ليلى بوعبيد* أتت الثورة في تونس لتفتح عدة أبواب للحرية؛ حرية التعبير, حرية النقد، حرية تعدد الأحزاب، حرية استنشاق الآمال والأحلام بعد أن كان مجرد الحلم بدعة ومجرد الأمل ثورة. وجاءت الثورة وحملت مشعل التغيير وجاءت الأحزاب تترى وأصبحت للحرية باب ومنافذ... كانت تونس هي الغاية وهي السبيل، لكن مانراه اليوم من بعض المناصرين للأحزاب أن همهم الوحيد هو وصول حزبهم إلى الحكم ولو على حساب الثورة ومبادئها، فترى الكثير منهم في حرب دائمة لتشويه الآخر مكرسا كل وقته وخاصة على شبكة الانترنت لينقد الآخر ويسعى إلى الكذب والافتراء، ومظهرا للجميع أن حزبه هو الأجدى لتونس الحبيبة، دون اعتبار لأخلاق الحوار أو قيم السياسة النقية والسليمة. حتى أصبحنا نقرأ الألفاظ الوضيعة والاتهامات الشنيعة دون وازع أو احترام. أخي المواطن من حقك أن تنتمي إلى حزب، من حقك أن تمارس السياسة، من حقك أن تبدي برأيك، أن تنقد الآخر، ولكن ليس على حساب القيم والأخلاق، فكما الثورة أخلاق، فكذلك السياسة أخلاق أو لا تكون، لتكن لك أهداف قيمة، أن تجعل لك مبادئ، كن مسئولا. فهدفك الأول هو حماية الثورة وإنجاحها، ومن مبادئك الأخلاق الراقية والمنطق السليم، ليكن شعارك في نقدك للآخر؛ رأيي صحيح يتحمل الخطأ ورأي غيري خطا يتحمل الصواب. ولتكن عباراتك التي تكتبها وألفاظك التي تتلفظ بها جديرة بهذه الثورة. فلغتنا العربية تعج بأمثلة وكلمات بنائة ومعبرة. فإن كانت ثورتنا "مايد إن تونيسيا" فإن حالة ما بعد الثورة والانتقال الديمقراطي يجب أن يكون كذلك "مايد إن تونيسيا" وحضارتنا العربية الإسلامية وعرفنا وتقاليدنا التونسية حبلى بالكلمة الطيبة والمنهج الصواب... إن هذا الشعب الأبي قد استطاع إنجاز هذه الثورة بكل أخلاق وقيم التضامن والتضحية والفداء، ودفع الثمن غاليا من أجل أن نعيش كرامتنا وحريتنا، وإن هؤلاء الشباب الذين قادوا المسيرة وتلاحموا مع كل طبقات الشعب بكل مسؤولية ووعي وكانوا نموذجا للآخرين ونالوا احترامهم، فرفعت الثورات التي أتت بعد ثورتنا المباركة شعارات صنعها هو، فكان شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" مدويا في القاهرة وبغداد وصنعاء ودمشق وطرابلس وغيرها من المدن، كما هتفوا بنشيدنا الوطني في ثوراتهم، كما ثمن الغرب والشرق ثورتنا ولو بتباطؤ في بعض الأحيان، فلتكن ممارستنا للسياسة ولإنجاح الثورة من قبيل هذا المسار وهذا النمط. وسيكتب التاريخ عنا لحظة لحظة وخطوة خطوة، فلا نجعل أحفادنا يقرؤون يوما في المدارس، هذا إذا تركنا لهم مدارس يقرؤون فيها، والمدرسة ثقافة وتربية وعلم؛ بدأت الثورة في تونس بنجاح عظيم، وانتهت بفشل مرير وانتهى من ورائها عهد الثورات والأمل. فلا ننسى أن سارق البلاد ومعذب العباد يسترق السمع من ثقب الباب، وكلمة "فهمتكم" لم تنته والبعض منا لا يزال ينتظرها خلسة أو على العيان! * عضوة بحركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي