علي كنيس* آخر التحركات الميدانية التي شهدتها العاصمة كانت وقفتين إحتجاجيتين الأولى إنتظمت بساحة حقوق الإنسان بشارع محمد الخامس تحت عنوان "كلمتنا : من أجل المطالبة بالشفافية المطلقة" (السبت 11 جوان ) والثانية ( الأحد 12 جوان ) إنتظمت بشارع الحبيب بورقيبة أمام المسرح للمطالبة بإطلاق سراح الضابط "سمير الفرياني" الذي أعتقل و أحيل للقضاء العسكري لنشره "رسالة إلى الشعب" بجريدة الخبير التونسية تحدث فيها عن تواصل الفساد داخل وزارة الداخلية و أشار إلى بعض الرموز داخل الوزارة . و كشاب تونسي مع مشاركتي في هذه التظاهرات الشبابية شدّت إنتباهي أربعة أمور . الأمر الأول يتمثل في كون الشباب يتحرك لإستعادة الثقة للشارع لضغط على الحكومة و كل قوى الثورة المضادة و هذا أمر واجب و يدل على بداية إستعادة الثورة لوهجها . أما الأمر الثاني هو أن مجموعة الشباب التي تتحرك هي نفسها نفس الأشخاص و الوجوه تقريبا ألفوا بعضهم البعض . وهو يدل على قدرة على مواصلة الثورة و تصحيح مسارها . و ثالث الأمور أن شباب الأحزاب كان حاضرا و لو بصفة نسبية و هذا مؤشر يفيد بعدة إشارات لعل أهمها أن الشباب المتحزب مستعد للمساهمة في الحراك الشعبي الحالي لكن ما لا يمكن الحسم فيه هو هل أنّ هذا الشباب يتحرك من تلقاء نفسه أم دفعا من القيادات . أما الأمر الرابع , تتم التحركات بصفة منفردة فكل طرف شبابي يدعو لتحرك و تشارك في التحرك عدة أطراف شبابية . فبعد الثورة برزت جهود شبابية تبلورت في شكل حركات و مجموعات تتخذ عدة تسميات و ذلك يدل على بداية تَنَظُّم الشباب في أطر شبابية . لكن الأمر المشترك بين كل التحركات الشبابية الأخيرة غياب التنسيق بين القوى الشبابية الثائرة ( وأقول الثائرة لأن "الثائر" يحيل على الإستمرارية والتواصل أما "الثوري" حالة عابرة ) . فهاهو الشباب التونسي الذي مثل أحد ركائز الثورة يتحرك ويتَنَظَّم و لكن للأسف دون تنسيق مشترك وفعال يعطي للتحركات قدرة على التأثير و يجعلها أكثر تنظيما. وهنا لنتسأل معا ماذا يمكن أن نخسر جميعا إذا لم ننسق فيما بيننا كقوى شبابية ثائرة ؟ إنها خسارة للثورة لأن التحركات القائمة على التنسيق ستكون لها القدرة على دفع الأطراف على التفاعل معها و تكون ذات عمق شعبي شبابي أكثر مما يمكنها التأثير على الواقع السياسي و يجعل الشباب قوة حقيقية تساهم في توجيه القرار . هذا أحد الخسائر التي نخسرها جميعا و تخسرها ثورتنا لغياب التنسيق بين الشباب الثائر . ثم لماذا لنتسأل معا لماذا التنسيق ؟ بدون تكلف إن حكومة الشمس التي يمثلها "السبسي" و حكومة الظل التي تحرك الدمى المجودة على الركح و و كل قوى الثورة المضادة تمتلك إمكانيات وقدرات هائلة على التخطيط والإنجاز من سلطة ومال و إعلام وبوليس قمعي ... و أمام تمتلكه من وسائل لإجهاض الثورة لا يمكن لأي طرف شبابي أن يتصدّى بمفرده و يقاوم هذه السلطة المستبدة التي لها النفوذ للسيطرة على مفاصل الدولة . ولذلك فإن التنسيق اليوم ضرورة لنجاح الثورة و ليس مجرد إختيار يمكن التخلي عنه لأن التنسيق شكل متطور للتعاون يدل على نضج الأطراف الشبابية المنسقة فيما بينها و كما أن التنسيق يضمن إستقلالية كل القوى الشبابية و التعاون في إطار الشراكة الفعالة دون فرض أي طرف لأجندا خاصة فالتنسيق لا يعني التماهي . إذ أن أداء شيوخ السياسة أثبت فشلا نسبيا وإنحراف عن شروط الثورة , فمن المفترض أن الشعب قام بثورة والنخب السياسية مسؤولة على إتمام المهمة . لكن هذه النخب تفرقت بين أطراف إنتهازية مفضوحة تقودها مصالح ضيقة و أطراف وقع إستدراجها ولم تتمكن من تصحيح أدائها السياسي و لم تستدرك أخطائها . و أمام هذا الواقع لا خيار للشباب إلاّ إستعادة الدور الموكول له لتصحيح مسار الثورة . لأن شيوخ السياسة بدوا وكأنهم ينظرون إلى الثورة كعملية إصلاح سياسي و أن الحكومة ستمنحهم بعض المكاسب في إطار محاصصة بتبرير شعاره "التوافق". وهذا ينمّ عن عدم تقدير أن البلاد تعيش ثورة لا بدّ أن تستكمل دون تراجع أو تنازل و دون مغالاة و مزايدة . و لأن الثورة بلغت هذه المرحلة وجب علينا كشباب أن نعمل على التنسيق فيما بيننا من أجل أخذ زمام المبادرة لتنظيم تحركات مسؤولة ومنظمة واضحة المطالب بالتعاون مع جميع الأطراف ما دامت مخلصة و صادقة . فإذا لم نحمي نحن الشباب ثورتنا فلن يحميها بدلا عنا أي طرف بالوكالة . فالشباب عليه أن يعمل على التنسيق من أجل الخروج من حالة الإنتكاسة التي سعت الثورة المضادة إلى تكريسها من خلال عزل الشارع وكسر إرادته بينما غرقت الأحزاب في "كرنفالاتها" و كأن البلاد إستكملت ثورتها وإنتقلت إلى مرحلة التنافس على السلطة و هذا إنحراف عن مسار الثورة التي لم تُسْتَكمل. و على القوى الشبابية الثائرة التعامل بمرونة فيما بينها لأن مصلحة البلاد والثورة تقتضي التنسيق فهو أحد شروط نجاح الثورة . وذلك يفتح الباب أما الشباب بما فيه شباب الأحزاب إذا تحرر من وصاية القيادات الحزبية و الإرتهان للقرارات المركزية التي أثبت الواقع تهاويها. فالبلاد والثورة في حاجة لجميع أبنائها لكن دون إستغلال أي طرف للشارع لتجميل صورته بإستغلال الشباب و الشارع. فالتعاون مع جميع الأطراف ضرورة لكن يأتي ضمن شروط العمل المشترك غير الخاضع لأجندات خاصة و ضيقة . و التنسيق ضرورة و ليس إختيارً يمكن التخلي عنه . لأن التحديات التي تواجه الثورة لا يمكن مواجهتها إلاّ بالتعاون والتنسيق المشترك دون خدمة مصالح أطراف سياسية بعينها بل المبدأ خدمة مصلحة الوطن التي تحتوي مصلحة الجميع . لأن الأطراف السياسية تخلت عن الشارع و تركته وحده يقاوم القمع الذي شهدناه يتصاعد خاصة بعد تصريحات "الراجحي" فالأحزاب كان بإمكانها التدارك لكن الشارع تجاوزها مرة أخرى و إنتصب حاميٍّا لثورته . واليوم عليها أن تقيم أدائها و تعترف بأخطائها و تصارح الشعب وهو الحكم . و لذا فإن القوى الشبابية الثائرة تجد نفسها أمام حقيقة مفادها أن التصدّي للثورة المضادة لا يمكن أن يكون إلاّ بالتنسيق بين كل الأطراف الشبابية و أنّ نجاح الثورة يشترط التعاون بين كل الجهود .