نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود"    حالة الطقس هذه الليلة    من تطاوين: وزير التربية يشرف على انطلاق مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية    "سيطرنا على سماء طهران".. نتنياهو يدعو سكان العاصمة الإيرانية للإخلاء    حماية حلمها النووي ..إيران قد تلجأ إلى النووي التجاري ؟    إيران.. اعتقال 4 عملاء واكتشاف ورش لتصنيع المسيرات والمتفجرات    تعيين التونسية مها الزاوي مديرة عامة للاتحاد الافريقي للرقبي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    عاجل/ ارتفاع حصيلة القتلى الاسرائيليين بالضربات الصاروخية الايرانية    وزير الصحة: مراكز تونسية تنطلق في علاج الإدمان من ''الأفيونات''    الشيوخ الباكستاني يصادق على "دعم إيران في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية"    عاجل/ إضراب جديد ب3 أيام في قطاع النقل    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    عاجل/ هذه حصيلة قتلى الكيان الصهيوني جراء القصف الايراني..    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    كهل يحول وجهة طفلة 13 سنة ويغتصبها..وهذه التفاصيل..    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    كأس العالم للأندية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة فلامنغو البرازيلي    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بمناسبة الذكرى الثلاثين للإعلان عنها : حركة النهضة من القبر إلى القصر
نشر في الحوار نت يوم 06 - 06 - 2011


تهنئة واجبة
يطيب لأسرة الحوار.نت أن تتقدم إلى حركة النهضة بمناسبة الذكرى الثلاثين للإعلان عنها بأطيب التهاني وأجمل الأماني.

ثلاثة عقود ثلثاها في القبر
من 6 جوان 1981 حتى 6 جوان 2011 = ثلاثون عاما كاملة هذا تفصيلها :
من جويليه 1981 حتى جويليه 1984 = ثلاث سنوات في السجن.
من جانفي 1987 حتى سبتمبر 1988 = زهاء عامين في السجن.
من ديسمبر 1990 حتى 14 جانفي 2011 = عشرون عاما من الإستئصال المتواصل.
مجرد البقاء على قيد الحياة معجزة تحتاج إلى إعادة إستيعاب
هما صدمتان عميقتان ولكن في إتجاهين مختلفين بالكلية. صدمة عام 1991 حيث شنت عصابة النهب والسلب في تونس أعتى هجوم إستئصالي ضد الحركة ومنابعها الإسلامية التي تتغذى منها ومنها المساجد والكتاب الإسلامي والمجلة الدينية. لا يدرك الحالة يومها سوى من رأى بأم عينيه في مختلف المهاجر ( وصل عددها إلى أربعين مهجرا من أستراليا إلى أمريكا وكندا ومن جنوب إفريقيا إلى أوسلو ) شبابا تلمذيا يافعا بالعشرات يفدون إلى بيئات غريبة عنهم وذقن الواحد منهم مازال يحمل براءة الطفولة. ماذنب هؤلاء؟ وصدمة عام 2011 حيث إنتقل الحديث من ممارسة الصبر على عذابات السجن الكبير في تونس يقابله صبر آخر على عذابات الشوق إلى تونس من لدن تلاميذ المعاهد الثانوية المهجرين قبل عشرين عاما أنفسهم.. إنتقل الحديث من هناك إلى ثورة شعبية دكت أركان عصابة الفساد والنهب والسلب وفتحت البلاد على مصراعيها لكل مقهور ومحروم. صدمتان عميقتان ولكن في إتجاهين مختلفين : صدمة حزن ثم صدمة فرحة.
ماهي طبيعة الكرويات البيضاء في حركة النهضة وكم عددها؟
أجل. هو أمر يدعو إلى محاولة إستيعاب أخرى. ذلك أن العقود الثلاثة التي تلت الإعلان عن الحركة حتى اليوم ( 1981 2011 ) قضاها الرجال إما في السجون ( زهاء 25 عاما في السجن على فترات متقطعة ) أو في المنافي ( منفيون من 1981 عادوا قبل أسابيع قليلة لأول مرة إلى تونس ). لا ليس ذاك ما يدعو إلى محاولة إستيعاب أخرى. إنما يدعو إلى ذلك هي معاناة العقدين المنصرمين بسبب أنهما سنوات القبر المظلم سيما للحركة داخل البلاد وليس مجرد سنوات جمر حامية لاظية. عقدان طويلان من الإستئصال تعبأت له الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها. ألم يعتقد أكثر الناس ( أجل. أكثر الناس بمن فيهم كثير من أناس الحركة أنفسهم) بأن الحركة ماتت والسلام؟
صحيح أن ثورة 14 يناير وهبت الحركة حياة جديدة. ولكن الأصح من ذلك هو أن الحياة لا توهب لميت بل حتى لمحتضر. هما حقيقتان إذن : ثورة 14 يناير وهبت الحركة حياة جديدة ولكن لحركة ظن الناس بأنها ماتت أو على الأقل في حالة إحتضاري ( دماغي أو سريري).. فما إن دغدغت نسمات الحرية خياشيمها حتى قامت كما يقوم العفريت.

فما هي طبيعة الجهاز الدفاعي الذاتي الذي حفظ للحركة حياتها
1 إرادة الله الحافظة وهو خير حافظا وهو أرحم الراحمين سبحانه؛ فهي يحيي ويميت.أمر آخر قرين تلك الإرادة ومحل الحفظ : لعله يكون إخلاصا في صدور رجال ونساء إما قضوا نحبهم من الشهداء أو ينتظرون سواء ممن لا يؤبه لهم أو ممن سطعت أسماءهم.إذا كان ذلك لإخلاص في الصدور فإنه من وجه آخر : إبتلاء جديد كذلك.

2 الطبيعة السياسية للحركة: أجل. في حين يعتقد بعض الناس أن الطبيعة السياسية للحركة هي الجاني الأول عليها فإننا نظن أن الصبر على الطبيعة السياسية للحركة ( من عرض مزالي على قيادتها عام 1984 ترخيصا لجمعية دينية أو ثقافية حتى حملة الإستئصال غير المسبوقة في العالم العربي الحديث) كان عاملا من عوامل قوة الجهاز الدفاعي لها. تلك الطبيعة كانت سببا كبيرا جدا في مختلف الحملات البوليسية من جهة ولكنها كانت من جهة أخرى صمام أمان حفظت للحركة وحدتها وبقاءها. الذين كانوا ينظرون إليها من زاوية أنها مجلبة للدمار لم يكونوا ينظرون سوى بعين واحدة : عين ترى الخصم المدجج بأعتى الأسلحة الإستئصالية.
3 الطبيعة الفكرية التحديثية والإجتهادية للحركة: كذلك كان نشوء الحركة التي لم ترض لنفسها يسر الوقوع في أيدي البوليس البورقيبي الذي إرتفعت حساسيته من الدين بصورة فاقت عتاة العالمانيين الفرنسيين أنفسهم الذين يهتدي بورقيبة بهديهم. عبرت تلك الطبيعة التحديثية عن نفسها مرات : منها لما رأت الحركة أن طريقة الدعوة والتبليغ لا تناسب البوليس البورقيبي ولا ترقى لإحداث إصلاح في البلاد فغيرت إتجاهها عام 1973 في إثر هجوم على مسجد في سوسة. ومنها توظيف خطاب بورقيبة في أبريل 1981 لصالح الإعلان عن الحركة حزبا سياسيا. ومنها نشوء مشروع الأولويات عام 1982 لدراسة الواقع وتقويم التجربة والنظر في إمكانات الإصلاح وهو مشروع أسال حبر الحركة وأنشأ فيها حركية فكرية وثقافية لم تشهدها حتى يومها هذا ثم أفضى إلى إكتساب ثقافة جامعة في قضايا التراث والغرب ( أو الوافد والموروث) ومناهج التغيير. مشروع كان له الفضل في تثبيت الطبيعة الفكرية الثقافية للحركة بما ثبته من تقاليد التقويم الموسمي لأداء الحركة وهي تقويمات منشورة اليوم في كتب معروفة بما مكن لتجارب إسلامية أخرى من الإقتباس منها ومنها التجربة التركية ( المهجرون في تركيا يدركون ذلك أكثر من غيرهم).لو كانت الحركة تقليدية لأمكن القضاء المبرم عليها بمثل ما قضى بورقيبة على كثير من رموز وفعاليات التدين التقليدي. كان يظن بعض الناس في السابق أن لزوم التقليد في التدين يؤمن المحافظة ثم تبين أن العكس تماما هو الصحيح بسبب أن الإسلام تواق إلى التجديد ومتشوف إلى الإجتهاد. ألم يثب المجتهد المخطئ بأجر؟
4 الطبيعة الإسلامية للحركة: المقصود هنا المنزع الروحي الذي يتربى عليه أبناء الحركة في المشروعات التربوية المختلفة ومحاضنها المتلائمة عادة مع الوضع الأمني والسياسي في البلاد ( من مساجد مفتوحة إلى حلقات داخلية مغلقة إلخ..). لم أخر ذكر هذا؟ ليس تأخيرا له فهو أكبر حافظ للحركة ولكن تأخر ذكره لأن الحركة إنما قوامها هو ذاك. هي حركة إسلامية بالأساس. لقد منحت الأقدار الحركة أوقاتا طيبة تجرعت فيها حلاوة الإيمان قبل دخول المعتركات السياسية فكان ذلك تلقيحا ضروريا ( من 1969 حتى 1981 بصفة خاصة ثم تواصل ذلك بجرعات أقل كما وليست أقل كيفا من 1982 حتى اليوم ثم كانت المحن المتلاحقة خير جرعات رسخت الطبيعة الإسلامية في الحركة بما حملت من قيم الصبر والشكر والحلم والأناة والأمل والثقة واليقين والتآخي والتكافل إلخ ..).
5 الطبيعة المؤسسية للحركة: هذه من أكبر مكونات الجهاز الدفاعي في الحركة. نشأت الحركة منذ أول يوم على ثقافة المؤسسة فكانت حركة تستند إلى قانون مكتوب صادر عن مؤتمر منذ أول يوم أي منذ 1979. عقدت الحركة حتى اليوم : 8 مؤتمرات أي بمعدل مؤتمر كل أربع سنوات وهو ما يتطابق مع قانونها الأساسي بالضبط ( أول مؤتمر 1979 وآخر مؤتمر 2007). لو لم تتأسس الحركة على ثقافة المؤسسة منذ أول يوم لحالت المحن المتلاحقة دون ذلك. الطبيعة المؤسسية لكل كيان له مشكلاته دون ريب ولكن الصبر على مشكلاته بقيم التشاور والحوار يفضي إلى تطعيم الجهاز الدفاعي الذاتي بأمصال لا تقوى عليها جراثيم الإستئصال والمحق. الطبيعة المؤسسية للحركة ساعدت على إذكاء ثقافة النظام والترتيب وقيم التعايش الجماعي رغم الإختلاف في الحركة. كما ساعدت على إنتاج ورقات أساسية يلتقي عليها أبناء الحركة وأهم تلك الورقات التي حفظت للحركة وحدتها وإستقامتها على نهجي الإسلام و الديمقراطية هي : القانون الأساسي 1979 الذي ثبت هدف الحركة أي الدعوة إلى الإسلام بالمنهاج الإسلامي ( الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن) + البيان التأسيسي 1981 الذي ثبت الصفة السياسية للحركة كما ثبت الصفة الديمقراطية لها وذلك عندما أكد أنها لا تنطق بإسم الإسلام إنما هي إجتهاد + مشروع الأولويات وما أثمره مما يزيد عن مائة بحث ودراسة في مختلف حقول المعرفة ( لو أفرج يوما عن تلك الثروة الفكرية من سراديب الداخلية وطبعت ونشرت كتبا لساهمت قطعا في نهضة فكرية بل ثورة ثقافية تدعم ثورة 14 يناير) + الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي + التقويمات المنشورة في كتب قانونية تباع في أروبا إلخ..
6 الثبات على المنهاج الديمقراطي: كان ذلك قطعا من أكبر مكونات الجهاز الدفاعي للحركة. للحركة كسبان لا ينكرهما غير جاحد : هي أول حركة إسلامية قطعا ومطلقا أعلنت تبني الديمقراطية سبيلا إلى المغالبة الفكرية والسياسية بين المختلفين حتى عد ذلك عام 1981 هرطقة وزندقة. كسبها الثاني كان حفاظها على منهاجها الديمقراطي. وهو كسب أعسر من الكسب الأول. لم يكن الحفاظ على ذلك في نظامي بورقيبة وخاصة عصابة الذيل المقطوع بن علي أمرا يسيرا لولا أنه سبحانه يسره بفضله. لم يكن يروق لأحد لا من أذناب السلطتين ولا من أكثر أذناب اليسار التونسي ( أكثره وليس كله) أن تكون الحركة ديمقراطية ليتيسر الإجهاز عليها أو إقصاؤها على الأقل من الساحة السياسية. أعلنت الحركة عن نفسها ومؤسساتها مرات ومرات. بدأ ذلك منذ عام 1979 من خلال بيانات يوقعها الشيخان الغنوشي ومورو أي قبل الإعلان. أما عام 1991 فقد أعلنت عن كل مكاتبها المحلية والجهوية في البلاد كلها. خيار الإعلان 1981 كان إذن إستراتيجيا حتى لو لم يكن الوعي به عند البعض وعيا مطلوبا.أن تثبت الحركة على قالتها القديمة : البلاغ المبين والصبر الجميل وهي تسام الخسف على إمتداد ثلاثة عقود كاملة في بلاد تقتات على السياحة ليس أمرا يسيرا.
7 منزلة المرأة في الحركة: ذاك أمر لا بد من إفراده بشيء حتى لو كان فرعا من فروع الطبيعة التحديثية الإجتهادية للحركة. ذلك بسبب أن مساهمة المرأة في حفظ الجهاز الدفاعي الذاتي للحركة كانت مساهمة معتبرة جدا. ليس المقصود هنا المرأة المنتظمة في الحركة فحسب وإن كان يحسب لها ألف ألف حساب في تلك المساهمة ( حيث سجنت وعذبت وصبرت وهجرت وإستشهدت ) ولكن المقصود من بعد ذلك : المرأة الزوج والمرأة الأم وغيرهما ممن ساهم في حفظ وجود الحركة سيما في المحن الضارة. تلك زاوية قليلا ما يطرقها الطارقون وبذلك تبقى المرأة ذلك الجندي المجهول ليكون الأجر مضاعفا إن شاء الله تعالى.
8 الطبيعة الوسطية المعتدلة للحركة تفكيرا وتغييرا: للحركة كسب آخر أهيل عليه من التراب الذي أهيل. أول من أهال عليه التراب أبناء الحركة أنفسهم إلا قليلا منهم. هو كسب إسمه : الحركة هي أول فصيل إسلامي معاصر تبنى الوسطية الإسلامية تفكيرا وإصلاحا.السابق إلى ذلك في عصرنا دون منازع أي بين المصلحين الميدانيين هو الإمام البنا عليه رحمة الله سبحانه وكان دور الحركة تثبيت ذلك من جهة وتعميقه بما يستحق من جرعات فكرية وثقافية وإجتماعية واقعية معاصرة. هرعت كثير من الحركات الإسلامية المعاصرة إلى ذلك عندما إشتعلت الحرائق في الأمة الإسلامية بما نبتت فيها من منابت الغلو والتشدد وما أثمراه من عنف.ولكن تبقى شيمة عرفان الفضل لأهله خلقا كريما.
9 إنفتاح الحركة على التجارب من حولها: كان ذلك هو دأب الحركة من أول يوم إذ كان مؤسسوها يؤمون الجزائر في كل مرة بمناسبة إنعقاد مؤتمر ما للإفادة من تراث المصلح الجزائري الكبير مالك بن بني عليه الرحمة ( هو مجدد الخلدونية كما يسمى). كما أفادت الحركة بإثر من إنفتاحها من تجارب أخرى كثيرة منها : التجربة السودانية سيما فيما تعلق بدور المرأة والتجربة الإخوانية سيما فيما تعلق بالوسطية والإعتدال وجماع المطلب الإصلاحي الإسلامي المعاصر والتجربة اليسارية في الجامعة التونسية والتجربة الإيرانية وأحداث أخرى كبيرة من مثل أحداث الخميس الأسود 26 جانفي 1978 لمعالجة القضية الإقتصادية والإجتماعية وقضايا الإصلاح والتغيير ومنها تجربة اليسار الإسلامي لمعالجة قضية النص والواقع في الفهم والتشريع والتنزيل. كان لإنفتاح الحركة سبب مباشر على إثراء العقل الإسلامي المعاصر داخل الحركة على قاعدة المواءمة بين المحافظة والإقتباس. لم تتمذهب الحركة مثلا بأي مذهب فقهي ليس لأنها ليست دار إفتاء فحسب ولا حركة إسلامية تقليدية أو دينية فحسب ولكن لأنها وعت من أول يوم أنها حركة إصلاحية تجديدية جامعة فكان أبناؤها من المذهب الأباضي في تونس من خيرة أبنائها وقياداتها ومؤسسيها حتى يوم الناس هذا. بمثل ذلك كانت الحركة مدرسة يلتقي فيها السلفي مع الوسطي والأثري مع المقاصدي والملتزم مع الأقل إلتزاما والمترخص مع المتشدد والمنفتح مع الأقل إنفتاحا .. لذلك كانت حركة ولم تكن حزبا. وهي اليوم تتأهل لتلك العملية الجراحية الضرورية لبناء علاقات وصل وفصل معا بين الحركة الأم والحزب الوليد.
وعوامل أخرى موضوعية ساهمت في الحفاظ على الحياة
1 ظهور الصحوة الجديدة منذ حوالي عام 2000 في تونس لتضع خطة تجفيف المنابع في ورطة تاريخية كبرى لم يكن المخرج منها سوى ثورة 14 يناير التي طردت عصابة النهب والسلب التي تبنت تلك الخطة اللقيطة.أجل. كانت الصحوة الثانية عامل تعزير لإرث الحركة الذي إنبنى على ثابت الهوية العربية الإسلامية لتونس. ليكن الإختلاف بين الصحوتين فيما يتسع له الخلاف إسلاميا ولا ضير. إنه إختلاف تنوع وليس إختلاف تضاد.
2 ثبات بعض فعاليات المجتمع المدني في تونس على خطها المقاوم سيما من لدن المنظمات والجمعيات الحقوقية التي ظلت تحمل قضية الحريات في البلاد.
3 إلتحام الشعب بالحركة في مناسبات كثيرة ليس أولها ولا حتى أهمها إنتخابات 2 أبريل 1989 وليس آخرها إنحياز الشباب والتلاميذ والطلبة والمثقفين بصفة عامة إلى الخيار الإسلامي في كل موعد إنتخابي مهني أو قطاعي أو نقابي : هو إنحياز للإسلام في مقابل الخيار اليساري العالماني المتطرف الغريب عن التربة الوطنية التونسية وفي مقابل خيار العصا والذلة الذي حاول فرضه على الشعب بورقيبة وبن علي فما حصدا غير الخيبة. حقيقة هذا العامل الموضوعي هو : تلبية الحركة لحاجة تونسية شعبية هي حاجة الهوية العربية الإسلامية لتونس. هو شعب ناصر الحركة وإحتضنها في سنوات الجمر الحامية بل سنوات القبر المظلم.
وعوامل أخرى ذاتية وموضوعية كثيرة لا يتسع لها المقاوم هنا لضيقه.
أي قبر وأي قصر؟!
هو القبر الذي حفرته عصابة الفساد والنهب والسلب والتصهين لدفن الحركة فيه. وصدقت قالة العرب : من حفر قبرا لأخيه وقع فيه. هو قبر إبتلع ما يناهز عن خمسين شهيدا تحت التعذيب. هو قبر حكم على الناس بالفقر والطرد والفاقة والخصاصة بعدما كانوا محامين وأطباء ومهندسين وأساتذة ومعلمين وقضاة وموظفين. هو قبر حكم على بعض نسائهم بالتسول وحكم على بعضهم الآخر بالطلاق القسري ( 3 حالات معروفة في المهجر).
وهو قصر يرشح له الناس اليوم الحركة الإسلامية بسبب شعبيتها.
هو قصر يحال دونه ودون الحركة الإسلامية من لدن لفيف من اليسار ( وليس كلهم).
هو قصر قالت فيه الحركة كلمتها بوضوح وجلاء : هو قصر الشعب الذي يتداول عليه من الشعب في كل مرحلة من يصطفيه الشعب لخدمة مصالحه ورعاية ضروراته.

ولكن العبرة التي لا تنقضي هي
تلك أيام حركة ملؤها العذاب والقبر بكل صنوفه..أيام خلت بحلوها ومرها.
وهذه أيام جديدة للحركة ذاتها..
عبرة لا يصلح لها سوى قولك : سبحان مقلب الليل والنهار.
عبرة لا يصلح لها سوى من يقول : سبحان من يجعل من ذلك عبرة لأولي الأبصار.

الحوار نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.