هذه الكلمات كتبتها في ذكري عيد ميلاد أمِّ براء التي رافقت دربي مذ كنت طالبا نقتات معا من منحتي الدّراسية مرورا بكل أيام الغربة حلوها و مرّها. و أنا لست من محيي حفلات أعياد الميلاد و التبرّك بها و لكن حدث هذه السنة و لأول مرة مذ جمعنا سقف واحد أن مرّت ذكرى عيد ميلاد أمِّ براء و هي بعيدة عنّي في تونس مع الأولاد و أنا هنا بأمريكا علي الضفّة الأخرى للمحيط. و قد كان ذلك كذلك إذ من لطف الله بنا و نعمته علينا أن قرّرنا صيف سنة 2010 أن تذهب هي مع الأولاد إلى تونس و تبقى معهم ليقضوا سنة كاملة هناك فيتعلّموا في مدارس تونس و يشربوا حليب تونس في سنوات الطفولة حتى يكبروا على حبّها في حين أبقى أنا هنا (أمريكا) لجمع الرغيف. و هو قرار صعب خاصة علي أمِّ براء حيث ستقوم بدور الأب و الأم و كذلك على الأولاد الذين وُلدوا و تربّوا و درسوا هنا و لكن أخذنا القرار و عزمنا أن يضحّي كل منّا على شاكلته في سبيل هذا الهدف الأسمى. و لما جاءت عطلة نهاية السنة زرتهم هناك في تونس و أنعم الله عليّ و على كلّ العائلة بأن عايشنا كل أحداث ثورة الكرامة بحمد من الله و منّة. فلما رجعت إلى هنا كتبت إليها هذه الكلمات و كانت هديتي لها في ذكرى عيد ميلادها و نحن بعيدون عن بعض لأول مرّة
تأتي اللحظات مسرعة تتكثَّف الذكريات ويتقلَّص الزمان
تغرب الشمس ساطعة لتشرق على الضفّة الأخرى و يتّحِد المكان
هنالك يرتع القلب و تنتشي الذاكرة “و "يصيرللفرح عنوان
أهرعُ للبحثِ عنكِ في المعنى وفي الخاطرَه في جُبّةِ الحلاّج و في خاتَم سليمان
يهزُّني الشوقُ على عجل فأمتطى الطائرة وأجئ بلا استئذان ***
و أنا الآن بجانبكِ أرتشف القهوةَ و أحتسي الحنينْ و أنتِ في المطبخ تطبخينْ
تقولين لي: تمنَّى عليّ ماذا تريدني أن أطبخَ لكْ ؟ أ"مْفوّر العادة" أم "مَصْلِي أزعرْ" أم "ملثوثٌ بالسَّمكْ"؟
قولِي لِي يا أيقونة فرحي الطفولي ... بربِّكِ قولِي لِي أيكون للأكلِ مَعْنىَ و الأرْواحُ تسبحُ في الفَلَكْ؟
*** و أنا بعيدٌ عنكِ قد أكون خائفا أو آمنا قد أكون جائعا أو شبعان
وأنا بعيدٌ عنكِ أشعربالبرد أو الدفئ قد قد أعيش الأفراح أو الأحزان
و أنا بعيدٌ عنكِ قد أنام وقد أصحو قد آوي إلى ركن وقد ألعب الصولجان
و أنا بعيدٌ عنكِ قد أكون حيًّا و قد أكون ميِّتا فالأمر سيَّان