زرت العديد من الدول العربية و الأجنبية ... و كنت منذ وصولي إلى المطار ألاحظ الفرق... فعند وصولك إلى دولة عربية و كنت تتمتع ببشرة فاتحة ...فإن الكثيرين يبادرون بالترحيب بك بكل حفاوة ...و بلغة أجنبية ظانين أنها لغتك الأم ... و يعرضون عليك مساعدتاهم بكل سخاء... ثم إذا علموا أنك عربي اللسان مثلهم , تتغير اللهجة , وتختفي الحفاوة, وتحشر في زمرة الغير مرغوب فيهم... أما في الدول الأجنبية , فلا يتكلمون إلا لغتهم , حتى و إن كانوا يحسنون التحدث بلغة ثانية ... و لا يهم إن فهمت أو لم تفهم... و عند تجولك في شوارع الدول العربية تلاحظ ثنائية اللغة على واجهات المحلات و الإعلانات... وحتى إن زرت قرية نائية تائهة في الصحراء, فستجد الدكان الوحيد مكتوب عليه بالعربية و بلغة ثانية لا تخلو في الغالب من الأخطاء... لماذا ؟ من نخاطب ؟ ألا يكفي شكل المحل ؟ فدكان الجزار واضح و محل المواد الغذائية بَيّن... أما في الدول الأجنبية فلغة البلد هي السائدة و على الزائر أن يتأقلم مع هذا الوضع ...و هو يدرك تماما أن هذا البلد بُنِي لأهله و ما الزائرون إلا عابري سبيل ... و لا بد أن نعلم أن الشعوب التي لا تعتز بلغتها لن تجد لها مكانا في سوق الحضارة و التقدم ... فلن تُبْدِعَ إلا بلغتك... و لن تكون عالِما إلا بها ... و لن يحترمك الآخر إلا إذا إحترمت هويتك ,...انظروا إلى الكوريين و الصينيين و غيرهم ... فلم يتقدموا إلا عندما درسوا و بحثوا و تَعَلَّموا بلغتهم ... لقد درست الصينية لمدة أربع سنوات... ولم أتعلم منها الكثير لأنها لغة رموز و رسوم ... فإذا أردت أن تكتب كلمة "شجرة" مثلا , فما عليك إلا رسم شجرة ... فالصينية لا تعتمد على حروف أو أبجدية ... ولو واجهتك كلمة جديدة فلن تستطيع لا نُطقِها و لا البحث عنها في قاموس.. و رغم ذلك تقدم الصينيون بالإعتماد على لغتهم ... و حتى دولة الإحتلال الصهيوني أحيت لغة كانت في عداد الأموات منذ مئات السنين... أما نحن فلا نفهم التطور و الحداثة إلا بالإعتزاز باللغة الأجنبية ...لقد درست الرياضيات بالفرنسية فلم أفهم منها شيئا بل أن بعض المفردات بقيت في ذهني إلى اليوم , بدون دلالة واضحة ... مثل الطلاسم رغم إتقاني للفرنسية... فما يُسمى عندنا بالمُثقفين -اليوم- يصرون على اتهام اللغة العربية بالقصور... و العيب فيهم ... و مُعضمهم لا يقدر على التحدث إلا بلغة ممزوجة ... مخلوطة ... فنسوا لغتهم الأم ... و لم يُتقِنوا اللغة الأجنبية ... إذا كنا ننشد التقدم فلا بد أن نعيد الإعتبار للغتنا العربية ... و نُعيد النظر في إختياراتنا التعليمية .... منير عكاشة