سوريا الثائرين أهلي في العروبة أو في الإسلام أو في كليهما فإن لم يكن ذا ولا ذاك فهم أهلي في الآدمية والتوقان إلى الحرية والديمقراطية والكرامة.وكفى البشرية أديما يلف الناس كلهم إليه على أساس المساواة التامة ( كلكم لآدم وآدم من تراب ).
كتبت لي أقدار الرحمان أن أحيا هناك ( حي اليرموك بدمشق ) ستة أشهر كاملة عام 1993 برفقة مجموعة من الإخوة الذين ضاقت بهم تركيا بعدما أبرم حكامها يومها إتفاقية أمنية مع الذيل المقطوع بن علي على أساس أن نسلم إلى تونس مقايضة مع تسلم تركيا مقاتلي الحزب الكردستاني اللاجئين في تونس.
أحسن السوريون إلينا إحسانا كبيرا لنتفيأ ظلال الشام الوارفة ونتعلم أدب الحديث ورقة المعاملة وفنون المجاملة التي ضن بها علينا عرق دساس ورثناه من غلاظة البربر نحن أصلاء المغرب العربي .
آوتنا هناك مساجد فسيحة لا تكاد تخلو في كل ساعة من ساعات النهار من مشهد من مشاهد طلب العلم في شتى المعارف الشرعية.
أما لذتي التي لا يشبع لها نهم يوما فكانت ساعات طويلات أقضيها في حي الحلبوني متنقلا بين المكتبات الزاخرة بالمصنفات العلمية.
هما لذتان كانتا محرمتين علينا في تونس في أيام حكم عصابات النهب والسلب : مسجد فسيح يتفيأ المصلون ظلاله لا يخشون مساءلة بوليس ولا تعقبات مخابرات و مكتبات تنضح علما وعرفانا لا يحجر على صاحبها إستيراد عنوان ولا مؤلف ولا يسأل طالب علم عم إقتنى : لم وكيف وهل يمكن أن تساهم تلك العملية في التآمر على أمن الدولة!
خلط سياسي آن له أن يزول.
ينسب الناس اليوم إلى نظام الأسد أنه نظام ممانعة ضد الإحتلال الصهيوني وما هو كذلك عند التحقيق التاريخي والعلمي الصحيح. الممانعة لا تنسب أولا إلى نظام سياسي ولكن تنسب إلى الشعب السوري الكبير فهو الذي تحطمت على يديه محاولات الصهاينة الإختراقية سواء للنيل من وحدة البلاد وحفاظها على ممانعتها أو للنيل من بنى المقاومة الفلسطينية التي يؤويها الشعب السوري الكبير. أما ممانعة نظام الأسد فلا تفهم سوى في سياقها الجغرافي والسياسي : جغرافيا هناك إيران الطائفية التي تفرض على سوريا ضربا من الممانعة مقايضة مع مصالح أخرى منها الوجود الشيعي في سوريا ومنها الإئتلاف الطائفي بين النظام الشيعي الحاكم في إيران والنظام العلوي النصيري الحاكم في سوريا كما أنه هناك لبنان الذي ظل لعقود طويلة أشبه ما يكون بمحمية سورية ذات إستقلال داخلي. تداخلت تلك التوازنات العرقية ( عرب وأكراد وفرس وغيرهم ) والمذهبية ( سنة وشيعة وغيرهما ) مع مصالح مالية وإقتصادية لتكون سوريا ممانعة بحكم الجغرافيا والتاريخ والتركيبة وليس بحكم وفاء وطني لقيادة سوريا.
كانت الممانعة السورية بكلمة واحدة ضربا من ضروب الإبتزاز أو ضربا من ضروب ( البزنس) بالتعبير الإعلامي المعاصر. تماما كما كان الأمر في عهد عصابات النهب والسلب في تونس : ( بزنس ) دولي لإستدرار العطف المعنوي والضخ المالي بعنوان مقاومة الأصولية والتطرف.
كفى الثورات العربية الراهنة شرفا تمحيص الرجال والحركات.
إمتحان سقط فيه الدكتور البوطي سقوطا مريعا ولكنه مرقوب.
الدكتور البوطي رجل تعلمت منه الكثير و آلاف من أبناء جيلي. رجل من فقهاء العصر دون منازع. رجل جمع بين فقه الشريعة وفقه قضايا المعاصرة. رجل إذا تحدث عن المادية الجدلية التي بنى عليها الشيوعيون أطروحتهم الفلسفية نقضها نقضا ( أنظر كتابه : كبرى اليقينيات الكونية مثلا ) حتى تراءى لك أن الشيوعية بنظرتها الفلسفية للكون والحياة ليست سوى بيوت من التراب يشيدها الأطفال في ساعات مرحهم لتضحى من بعد ذلك أثرا من بعد عين. رجل إذا تحدث عن شريعة الإسلام فإن له فيه باعا طويلا يجمع إليه ريشة بيان ساحرة إلى وسطية فكرية معتدلة. رجل جمع إليه بكلمة واحدة خصلتين لا يجمعهما كل من هب ودب : ضارعة في الحجاج وشاحها البرهان و رهبانية إسلامية تسرح فيها الروح سرحان النحلة في حقول الأزهار ( أنظر شرحه للحكم العطائية مثلا ).
مشكلة البوطي واحدة هي : لا مكان في عقله لقيمة الجهاد والمقاومة.
شن الدكتور البوطي هجومات لا أول لها ولا آخر ضد ( الفيس ) الجزائرية أيام ظهورها وفوزها بإنتخابات الجزائر في شوطها الأول عام 1991 فلما وصل به الأمر حدودا جاوزت المشروع دينا وعقلا ألف كتابا في الجهاد كاد يلغي فيه قيمة الجهاد جملة وتفصيلا. لم يلق ذلك منه عند الناس ترحيبا سيما قبل ظهور ( الجيا ) الجزائرية و تحول قضية الجهاد في الجزائر إلى ما تحولت إليه قضايا كبيرة وكثيرة أي إلى ( بزنس ) فيه شركاء محليون ودوليون فيهم المتجانس وفيهم المتشاكس. وقف الدكتور البوطي من بعد ذلك في مناسبات قليلة جدا يثني على جلاد سوريا الأكبر : حافظ النعجة الذي ظل يكتنز سلاحه ليصبه على مدينة حماة عام 1982 متجاهلا أن جزء من بلاده يحتله الصهاينة ( هضبة الجولان).الدكتور البوطي معروف بعزوفه عن الأضواء : حتى الأضواء العلمية التي له فيها باع وأي باع بله الأضواء السياسية. أكاد أقول : أن تقرأ له علما يفيدك خير لك ألف ألف مرة من أن تسمع له تصريحات سياسية تصيبك بالدوار والدهشة. يمكن لك أن تلتمس له عذرا في دولة بوليسية طائفية بإمتياز شديد.
ذاك ما وقر في من بعد متابعة دائبة لإنتاج الرجل الذي لا أذكر أني ضننت على نفسي بثمن كتاب من كتبه وله وحده سبحانه الحمد والمنة والفضل. رجل تطرف في نفي البعد الجهادي في الإسلام ومنه البعد المقاوم إنطلاقا من إستراتيجية علمية أو دعوية يقدرها هو ومن يشترك معه فيها. إستراتيجية علمية أو دعوية تتطرف في فرض الإذعان لولي الأمر رغم تبدل هذا المفهوم السياسي تبدلا كبيرا جدا إلى حد إدانة أي مقاومة حتى لو كانت سلمية مدنية ديمقراطية. عجبي العجاب الذي لا ينقضي هو كيف يجمع عقل مثل عقل الدكتور البوطي بين وسطية إسلامية فكرية معتدلة جدا كلما طرق أي موضوع لا يتصل مباشرة بالسياسة الشرعية ( أنظر مثلا كتابه الفريد في حقله : السلفية ليست مذهبا فقهيا ..) وبين تطرف فكري كلما تعلق الأمر بالولاء لوكلاء الإحتلال المعاصرين الذين يحكموننا بالحديد والنار بعدما سلبت منهم كل سبل الشرعية والمشروعية دينا ودنيا معا. هل هو خلل في التكوين أم هو تورم في الإهتمام أم هي العصا التي تكره الفقيه على قول ما لا يعتقده أم هي المصالح المتبادلة؟ لا أدري ولا أجزم بواحدة من ذلك.
ثم تعرى الدكتور البوطي في الثورة الراهنة عريا فاحشا.
إستمعت إليه مرة أو مرتين بهذه المناسبة ينعت الثوار السوريين بنعوت من مثل : حثالة. نعوت ينقصها الأدب من لدن فقيه معاصر. أما خلو تلك النعوت من الحقيقة العلمية فهي الخائبة التي ورط فيها فقيه سوريا نفسه بالمجان. الأمر لا يعتمد من قبل الدكتور البوطي ولا من قبل أي رجل فوق الأرض على أهواء أو ميولات. الأمر هنا أمر في الإسلام مقدم ومعظم. أمر لا ينتمي إلى حقل الظنيات بل إلى حقل القطعيات. بل حقل المحكمات التي تعصم الأمة بإسلامها وتعصم الإسلام بأمته ليشد بعضهم بعضا. الأمر يعتمد على قيم الحرية والكرامة ومن قبل ذلك على قيمة الإنسان ومنزلة رأيه حتى لو كان خاطئا كلما كان في كنف السلم ورعاية الحرمة المادية والمعنوية للآخرين. الأمر يعتمد على قيمة المواطنة في الإسلام وعلاقات الحاكم بالمحكوم حتى لو كان ذلك الحاكم منتخبا إنتخابا ديمقراطيا صحيحا من لدن المحكومين بما لا تشوبه شائبة فما بالك إذا كان الحاكم وهو كذلك في سوريا وغير سوريا مفروضا على الناس بالحديد والنار. هذا لمظنة إنتمائه إلى العترة النبوية وكأن الخليفة الأول له عليه الصلاة والسلام كان الحسن أو الحسين أو فاطمة أو عليا ولم يكن أبابكر عليهم جميعا الرضوان وكذا على إمتداد الخلافة الراشدة كلها حيث لا مكان لمشروعية عترة نبوية بل كان المعيار الأوحد المحكم هو بيعة التراضي بين الحاكم والناس حتى أن رئيس إدارة الهيئة العليا للإنتخابات في إثر إغتيال الخليفة الراشد الثاني الفاروق أي : إبنه عبد الله إبن عمر لم يدع بيتا من مدر ولا وبر إلا ولجه سائلا حتى العذراوات في خدورهن عن إختيارهن بين عثمان وعلي عليهما الرضوان. وذاك لمظنه غلبته بالقوة المادية أي العسكرية والأمنية سيما بعد تورط بعض الفقهاء قديما في إضفاء مشروعية دستورية على سلطان الغلبة والقهر وإنتاجهم قالة والغة في الإنحطاط إلى حد التأثم : حاكم غشوم خير من فتنة تدوم.أمر السياسة إذن ليس موكولا في أصوله الدستورية إلى رأي فلان أو قول علان. هناك أصول مرعية لا قوام للأمة إلا بقوامها وعلى رأس تلك القيم المرعية : بيعة تراض متبادل بين الحاكم والمحكوم ولا ريب في أن خير وسيلة تضمن ذلك اليوم : إنتخابات عامة مباشرة ديمقراطية لا حجر فيها على ناخب ولا منتخب لا بسبب جنس أو دين أو لون أو عرق أو لغة إلا الإعتبار الوطني أو بعض الشروط المتعلقة بالسن ومدارك الأهلية الأخرى وهي تراتيب إدارية لا تحط من شأن تلك القيم المرعية.
وبمثل ذلك سقط السيد نصر الله.
سقوط نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني لا يفسر سوى في كنف ما أنف ذكره أي أن الممانعة السورية حيال الإحتلال الصهيوني ليست ممانعة وطنية من لدن القيادة السورية ولكنها ممانعة مفروضة من تحالفات مذهبية إيرانية لبنانية سورية. بعض العقول لا تقوى على تفصيل الأمر لحسن إستيعابه وتفكيك مفاصله فإما أن يستوعب العقل أمرا إيجابيا بالكامل أو أن يلفظه بالكامل. أحسن مثال تطبيقي على ذلك هو مثال : حزب الله من جهة وإيران من جهة أخرى حيال المقاومة ضد إسرائيل من جهة كذلك وحيال حقوق المختلفين معهما مذهبيا من جهة أخرى كذلك. بعض العقول لا تستوعب الجمع بين الحسنة ونقيضها. تلك عقول أحادية لا تصلح للحوار في القضايا التي لا سبيل إليها سوى بتفكيك التعقيدات. إنحياز حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله إلى جانب السلطة في سوريا ضد الثورة الشعبية الراهنة ( دعا إلى ذلك قبل أيام قليلة صراحا بواحا) لا يجعلنا نحكم على الحزب وأمينه العام جملة وتفصيلا بالعدم. ولكنهما مشهدان متقابلان يحسن بالعقل المركب إستيعابهما معا : مشهد حزب الله المقاوم ومشهد حزب الله الطائفي. إذا حملك عقلك على إعدام حزب الله المقاوم لأنه حزب طائفي ينتصر للظلم العلوي النصيري في سوريا ضد إرادة الشعب السوري فلا تتردد في إتهام عقلك. التهوين من الموقف المخزي لحزب الله حيال المقاومة الشعبية السورية ضد السلطة هناك تهوين يهون من قدر صاحبه دون ريب ولكن التهويل إلى حد شطب قيمة المقاومة من قاموس حزب الله هو كذلك تهويل يهون من قدر صاحبه دون ريب. وبمثل ذلك إيران مع بعض الفوارق المعينة.
الحرية والتحرر وجهان لعملة نقدية واحدة.
المقصود بالحرية مقاومة الشعوب ضد حكامها المغتصبين لإرادتها على درب إستعادة الكرامة والعدالة والديمقراطية والمواطنة والشراكة في الوطن. أما المقصود بالتحرر فهو مقاومة الشعوب ضد المحتل وخاصة المحتل الصهيوني سواء كانت مقاومة ميدانية فوق أرض فلسطين أو مقاومة غير مباشرة خارج الوطن المحتل. الحرية والتحرر من رحم واحدة ولا يفصل بينهما إلا جاهل أو أحمق. هما سبيلان متلازمان تلازما عجيبا. لقد ثبت اليوم بالتجربة أن كل تغول للكيان الصهيوني المحتل يعقبه ضمور في الحريات الداخلية للشعوب والعكس بالعكس دوما صحيح. أصل ذلك أن المحنة العربية الراهنة كما كتب ذلك بحق المفكر السوري الكبير برهان غليون ليس لها سوى عنوان واحد هو: الدولة القطرية هي صنيعة إستراتيجية التجزئية والتبعية الغربية و معلوم أن اللوبي الصهيوني له في تلك الإستراتيجية نصيب موفور.هي معادلة فكرية من أحسن إستيعابها أحسن إستيعاب عصره : الحرية تفضي بالضرورة إلى التحرر والتحرر يفضي بالضرورة إلى الوحدة العربية والإسلامية. السؤال الخاطئ منهجيا هو : أي مسار نقدم؟ سؤال خاطئ منهجيا لأننا نشكو من الظلموت الثلاثي : لا نحن أحرار في أوطاننا بل نورث كما تورث الأنعام ولا نحن أصحاب أرض محررة ولا نحن موحدون فوق أرضنا بل محكوم علينا أن نحيا شظايا أمة. مسارات ثلاث متلازمة يخدم بعضها بعضا بالضرورة.
لا نتهم حزب الله في مقاومته ولكن لا نستأمنه على أنفسنا.
ذلك هو شعوري. لا أنفي عن حزب الله وإيران رغم الإختلاف معهما على المنزع الطائفي وليس المذهبي إذ برغم سنيتي فإني أعد المذهب الشيعي مذهبا إسلاميا معتمدا من لدن الأمة ضمن ثمانية مذاهب يتدين بها المسلمون اليوم وليس هذا محل تفصيل منزعهما المقاوم بل هو محمود بكل آيات الحمد وعرابينه. غير أني لا أستأمنهما على نفسي وحريتي وكرامتي بعدما رأيت بأم عيني وسمعت بأذني هاتين ما جرى للسنة في إيران وما يحاك ضدهم خارج إيران. أما موقف السيد نصر الله من الثورة السورية الراهنة فهو الموقف المتجانس مع كونه طائفيا متطرفا في طائفيته حتى النخاع. موقف مفهوم ولكنه موغل في الخزي والعار. موقف يعمق شعوري : أنتصر لإيران وحزب الله مقاومة لإسرائيل ولا أستأمن أيا منهما على نفسي وما يليني حتى يلج الجمل في سم الخياط.
الممانعة ورقة توت كشفت الثورة السورية العورة التي تخفيها.
ظل يلوح النظام السوري بمثل ما لوح به غيره ممن إمتحن بالثورة ضده : يلوح بتنظيم القاعدة حينا وبالإخوان المسلمين حينا آخر فلما أعيته الحيلة في إقناع الغرب فر إلى التلويح بأن الثورة الشعبية ضده صناعة غربية إنتقاما منه لموقفه الممانع من الإحتلال. وقع في تلك الأحبولة الخبيثة من وقع من الناس الذين كان لهم من قبل ذلك أثر محمود. أثارت بعض المصادر الصحفية أن الصحفي الشهير غسان بن جدو أسس إستقالته من قناة الجزيرة على أسس منها خلفيات الموقف الإعلامي من ثورتي البحرين وسورية بل نقلت بعض تلك المصادر أنه يؤيد عصابة الفساد في سورية ضد الإرادة الشعبية. إذا ثبت ذلك ولم أعثر على ما يؤيده رغم أني مازلت أحتفظ للرجل في صدري بمكان كبير فإن الرجل ليس سوى أكبر الساقطين في تلك الأحبولة الخبيثة. هب أن النظام السوري نظام ممانع هب ذلك ولست من الواهبين لذلك بسبب أن الممانعة السورية فضلها للشعب السوري وليست لحكامه فبأي حق ندين عشرات الآلاف من السوريين المقاومين بصدورهم العارية في الشوارع ويبثون الشهداء شهيدا في إثر شهيد .. بأي حق ندين أولئك بسبب أن حاكمهم ممانع؟ تلك قسمة ضيزى. أول علامات النفاق في الممانعة السورية على المستوى الرسمي وليس الشعبي هي أن حاكم سوريا يذرف دموع التماسيح على الفلسطينيين المحرومين من نسمات الحرية ولكنه يعامل شعبه بمثل ما تعامل به إسرائيل المحتلة الناس في الأرض المحتلة. ليس ذلك هو المعنى الأصيل القح للحرية.
ورقة توت كشفت عورة القذافي وستكشف عورة الأسد كذلك.
تلك هي ورقة التوت التي خيل للمجرم السفاح القذافي في لحظة صحو أنه يستخدمها ليحصد ما بقي من رؤوس الليبيين. صور الأمر على أنه هجوم صليبي ضده وضد شعبه فما إلتفت إليه عربي واحد. ذاك هو مصير الأحبولة الخبيثة التي يلوح بها حاكم سوريا اليوم. الشعب السوري شعب مقاوم ولكنه يقاوم الصهيونية والإحتلال من جانب ويقاوم الإستبداد والقهر من جانب آخر. هما مقاومتان تتلازمان.
وسينتصر الشعب السوري بإذن الله سبحانه على عصابات النهب والسلب والفساد المتسلطة عليه بمثل ما إنتصر في مقاومته للعدوان الصهيوني والإحتلال الإسرائيلي.
الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.